|
المبحث الثالث : في قدر المدّ والصاع
الصاع : أربعة أمداد باتّفاق العلماء كافّة ، نقله المخالف والمؤالف[1] ، ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة المتقدّمة[2] ، وصحيحتي الحلبي وعبد الله بن سنان المرويّتين في باب زكاة الفطرة في التهذيب[3] ، وفيهما أنّ : « الصاع أربعة أمداد » ، وما ينافي ذلك منها بظاهره مؤوّل أو مطروح[4] . والمدّ على المشهور : رطلان وربع بالعراقي ، وبالمدني رطل ونصف ، وبالمكّي رطل وثمن . والصاع على الأوّل : تسعة أرطال ، وعلى الثاني ستّة أرطال ، وعلى الثالث أربعة ونصف . وحكى الشيخ (رحمه الله) في الخلاف[5] على ذلك اتّفاق الطائفة . [ قول آخر في قدر المدّ : ] وحكي عن ابن أبي نصر البزنطي أ نّه رطل وربع[6] ؛ فإن أراد به العراقي ـ كما هو الظاهر ـ كان ناقصاً عن المشهور برطل ، وإن أراد المدني كان ناقصاً عن ربع رطل ، وإن أراد به المكّي كان زائد عليه بثمن رطل . وقال الشافعي : إنّه رطل وثلث والصاع خمسة أرطال وثلث رطل[7] . وقال أبو حنيفة : إنّه رطلان ، والصاع ثمانية أرطال[8] . [ دليل قول المشهور في قدر المدّ : ] والقول الأوّل هو الأصحّ ، ويدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع الذي حكاه الشيخ(رحمه الله)وقوّة المظنّة في جانب الشهرة * ، قول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال »[9] ، بحمل الأرطال فيها على أرطال المدينة ، نظراً إلى اصطلاح المسؤول عنه وبلد السؤال ، والجمع بين الأخبار الواردة في قدر الفطرة ؛ فإنّ كثيراً منها ورد بلفظ الصاع ، وفي بعضها بستّة أرطال[10] ، وآخر بتسعة[11] ، فالمعنى واحد والتعبير عنه مختلف . وفي الخبر : « الفطرة صاع من قوت بلدك ،[12] تدفعه وزناً ستّة أرطال برطل المدينة»[13] ، وفي آخر عن الفطرة ، قال : « ستّة أرطال من تمر بالمدنيّ ، وذلك تسعة أرطال بالبغدادي »[14] . ويدلّ عليه صريحاً قول أبي الحسن (عليه السلام) في رواية جعفر بن محمّد الهمداني : * . جاء في حاشية المخطوطات : «الشهرة في مثل هذه المسائل حجّة وفاقاً ، لأ نّها من الموضوعات دون الأحكام » منه(قدس سره) . « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي »[15] . [ دليل قول ابن أبي نصر في قدر المدّ ، والجواب عنه : ] احتجّ ابن أبي نصر بموثّقة سماعة المتقدّمة[16] . واُجيب عنه أوّلا : بضعف السند ؛ لاشتماله على زُرعة وسماعة ، وهما واقفيّان ، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة . وثانياً : بإضمار المسؤول عنه ، فلعلّه غير الإمام ، فلا يكون حجّة . وثالثاً : بأ نّه اشتمل على تحديد الصاع بخمسة أمداد ، وقد اتّفقوا على أ نّه أربعة أمداد . ورابعاً : بأنّ ثلاث أواق مائة وعشرون درهماً ؛ لأنّ الاُوقية أربعون درهماً بنصّ أهل اللغة[17] ، وذلك لا ينطبق على ربع الرطل بشيء من تفاسيره ؛ لأنّ ربع الرطل العراقي اثنان وثلاثون درهماً ونصف درهم ، وربع المدني ثمانية وأربعون درهماً وثلاث أرباع درهم ، وربع المكّي خمسة وستون درهماً ، وأعظم الثلاثة ـ أعني الأخير ـ نصف ثلاثة أواق تخميناً . فالصواب : أن يحمل الرطل في هذا الخبر على العراقي ، فيكون كلّ مدّ مائتين وخمسين درهماً ، وينقص عن المشهور باثنين وأربعين درهماً ونصف درهم ، ومجموع النقيصة من[18] أربعة أمداد مئة وسبعون درهماً ، يزيد عليه المدّ الزائد بثمانين درهماً ، فالصاع على المشهور ينقص عنه بحساب الخبر بهذا القدر ، وذلك ممّـا يتسامح به في أمثال هذه التحديدات . وعلى هذا فلا إشكال في الحديث إلاّ من جهة تحديد الصاع بخمسة أمداد . [ قدر الرطل : ] وأمّا الرطل : فقد علم ممّـا سبق آنفاً إطلاقه على ثلاثة معان : العراقي ، ويسمّى البغدادي ، وهو مائة وثلاثون درهماً على المشهور ، يكون المدّ على هذا مائتي درهم واثنين وتسعين درهماً ونصف درهم ، والصاع ألفاً ومئة وسبعين درهماً ؛ لرواية إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)صاحب العسكر أسأله عن ذلك ، فكتب : « إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ،[19] تدفعه وزناً ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مئة وخمسة وتسعون درهماً ، يكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً »[20] . ورواية جعفر بن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام)اختلاف الأصحاب في الصاع ، فكتب : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي ، ـ وأخبرني : ـ أ نّه يكون بالوزن ألفاً ومئة وسبعين وزنة »[21] . و [ قيل[22] : ] أنّ المدّ مائتان وثمانون درهماً ، والصاع ألف ومائة واثنان وخمسون درهماً . ويدفعه الشهرة والنصّ وزنة . ونقل عن العلاّمة وبعض العامّة أ نّه[23] مائة وثمانية وعشرون درهماً[24] . والمدني[25] : وهو مائة وخمسة وتسعون درهماً على المشهور ، وعلى قول العلاّمة مائة واثنان وتسعون درهماً . والمكّي[26] : وهو مائتان وستّون درهماً على الأوّل[27] ، ومائتان وسبعة وخمسون على الثاني[28] . فالرطل العراقي ثلثا المدني ، ونصف المكّي ، والمدني ثلث أرباع المكّي . [ قدر الدرهم : ] وأمّا الدرهم : فهو ستّة دوانيق ، كلّ دانق وزن ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير ، فالرطل العراقي : ستّة آلاف ومائتان وأربعون شعيراً ، والمدّ : أربعة عشر ألفاً وأربعون شعيراً ، والصاع : ستّ وخمسون ألفاً ومائة وستّون شعيراً . وربما يضبط بحساب المثاقيل ؛ فإنّ الدرهم نصف المثقال الشرعي وخُمسه ، والمثقال الشرعي درهم وثلاث أسباع درهم . وعشرة دراهم قدر سبعة مثاقيل شرعيّة ، فالرطل العراقي ـ أعني مائة وثلاثين درهماً ـ : أحد وتسعون مثقالا شرعيّاً . والمدّ : مائتا مثقال وأربعة مثاقيل وثلاثة أرباع مثقال . والصاع : ثمان مائة وتسعة عشر مثقالاً . والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع من المثقال الصيرفي ، فأربعة مثاقيل شرعيّة ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، وثمانية مثاقيل شرعيّة ستّة مثاقيل صيرفيّة ، وعلى هذه النسبة . والرطل العراقي على هذا يكون ثمانية وستين مثقالا صيرفيّاً وربع مثقال ، ويكون المدّ مائة وثلاثة وخمسين مثقالا ونصف مثقال ونصف حبّة ، والصاع ستّمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال . والمنّ التبريزي المتعارف ستمائة مثقال ، يزيد عليه الصاع بأربعة عشر مثقالا وربع مثقال ، ويزيد المدّ على ربع المنّ التبريزي بثلاثة مثاقيل ونصف ثُمن مثقال . وأنت إذا أتقنت ما ذكرناه سهّل عليك الأمر في تحديد الكرّ وضبط نصاب الزكاة في الدراهم والدنانير ، ومعرفة مبلغ الدية ومهر السنّة وغير ذلك ممّـا يتفرّع على وزن الدرهم والدينار ، ولتفصيل الكلام في ذلك كلّه محلّ آخر . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. انظر : الخلاف 2 : 59 ، المسألة 70 ، تذكرة الفقهاء 5 : 143 . [2]. تقدّم ذكرها في الصفحة 173 . [3]. التهذيب 4 : 103 / 233 و 234 ، باب كميّة الفطرة ، الحديث 7 و 8 ، الاستبصار 2 : 47 / 154 و 155 ، باب كميّة زكاة الفطرة ، الحديث 7 و 8 ، وسائل الشعية 9 : 336 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 6 ، الحديث 12 والحديث المنقول ذيله . [4]. راجع : وسائل الشعية 9 : 340 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 7 . [5]. الخلاف 2 : 59 ، المسألة 70 ، و 2 : 156 ، المسألة 199 ، وفي الأخير : « والمد رطلان وربع بالعراقيّ يكون تسعة أرطال . [6]. حكاه عنه في المعتبر 2 : 533 . [7]. بدائع الصنائع 2 : 204 . ونسبه أيضاً إلى أبي يوسف ، وبه قال أحمد بن حنبل ، كما في المغني والشرح الكبير 2 : 652 . [8]. بدائع الصنائع 2 : 205 . وراجع : الخلاف 2 : 156 ، المسألة 199 ، النهاية (لابن الأثير) 3 : 60 ، «صوع » . [9]. تقدّم ذكرها في الصفحة 173 . [10]. انظر : وسائل الشيعة 9 : 341 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 7 ، الحديث 2 و 4 . [11]. انظر : وسائل الشيعة 9 : 340 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 7 ، الحديث 1 . [12]. زاد هنا عبارات حذفها المصنّف لعدم الحاجة إليها . [13]. التهذيب 4 : / 226 ، باب تمييز فطرة أهل الأمصار ، الحديث 1 ، الاستبصار 2 : 44 / 140 ، باب ماهيّة زكاة الفطرة ، الحديث 5 ، وسائل الشيعة 9 : 342 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 7 ، الحديث 4 . [14]. الكافي 4 : 172 ، باب الفطرة ، الحديث 8 ، وسائل الشيعة 9 : 341 ، أبواب الزكاة ، الباب 7 ، الحديث 2 . ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب في التهذيب 4 : 105/ 226 ، باب كميّة الفطرة ، الحديث 16 ، الاستبصار 2 : 49 / 162 ، باب مقدار الصاع ، الحديث 1 . [15]. الكافي 4 : 172 ، باب الفطرة ، الحديث 9 ، وسائل الشيعة 9 : 340 ، أبواب الزكاة ، الباب 7 ، الحديث 1 . [16]. تقدّمت في الصفحة 174 . [17]. النهاية (لابن الأثير) : 1 : 80 ، مادة «أوق» . [18]. في «ن» و «د» : في . [19]. زاد هنا عبارات حذفها المصنّف لعدم الحاجة إليها . [20]. التهذيب 4 : / 226 ، باب تمييز فطرة أهل الأمصار ، الحديث 1 ، الاستبصار 2 : 44 / 140 ، باب ماهيّة زكاة الفطرة ، الحديث 5 ، وسائل الشيعة 9 : 342 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 7 ، الحديث 4 . [21]. الكافي 4 : 172 ، باب الفطرة ، الحديث 9 ، وسائل الشيعة 9 : 340 ، أبواب الزكاة ، الباب 7 ، الحديث 1 . [22]. ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة المعنى ، ولم نعثر على قائله . [23]. أي : الرطل . [24]. منتهى المطلب 8 : 194 ، وزاد فيه : وأربعة أسباع درهم . [25]. وهو المعنى الثاني للرطل . [26]. وهو المعنى الثالث للرطل . [27]. أي : على المشهور . [28]. أي : على قول العلاّمة .
|