Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول فيما يثبت به القود (درس68)
القول فيما يثبت به القود (درس68)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 68
التاريخ : 2008/11/22

القول فيما يثبت به القود (درس68)

بسم الله الرحمن الرحيم

الثالث: القسامة وقبل البحث فيها ينبغي تقديم اُمور:
أحدها:
القَسامة بفتح القاف هي: اسم اُقيم مقام المصدر، يقال: أقسم إقساماً قسامةً، وهي الاسم، كما يُقال: أكرم إكراماً وكرامةً، من القسم بالتحريك بمعنى اليمين.
وفي كتاب الله استعملت صيغة المفاعلة منه بذلك المعنى: (وَقَاسَمَهُما إِنّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحينَ)[1].
وهي كما في (الصحاح): الأيمان، تقسَّم على جماعة يحلفونها[2].
وفي (القاموس): الجماعةُ يُقْسِمُون على الشيء ويأخذونه أو يشهدون[3].
وفي (المصباح المنير) بل و(المنجد): التصريح بصدقها عليهما، والظاهر أنَّه ليس في (الصحاح) و(القاموس) دلالة على حصر معناها في المعنى الواحد المذكور فيهما حتى يكون بينهما وبين (المصباح) و(المنجد) تخالفاً وافتراقاً.
بل لعلّ الاقتصار منهما على إحدى المعنيين لعدم اطّلاعهم على الآخر.
وعلى الظهور في الحصر فـ(المصباح) مقدَّم; لعدم التعارض بين الوجدان وعدمه، كما لا يخفى، هذا بحسب اللّغة.
وأمّا بحسب الاصطلاح ولسان المتشرِّعة، فالظاهر عدم الفرق بينه وبين اللغة، كما يظهر من عبارة (المنجد)[4] و (اللّسان)[5] و(مقاييس اللّغة)[6].
ويشهد عليه[7] ما في (الجواهر) من قوله: وعن غير واحد أنَّها ـ لغة ـ اسم للأولياء الذين يحلفون على دعوى الدم[8].
لكن في (المسالك): (ولا اختصاص لها بأيمان الدماء لغة، لكن الفقهاء خصّوها بها، وصورتها أنْ يوجد قتيل في موضع لا يُعرف من قتله، ولا تقوم عليه بيّنة، ويدّعي الوليّ على واحد أو جماعة، ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الوليّ في دعواه، ويقال له: اللّوث، فيحلف على ما يدّعيه، ويحكم، بما سيذكر)[9].
فتلخّص من جميع ما ذكرناه صحَّة إطلاقها واستعمالها على نفس الأيمان، وعلى جماعة الحالفين التي تقسم الأيمان عليهم، هذا كلّه في القسامة بفتح القاف.
وأمّا القُسامة بالضّم، فلها معنيان، كما يظهر من (لسان العرب)[10] ، أحدهما: الصدقة، ثانيهما: ما يأخذه القاسم لنفسه من أصل المال المقسوم.
وبالكسر منها تطلق على من تكون حرفته التقسيم كالتجارة.
فللقسامة بحركاتها الثلاثة للقاف معان ثلاثة، هذا كلّه في المزيد فيه من القسم، وأمَّا الثلاثي المجرّد منه من باب فعل بفتح العين ويفعل بفتحها وبكسرها، فالمصدر منه القسم بالسكون بمعنى السّهم وبالفتح بمعنى الحلف.
ثانيها: هل القَسامة إمضائية، كما يظهر من نهاية ابن الأثير حيث قال: (إنَّ القسامة جاهلية وأقرّها الإسلام) أو إبداعيّة وتأسيسيّة؟ وتظهر الفائدة في الشك في الشروط وفي اعتبار الاُمور التي لا على شرطيتها واعتبارها الدليل ولا على عدمها.
فعلىّ الأوَّل، لابدّ من الرجوع إلى العقلاء الذين هم الأصل فيها، كما هو القاعدة في الأبنية الإمضائيّة مثل حجيّة الظواهر والخبر الواحد.
وعلى الثاني، لابدَّ من الرجوع إلى مقتضى القواعد والاُصول فيها، وبذلك يظهر أنَّ مافي (الجواهر)[11] من عدم الفائدة في ذلك في غير محلّه.
