|
إشكال التعارض ودفعه
ليس هناك من تعارض بين هاتين المجموعتين من الروايات؛ وذلك لأمرين: الأمر الأوّل: أن يقال إنّ كلتا هاتين المجموعتين من الروايات وإن كانت إحداها عامّة والأخرى خاصّة، إلّا أنّها توافق نفي إرث الزوجة من قسم من أموال الزوج (أرض الدار والأراضي العامرة)، وكما أنّ التوافق في الإثبات بين كلامين يوجب رفع التعارض، كذلك الأمر بالنسبة إلى التوافق في النفي أيضاً. من قبيل: “لا تضرب الرجال، ولا تضرب زيداً”، حيث أنّ كلا الصيغتين تشتمل على عدم ضرب زيد. أو “أكرم العلماء وأكر زيداً العالم”. ولو قيل: لا ضرورة لذكر الخاصّ في مثل هذه الموارد؛ لأنّ الأمر بعدم ضرب زيد متحقّق مع وجود العام أيضاً. جوابه: هناك احتمالان في ذكر الخاصّ، وهما: أوّلاً: اشتمال الخاصّ على خصوصيّـة لدى المتكلّم. وثانياً: ما يقال من أنّ الخاصّ يخصصّ العام، وفيما نحن فيه، حيث تكون (الرواية الثامنة عشرة) خاصّة، فإنّها تخصصّ الروايات الدالّة على الحرمان من مطلق الأرض، ويتمّ تقديم الخاصّ على العام، ويتمّ رفع التعارض والعمل بالرواية الخاصّة. بيد أنّه لا شيء من هذين الاحتمالين يمكنه رفع التعارض بين هاتين المجموعتين من الروايات. عدم تماميّـة الاحتمال الأوّل: إنّ استثناء إرث الزوجة من بعض أموال الزوج ـ كما تقدّمت الإشارة إليه في معرض مناقشة الاستدلال ببعض الروايات ـ إنّما هو استثناء من عموم قوله تعالى: (وَلَهـُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)،[1] و(فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)،[2] وفهم العقلاء لمفهوم الإرث (شمول الإرث لجميع تركة الميّت)، وكذلك الاستثناء من قول العامّة (عدم حرمان الزوجة من جميع أموال الزوج). وعليه، فإنّ هذا النوع من الاستثناء الصادر من جهة المشرّع والمقنّن، يدلّ على حصر المستثنى؛ يعني أنّ حرمان الزوجة من بعض أصناف الأرض (أرض الدار والأراضي العامرة) يثبت أنّ الشارع قد اكتفى بمجرّد حرمان الزوجة من هذه الموارد المستثناة من العمومات، وستبقى سائر الموارد الأخرى من الأموال تحت شمول عمومات إرث الزوجة من جميع تركة الزوج. وإن كان مراد الشارع موارد ومصاديق أخرى أيضاً، وجب عليه أن يذكرها أيضاً. من هنا لا يكون ذكر هذه الروايات من باب ذكر الخاصّ بعد العام، كي تكون من الروايات المتوافقة، بل كلتا المجموعتين من هاتين الروايات قد صدرت في عرض بعضها، فتكونان متعارضتين. أمّا عدم تماميّـة الاحتمال الثاني: إنّ لازم تخصيص روايات الحرمان المطلقة بهذه الروايات هو تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ إذ أنّ هذه الروايات قد صدرت في زمن الصادقين (ص)، وكما سبق أن ذكرنا فإنّه بالالتفات إلى ظروف وشرائط ذلك العصر، ومشقّة الوصول إلى الأئمّة (ع)، وأنّهم كانوا في مقام بيان أحكام الله، فإنّ بيان العام دون بيان الخاصّ في زمن واحد، وترك بيان الخاصّ إلى زمن الإمام اللاحق يؤدّي إلى تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح، لا سيّما إذا صدر من الشارع الحكيم والمقنّن. ---------- [1]. النساء: 12. [2]. النساء: 12.
|