|
القول بسقوط الترتيب مطلقاً
وقيل بسقوط الترتيب مطلقاً[1] ، وقد أطبق عليه أهل الخلاف[2] ، ووافقهم منّا صاحب الدعائم[3] وعزاه في المدارك[4] إلى الصدوقين والإسكافي ، وهو سهو ظاهر ؛ فإنّ الإسكافي مع ما تقدّم عنه عَطَف الأيمن بحرف الترتيب وصرّح بتأخّر الجسد عن الرأس[5] ، ونصّ القميّ على الإعادة لو قدّم الجسد ، وحكاه عنه ولده في الفقيه[6] ، ومن عادته الحكم بما يحكيه عنه ، واستناد أبيه إلى الرضوي الذي هو كالنصّ فيه . ويقرب بذلك إرادته في سائر كتبه[7] مع ما في العطف بالواو من الدلالة عليه أو الإشعار به . ومستند القولين : الأصل ، وإطلاق الكتاب في آيتي الإطهار[8] والاغتسال[9] والسنّة المستفيضة من الصحاح وغيرها بتقييد ما خلا عن الترتيب مطلقاً بما دلّ على تقديم الرأس[10] ، كما هو الظاهر في الجميع ، فيسقط الترتيب بين الجانبين ، أو حمل التقديم على الندب ؛ لأ نّه الأوفق بالأصل ، والصحيح[11] المتضمّن لأمر الصادق(عليه السلام)جاريته بالتأخّر[12] ، فيسقط مطلقاً . وضعفه ظاهر ؛ لعدم جريان الأصل في ماهيّة العبادة التوقيفيّة ، ومعارضته بأصل بقاء الحدث ووجوب الخروج عنه وعن غيره إن سلم من الإجمال وسلم رجوعه إلى العموم بما مضى من أدلّة الترتيب مطلقاً ، وخصوص الصحاح في الترتيب بين الرأس والبدن ، ومنها النصّ الصريح ، والصحيح الآخر في قصّة الجارية الكاشف عن وقوع الخلل في الأوّل مع شذوذه ، وامتناع الأخذ بظاهره من وجوب التأخير ، فلا مجال لسقوط هذا الترتيب ، فإنّ دليله مع وضوحه لا معارض له عند التحقيق ؛ لوهن الأصل ، واختلال الصحيح ، وإجمال الكتاب إن اُريد بالإطهار والاغتسال معنى الغُسل الشرعي ؛ فإنّه محتمل لا مطلق وإلاّ احتمل الورود مورد الغالب من البدأة في مثله بالرأس دون الجسد . والنصوص الواردة في الغسل ما بين نصّ في تقديم الرأس ، وظاهر فيه ، ولوجود العطف بالواو والتعرّض لتفصيل الرأس والجسد ، وليس فيهما ما خلا عنهما خلا الصحيح : « تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء »[13] ، وهو مع احتماله لتحديد الغسل مسوق لنفي الوضوء دون الترتيب . ويقرب من ذلك القول في الجانبين ، وإن ورد في كثير منها الأمر بغسل الجسد من دون إشعار باليمين واليسار ؛ إذ لا يبعد أن يكون الغرض منها أيضاً نفي الوضوء كما يشعر به تعقيب الحكم بنفيه في الصحاح ، وغاية الأمر دلالتها على السقوط بإطلاق اللفظ ، فيقيّد بظاهر المعتبرين المفصّلين وغيره من الأدلّة الحاكمة على ذلك ، كالإجماع ودليل التأسّي ؛ فإنّ خصوص الفعل مقدّم على عموم القول ، وإن كان دليل حجيّته هو القول العام ؛ إذ العبرة في العموم والخصوص بنفس الدليل لا بدليل الدليل ، وكذا التسوية بين الحيّ والميّت ، وإن كان بينها وبين ما تضمّن إطلاق الجسد عموم من وجه ؛ فإنّ العموم في الأوّل أوضح وأوفق بالأصل المتقدّم ، فيتعيّن التخصيص به . والمستفاد من تشبيه الميّت بالجنب في الأخبار وكلام الأصحاب والإجماعات المستفيضة المنقولة عن القدماء على وجوب الترتيب ، مع استمرار عمل الفرقة عليه قديماً وحديثاً بخلاف غيرها من الفرق ، أنّ ذلك كان معلوماً عند الإمامية ظاهراً في عصر الأئمة (عليهم السلام) ، كما أنّ المعلوم ممّن خالفهم خلاف ذلك ، فالظاهر أنّ الوجه في ترك التصريح به في أكثر النصوص ظهوره في زمن الصدور ، أو مخالفته لمذهب الجمهور حيث أطبقوا على السقوط[14] ، فيحمل ما يشعر به على التقيّة ، وهي من أحسن محامل الأخبار ، وأبين شواهد المختار . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. أي : عدم وجوب الترتيب حتّى بين الرأس والجسد . [2]. التفسير الكبير 11 : 166 ، بدائع الصنائع 1 : 142 ـ 143 ، المجموع 2 : 213 ; فإنّه صرّح باستحباب الابتداء بالأيامن . [3]. دعائم الاسلام 1 : 114 . [4]. مدارك الأحكام 1 : 293 . [5]. تقدّم قوله في الصفحة 59 ، حاشية المؤلّف . [6]. الفقيه 1 : 88 ، باب صفة غسل الجنابة ، ذيل الحديث 191 . [7]. كالهداية والأمالي ، وقد تقدّم تخريجهما في الصفحة 93 الهامش 2 و 3 . [8]. المائدة (5) : 6 . [9]. النساء (4) : 43 . [10]. راجع : وسائل الشيعة 2 : 235 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 28 . [11]. عطف على قوله: الأصل . [12]. التهذيب 1 : 141 / 370 ، باب حكم الجنابة ... ، الحديث 61 ، وسائل الشيعة 2 : 236 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 28 ، الحديث 4 . [13]. التهذيب 1 : 156 / 422 ، باب حكم الجنابة ... ، الحديث 113 ، وسائل الشيعة 2 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الجنابة ، الباب 26 ، الحديث 5 . [14]. تقدّم تخريج قولهم في الهامش 11 من الصفحة 94 .
|