Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الأصول
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كيفية وضع الألفاظ للمعاني (درس17)
كيفية وضع الألفاظ للمعاني (درس17)
الدرس دروس خارج الأصول
مباحث الدليل اللفظي
الدرس 17
التاريخ : 2008/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

ثمّ يُشكل صاحب (الكفاية) على نفسه قائلاً:
(إن قلت: على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ والقطع بما ليس بمراد، أو الاعتقاد بإرادة شيء ولم يكن له من اللفظ مراد). أي يلزم أن لا تكون هناك دلالة في موارد من قبيل عدم إرادة المتكلّم معاني الألفاظ التي استخدمها، مع أنّ هناك دلالة.
وقد أجاب صاحب الكفاية على إشكال نفسه كالتالي: (قلت: نعم، لا يكون حينئذٍ دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة).
إشكالان
يرد إشكالان على صاحب (الكفاية):
أوّلهما:
أنَّ الدلالة التصديقية تعني دلالة اللفظ على المعنى المراد للمتكلم، فإذا قال المتكلّم: (زيد قائم) كان الدلالة التصديقية هي إرادته زيد من كلمة (زيد)، والقيام من (قائم). وعندما يقول: (اغتسل للجمعة) كانت الدلالة التصديقية تعني استحباب الغسل يوم الجمعة كما هو المستفاد من الهيئة.
لا علاقة للدلالة التصديقية بالوضع، بل ترتبط ببناء العقلاء القائل بأنَّ ظاهر الكلام هو مراد المتكلم، ولا علاقة للمسألة بالواضع والوضع. وهذه الدلالة حجة في باب الأعمال كذلك.
الآية الكريمة: (وَجَاؤوا أباهُمْ بِدَمٍ كَذِبٍ) يبدو أنَّ قصتها كونهم جاءوا بالقميص ملطخاً بالدماء ولم يتمزّق، مع أنّ الذئب إذا انقضَّ على شخص مزّقه ومزّق قميصه كذلك، ولا يخلع قميصه ابتداءً ثمّ يأكله. وهذا العمل ظاهر في كذبإخوة يوسف، ويسمّى: أصالة الظهور.
والشاهد على كون هذه الدلالة لا علاقة لها بالوضع هو مجيئها في باب المجازات، والشاهد على عدم ارتباطها باللفظ هو مجيئها في باب الأعمال.
ثانيهما: أنَّ نفيه للدلالة في هذه الحالة غير صحيح؛ لكون حقيقة الدلالة بالدلالة، غاية الأمر أنّ الدلالّة تارة تتطابق مع الواقع، وتارة اُخرى تخالف، حالها حال العلم واليقين، فقد يتطابق مع الواقع وقد لا يتطابق.
نعم، قد حصل تسامح في باب دلالة الكلام عندما قسّموا دلالة اللفظ إلى ثلاثة أقسام: الدلالة المطابقية، والدلالة التضمنية، والدلالة الالتزامية. فاعتبروا دلالة اللفظ على معناه دلالة مطابقية، وعلى جزء معناه دلالة تضمنية وعلى خارج معناه دلالة التزامية. وفي كلامهم مسامحة والحقّ أنَّ الدلالة اللفظية ليست بأزيد من واحدة وهي الدلالة المطابقية، أمّا الدلالتان الاُخريان فليستا باعتبار اللفظ، بل باعتبار العقل. عندما يستعمل لفظ في معناه يتبادر إلى ذهن السامع ذلك المعنى باعتبار وضع الواضع، وبما أنَّ هذا المعنى الكلي له جزئي، فجزئيه ينطبع في الذهن كذلك. لكن هذا من باب قضاء العقل بأن للكلّ جزء وللكلي جزئي، وهو ليس من باب دلالة اللفظ على معناه الموضوع له؛ لأنَّ اللفظ لا يمكنه أن يدلَّ على جزء المعنى، لكونه لم يوضع له، ولا فرق من هذه الناحية بين جزء المعنى والمعنى المباين، فكما لا يدلُّ اللفظ على المعنى المباين لا يدلُّ على جزء المعنى كذلك.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الدلالة الالتزامية، فإنَّ اللفظ لم يوضع للمعنى اللازم، لكن العقل يستفيد ذلك المعنى اللازم، فإذا سمعت كلاماً من وراء الجدار فاحكم أنَّ وراء الجدار لافظاً، فلو سمعنا الجملة التالية: (رجل في الدار)، استفدنا المعنى المطابقي، ويحكم العقل بأن هناك لافظاً لهذه الجملة.
