Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: دروس خارج الفقه
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القول فيما يثبت به القود (درس70)
القول فيما يثبت به القود (درس70)
الدرس دروس خارج الفقه
_AyatollahSanei
القصاص
الدرس 70
التاريخ : 1998/05/07

القول فيما يثبت به القود (درس70)

بسم الله الرحمن الرحيم

والمراد به أمارة ظنية قامت عند الحاكم على صدق المدّعي.
صريح المتن و(الشرائع)[1] و(الجواهر)[2] وغيره اعتبار مطلق الظنّ في اللوث، وكفايته فيه.
لكنَّ الظاهر عدم كفاية ذلك الظنّ فيه، بل لابدَّ من كونه قوياً اطمئنانياً بحيث لو كان مورد الدّعوى غير الدم والقتل من الاُمور الماليّة لكان للقاضي الاكتفاء بالأمارات الموجبة لذلك القسم من الظنّ والحكم على طبقها; لكون الاطمئنان كذلك علماً عاديّاً حجَّة في القضاء، كما يظهر من قضايا عليّ ـ عليه السلام ـ وأنَّ تلك القضايا مخصِّصة لقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: ((إنَّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان))[3] كما حققناه في محلّه في قضاء ملحقات (العروة).
لكن ليس له الاكتفاء بذلك العلم في المقام; لكون باب الدم والقصاص خطيراً محتاجاً إلى الاحتياط فيه أكثر من سائر الموارد; وذلك، أي الظهور، لوجوه ستة:
أحدها: ما مرَّ في الوجه الرابع من وجوه اعتبار أصل اللوث من لزوم الاقتصار على القدر المتيقن، فإنَّ القسامة خلاف الأصل، فلابدّ من الاقتصار على مورد اليقين، ولا يجوز الحكم بها مع الشك في مشروعيّتها وحجّيتها.
ثانيها: ما في غير واحد من أخبار أصل القسامة[4] إنْ لم يكن كلُّها في مورد فقدان أنصاري فوجدوه قتيلاً وادَّعى الأنصار كونه مقتولاً بفلان اليهوديّ أو اليهود، من قولهم: إنَّا لنكره أنْ نقسم على ما لم نره، أو كيف نحلف على ما لم نعلم ولم نشهد؟ أو كيف نقسم على ما لم نر؟ فإنَّ في عدم حلفهم على غير العلم وغير الرؤية بالعين من الظنّ والأمارات المقيدة بل للاطمئنان أيضاً، قضاءً لظاهر حالهم في النسبة، كما لا يخفى، فضلاً عن الشك، دلالة وشهادة على أنَّهم كانوا من الأخيار ومن المتقيدين في أمر الشهادة والحلف والقضاء، فإخبارهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بالقتل، وأنَّ الأنصاريَّ مقتول بيد اليهود موجب لاطمئنان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بالقتل وبصحّة ادِّعائهم، فحكمه ـ صلى الله عليه وآله ـ بالقسامة يكون أيضاً مع ذلك الاطمئنان، فهو المعتبر في القسامة دون مطلق الظنّ; لاختصاص تلك الأخبار بذلك دونه.
ثالثها: أنَّ قول عدَّة من الأنصار المصاحبين لرسول الله وإخبارهم بقتل رجل من الأنصار بنفسه موجب الاطمئنان.
رابعها: ما في رضا النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بعدم حلف اليهود وقسامتهم لعدم رضا الأنصار به مع علمهم بأنَّهم كفّار وبأنَّه لا أحد يصدِّق اليهود، وبغير ذلك من أمثال تلك التوجيهات، فإنَّه لو لم يكن قولهم موجباً لاطمئنان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بصدق الأنصار وكذب اليهود لم يصحّ للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ الرضا بترك حلفهم، حيث إنَّه على فرض الظنّ بكذبهم يصحّ منهم الحلف، فإنَّ الحلف حقّ لهم، ورافع للتهمّة عنهم، وإنَّما لا يصحّ حلفهم مع اطمئنان الحاكم والنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بكذبهم.
خامسها: مقتضى التعليل الواقع في أخبار القسامة من أنَّها جعلت نجاة للناس، وأنَّها حوط يحاط به النّاس، وأنّه لولاها لقتل الناس بعضهم بعضاً، وأنَّه جعل اليمين في الدم للمدّعي لئـلاّ يبطل دم امرئ مسلم، فإنَّ الحاصل من مجموعها أنَّ العلّة حفظ الأنفس والدماء، ومن المعلوم أنَّ القول بكفاية مطلق الظنّ معارض ومخالف لتلك العلّة لاستلزامه هدر الدماء بقسامة الأفراد الفاسقين والمجهولين في مورد مطلق الظنّ الذي حصوله سهل، وهذا بخلاف الاطمئنان، فإنَّ حصوله وتحقُّقه للحاكم مشكل، لاحتياجه إلى أمارات مفيدة له بحسب العادة، ثمّ أنَّه مع حصوله كذلك لابدَّ للحاكم من الحكم، وليس حكمه موجباً للهدر; لأنَّ الحكم كذلك عقلائي، والشارع شرَّع القسامة معه احتياطاً في الدماء.
