|
الإشكال على الدليل الثالث
أمّا الدليل الثالث فلا يمكن الاستناد إليه أيضاً؛ إذ لا يلزم بيان كلّ حكم في جميع الروايات التي تبيّن ذلك الحكم، بل هناك في الفقه الكثير من الموارد التي تبين المصاديق المختلفة للحكم في روايات متعدّدة. ومن الجدير ذكره أنّ العلّامة الحلّي قد استدلّ لقول الشيخ المفيد في “مختلف الشيعة”، قائلاً: يدلّ القرآن على إرث الزوجة من جميع تركة الميّت دون استثناء، وإنّ تخصيص عمومات الكتاب مخالف لظهور القرآن، وكلّما كان تخصيص عمومات الكتاب أقلّ، كان ذلك أفضل. وقد اتّضح الجواب على هذا الاستدلال من إشكال صاحب “مستند الشيعة” على الدليل الأوّل. الوجه الثاني: في هذا الوجه المستفاد من تقريرات[1] درس الفقيه المتتبّع سماحة آية الله العظمى السيّد حسين البروجردي، تمّ التمسّك بأربعة أمور على النحو الآتي: الأمر الأوّل: إنّ المراد من «العقار» في الروايات هو الدور السكنيّـة، لا سيّما تلك الروايات التي تذكر «العقار» على نحو الإضافة، من قبيل: “عقار الدور”،[2] أو التي تذكر «العقار» منضمّاً إلى أمور أخرى، من قبيل قول الإمام (ع): “فأمّا الأرض والعقارات”.[3] والإشكال في هذا يكون في أنّ للعقار معاني كثيرة، فهناك من اللغويين من قال: إنّ العقار يعني “مطلق الأرض”، وهناك من رأى للعقار معاني أخرى من قبيل: “الضياع” و”متاع البيت”، وكلّ ما له أصل، مثل “الدار”. وعلى هذا الأساس وبالالتفات إلى تعدّد المعاني المذكورة للعقار ـ ومنها ما هو عام، ومنها ما هو خاصّ ـ لا يمكن القول: إنّ المراد من “العقار” في الروايات هو أرض الدار. وعليه، نقول: إذا جاء الاحتمال، بطل الاستدلال. الأمر الثاني: إنّ الروايات المشتملة على كلمة “الرباع” أو “عقار الدور”، تدلّ على أنّ المراد من هذين اللفظين هو الدور السكنيّـة. ويشكل على ذلك بما يلي: أوّلاً: إنّ عدم دلالة هذه الروايات على حرمان الزوجة من مطلق الأرض موقوف على قولنا بحجيّـة مفهوم اللقب، وقد ثبت في محلّه أن لا مفهوم للقب. وثانياً: إنّ الخاصّ والعام الموجبين لا يتعارضان فيما بينهما؛ إذ ورد في هذه الروايات قوله: إنّ الزوجة لا ترث أرض الدار، وقالت الروايات الأخرى: إنّ الزوجة لا ترث من مطلق الأرض. الأمر الثالث: ورد في بعض الروايات تعليل حرمان الزوجة من الإرث بإزعاجها لسائر الورثة، ومن الواضح أنّ هذا التعليل أنسب بحرمان الزوجة من عقار الدور دون مطلق الأرض. ويُشكل على هذا الكلام بما يلي: أوّلاً: إنّ إزعاج الزوجة للورثة ينطبق على سائر الأراضي أيضاً. وثانياً: إنّ عبارة “لئلّا يتزوّجن...” ليست علّة؛ إذ يجب في هذه الحالة أن تجري بالنسبة إلى إرث الزوج من دار الزوجة، وأن يمنع الزوج من أن يرث من دور الزوجة أيضاً. الأمر الرابع: بالالتفات إلى الاختلاف في روايات حرمان الزوجة من تركة الزوج، يجب الاكتفاء بالقدر المتيقّن المستفاد من تلك الروايات، والقدر المتيقّن منها هو عقار الدار، وأمّا في سائر الموارد الأخرى، فيجب التمسّك فيها بعموم آيات الإرث. والإشكال على هذا الكلام هو أنّ القائلين بحرمان الزوجة من مطلق الأراضي إنّما يدّعون ظهور الروايات في حرمان الزوجة من جميع أراضي الزوج، لا أنّهم يشكّون في المراد من هذه الروايات حتّى يُقال: لا بدّ من التمسّك في الموارد المشكوك فيها بعموم آيات الإرث. ---------- [1]. تقريرات ثلاثة(ميراث الأزواج)، تقرير بحث الأستاذ السيّد حسين الطباطبائي البروجردي: 117 ـ 118. حيث نسب حرمان الزوجة من مطلق الأراضي إلى سماحة آية الله العظمى البروجردي، ولكن آية الله العظمى الصافي الكلبايكاني ( دام ظلّه) في تقريراته نقل ميل أستاذه السيّد البروجردي إلى [2]. انظر: وسائل الشيعة 26: 208، الباب السادس، الحديث: 7. [3]. انظر: وسائل الشيعة 26: 206، الباب السادس، الحديث: 3.
|