|
بين يدي الكتاب
نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر و هو أوّل كتاب صنّف في القواعد الفقهيّة، و خاصّ بالمسائل التي لها عدد، و نقل فيه عن كتاب الشرائع للصدوق. يقول صاحب روضات الجنّات في وصف هذا الكتاب : «كتاب لطيف في الفقه ينوف على ثلاثة آلاف بيت تقريباً».[61] في هذا الكتاب جمعت موضوعات تشترک في الحكم، وقد أقرّ بذلک المصنّف في المقدّمة حيث يقول : «اعلم أنّي قد صنّفت لک هذا الكتاب وجمعت فيه بين الحكم ونظائره وسمّيته نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر». يقصد المؤلّف من الأشباه و النظائر، المسائل المختلفة المشتبة الموزعة في أبواب الفقه و لو كان فيها شبهما، و يجمعها ذلک الشبه بلا ذكر القواعد الكلّية، بل ربما تستفاد تلک المسائل من قواعد شتّى لايرتبط بعضها ببعض. و هذا العمل ليس بخاصّة في الفقه، بل شائع في بقيّة العلوم، كما فعل هذا السيوطي في النحو و غيره. و مع هذا، هو كتاب مختصر خال من التعقيدات الفقهيّة، ليس بالمطوّل الذي يملّ على القارئ ولابالمختصر الذي يفوته شيء من المسائل الأهمّ في غرض تصنيفه و تأليفه. تناول الكتاب للأبواب الفقهيّة من الطهارة إلى الديات و طريقته أن يأتي بكلمة «فصل»، ثمّ يسرد كلّ ما يمكن أن يكون بينه شبه ما في الحكم من الأحكام الشرعيّة الفرعيّة، فيعدّ واحداً واحداً بصورة مختصرة حتّى يأتي على الجميع، و في بعض الأحيان قام مقام المستدلّ. نسبة الكتاب و قد وقع الاختلاف في انتسابه إليه، و صنّف في الأشباه و النظائر كتباً و بعد الاستقصاء تبيّن لنا كلّها صنّفت بعد هذا التصنيف. قال الطهراني في تعريف الكتاب : «نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه و النظائر المنسوب إلى الفقيه نجيب الدين يحيى الأصغر بن أحمد بن يحيى الأكبر بن الحسن بن سعيد الهذلي ولاء ابن عمّ المحقّق الحلّي و مؤلّف جامع الشرائع. قال في الرياض: إنّه رآى منه نسخة تاريخها 476 هـ . كتبت عليها: أنّها تأليف مهذّب الدين الحسين بن محمّد بن عبد اللّه 1، واستظهر صاحب الرياض بأنّه مهذّب الدين حسين بن ردة النيلي من مشايخ السيّد يوسف بن علىّ، والد العلّامة الحلّي. قال: والنسخة المنسوبة إلى مهذّب الدين لها ديباجة طويلة و قد كتبها لولده، و أمّا النسخة المنسوبة إلى يحيى بن سعيد فليس لها هذه الديباجة، أوّلها: «الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة على رسوله محمّد و آله أجمعين. اعلم أنّي قد صنّفت لک هذا الكتاب و جمعت فيه بين الحكم و نظيره، و سمّيته نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر...»، و بعد ذلک لاتفاوت بين النسختين في سائر المطالب. انتهى كلام صاحب الرياض. أقول: و نسبة الكتاب إلى رجل متوفّى قبل المؤلّف بستّة عشر سنة بعيد للغاية، فالظاهر أنّ يحيى بن سعيد كان قد استحسن الكتاب فاستنسخ منه المهمّ وأسقط الديباجة الطويلة و ما كتب اسم المؤلّف لعدم علمه به، فمن رأى النسخة بخطّه نسبه إليه بزعم أنّه المؤلّف، و قد رأيت عين هذه النسخة عند الشيخ هادي كاشف الغطاء، و أخرى عند الشيخ أسد اللّه الزنجاني، و ثالثة عند حفيد اليزدي. و جاء في الفصل الأوّل: «العبادة كلّ فعل مشروع لا يجزى إلّا بنيّة التعظيم و التذلّل للّه سبحانه و تعالى. و حدّها الشيخ محمود بن عمر الخوارزمي في كتاب الحدود بأنّها نهاية التعظيم والتذلّل لمن يستحقّ ذلک بأفعال ورد بها الشرع... . وفصّل شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي...