|
القائلون بالحليّة
قال الشيخ في النهاية : « لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر ، وهو أن ينقع التمر أو الزبيب ثمّ يشربه وهو حلو قبل أن يتغيّر » . قال: « ويجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك ، ويأخذ عليه الاُجرة ، ويسلّمها إليه قبل تغيّرها »[1] . وإطلاق كلامه يقتضي حلّ نقيعي الزبيب والتمر عنده وإن حصل فيها الغليان ولم يذهب منها الثلثان ، كسائر الأشربة غير العصير العنبي . وقال ابن البرّاج في المهذّب : « ويجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر ، مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المرّ أو المالح وينقع فيه إلى أن يحلو ، فإن تغيّر لم يجز شربه »[2] . وقال ابن حمزة في الوسيلة : « إنّ النبيذ هو أن يطرح شيء من التمر أو الزبيب في الماء ، فإن تغيّر كان في حكم الخمر ، وإن لم يتغيّر جاز شربه والتوضّؤ به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء »[3] . وظاهرهما إناطة التحريم في النقيعين بالإسكار دون غيره . وقال ابن إدريس : « فأمّا العصير العنبي[4] فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه ، فإن لحقه طبخ قبل نشيشه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه حلّ شرب الثلث الباقي ، فإن لم يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه كان حراماً . وكذلك القول فيما ينبذ من الثمار في الماء أو اعتصر من الأجسام في الأعمال[5] في جواز شربه ما لم يتغيّر ، فإن تغيّر بالنشيش لم يشرب »[6] . وظاهره اختصاص التحريم بعصير العنب ، وتوقّف الحرمة فيما عداه مطلقاً على الإسكار ، نيّاً كان أو مطبوخاً . وقال المحقّق في الشرائع في كتاب الحدود : « أمّا التمر إذا غلى ولم يبلغ حدّ الإسكار ففي تحريمه تردّد ، والأشبه بقاؤه على التحليل حتّى يبلغ الشدّة المسكرة . وكذا البحث في الزبيب إذا نقع في الماء فغلى من نفسه أو بالنار ، والأشبه أ نّه لا يحرم ما لم يبلغ الشدّة المسكرة »[7] . وقال العلاّمة في كتاب الحدود من القواعد : « وأمّا التمر إذا غلى ولم يبلغ حدّ الإسكار ففي تحريمه نظر . وكذا الزبيب إذا نقع في الماء[8] فغلى من نفسه أو بالنار ، والأقرب البقاء على الحلّ ما لم يبلغ الشدّة المسكرة »[9] . وقال في حدود التحرير : « والتمر إذا غلى ولم يبلغ حدّ الإسكار فالأقرب بقاؤه على التحليل حتّى يبلغ الشدّة المسكرة . وكذا الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار »[10] . وفي حدود الإرشاد : « ولو غلى التمر والزبيب ولم يسكر فلا تحريم »[11] . وقال الشهيد في اللعمة : « ويحرم العصير العنبي إذا غلى حتّى يذهب ثلثاه ، أو ينقلب خلاّ ، ولا يحرم من الزبيب[12] على الأقوى »[13] . قال في الدروس : « ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش ، فيحلّ طبيخ الزبيب على الأصحّ ؛ لذهاب ثلثيه بالشمس غالباً ، أو خروجه[14] عن مسمّى العنب . وحرّمه بعض مشايخنا المعاصرين ، وهو مذهب بعض فضلائنا المتقدّمين ؛ لمفهوم رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى (عليه السلام) ، حيث سأله عن الزبيب ، يأخذ ماؤه فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه ، فقال : « لا بأس »[15] . قال[16] : « وأمّا عصير التمر فقد أحلّه بعض الأصحاب ما لم يسكر . وفي رواية عمّـار أ نّه سأل الصادق (عليه السلام) عن النضوح كيف يصنع به حتّى يحلّ ؟ قال : « خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر»[17] »[18] . والمراد بالنشيش في كلامه ما يوجب الإسكار ، أو غليان ماء الزبيب بنفسه ، بقرينة تصريحه بحلّ طبيخ الزبيب . ويؤيّد الثاني ما ذكره في مسألة الفقاع متّصلا بذلك أنّ « في رواية شاذّة حلّ ما لم يغلّ منه » . قال : « وهي تقيّة ، أو محمولة على ما لم يسمّ فقّاعاً ، كماء الزبيب قبل غليانه . ففي رواية صفوان عن الصادق (عليه السلام) : حلّ الزبيب إذا نقع غدوة وشرب بالعشاء ، أو نقع بالعشاء وشرب غدوة »[19] . ويستفاد من كلامه أنّ ماء الزبيب إذا غلى بنفسه فهو فقّاع محرّم ، لا يحلّ شربه وإن ذهب ثلثاه ، ولذا خصّ الحلّ بطبيخ الزبيب ، وجعل النزاع فيه دون المعتصر منه مطلقاً . وقال المقداد في التنقيح : « أمّا عصير الزبيب إذا لم يسكر فالأقرب بقاؤه على الحلّ ، وإن غلى مع احتمال أن يكون كعصير العنب ؛ لأ نّه عنب قد جفّ ، والعمل على الأوّل » . قال : « وكذا عصير التمر غير المسكر الأقوى حلّه »[20] . وقال ابن فهد في كتاب الأطعمة