|
قول المحقّق فيما إذا أخلّ باستعمال الماء ، والجواب عنه
وذهب المحقّق في المعتبر[1] إلى وجوب الطهارة المائيّة والقضاء فيما إذا أخلّ المكلّف باستعمال الماء حتّى ضاق الوقت ، وإليه مال الفاضل صاحب المدارك ـ طاب ثراه ـ واستدلّ عليه بـ : « أنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتيمّم إنّما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء ، والمفروض أنّ المكلّف واجد للماء متمكّن من استعماله ، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتّسع لذلك ولم يثبت كون ذلك مسوّغاً للتيمّم »[2] . ويتوجّه عليه : أوّلا : أنّ عدم اتّساع الوقت كاف في تحقّق العجز عن استعمال الماء ؛ لمنع الشارع من تفويت الوقت المقدّر للعبادة اختياراً ، والامتناع الشرعي بمنزلة الامتناع العقلي ، فكما أنّ الثاني مسوغ للتيمّم فكذا الأوّل . فإن قلت : إذا ضاق الوقت عن الطهارة المائيّة والصلاة معاً فإمّا أن يتيمّم المكلّف ويصلّي في الوقت ، فيلزمه الإخلال بالطهارة المائيّة ، أو يتطهّر ويقضي ، فيلزم الإخلال بالوقت الأدائي المقدّر شرعاً ، فالإخلال بالواجب لازم عليه على كلّ حال ، فما السبب في ترجيح مراعاة الوقت على مراعاة الطهارة مع اشتراكهما في الوجوب والقدرة ؟ والحاصل أنّ امتناع الجمع بين التكليفين ومراعاة كلا الأمرين إنّما يقتضي سقوط التكليف بهما معاً ؛ لتحقّق العجز عنهما مجتمعين ، وإن كانا مقدورين حال الانفراد ، فينبغي الحكم بالتخيير بين الأمرين ، لامتناع الحكم بسقوط أحدهما معيّناً وإلاّ لزم الترجيح من غير مرجّح . قلت : الوجه في ذلك أنّ ما دلّ على شرعيّة التيمّم وبدليّته عن الطهارة المائيّة يدلّ على بدليّته عن المائيّة مع تعذّرها في الوقت لا مطلقاً ، كيف ولولا ذلك لزم أن لا يجوز التيمّم ولا يصحّ إلاّ مع استمرار العذر وبقائه إلى آخر العمر ، وهو باطل بالضرورة . وثانياً : أنّ ذلك لو تمّ لجرى في صورة فقد الماء وعدم وجدانه إلى أن يضيق الوقت ، وفيما إذا وجد ولم يكن التأخير عمداً اختياراً ؛ فإنّ حاصل ما ذكره المستدلّ يرجع إلى منع كون ضيق الوقت وعدم اتّساعه لمجموع الطهارة والصلاة عذراً مسوّغاً للتيمّم ، وهو على تقدير صحّته لا يختصّ بالتأخير الاختياري ، كما لا يخفى ، فيجب القول بالطهارة وقضاء الصلاة مطلقاً ، ولو كان التأخير لعذر . فإن قلت : يمكن الفرق بين الصورتين بأنّ التأخير لعذر يسقط معه التكليف بالطهارة المائيّة حال العذر ، فلا يثبت بعد زواله مع ضيق الوقت ، بخلاف التأخير من غير عذر ؛ فإنّ التكليف بالطهارة ثابت مع حال السعة قطعاً ، فيستصحب بها حال الضيق . قلت : استصحاب التكليف بالطهارة وإن اقتضى ترجيح القضاء ، إلاّ أ نّه معارض باستصحاب التكليف بأداء الصلاة ؛ فإنّه يقتضي الانتقال إلى التيمّم ، لامتناعه بدون ذلك في الفرض المذكور ، فالاستصحاب في المادّة المفروضة معارض بمثله ، فلا ترجيح . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. نسبه أيضاً في مدارك الأحكام 2 : 185 ، إلى خيرة المعتبر ، ولم نجده فيه . انظر : المعتبر 1 : 366 ، وإليك نصّ كلامه : « إذا كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مرّ بماء فلم يتطهّر ودخل الوقت ولا ماء ، تيمّم وصلّى ولا إعادة » . [2]. مدارك الأحكام 2 : 185 .
|