|
تحريم عصير العنب بعد الغليان وقبل ذهاب ثلثيه
أطبق علماؤنا ـ رضوان الله عليهم على تحريم عصير العنب بالغليان ، وعود الحلّ إليه إذا ذهب منه الثلثان . وقد ورد بذلك عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) نصوص مستفيضة كادت تبلغ حدّ التواتر ، فمن تلك الجملة : أحاديث العصير ، نحو : ما رواه ثقة الإسلام الكليني ، والشيخ ، في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه »[1] . وعن ذريح المحاربي ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول : « إذا نشّ العصير أو غلى حرم »[2] . وعن حمّـاد بن عثمان* ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « لا يحرم العصير حتّى يغلي »[3] . وما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : « إنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال »[4] . وعن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : « لمّـا هبط نوح (عليه السلام) من السفينة غرس غرساً ، فكان فيما غرس الحبلة ، ثمّ رجع إلى أهله فجاء إبليس فقلعها ، ثمّ إنّ نوحاً عاد إلى غرسه فوجده على حاله ، ووجد الحبلة قد قلعت ، ووجد إبليس عندها ، فأتاه جبرائيل (عليه السلام)فأخبره : إنّ إبليس لعنه الله قلعها ، فقال نوح (عليه السلام) : ما دعاك إلى قلعها ؟ فوالله ما غرست غرساً أحبّ إليّ منها ، ووالله لا أدعها حتّى أغرسها . فقال إبليس لعنه الله : * . جاء في حاشية المخطوطات : « لا يخفى أنّ وصف روايتي ابن سنان المنقولتين من طريق الكافي بالصحّة ، وكذا رواية حمّـاد وبعض الأخبار الآتية مبنيّ على توثيق إبراهيم بن هاشم ، كما اختاره المتأخّرون ، وعلى المشهور فهذه الأخبار وإن لم تعد من الصحاح إلاّ أ نّها حسنة في أعلى مراتب الحسن . وفي طريق رواية ذريح الحسن بن علي بن فضّال ، واختلف في حديثه[5] ، فقيل : إنّه صحيح[6] ، وقيل : بل موثّق[7] ، والصحيح هو الأوّل ، والوصف بالصحّة مبنيّ عليه ، ولا تغفل » . منه(قدس سره) . أنا والله لا أدعها حتّى أقلعها . فقال : اجعل لي منها نصيباً ، فجعل له الثلث فأبى أن يرضى ، فجعل له النصف فأبى أن يرضى ، وأبى نوح أن يزيده ، فقال جبرائيل(عليه السلام)لنوح(عليه السلام) : يا رسول الله أحسن ، فإنّ منك الإحسان ، فعلم نوح أ نّه قد جعل له عليها سلطاناً ، فجعل نوح له الثلثين . قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب حينئذ ، فذاك نصيب الشيطان »[8] . وهذه الروايات وإن لم يكن أكثرها نصّاً في العصير العنبي ، إلاّ أنّ إرادته في ضمن العموم مقطوع بها ؛ لكونه أظهر أفراد العصير ، وللإجماع على عدم إرادة غيره منها بالخصوص . وربما ادّعى بعض الأصحاب[9] أ نّ العصير اسم لخصوص ماء العنب ، وعلى هذا فهي نصّ في المطلوب ، لكنّ التخصيص محلّ نظر ، والأصحّ عدم الاختصاص ، كما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى[10] . ومنها : الأخبار الواردة في البُختُج* ، نحو ما رواه الشيخان ، في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن البختج ، فقال : « إذا كان حلواً يخضب الإناء ، وقال صاحبه : قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فاشربه »[11] . وعن معاوية بن عمّـار ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة * . جاء في حاشية المخطوطات : « البُختُج : بالباء الموحّدة والخاء المعجمة الساكنة والتاء المثنّاة من فوق والجيم ، والمضبوط ضمّ أوّله وثالثه » . منه (قدس سره) يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعلم أ نّه يشربه على النصف أفأشربه بقوله ، وهو يشربه على النصف ؟ فقال : « لا تشربه » . قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه ، يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف ، يخبرنا أنّ عنده بختجاً[12] قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، نشرب منه ؟ قال : « نعم »[13] . وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا ، فقال: « إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله ، أو قال : اشربه »[14] . والتقريب في هذه الأخبار نظير ما تقدّم آنفاً في أخبار العصير ؛ فإنّ البختج على ما صرّح به ابن الأثير هو العصير المطبوخ ، قال : « وأصله بالفارسيّة: مي بخته[15] ، أي عصير مطبوخ »[16] . ومنها : روايات الطلاء* ، نحو ما رواه نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفّين * . جاء في حاشية المخطوطات : « قال الجوهري في الطلاء : « إنّ العجم تسمّيه الميبختج » [17]. وظاهره أنّ البختج هو الطلاء ، وعلى هذا فتكون هذه الروايات نصّاً في العصير العنبي ، كروايات الطلاء . وقد يستفاد من هذا ومن الذي قاله ابن الأثير أنّ العصير هو خصوص ماء العنب ، فتدبّر » . منه (قدس سره) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه كتب إلى الأسود بن قطبة : « واطبخ للمسلمين من قبلك من الطلاء ما يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه[18] »[19] . وما رواه الكليني