Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول فيما يثبت به القود (درس62)
القول فيما يثبت به القود (درس62)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 62
التاريخ : 2008/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة 1 ـ يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أنْ تكون الشهادة صريحة أو كالصريحة[1]، نحو قوله: (قتله بالسيف) أو (ضربه به فمات) أو (أراق دمه فمات منه)، ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل، نعم الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقليّة التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً، مثل أنْ يقال فيقوله: (ضربه بالسيف فمات) يحتمل أنْ يكون الموت بغير الضرب، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلَّل فيه الاحتمال عقلاً.
(1) بل وإنْ كانت ظاهرة، لأنَّ المناط في الحجيّة الظهور، كما يظهر ممّا ذكره ـ سلام الله عليه ـ من عدم الاعتناء بالاحتمالات العقليّة غير المنافية للظهور أو الصراحة.
مسألة 2 ـ يعتبر في قبول الشهادة أنْ ترد شهادتهما على موضوع واحد ووصف واحد، فلو شهد أحدهما أنَّه قتله غدوة والآخر عشيّة أو شهد أحدهما أنَّه قتله بالسم والآخر أنَّه بالسيف أو قال أحدهما: إنَّه قتله في السوق، وقال الآخر: في المسجد لم يقبل قولهما، والظاهر أنّه ليس من اللوث أيضاً، نعم لو شهد أحدهما بأنَّه أقرَّ بالقتل والآخر بمشاهدته لم تقبل شهادتهما، ولكنّه من اللوثّ.
مسألة 3 ـ لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً وشهد الآخر بالإقرار عمداً ثبت أصل القتل الّذي اتّفقا عليه، فحينئذ يكلّف المدعى عليه بالبيان، فإنْ أنكر أصل القتل لا يقبل منه، وإن أقرَّ بالعمد قبل منه، وإنْ أنكر العمد وادّعاه الولي فالقول قول الجاني مع يمينه(1)، وإنْ ادّعى الخطأ وأنكر الولي قيل: يقبل قول الجاني بيمينه، وفيه إشكال، بل الظاهر أنَّ القول قول الولي، ولو أدَّعى الجاني الخطأ وادّعى الولي العمد فالظاهر هو التداعي.
(1) وهو الحق:لأنَّه المنكر، كالسابق، والولّي هو المدّعي، فإنَّه الّذي لو ترك الدعوى تُركت، فالجاني منكرٌ يقبل قوله بيمينه، فما في المتن ـ من أنَّ الظاهر كون القول قول الولي ـ مخالف لما ذكرناه من تشخيص المدّعي والمنكر والاستناد إلى ظهور القتل في العمد، فالولي الموافق قوله للظاهر هو المنكر. لا يخفى ما فيه مبناءً وبناءً، وبذلك يظهر عدم الاشكال في القول لما في المتن منقوله: (وفيه إشكال) فهو غير تام، هذا مع أنَّه لا بيِّن ولا مبيَّن.
مسألة 4 ـ لو شهد أحدهمابمشاهدة القتل عمداً والآخر بالقتل المطلق، وأنكر القاتل العمد وادّعاه الولي كانت شهادة الواحدلوثاً، فإنْ أراد الولي إثبات دعواه فلابدَّ من القسامة.
مسألة 5 ـ لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد مثلاً، وآخران بأنَّه عمرو دونه، قيل: يسقط القصاص، ووجبت الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به، وعلى عاقلتهما لو كان خطأ، وقيل: إنّ الولي مخير في تصديق أيّهما شاء، كما لو أقرَّ إثنان كلُّ واحد بقتله منفرداً، والوجه سقوط القود والدية جميعاً.
قبل الورود في البحث ينبغي، بل لا بدّ من تصوير تعارض البيّنتين، حيث إنّه كيف يتصوّر كون بيّنة المدعى عليه وكذا البيّنة المتبرَّع بها غير حجّة وغير مسموعة؟ وذلك إمّا بأنّ التعارض يكون من جهة القول بصحّة التبرّع في الشهادة بالدم، وإمَّا لأنَّه كان للمدّعى وكيلان فادّعى كلٌّ منهما، وإمَّا بالقول بأنَّ للمدّعى عليه تبرءة نفسه بإقامة البيّنة على أنَّ القاتل غيره، وإمَّا لمّا كان أولياء الدم متعدداً فكلٌّ يدَّعي القتل على مَن أقام البيّنة عليه.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ المسألة من المسائل المشكلة، ولم يستقرّ على شيء من الفتاوى فيها إجماع محقَّق كي يقال: إنَّ الفتوى الفلانية خرق له; ضرورة بقائها في غالب الإشكال عندهم، حتى أنَّ الفاضل في (الرياض)(1) لم يخرج منها على حاصل معتدٍّ به، كما لا يخفى على من تأمله.
