|
مصباح 4 : في تحريم عصير العنب النيّ إذا بلغ حدّ الإسكار
أجمع المسلمون كافّة على تحريم عصير العنب النيّ ، وثبوت الحدّ فيه إذا بلغ حدّ الإسكار ، سواء قلّ أم كثر ، أسكر أم لم يسكر ، وهذا هو الخمر* المعلوم تحريمه بنصّ الكتاب[1] ، والضرورة من دين الإسلام. وذهب أصحابنا الإماميّة إلى أنّ كلّ شراب أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام ، يجب به الحدّ ، أسكر أو لم يسكر ، نيّاً كان أو مطبوخاً ، اتّخذ من العنب أو غيره ، كالنقيع من الزبيب ، والنبيذ من التمر ، والسكر من الرطب ، والفضيخ من البسر ، والبتع من العسل ، والجعة من الشعير ، والمرز من الذرة* * ، وغيرها من الأشربة المسكرة . * . جاء في حاشية المخطوطات : « الخمر يذكّر ويؤنّث ، والغالب عليه التأنيث ، صرّح بذلك أئمّة اللغة[2]وغيرهم[3] ». منه (قدس سره) . * * . جاء في حاشية المخطوطات : « السَّكَر ، بالمهملات ، والتحريك بالفتح : نبيذ الزبيب ، ويطلق على ر وهذا الحكم من ضروريّات مذهبنا ، وقد تواتر بذلك النقل عن أهل البيت (عليهم السلام)[4] . ووافق الإماميّة على ذلك الشافعي ، وأحمد ، ومالك ، والثوري ، والليث بن سعد ، وجمهور أهل الخلاف[5] ؛ للأخبار التي رووها في صحاحهم عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في تحريم قليل ما أسكر كثيره من كلّ شيء[6] ، وقد أخرجها ابن حنبل عن عشرين صحابيّاً[7] ، ومنهم من زاد على ذلك[8] . ولأنّ الخمر حرّمت بالمدينة ، وما فيها خمر عنب ، وانتهى المسلمون بتحريمها عمّـا كانوا يشربون من الأنبذة ، واُكفيت الأشربة يوم تحريمها بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، طكلّ مسكر[9] . والفضيخ ـ كأمير ـ بالفاء والضاد المعجمة والياء المثنّاة التحتانية والخاء المعجمة : من الفضخ ، وهو الكسر ، نبيذ البسر ، ويقال على عصير العنب . والبتع بالباء الموحّدة المكسورة والتاء الساكنة بعدها المهملة وقد يفتح ثانيه : نبيذ العسل . والجعة ـ كعدة ـ بالجميم والعين المهملة ، من الوجع : نبيذ الشعير . والمزر ، بكسر الفاء وإسكان الزاء المعجمة وبعدها راء المهملة : نبيذ الذرة ، ونبيذ الشعير أيضاً » . منه (قدس سره) . وكان أكثر ما اُكفي يومئذ الفضيخ ، ولذا سمّي المسجد الذي قعد فيه النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذ ذاك بمسجد الفضيخ[10] ؛ لما اُريق من الفضيخ بجنبه . ولأنّ المسكرات أشربة توقع العداوة والبغضاء بين الناس ، وتصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، فكانت محرّمة كالخمر إن لم تكن خمراً . وخالف في ذلك أبو حنيفة* ، فأحلّ المسكر من كلّ شيء عدا عصير العنب ، ونقيعي التمر والزبيب ، وأحلّ من العصير ما طبخ على الثلث ، ومن النقيعين المطبوخ مطلقاً . ووافقه على ذلك صاحباه أبو يوسف ومحمّد بن الحسن ، لكن اشترط محمّد في حلّ الثلاثة طبخها على الثلث ، واستثنوا من المطبوخ القدر الذي يتعقّبه الإسكار ، فلو شرب عشرة وسكر بالعاشر اختصّ التحريم به عندهم دون ما قبله . وقد خالفوا بذلك الكتاب والسنّة ، وما هم عليه من أمر القياس مع كونه جليّاً في هذه المسألة ، تشهّياً وطلباً للرخصة ، وقد شنع عليهم في ذلك علماء العامّة فضلا عن الخاصّة ، والتشاغل بمثله غير مهمّ . * . جاء في حاشية المخطوطات : في فتح الباري : « حكى الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي حنيفة أ نّه قال : الخمر حرام قليلها وكثيرها ، والمسكر من غيرها حرام ، وليس كتحريم الخمر ، والنبيذ المطبوخ لا بأس به من أيّ شيء كان ، وإنّما يحرم القدر الذي يسكر . وعن أبي يوسف لا بأس بالنقيع من كلّ شيء وإن غلا إلاّ الزبيب والتمر. قال: وكذا حكاه محمّد عن أبي حنيفة . وعن محمّد: ما أسكر كثيره فأحبّ إليّ أن لا أشربه ولا اُحرّمه»[11] . انتهى. والذي حكيناه هو المشهور عنه ، وهو الذي يستفاد من القدوري[12] والوقاية[13] وغيرهما من كتب الحنفيّة[14] ». منه (قدس سره) . وتحريم الخمر وغيرها من المسكرات لا يختصّ بالشرب ، بل يعمّ جميع أنواع التناول ولو بمزجها في الأغذية والأدوية ، ويتعلّق الحدّ بذلك كلّه إجماعاً منّا . ولا يجوز بيع الخمر وشراؤها ولا التكسّب بها بإجماع المسلمين ، والنصوص الواردة من الطريقين[15] . وفي حكمها سائر المسكرات عندنا وعند من حرّمها منهم . وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) : « إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه »[16] . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. يعني به قوله تعالى في سورة المائدة ( 5 ) : 90 . [2]. القاموس المحيط 2 : 23 ، باب الراء ، فصل الخاء ، «الخمر» ، المصباح المنير : 181 ، لسان العرب 4 : 211 ، «خمر » . [3]. انظر : معجم المصطلحات والألفاظ الفقهيّة 2 : 55 . [4]. راجع : وسائل الشيعة 3 : 468 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 . [5]. حلية العلماء 8 : 93 ، كفاية الأخيار 2 : 115 ، شرح معاني الآثار 4 : 213 . وانظر : الخلاف (للطوسي) 5 : 474 ، المسألة 2 . [6].السنن الكبرى (للبيهقي) 132 : 83 ، كتاب الأشربة ، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام ، سنن أبي داود 2 : 352 ، باب النهي عن المسكر ، الحديث 3681 ، سنن ابن ماجة : 578 ، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام ، سنن الترمذي 7 : 66 ، باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام ، سنن الدارقطني 4 : 250 ، باب الأشربة وغيرها ، الحديث 22 ـ 61 ، سنن النسائي : 1254 ، باب تحريم كلّ شراب أسكر كثيره . [7]. مسند أحمد بن حنبل 2 : 569 ، الحديث 6569 ، عن عبد اللّه بن عمرو ، و 5 : 110 ، الحديث 14709 ، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، و 2 : 401 ، الحديث 5652 ، عن عبد اللّه بن عمر ، و 4 : 224 ، الحديث 1200 ، عن أنس بن مالك ، و 9 : 344 ، الحديث 24477 ، عن عائشة. هذا ما وجدنا في مسند أحمد بن حنبل . وانظر : الخلاف 5 : 479 ـ 481 . [8]. أخرجه الدارقطني في سننه 4 : 250 ، باب الأشربة وغيرها ، الحديث 22 ـ 61 ، عن علي (عليه السلام) ، وعائشة ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد اللّه بن عمرو ، وخوّات بن جبير الأنصاري ، وابن عبّاس ، وعبد اللّه بن عمر. [9]. لسان العرب 6 : 306 ، «سكر» . قال فيه : « السكر: الخمر المعتصر من العنب » . [10]. تفسير القمّي 1 : 181 . [11]. فتح الباري 10 : 36 . [12]. الكتاب (مختصر القدوري) 1 : 188 . [13]. وقاية الرواية في مسائل الهداية ، لا يوجد لدينا . [14]. بدائع الصنائع 4 : 282 . [15]. راجع : وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، كنز العمّال 4 : 290 ، كتاب البيوع ، بيع الخمر . [16]. سنن الدارقطني 3 : 7 ، كتاب البيوع ، الحديث 20 ، السرائر 3 : 113 .
|