في الصحيح ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام »[20] . وفيما يقرب من الصحيح عنه ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إذا زاد الطلاء على الثلث اُوقية فهو حرام »[21] . وما رواه عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)يقول ، وقد سئل عن الطلاء ، فقال : « إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحدة فهو حلال ، وما كان دون ذلك فليس فيه خير »[22] . وهذه الروايات نصّ في عصير العنب ؛ فإنّ الطلاء هو المطبوخ منه ، كما صرّح به الجوهري[23] ، وابن الأثير[24] ، وغيرهما[25] من أئمّة اللغة . وفي دعائم الإسلام قال : « وقد روينا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه كان يروق الطلاء ، وهو ما طبخ من عصير العنب حتّى يصير له قوام كقوام العسل »[26] . وقد تكرّر ذكر الطلاء في أخبار الفريقين ، واتّفق علماؤنا على تحريمه ما لم يذهب ثلثاه ، كما أشرنا إليه . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. الكافي 6 : 419 ، باب العصير الذي قد مسّته النار ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 140 / 516 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 252 ، وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 . [2]. الكافي 6 : 419 ، باب العصير ، الحديث 4 ، التهذيب 9 : 140 / 515 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 251 ، وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 . [3]. الكافي 6 : 419 ، باب العصير ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 140 / 513 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 249 ، وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 1 . [4]. الكافي 6 : 420 ، باب الطِّلاء ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 25 : 277 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المباحة ، الباب 32 ، الحديث 2 . [5]. وهذا الاختلاف راجع إلى كونه فطحي المذهب ، فانظر: الفهرست ( للشيخ ) : 92 ، الرقم 391 ، نقد الرجال 3 : 245 . [6]. ممّن عدّ حديثه من الصحاح : الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 5 : 8 ، و 5 : 146 ، والوحيد البهبهاني في مصابيح الظلام 3 : 43 . [7]. ممّن عدّ هذا الخبر من الموثّقات : الشهيد الثاني في مسالك الأفهام 13 : 74 ، والمحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد : 155 ، السطر 9 . [8]. الكافي 6 : 394 ، باب أصل تحريم الخمر ، الحديث 3 ، بتفاوت يسير ، وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 . [9]. هو العلاّمة في تحرير الأحكام 1 : 309 . [10]. راجع : الصفحة 319 . [11]. الكافي 6 : 420 ، باب الطلاء ، الحديث 6 ، التهذيب 9 : 142 / 523 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 259 ، وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 3 . [12]. زاد في المصدر : على الثلث . [13]. الكافي 6 : 421 ، باب الطلاء ، الحديث 7 ، التهذيب 9 : 142 / 526 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 262 ، وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 4 . [14]. الكافي 6 : 420 ، باب الطلاء ، الحديث 4 ، التهذيب 9 : 142 / 524 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 260 ، وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 1 . [15]. بالفارسيّة يقولون: مَى پُخْتِه . [16]. النهاية (لابن الأثير ) 1 : 101 ، «بخت » . [17]. الصحاح 6 : 2414 ، «طلا» . [18]. «ويبقى ثلثه» لم يرد في المصدر . [19]. وقعة صفين : 106 ، مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأشربة والأطعمة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 . [20]. الكافي 6 : 420 ، باب الطلاء ، الحديث 3 ، ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب في التهذيب 9 : 141 / 519 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 255 ، وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 8 . [21]. الكافي 6 : 421 ، باب الطلاء ، الحديث 9 ، ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب في التهذيب 9 : 141 / 520 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 256 ، وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 9 . [22]. الكافي 6 : 420 ، باب الطلاء ، الحديث 1 ، وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 6 . [23]. الصحاح 6 : 2414 ، «طلا» ، وفيه: «والطلاء: ما طبخ من عصير العنب ، حتّى ذهب ثلثاه » . [24]. النهاية (لابن الأثير) 3 : 137 ، «طلا» . [25]. راجع : لسان العرب 8 : 194 ، «طلي » . [26]. دعائم الاسلام 2 : 128 ، وفيه بدل «كقوام العسل» : «كما وصفنا» ، مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأشربة والأطعمة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .
|