نعم، إثبات الإمضائية مشكل; لما في أخبار العامة من الدلالة على الإمضائية، ففيها: القسامة جاهلية، والمراد منها إمَّا الذمّ وعدم حجيّتها، وإمَّا المدح وأنها كانت موجودة قبل الإسلام أيضاً، فيكون أمراً شرعياً وعقلائياً، بل في (لسان العرب): (في حديث الحسن: القَسامة جاهليّة، أي كان أهل الجاهليّة يدينون بها وقرّرها الإسلام)[12] ، ولما قيل ربّما يظهر من أخبارنا[13] أنّها من وضع رسول الله صلى الله عليه وآله، فتكون تأسيسيّة وابداعيّة.
والعمدة في هذا الأمر من الأخبار خبر أبي بصير، قال سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن القسامة أين كان بدوها؟ فقال: ((كان من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، لمّا كان بعد فتح خيبر تخلَّف رجل من الأنصار عن أصحابه، فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحّطاً في دمه قتيلاً، فجاءت الأنصار إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقالوا: يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا، فقال: ليقسم منكم خمسون رجلاً على أنَّهم قتلوه)) الحديث[14].
ولا يخفى أنّ في قراءة لفظ ((من قبل)) من جهة عدم كون الأخبار منقولة إلينا بالقراءة، كما كانت في عصر الأئمة ـ عليهم السلام ـ وما قاربه من الأعصار بل بالوجادة، احتمالين، كما صرّح به (الجواهر)[15] ، أحدهما: بسكون الباء وفتح القاف بمعنى الزمان المتقدّم المقابل للفظ البُعد الزماني، ثانيهما: بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الناحية والجهة، فعلى الأوّل يكون الحديث سنداً للإمضاء، وعلى الثاني دليلاً على التأسيس، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فلكلٍّ منهما مبعّد.
ففي الأوّل: أنَّه لم يكن احتياج إلى كلمة ((من))، وكان ذكر لفظ ((قبل)) كافياً للاشارة إلى أنها كانت قبل زمان رسول الله، وكلمة ((من)) لا تزيد في هذا المعنى شيئاً أصلاً، فإنَّه لا فرق بين أنْ يقال: كان الأمر الفلاني قبل رسول الله، أي في زمان قبله، أو من قبل رسول الله، كما هو واضح غير محتاج إلى التفصيل والبيان، فعلى هذا، كلمة ((من)) تكون كالزائد، وهو كما ترى.
وفي الثاني: أنَّه لا ارتباط بين كون القسامة من جهة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ومن ناحيته، وبين قوله: ((تخلف))، كما يظهر بالتدقيق في العبارة، فعلى هذا كان عليه ذكر حرف واو الاستئناف، ومن عدم ذكره ـ كما ترى ـ يظهر عدم الدليل على الإمضاء، وأنَّ إثباتها مشكل، فالمتَّبع في موارد الشك القواعد والاُصول.
نعم، ما في غير واحد من أخبار الباب من تعليل القسامة بأنَّها مجعولة: ((إحتياطاً للناس))[16] أو أنّ ((القسامة نجاة للناس))[17] أو أنّ: ((حقن دماء المسلمين بالقسامة))[18] ، فهو المتَّبع والمحكّم في رفع الشكوك فيما تكون مرتبطة بتلك العلل، وفيما تكون تلك العلل أيضاً رافعة للشك، فالعلّة المذكورة من الاُصول والقواعد، فلا تغفل وكن على ذكر من ذلك لرفع الشك في شرائط القسامة وموانعها.
ثالثها: حلف القسامة ويمينها متفاوت ومفترق عن يمين المنكر وحلفه في الدعاوى في غير الدم من جهات خمسة:
الأوّل: أنّه في القسامة للمدّعي، وفي اليمين على المدّعى عليه.
الثاني: أنّه في القسامة خمسون، وفي المنكر واحد.
الثالث: أنَّ الحلف للغير ولإثبات حقه في القسامة ممكن وجائز دون حلف الدعاوى، فإنّ الحلف من غير المنكر غير نافذ، فإنَّ البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وذلك بخلاف باب القسامة، فإنَّ حلف غير الأولياء لتكميل القسامة نافذ.
الرابع: الحلف من الغير للنفي في القسامة جائز فيما كانت القسامة للمدّعى عليه، فله تكميل القسامة بحلف غيره على نفي القتل عنه، وهذا بخلاف باب الدّعاوى فليس لغير المنكر الحلف على النّفي كما مرّ.
الخامس: نكول المدّعى عن القسامة التي هي حقّه موجب لقسامة المدّعى عليه إجماعاً، لكن نكول المدّعى عليه عن الحلف الذي هو حقّه في باب الدّعاوى فيه خلاف من أنَّه يردّ الحلف على المدَّعي بمحض النكول أو محتاج إلى ردِّه إليه مضافاً إلى نكوله.