، و قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن علىّ الطوسي المتأخّر في الوسيلة ...». و جاء في الفصل الأخير منه: «لايجب الدية في ثلاثين موضعاً... رجل أخذ في وسط الطريق ...». و هو مرتّب على أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات في 79 باباً، رأيت على ظهر بعض النسخ بخطّ غير كاتبه: «أنّه نزهة الناظر تصنيف محمّد بن الحارث الجزائري»، و لعلّه أراد كتاباً آخر. و على أىّ، فما على ظهر المطبوع منه في صفر 1318 هـ . من نسبتها إلى المحقّق الحلّي جعفر بن سعيد خطاء محض، بل هو تأليف مهذّب الدين و كتابة يحيى بن سعيد ابن عمّ المحقّق، كما في الرياض.»[62] و على هذا، لا إشكال في الانتساب إليه، و كلّ الإشكال كماترى، و كلّ من صنّف في هذا النمط الطريف ـ مع ملاحظة تاريخ وفياتهم ـ أنّ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد هو أقدم عصراً، بل دهراً. و من هنا نستنتج أنّه أوّل من ألّف في موضوع هذا الكتاب و لم يسبقه أحد من العلماء الإماميّة و لا أهل السنّة في الكتابة بعنوان الأشباه و النظائر في الفقه. و هذا الكتاب مع صغر حجمه و قيام المؤلّف لخلوّه عن الاستدلال، مع هذا ورد فيه بعض الموارد الاستدلاليّة، فيذكر المصنّف في بعض المسائل روايات الواردة فيها، و بعض أقوال الأكابر من الفقهاء و صار بين الأقوال بين الأخذ و الردّ. و أكثر ما يستدلّ به من الروايات، الواردة في كتابي الفقيه و التهذيب، و الآراء بآراء ابن بابويه و الشيخ الطوسي 0. طبعاته الأولى : طبع هذا الكتاب لأوّل المرّة في طهران سنة 1318 هـ .ق ـ على ما قيل في مقدّمة طبعة النزهة الناظر للسيّد أحمد الحسيني ـ، و هي لم تصل بأيدينا و لم نطّلع عليها، و كان هذا الكتاب في 171 صفحة بقطع صغير، و كان في غاية السقم، ردىّء الطبع، كثير الأخطاء، مشوّق العبارات. الثانية : قامت بنشرها مطبعة الآداب بالنجف الأشرف في سنة 1386 هـ، وبالاُفست عنها في منشورات الرضي في قم ـ إيران في شهر ربيع الأوّل من سنة 1394 هـ، و هي بتحقيق السيّد أحمد الحسيني والشيخ نورالدين الواعظي، و فيها أخطاء و نواقص من حيث أغلاط الطبعة في الكتاب و مصادر التحقيق في الهامش أوّلاً. و ثانياً: إهمال تخريج الروايات والأقوال كثيراً ما في الكتاب و ثالثاً: اكتفي في تخريج الروايات و الأحاديث الشريفة بمصدر واحد، ولو كان موجوداً في أكثر منه، مضافاً بأنّ المجاميع الروائيّة الحديثيّة ـ كوسائل الشيعة ـ أكثراستعمالاً للباحثين والمدرّسين في هذه الفنّ. و لهذا كان علينا بمجيءها في الكتب التراثيّة. و رابعاً: قد أسقط في بعض الأحيان علائم الترقيم، أو استعملها على خلاف القاعدة. و لمّا كانت علائم الترقيم وضعت لتسهيل فهم النصّ على القارئ، و إيصال ما أراده الكتاب إليه، و تزيين النصّ فاستعمالها على خلاف ذلک يفقد الفائدة منها و يؤثّر على إجماله، بالإضافة إلى صعوبة فهمه. و غيرها من الأقساط والأخطاء التي يملّ القارئ من سَردها. ولكن بالرغم من كلّ ذلک، فقد استفدنا من هذه الطبعة كثيراً، و بأخذها و ضمّها إلى النسخ الستّة التي اعتمدنا في تصحيح الكتاب و تحقيقه. نسأل اللّه سبحانه الرحمة والغفران لمحقّقهما. و لهذه الاُمور كلّها ارتأينا تحقيق الكتاب من اُسلوب والنمط الجديد. و نلتمس العذر من القارئ الكريم فيما يجده من نواقص و عيوب في عملنا هذا. ===========
|