وبالجملة، بعد ما لم يكن اللوث ولا الظنّ مورداً للنصِّ وإنَّما الموجود في النصوص عدَّة من الأمارات في غير واحد منها، وبعدما كانت القسامة على خلاف القواعد فلابدّ من الاقتصار على المتيقَّن، وأنَّ المراد من اللوث الظنّ الاطمئناني المتآخم للعلم; قضاءً للأصل المؤيَّد والمعتضد بما مرَّ من الوجوه الأربعة، وبالاعتبار العقلائي حيث إنَّهم يعتبرون القسامة كذلك، أي القسامة مع الاطمئنان الحاكم بالقتل على النحو الذي لو كان ذلك الاطمئنان الحاصل من الأمارات في غير الدماء من الأموال للزم الحكم على طبقه بلا قسامة، ويحكمون أيضاً برعاية الشارع في الحكم بها الحكمة، هذا خلاف القسامة مع الظنّ، فإنَّها موجبة عندهم لهدر الدماء بقسامة المجهولين والفسَّاق; لعنادهم مع المتَّهم، ويعتبرونها خالية عن الحكمة، وغير مناسبة مع الشارع تعالى، الذي أُحكمت آياته ثم فصَّلت من لدن حكيم خبير.
ولك أنْ تجعل هذا الوجه وجهاً سادساً، يرجع حاصله إلى كون صحَّة القسامة مع الظنّ خلاف العقل لما يراه العقلاء خلاف الحكمة، بل تكون مخالفةً لآيات الكتاب المتضمّنة لكون الشارع حكيماً في شرعة وتكوينه، وأنَّ أحكامه مع الحكمة أُحكمت.
ثمَّ إنَّه يظهر من (الجواهر) في مسألة تحقق اللوث وعدمه فيما لو كان جماعة المخبرين صبياناً أو كفّاراً الاستدلال على كفاية مطلق الظنّ في اللّوث بأمرين، أحدهما: إطلاق أدلّة القسامة، ثانيهما: الأمثلة المذكورة في عبارات الفقهاء مثالاً للّوث، ودونك عبارته:
(وأشكل من ذلك) أي من عدم اللوث مع شهادة الصبيّ أو الفاسق أو الكافر ولو كان مأموناً في نحلته (قولهم: ولو كان الجماعة صبياناً أو كفّاراً لم يثبت اللوث ما لم يبلغ حدَّ التواتر، مع أنَّ بلوغه حدَّ التواتر يوجب ثبوت القتل لا اللوث، وحمله في (كشف اللثام)[5] على الشياع.
وفيه: أَنَّه لا دليل على اعتباره أيضاً; لما سمعته من النصوص الدالَّة بإطلاقها على سماع دعوى المدعي في الدماء، أقصى ما تقيَّدت من جهة الإجماع وغيره بعدم القسامة مع عدم أمارة توجب ظناً، وحينئذ فمتى حصل الظنّ بصدق المدعي من امارة من أماراته سمعت دعواه بالقسامة من غير فرق بين أسباب الظنّ، بل وأفراده; إذ الظاهر إرادة حصول الظنّ من قول المصنف وغيره: (يغلب) إلى آخره في تعريف اللوث، لا اعتبار الظن الغالب، نحو ما عبَّروا به في الشك في عدد الركعات من غلبة الظن نصّاً وفتوىً، وإلاّ كان منافياً لإطلاق الأدلّة، بل ولما ذكروه من الأمارات التي تفيد الظنّ، لا الظنّ الغالب، ومنه المتآخم للعلم، نعم لابدَّ من الانتقاد للأفراد المشتبهة بالظنّ،، فإنَّ بعض أفراد الشك قد تشتبه به، وإلاَّ فمتى حصل ثبت الحكم، واحتمال القول بأنَّ الإطلاق عُلم تقييده باللوث، والمتيقَّن منه ظنٌّ مخصوص يدفعه ما عرفت من عدم وجود لفظ اللوث، وعلى تقديره فقد عرفت ما ذكروه في تفسيره وما ذكروه من الأمثلة له، وأنَّه على تقديره لا دليل عليه، وليس المقام من التقييد بالمحلِّ، كما هو واضح، نعم لابدَّ من وجود أمارة تقتضي الظنّ بصدق المدَّعي)[6].
وفيه: أمَّا إطلاق الأدلّة فمقيَّدة بما فيها من العلّة بأنَّها نجاة للناس وحوط يُحاط بها الناس وغيرهما ممّا يقرب بهما، وقد مرَّ أنَّ مقتضاها عدم جواز القسامة مع الظنّ.
وأمَّا ما في عبارات الأصحاب من أمثلة اللوث ومورده فليس إلاَّ بياناً للموضوع، حسب آرائهم في الموارد، وبنائهم على كفاية مطلق الظنّ، فلا تعبُّد فيها حتى يكون الإجماع القولي فيها، فضلاً عن الاستنباطي منها، حجّة.
هذا، مع ما لهم من الاختلاف كثيراً في تلك الموارد، ففي مثل القتيل في القرية ذهب بعضهم إلى أنَّه لوث على الإطلاق، وآخرون إلى أنَّه لوث مع التُّهمة، وثالث إلى أنَّه لوث مع العداوة، ومن الاضطراب حيث إنَّ (الشرائع)[7] اكتفى بالعدل الواحد للّوث دون شهادة الصبيان والنساء والكفّار، مع أنَّه لا فرق بينه وبينهم في إفادة الظنِّ، بل لعلَّ الظنَّ الحاصل منهم قد يكون أقوى من الحاصل من شهادته.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - شرائع الإسلام 4: 996.
[2] - جواهر الكلام 42: 232.
[3] - عوالي اللآلي 1: 240.
[4] - وسائل الشيعة 29: 152، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل، الباب9، الحديث3، خبر أبي بصير. و29:155، الباب10، الحديث 1، خبر عبد الله بن سنان، والحديث 3، صحيحة زرارة، و29: 156، الباب 10، الحديث 5، خبر أبي بصير، و29: 158، الباب 10، الحديث 7، خبر سليمان بن خالد.
[5] - كشف اللثام 2: 280.
[6] - جواهر الكلام 42: 239.
[7] - شرائع الإسلام 4: 996 و997.
الدرس اللاحق الدرس السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org