وبالجملة، بين اليمين في القسامة وفي الدعاوى فروق خمسة، ولك أنْ تقول: في حلف القسامة مخالفة للقواعد من جهات خمس، من كون اليمين على المدّعي، ومن تعدُّد الأيمان فيها، ومن جواز حلف الإنسان لإثبات حق غيره، ولنفي الدعوى عن غيره، ولعدم سقوط الدعوى بنكول من توجَّهت عليه اليمين والقسامة، أي المدّعى، إجماعاً على ما في (المسالك)[19] بل تردّ اليمين والقسامة على غيره، أي المنكر.
رابعها: القسامة في الجملة عليها إجماع علماء الشيعة بل علماء الإسلام إلاَّ أبا حنيفة، فإنَّه قال: (لا أعتبر اللّوث ولا أراعيه ولا أجعل اليمين في جنبة المدّعي)[20].
وفي (الجواهر): بعد نقله ذلك منه: (وكم له من نحو ذلك، وإلاّ فهي من الضروريات بين علماء المسلمين، والنصوص فيها من الطرفين متواترة أو قطعيّة المضمون)[21].
خامسها: لمّا أنَّ القسامة مخالفة للقواعد من جهات، كما بيَّناه في الأمر الثالث، فمقتضى الأصل العملي في شروطها وموانعها الاقتصار على القدر المتيقن ومورد الدليل.
هذا، مضافاً إلى كون الأصل عدم الحكم إلاّ بالحجّة والدليل، وما مرّ من الرجوع إلى عموم العلّة هو فيما قبل الأصل، كما لا يخفى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الأعراف: 21.
[2] - الصحاح 5: 2010، 2011/ قسم.
[3] - القاموس المحيط: 1483/ قسم.
[4] - القَسامة: الجماعة يحلفون على الشيء ويأخذونه، الأيمان تُقسم على أولياء القتيل إذا ادّعوا الدم، المنجد مادة قسَمَ.
[5] - القسامة، بالفتح، اليمين كالقسم، وحقيقتها أن يُقْسم من أولياء الدم خمسون نفراً على استحقاقهم دمَ صاحبهم إذا وجدوه قتيلاً بين قوم ولم يُعرف قاتله. لسان العرب 11: 165.
[6] - وهي الأيمان تقسَّم على أولياء المقتول إذا ادّعوا دم مقتولهم على ناس اتّهموهم به مقاييس اللّغة 5: 86، مادة (قسم).
[7] - في مجمع الفائدة: (في اصطلاح الفقهاء: اسم للأيمان المقررة عندهم لمدّعي الدم وأقاربه). مجمع الفائدة والبرهان 14: 180.
[8] - جواهر الكلام 42: 226.
[9] - مسالك الإفهام 15: 198.
[10] - لسان العرب 11: 164.
[11] - جواهر الكلام 42: 226.
[12] - لسان العرب 11: 165.
[13] - وسائل الشيعة 29: 155، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 10.
[14] - وسائل الشيعة 29: 156، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 10، الحديث 5.
[15] - جواهر الكلام 42: 226.
[16] - صحيحة زرارة، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: ((إنّما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكيما إذا أراد الفاسق أنْ يقتل رجلاً، أو يغتال رجلاً حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل)). وسائل الشيعة 29: 151، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب 9، الحديث 1.
[17] - صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن القسامة كيف كانت؟ فقال: ((هي حقٌ، وهي مكتوبة عندنا، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثُمَّ لم يكن شيء، وإنَّما القسامة نجاة للناس))، وسائل الشيعة 29: 151، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب9، الحديث 2.
[18] - خبر بريد بن معاوية، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن القسامة، فقال: ((الحقوق كلّها البيّنة على المدَّعي واليمين على المدَّعى عليه، إلاّ في الدم خاصّة، فإنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الأنصار: إنَّ فلاناً اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمته، فإنْ لم تجدوا شاهدين، فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أنْ نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وقال: إنَّما حقن دماء المسلمين بالقسامة، لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدِّوه حجزه مخافة القسامة أنْ يقتل به فكفّ عن قتله، وإلاّ حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً، وإلاَّ اغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون))، وسائل الشيعة 29: 152، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب9، الحديث 3.
[19] - مسالك الإفهام 15: 199.
[20] - كتاب الخلاف 5: 303.
[21] - جواهر الكلام 42: 227.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org