والاحتمالات والوجوه فيها كثيرة تبلغ ثمانية، ولبعضها بل أكثرها قائل.
منها: الرجوع إلى المرحِّجات من الأكثريّة والأعدليّة وغيرها والرجوع إلى القرعة في تقديم إحدى البيّنتين وإحلاف صاحبه. وبالجملة، إعمال ما في المتعارضين من البيّنة في مثل ادِّعاء الوارد من الاثنين، من الترجيح بالمرجّحات والقرعة، والحلف لمن أصاب بيّنته القرعة، لكنّه ـ أي الرجوع إلى المرجِّحات ـ غير تام، ويكون الترجيح في تعارضهما مختصّاً بما إذا كان كلّ واحد من أصحاب الدّعوى مدَّعياً لموردها وأنَّه له، مثل التنازع في الدار أو في الجمل أو في الوصيّة بمائة دينار مثلاً لزيد أو لعمرو أو في أنّ الدين الكذائي لزيد أو لعمرو وغيرها ممَّا فيه الدّعويان، لا في مثل المقام ممّا يكون فيه الادّعاء والإنكار، فوليّ الدم مدّع للقتل، والمتَّهم منكر له؛ وذلك لعدم الدليل في غير ذلك المورد، فإنَّ أخباره مختصّة به، والأصل عدمه.
وكيف لا يكون كذلك مع أنَّ صاحب (المستند) قائل باختصاص أخبار التعارض والترجيح بالأعيان من الأموال مستدلاً بقوله: (والتحقيق في الجميع أن يبنى على أصالة عدم قبول بيّنة المنكر وعلى تعيين القرعة لكلّ أمر مشكل. وعلى هذا،فنقول: إنَّ جميع الأخبار المتضمّنة لسماع بيّنة المنكر أيضاً ومزاحمتها لبيّنة المدّعي كانت مخصوصةً بالأعيان من الأموال، فلا أثر لها في غيرها أصلاً...)[2] إلى آخر كلامه رحمه الله؟
هذا، مع أنَّ الاحتياط في الدّماء إمّا مانع ومخصِّص لأخبار الترجيح على الاطلاق والشمول وإمّا موجب للانصراف، ولعلّه لذلك مقتضى إطلاقهم عدم الاعتبار بالترجيح، ومع ما في أخبار الترجيح والأقوال فيه من الاختلاف.
ففي كتاب القضاء من (العروة الوثقى): (مسألة 2: إذا تعارضت البيّنات في شيء فإمَّا أنْ يكون بيد أحد الطرفين، أو بيدهما، أو بيد ثالث، أو لايد عليه، وللعلماء فيها خصوصاً في الصورة الأُولىأقوال مختلفة وآراء متشتِّتة، جملة منها غير منطبقة على أخبار المقام، ولا على القواعد العامّة، بل قد تختلف فتوى واحد منهم فيفتي في مقام ويفتي بخلافه في مقام آخر، وربّما يُدَّعى الإجماع في مورد ويُدَّعى على خلافه الإجماع في مقام آخر، وقد يُحكم بضعف خبر ويُعمل به في مورد آخر، وقد يحملون الخبر على محمل بلا شاهد ويفتون به، ويفرِّقون بين الصور بقيود لا تُستفاد من الأخبار، من ذكر الشاهد السبب وعدمه، أو كون الشيء ممَّا يتكرر، كالبيع والشراء والصياغة ونحوها، أو ممَّا لا يتكرر كالنتاج والنساجة والخياطة ونحوها، وليس الغرض الازراء عليهم، بل بيان الحال مقدَّمة لتوضيح الحقّ من الأقوال، فإنَّ المسألة في غاية الإشكال وليست محرَّرة)[3].
وهل يصحّ الذهاب إلى احتمال الترجيح في المقام مع ما ذكره الفقيه اليزدي، ومع ما في الدماء من الاحتياط بل ومع الدرء بالشبهة; قضاءً لأولوية القصاص عن الحدّ، كما قيل.
