Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مؤلّفات الحكمة العمليّة للحكيم الطوسي

مؤلّفات الحكمة العمليّة للحكيم الطوسي

مؤلّفات([1]) الحكمة العمليّة للحكيم الطوسي

اتّصفت روح المحقّق الطوسي بكونها روحاً تمزج بين العقل والاستدلال، بسبب كثرة ممارسته وأنسه بالفلسفة والرياضيّات. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك في كتاباته; بأن تشتمل تصانيفه على جهات استدلاليّة وفلسفيّة ورياضيّة. ولهذا السبب كانت كتاباته بمثابة حلقات السلسلة; مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، كما أنّ أسلوب كتابته وإنشاءه كان بشكل منطقي وبرهاني.

أخلاق ناصري

يعدّ هذا الكتاب نموذجاً بارزاً للكتابات الاستدلاليّة والمتينة علميّاً، حتّى اعتبر من جملة الكتب المعقدة علميّاً; حيث تبتني بعض فصوله ومباحثه على مبادئ أصول الفلسفة النظريّة. لذا يمكن القول بأنّ ما ورد في هذا الكتاب من مطالب إنّما هي فلسفة الأخلاق، قبل أن تكون من علم الأخلاق.

وقد دوّن المحقّق الطوسي هذا الكتاب عندما كان مقيماً في قهستان، ومصاحباً لحاكمها الذي كان إسماعيلىّ المذهب; وهو ناصر الدين عبد الرحيم بن منصور ( المتوفّى 655 هـ )، ولذلك أطلق عليه اسم «أخلاق ناصري»، مشتقّاً اسمه من اسم ناصر الدين. وكان حاكم قهستان قد طلب منه أن يترجم كتاب طهارة الأعراق في تهذيب الأخلاق لابن مسكويه من اللغة العربيّة إلى الفارسيّة. وبما أنّ هذا الكتاب كان في تهذيب الأخلاق فقط، خالياً عن الأمرين الآخرين; تدبير المنزل وسياسة المدن، فقد عقد المحقّق الطوسي العزم على تأليف كتاب مستقلّ يحتوي على هذه الأقسام الثلاثة من أقسام الحكمة العمليّة، بالإضافة إلى احتوائه على ما ذكر في كتاب طهارة الأعراق أيضاً. وهذا الذي جعله يؤلّف كتاب أخلاق ناصري في أنواع الحكمة العمليّة باللغة الفارسيّة، ويكتب في خطبة الكتاب مطالب تتناسب مع مذاق الإسماعيليّين، وجعلها باسم علاء الدين محمّد بن الحسن (618 ـ 653 هـ ) زعيم الإسماعيليّين في إيران في ذلك الوقت. وقد قام المحقّق الطوسي بتغيير هذه الخطبة بعد انقراض الإسماعيليّين على يد هولاكو خان المغولي.

دوّن المحقّق الطوسي كتاب أخلاق ناصري في ثلاث مقالات; المقالة الأولى في تهذيب الأخلاق، وهي أهمّ ما في هذا الكتاب، وأكثرها تفصيلا. وكان عمدة توجّهه إلى كتاب طهارة الأعراق لابن مسكويه; بحيث إنّه ذكر جميع ما ورد في ذاك الكتاب تقريباً بشكل متفرّق في كتاب أخلاق ناصري.

المقالة الثانية من كتاب أخلاق ناصري حول تدبير المنزل; حيث نرى أن المحقّق الطوسي أضاف في هذه المقالة رسالة «تدبير المنزل».

وأمّا المقالة الثالثة من هذا الكتاب، فهي في سياسة المدن.

يعدّ كتاب « أخلاق ناصري » من أعظم الكتب الفارسيّة وأهمّها في الحكمة العمليّة، والتي دوّنت بطريقة فلسفيّة. ومع أنّه قام الكثير من الكتّاب بتأليف العديد من الكتب منذ ذلك الزمان إلى وقتنا هذا، محاولين تقليد المحقّق الطوسي في عرضه لهذا الكتاب والاقتباس منه، إلاّ أنّ كتاباً منها لم يصل إلى الحدّ المطلوب الذي وصل إليه كتاب أخلاق ناصري.

