Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: المقدّمة

المقدّمة

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمـُتَطَهِّرِينَ ).[1]

إنّ باب “الطهارة” من الأبواب الهامّة في الفقه، وقد شغل مساحة واسعة من الروايات المنقولة عن المعصومين (ع)، الأمر الذي أدّى إلى اختلاف وتضارب كبير بين آراء الفقهاء، وفي الوقت نفسه فإنّ هذا يشير إلى أهميّـة هذا الباب واهتمام الإسلام بموضوع “الطهارة” و”النظافة”.

إنّ “الطهارة” من الموارد التي يتقرّب بها العباد إلى الله سبحانه وتعالى، وإنّ عباديّـة “الوضوء” و”الغسل” و”التيمّم”، وكذلك الأوامر الوجوبيّـة والاستحبابيّـة فيما يتعلّق برعاية النظافة والطهارة في حقّ الميّت، تؤكّد الاهتمام البالغ لشريعة الإسلام المقدّسة بالنظام والبُعد عن الأقذار الجسديّـة، ممّا يشكل بدوره مقدّمة للتقرّب من الله والنقاء الروحي.

لقد أدّى تأكيد الفقهاء على بيان أمور من قبيل: الوضوء والغسل، إلى تخصيص مساحة كبيرة من كتب الفقهاء لمسائل وأبحاث متنوّعة فيما يتعلّق بهذه الأمور. إنّ الغسل واحد من الأحكام العباديّـة في الشريعة المقدّسة، وقد ورد ذكره في المصادر الفقهيّـة على نحو الوجوب أو الندب. وعلى الرغم من عدم اتّضاح جميع العلل التشريعيّـة لأحكام من قبيل الغسل والوضوء ـ وهما من الأحكام التأسيسيّـة والعباديّـة ـ ولكن ورد في بعض الروايات الواردة في علل تشريع “غسل الجمعة” أنّ الحكمة من ذلك إزالة الروائح الكريهة.[2]

كما أنّ الفرد من خلال التأمّل والتفکّر في أسباب تشريع الأغسال المندوبة، من قبيل: غسل الزيارة والإحرام، قد يصل إلى بعض حِكَمها، من قبيل: رعاية حقوق الله، وحقّ جسد المكلّف عليه، وحقوق الآخرين من الذين يتعاملون معه؛ إذ أنّ الإنسان في مثل هذه الموارد يتعاطى في الغالب مع أبناء المجتمع، ويضطرّ إلى معاشرتهم. وعليه، ينبغي أن يأخذ زينته عند الخروج إلى الوسط الاجتماعي فيكون طاهر الظاهر ونقيّ الباطن؛ فلا يؤذيهم برائحة كريهة.[3] ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ هناك عللاً أخرى لـ “الأمر بالغسل” لا يمكن للعقول أن تنالها بسبب عباديّتها، أو لعجز العقول عن إدراكها؛ لقوله تعالى: ( وَمـَا أُوتِيتُمْ مـِنَ الْعِلـْمِ إِلَّا قَلِيلًا).[4]

الأمر الآخر الذي يجب الالتفات إليه هو أنّ الإسلام دين يحترم الحياة الفرديّـة إلى حدّ كبير. وله الكثير من الأحكام والقوانين الخاصّة والعامّة في هذا الشأن. بيد أنّ هذه القوانين لا تنافي يُسر الدين أبداً. وبعبارة أخرى: إنّ القوانين والأحكام الإلهيّـة لا تعرّض الإنسان إلى المشقّة والحرج، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).[5]

ومن هنا فقد أقام النبيّ الأكرم (ص) بعثته على السهولة واليُسر في أداء التكاليف الإلهيّـة، وفي ذلك رويَ عنه (ص)، أنّه قال: “بُعثت بالحنيفيّـة السمحة”.[6]

وعليه، فإنّ الإسلام إذا أمر بـ “الغسل” أو “الوضوء”، فإنّما يكون ذلك بالنظر إلى ظروف وشرائط خاصّة تمّت الإشارة إليها في الكتب الفقهيّـة، وإذا أدّى شرط إلى وقوع المكلّف في المشقّة والعُسر، عمد الشارع المقدّس إلى تدارك مصلحة التكليف الابتدائي بتشريع أيسر؛ حتّى إذا فُقد الماء أو حال دون استعماله مرض، سقط وجوب أو استحباب [الوضوء أو الغُسل]، وحلّ محلّهما بـ”التيمّم”، وهكذا الأمر بالنسبة إلى أبواب الفقه الأخرى المذكورة في مظانّها.

والحمد لله أوّلاً وآخراً

-----------

[1]. البقرة: 222.

[2]. روى الشيخ الصدوق (ره) في كتاب (من لا يحضره الفقيه)، عن الإمام الصادق (ع)، أنّه قال في بيان علّة غسل الجمعة: «إنّ الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها، فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم؛ فأمرهم رسول الله (ص) بالغسل، فجرت بذلك السنّة». (من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 112، ح: 230؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 315، أبواب الأغسال المسنونة، الباب السادس، ح: 15).

[3]. روى الطبرسي في مكارم الأخلاق بشأن أهميّـة الطهارة والنظافة، قائلاً: «كان (ص) ينظر في المرآة ويرجل جمّته ويتمشط، وربما نظر في الماء وسوى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله، وقال: إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل». (مكارم الأخلاق، ص 34؛ وسائل الشيعة، ج 5، ص 11، أبواب أحكام الملابس، الباب الرابع، ح: 2).

[4]. الإسراء: 85.

[5]. البقرة: 185.

[6]. الكافي، ج 5، ص 494، باب كراهيّة الرهبانيّة وترك الباه، ح: 1؛ الأمالي(للطوسي)، ص 528، ضمن الحديث: 1؛ وسائل الشيعة، ج 8، ص 116، أبواب بقيّـة الصلوات المندوبة، الباب الرابع عشر، ح: 1؛ مسند أحمد، ج 5، ص 266؛ المعجم الكبير، ج 8، ص 170.

العنوان اللاحق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org