ومنها: القرعة، فإنَّها لكلِّ أمر مشكل، وتعيين القاتل هنا مشكل.
وفيها: مضافاً إلى ما في (الجواهر ) هنا منقوله: (كما أنَّه لم يعتبر أحد القرعة هنا)[4].
إنَّ أدلّة القرعة وأخبارها غير شاملة لمثل المورد، من قتل العمد والقصاص من وجهين:
أحدهما: أنَّها واردة في الأُمور الماليّة والحقوقيّة دون غيرها، كالدم وقصاص الأعضاء.
ثانيهما: اختصاصها بكون المشكل فيها تعيين صاحب المال والحقّ، الّذي يتعيَّن بالقرعة ويصير محقّاً وصاحباً للسهم وآخذاً للحق دون غيره، ففي أخبار القرعة: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: ((ليس من قوم تنازعوا، ثمّ فوَّضوا أمرهم إلى الله، إلاّ خرج سهم المحقّ))[5].
وذلك غير متحقق في المورد حيث إنَّ المعيَّن بالقرعة يقتله الوليّ، ويأخذ روحه ونفسه، وهذا مباين مع المشكل المورد والموضوع في أخبار القرعة.
وبالجملة، محلُّ البحث غير مشمول لأخبار القرعة وأدلَّتها، من جهة اختصاصها بغير القصاص في النفس والأعضاء، ومن جهة اختصاصها بما كان التنازع بين الأفراد راجعاً إلى الاستحقاق والأخذ بأنْ تكون القرعة موجبة لصيرورة من أصابته القرعة مستحقاً للأخذ، وتكون الإصابة بنفع المصاب، وبضرر الآخر، بنفي استحقاقه، وبعدم وصول شيء إليه.
وأنَّى ذلك مع باب القصاص الّذي لا تكون القرعة فيه إلاّ موجباً لذهاب النفس أو العضو بالنسبة إلى المصاب، وتبرئة غيره؟ فأين الأخذ والاستحقاق للعين أو الحق من الاُمور الماليّة؟ ولعلّ ترك الأصحاب الفتوى بالقرعة في المقام وأمثاله من القصاص كان لما ذكر، المؤيَّد بالاحتياط في الدماء.
ومنها: تخيير الوليّ في تصديق أيِّها شاء كما يتخيَّر المجتهد بين الخبرين المتعارضين، وهو المحكيّ عن ابن إدريس[6] محتجّاً عليه بقوله تعالى: (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً)[7] ، إذ نفي القتل عنهما ينافي ذلك، وبأنّ البيّنة قائمة على كلٍّ منهما بوجوب القود، فلا وجه لسقوطه، وبأنّا قد أجمعنا على أنَّه لو شهد إثنان على واحد بأنَّه القاتل، فأقرَّ آخر بالقتل يتخيَّر الولي في التصديق والإقرار، كالبيّنة، لكنّه كما ترى، ضرورة دلالة الآية على ثبوت السلطان للوليّ مع علم القاتل، لا في مثل المقام الذي لا إشكال في كونه إسرافاً في القتل إذا قتلهما، خصوصاً مع براءة أحدهما، بل وكذا لو قتل أحدهما المحتمل أنّه بريء، والبينتان قد كذبت كلٌّ منهما الاُخرى، وتساقطا بالتعارض عن الحجيّة، والإجماع الذي ذكره مع أنَّه ممنوع لا يمكن قياس المقام عليه بعد حرمته في مذهبنا، مع أنَّه الفارق حيث إنَّ المقرَّ بالقتل وتبرئة الشهود له مقرٌّ على نفسه بالقتل وباستحقاق القصاص، وهذا بخلاف المقام ممَّا ليس فيه إقرار بالقتل وبالاستحقاق، بل كلٌّ منهما يدفع عن نفسه الاتِّهام ويكذِّب البيِّنة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - رياض المسائل 2: 515.
[2] - مستند الشيعة 17: 412.
[3] - ملحقات العروة الوثقى 3: 148، كتاب القضاء، الفصل الثالث عشر، المسألة 2.
[4] - جواهر الكلام 42: 219.
[5] - وسائل الشيعة 27: 258، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الباب 13، الحديث 5.
[6] - كتاب السرائر 3: 342.
[7] - الإسراء 17: 33.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org