Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مدخل

مدخل تعدّ مسألة الارث والتوارث بين المسلم والكافر من موضوعات الفقه الإسلامي، وقد بحثت هذه المسألة في الكتب الفقهية عند المذاهب الإسلامية جميعها بشكل موسّع وبالغ الاهتمام، ولابدّ لنا أن نعرف أن نظريات المذاهب الفقهية هنا غير متحدة، بل بينها اختلاف، فبعض أبعاد هذا الموضوع ما اتفق عليه تمام فقهاء المسلمين، فيما اختلفوا في بعض الأبعاد الأخرى التي شهدت خلافاً فقهياً.

يذهب فقهاء المذاهب الإسلامية كافة، أعم من الشيعة وأهل السنّة، إلى أن الكافر لا يرث من المسلم، لكنهم لا يتفقون على إرث المسلم من الكافر، فجمهور فقهاء أهل السنّة يعتقدون أن المسلم لا يرث من الكافر، أما مشهور فقهاء الشيعة فيذهبون إلى إرثه منه، بل الى منع المسلم لسائر الورثة الكفار من الإرث من الكافر الميت أيضاً، بمعنى أنه لو توفي كافر وله وارث مسلم واحد وعدة ورثة كفار، كان تمام تركته ملكاً بالإرث للمسلم الواحد.

من هنا; وقبل تشريح أبعاد هذه المسألة، من المناسب الإشارة إلى نظريات فقهاء المذاهب الإسلامية في هذا المجال، على الشكل التالي:

1 ـ آراء فقهاء الإمامية:

1 ـ 1 ـ يقول الشيخ الصدوق في «المقنع»: «واعلم أنه لا يتوارث أهل ملّتين، والمسلم يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، ولو أن رجلا ترك ابناً مسلماً وابناً ذمياً لكان الميراث للابن المسلم»([5]).

2 ـ 1 ـ ويقول الشيخ المفيد في كتاب «المقنعة»: «ويرث أهل الإسلام بالنسب والسبب أهلَ الكفر والإسلام، ولا يرث كافر مسلماً على حال; فإن ترك اليهودي أو النصراني أو المجوسي ابناً مسلماً وابناً على ملّته، فميراثه عند آل محمد(صلى الله عليه وآله) لابنه المسلم دون الكافر»([6]).

3 ـ 1 ـ ويقول السيد المرتضى في كتاب «مسائل الناصريات»: «نحن نرث المشركين ونحجبهم. هذا صحيح، وإليه يذهب أصحابنا... ونحن نقول: إنّ المسلم يرث الكافر ولا يرثه الكافر، فلا توارث بين الملّتين»([7]).

4 ـ 1 ـ ويتحدث أبو الصلاح الحلبي في هذا الخصوص في كتاب «الكافي في الفقه»: «ولا يرث الكافر المسلم وإن اختلف جهات كفره وقرب نسبه، ويرث المسلم الكافر وإن بَعُدَ نَسَبُهُ كابن خال مسلم لموروث مسلم، أو (كذا) كافر له ولد كافر بيهودية أو نصرانية أو جبر أو تشبيه أو جحد نبوة أو إمامة، ميراثه لابن خاله المسلم دون ولده الكافر»([8]).

5 ـ 1 ـ ويقول ابن حمزة في «الوسيلة»: «المسلم يرث الكافر، ولا يرثه الكافر»([9]).

6 ـ 1 ـ وينصّ المحقّق الحلي في كتاب «شرائع الإسلام»، فيقول: «والكفر المانع: هو ما يخرج به معتقده عن سمة الإسلام; فلا يرث ذمي ولا حربي ولا مرتد مسلماً، ويرث المسلم الكافر، أصلياً أو مرتداً. ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم، كان ميراثه للمسلم ـ ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة ـ دون الكافر وإن قرب، ولو لم يخلف الكافر مسلماً ورثه الكافر إذا كان أصلياً»([10]).

7 ـ 1 ـ ويقول ابن سعيد في «الجامع للشرائع»: «والكفار يتوارثون وإن اختلفت مللهم، والمسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في الآراء، وإن ترك الكافر ولداً كافراً، وابن أخ، وابن أخت مسلمين، فالثلث لابن الأخت، والثلثان لابن الأخ، دون الولد»([11]).