وإذا رأينا دخاناً حكمنا بوجود نار، وإذا ارتفعت درجة حرارة شخص حكمنا بابتلائه بالتهاب أو ما شابه. والعقل يحكم بذلك باعتبار حكمه المسبق بأنَّ لكلّ معلول علّة، وهذا لا علاقة له باللفظ.
الوضع في المركبات
الأمر الآخر هو أنّه لا وضع للمركبات غير وضع المفردات من موادها وهيئاتها، سواء كانت المفردات موضوعة بوضع شخصي أو بوضع نوعي.
(زيد قائم) من المركبات التي تضمّ مفردات، والمراد من المفردات هو الهيئة والمادة، ففيها (زيد)، وفيها مادة (قيام)، وفيها الهيئة الفاعلية والجملة اسمية متكونة من مبتدأ وخبر. وهذا كلّ ما يوجد في الجملة، ولا يوجد وضع خاص بالمركبات.
وقد كان وضع الجملة الاسمية وضعاً نوعياً بأن قيل: أنها للثبوت، وهيئة الفاعل للوصف، وكذا الحال بالنسبة إلى الجملة الفعلية؛ وذلك لوجوه:
أحدها: اللغوية، أي إذا كان هناك وضع آخر غير وضع المفردات لزم أن يكون الوضع الثاني لغوياً؛ نظراً لإمكانية الاكتفاء بوضع المفردات للتفهيم ونقل المقاصد.
ثانيها: الوضع الثاني محال؛ وذلك لأنّ الوضع لابدّ أن يكون شخصياً إذا كان وضعاً مستقلاً وعلى حدة. ونحن لا بحث لنا في وضع المفردات، ولا بحث لنا في وضع الهيئات، والبحث هو في وضع الجملة ككلّ، فإنّ الجمل غير محصورة، والإنسان شخصاً محصور، ولا يمكن للمحصور أن يضع غير المحصور، فذلك غير عقلائي، بل مستحيل.
ثالثها: يلزم من ذلك أن تكون جميع الاستعمالات والجمل الحادثة دون وضع؛ لأنَّ الفرض كون هذه الجمل لم تكن في زمن الواضع. وإذا قيل بأنّها توضع بالوضع التعيّني فيلزم من ذلك أن يكون الاستعمال الأوّل دون وضع. وهو كما ترى.
رابعها: الوجدان، فهو يحكم بأنَّه لم يكن هناك وضع مستقل للجمل، وإلاّ لزم تبادر المعنى إلى الذهن مرتين، مرّة من خلال زيد وقائم كمفردتين، ومرّة اُخرى من خلال الجمل ككلّ، أي تارة من خلال الوضع الأوّل، واُخرى من خلال الوضع الثاني، وهو كما ترى، حيث لا يتبادر إلى ذهننا المعنى أكثر من مرة.
ولا يبعد أن يكون مراد القائل بوضع مستقل للمركبات هو هيئاتها، فللهيئات وضع على حدة في مقابل الموضوع والمحمول وفي مقابل الفعل والفاعل، وهو حسن. ونحن أيضاً نقبل ذلك، فالجملة الاسمية موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة، وتقديم ما حقه التأخير مثل الخبر على المبتدأ وضع لإفائدة الحصر أو التعظيم، والوضع هنا وضع نوعي.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org