والأشربة من المهذّب البارع : « وهذا الحكم ـ أي التحريم بالغليان ـ يختصّ بعصير العنب دون التمر ، على الأصحّ ، وكذا الزبيب ، إلاّ أن يسكر أو يضاف إليه من الحوائج ما يصيّريه فقّاعاً »[21] . وقال الصيمري في تلخيص الخلاف : « والمعتمد تحريم العصير إذا غلى بأن ينقلب أسفله أعلاه ، سواء غلى من نفسه أوبالنار ، إلاّ أن يذهب ثلثاه ، فيحلّ . وكذا إذا انقلب خلاّ ، أمّا غير العصير فلا يحرم إلاّ إذا حصلت فيه الشدّة المسكرة »[22] . والظاهر أ نّه أراد بالعصير العصير العنبي ، فيكون المراد ممّـا عداه ما يعمّ الزبيبي والتمري ، فيتوقّف تحريمهما عنده على السكر كسائر الأشربة . وقال القطيفي في كتابه المسمّى «الهادي إلى الرشاد في بيان مجملات الإرشاد» عند حكم العلاّمة بنجاسة العصير : « المراد بالعصير في عبارات الأصحاب عصير العنب ، فلا يدخل عصير التمر والرطب قطعاً ، فلا تحريم ولا نجاسة . وفي عصير الزبيب تردّد من أصالة البراءة ومن أ نّه عنب قد جفّ ، وعدم لحوق الحكم أقوى »[23] . وقال الشهيد الثاني في المسالك : « والحكم ـ أي التحريم بالغليان ـ مختصّ بعصير العنب ، فلا يتعدّى إلى غيره ، كعصير التمر[24] ؛ للأصل ، ولا إلى عصير الزبيب على الأصحّ ؛ لخروجه عن اسمه وذهاب ثلثيه وزيادة بالشمس . وحرّمه بعض علمائنا استناداً إلى المفهوم من رواية عليّ بن جعفر »[25] . وقال في الروضة : « ولا يحرم العصير من الزبيب على الأقوى ؛ لخروجه عن مسمّى العنب ، وأصالة الحلّ ، واستصحابه ، خرج عنه عصير العنب إذا غلى بالنصّ ، فيبقى غيره على الأصل . وذهب بعض الأصحاب إلى تحريمه ؛ لمفهوم رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) »[26] . وقال في الروض : « والحكم مخصوص بعصير العنب ، فلا يلحق به عصير التمر وغيره حتّى الزبيب ـ على الأصحّ ـ ما لم يحصل فيه خاصّة الفقاع ؛ للأصل ، وخروجه عن مسمّى العنب ، وذهاب ثلثيه بالشمس ، فيحلّ طبيخه ، خلافاً لجماعة من الأصحاب ، محتجّين بمفهوم رواية عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) »[27] . وقال في شرح الرسالة : « ولا يلحق به ـ أي بعصير العنب ـ عصير التمر وغيره إجماعاً ، ولا الزبيب على أصحّ القولين ؛ للأصل ، وضعف متمسّك القائل بالإلحاق »[28] . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. النهاية : 592 ـ 593 ، مع تفاوت يسير . [2]. المهذّب 2 : 433 . [3]. الوسيلة : 365 . [4]. في المصدر : عصير العنب . [5]. في المصدر: من الأعمال . [6]. السرائر 3 : 129 . [7]. شرائع الإسلام 4 : 156 . [8]. في المصدر : نقع بالماء . [9]. قواعد الأحكام 3 : 550 . [10]. تحرير الأحكام 5 : 344 . [11]. إرشاد الأذهان 2 : 180 . [12]. زاد في المصدر : وإن غلى . [13]. اللمعة الدمشقيّة : 219 (كتاب الأطعمة والأشربة) . [14]. في المصدر : وخروجه . [15]. الكافي 6 : 421 ، باب الطلاء ، الحديث 10 ، مع اختلاف ، ورواه الشيخ عن محمّد بن يعقوب في التهذيب 9 : 142 / 522 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 258 ، وسائل الشيعة 25 : 295 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 8 ، الحديث 2 . [16]. أي : الشهيد في الدروس . [17]. التهذيب 9 : 135 / 501 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 237 ، وسائل الشيعة 25 : 373 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 32 ، الحديث 2 . [18]. الدروس الشرعيّة 3 : 16 ـ 17 . [19]. الدروس الشرعيّة 3 : 16 . والخبر منقول بالمضمون ، فهو مرويّ في الكافي 6 : 408 ، باب أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)حرّم كلّ مسكر قليله وكثيره ، الحديث 7 ،، ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد في التهذيب 9 : 129 / 483 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 219 ، وسائل الشيعة 25 : 337 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 17 ، الحديث 3 . [20]. التنقيح الرائع 4 : 368 . [21]. المهذّب البارع 4 : 245 . [22]. تلخيص الخلاف 3 : 264 . [23]. الهادي إلى سبيل الرشاد (مخطوط ) . [24]. زاد في المصدر : ما لم يسكر . [25]. مسالك الأفهام 12 : 76 . ورواية علي بن جعفر وردت في الكافي 6 : 421 ، باب الطلاء ، الحديث 10 ، وسائل الشيعة 25 : 295 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 8 ، الحديث 2 . [26]. الروضة البهيّة 7 : 321 . [27]. روض الجنان 1 : 439 . [28]. راجع: المقاصد العليّة : 144 .
|