8 ـ 1 ـ ويذكر الشهيد الأول في «الدروس» فيقول: «وثانيها: الكفر; فلا يرث الكافر المسلم وإن قرب، حتى أن ضامن الجريرة المسلم والإمام يمنعانه، ويرث المسلم الكافر، ويمنع ورثته الكفار، وإن قربوا وبعد»([12]).

9 ـ 1 ـ وجاء في «جواهر الكلام» حول إرث المسلم من الكافر وعدم إرث الكافر من المسلم ما يلي: «فالكفر المانع عنه... فلا يرث ذمي ولا حربي ولا مرتدّ ولا غيرهم من أصناف الكفار مسلماً بلا خلاف فيه بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر كالنصوص، ولا ينعكس عندنا، بل يرث المسلم الكافر أصلياً ومرتداً; فإن الإسلام لم يزده إلا علواً، كما في النصوص»([13]).

2 ـ آراء فقهاء أهل السنّة:

يقول الشافعي (150 ـ 204 هـ) في كتاب «الأم»: «أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». قال الشافعي: «بهذا نقول; فكل من خالف دين الإسلام من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان; فإن ارتدّ أحد من هؤلاء عن الإسلام لم يرثه المسلم; لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين، فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتدّ وحده، فإنه قال: ترثه ورثته من المسلمين»([14]).

وكتب أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الشافعي (476 هـ) في كتاب المهذب ما نصّه: «ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم، أصلياً كان أو مرتداً، لما روى أسامة بن زيد(رضي الله عنه) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم»([15]).

وقال أحمد بن محمد بن القدوري الحنفي (332 ـ 428 هـ) في كتاب المختصر: «والكفر كلّه ملّة واحدة يتوارث به أهله، ولا يرث المسلم من الكافر، ولا الكافر من المسلم، ومال المرتدّ لورثته من المسلمين، وما اكتسبه في حال ردّته فيء»([16]).

ويذكر ابن رشد المالكي (450 ـ 520 هـ) في كتاب «بداية المجتهد» ما نصّه: «أجمع المسلمون على أنّ الكافر لا يرث المسلم; لقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا); ولما ثبت من قوله(صلى الله عليه وآله): لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. واختلفوا في ميراث المسلم الكافر، وفي ميراث المسلم المرتد; فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا يرث المسلم الكافر، بهذا الأثر الثابت، وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة، وسعيد بن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة إلى أن المسلم يرث الكافر»([17]).

وكتب ابن قدامة الحنبلي (541 ـ 620 هـ) في كتاب المقنع ما يلي: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، إلا أن يسلم قبل قسم الميراث; فيرثه»([18])، كما يكتب في «الكافي» يقول: «ويمنع الميراث ثلاثة أشياء: اختلاف الدين; فلا يرث مسلم كافراً ولا كافر مسلماً بحال; لما روى أسامة بن زيد عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر»([19]).

والذي يظهر لنا باستعراض الآراء والمواقف في هذا الموضوع، أن هناك ثلاث مسائل:

1 ـ عدم إرث الكافر من المسلم، وهذا متفق عليه بين المذاهب الإسلامية.

2 ـ إرث المسلم من الكافر، وهو ما يذهب إليه فقهاء الإمامية.

3 ـ مانعية المسلم عن إرث الورثة الكفار; وهذا ما يذهب إليه أيضاً فقهاء الإمامية.
إن دراستنا الفقهية في هذا البحث سوف تدلّل على أن عدم إرث الكافر من المسلم له معنى خاص; أي أنه لا يشمل مطلق غير المسلم، وبعبارة أخرى: الكافر عنوان أخص من عنوان غير المسلم ومطلقه، كما أن مانعية المسلم من إرث الورثة الكفار تحتوي هذا المعنى أيضاً. ولكي نحلّل نظريتنا المختارة هنا، ونمارس النقد والتفكيك للنظريات الأخرى المعروفة في فقه الإمامية، نظّمنا هذه الرسالة في أربعة فصول:

الفصل الأوّل: الأسس والمبادئ النظرية.

الفصل الثاني: عدم إرث غير المسلم من المسلم.

الفصل الثالث: إرث المسلم من غير المسلم وحجبه للورثة غير المسلمين.

الفصل الرابع: النظرية المختارة.




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org