المسألة المحوريّة التي تناولها كتاب أخلاق ناصري، هي بيان أجناس وأنواع الفضائل والرذائل الأخلاقيّة; حيث عرّف الفضيلة الأخلاقيّة بأنّها ما يكون على أساس الاعتدال والمحافظة على الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط. وعلى ضوء الدراسات المنطقيّة الكلّية التي تجعل مجموعة من الأفراد تحت صنف، ومجموعة أصناف تحت نوع، ومجموعة أنواع تحت جنس، فقد جعل بعض الفضائل الأخلاقيّة بمنزلة الأجناس، وبعضها الآخر في دائرة الأنواع والأصناف. وقد وضع أربعة فضائل في منزلة الأجناس، هي بالترتيب: 1 ـ الحكمة، 2 ـ الشجاعة، 3 ـ العفّة، 4 ـ العدالة.

وتطلق الحكمة على اعتدال القوّة النظريّة، بينما تطلق الشجاعة على اعتدال القوّة الغضبيّة أو قوّة دفع المنافر، كما أنّ العفّة تطلق على اعتدال القوّة الشهويّة البهيميّة، أو قوّة جذب الأمور، الملائمة. وأمّا العدالة فهي حالة بسيطة تتألّف من الفضائل الثلاثة السابقة ـ الحكمة والشجاعة والعفة ـ وتمزج بينها. وكلّ من هذه الأجناس الأربعة لها أنواع وأصناف متعدّدة.

وبناء على ما ذكر، يقابل كلّ جنس من أجناس الفضيلة الكليّة، جنسين كلّيين للرذيلة، وهما اللذان يشكلان طرفي الإفراط والتفريط. فعلى سبيل المثال، يمكن القول بأنّه مقابل فضيلة الشجاعة لدينا رذيلتان، هما التهوّر والجبن، بحيث يكون التهوّر هو جانب الإفراط، والجبن هو جانب التفريط. كما أنّ الحرص والخمود ـ في الشهوة ـ هما طرفا الإفراط والتفريط لفضيلة العفّة.

وعلى كلّ حال، يعدّ كتاب « أخلاق ناصري » من أعظم الكتب التي دوّنت باللغة الفارسيّة في علم الأخلاق والحكمة العمليّة.

أوصاف الأشراف

هذا الكتاب من حيث الحجم صغير جدّاً، إلاّ أنّ محتواه راق ومليء بالمعارف.

دوّن المحقّق الطوسي كتاب « أوصاف الأشراف » في ستّة أبواب، كلّ باب منها يحتوي على ستّة فصول، عدا الباب السادس منها، الذي هو في بيان نهاية حركة الإنسان، وموضوعه الفناء في التوحيد. لذا لم يذكر فيه فصول أخر. يختصّ كلّ باب من هذه الأبواب الستة والفصول المختلفة التي فيها، بمرحلة من مراحل السلوك، ومرتبة من مراتب سير السالك في هذا الطريق. ولا شكّ في أنّ السلوك نوع حركة، وهذه الحركة ناشئة من الشوق الذي يلهب باطن الإنسان، وبداية ظهور هذا الشوق هو اطّلاع الإنسان على نقصه وفقره. فعندما يقف الإنسان على نقصه يشرع بالسير للوصول إلى الكمال.

يرى المحقّق الطوسي أنّ السلوك هو نوع حركة، ويبيّن معنى هذه الحركة بالقول بأنّ كلّ مرحلة من مراحل الحركة تقع بين الفقدان السابق والوجدان اللاحق; حيث يتحقّق الوجدان اللاحق بمجرّد الفقدان السابق، وبعد الوجدان اللاحق تنتهي الحركة. وعلى هذا الأساس، في كلّ مرحلة من مراحل الحركة، أو حالة من حالات السالك، إذا قيست إلى المرحلة السابقة فهي كمال، وأمّا إذا أخذت بالنسبة إلى المرحلة التالية فتعدّ نقصاً.

وهنا يشير المحقّق الطوسي إلى الحديث المأثور عن النبىّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) الذي يقول فيه: «من استوى يوماه فهو مغبون».([2]) وكذا إلى الحديث الشريف: «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين».([3]) ويعتقد المحقّق الطوسي بأنّ الحركة في حالة اشتداد دائم، كما يرى أنّ السلوك مرتبط بعمليّة استكمال، ويتمّ في هذا الاشتداد والاستكمال عمليّة الانتقال من النقص إلى الكمال. ونلاحظ أنّه بعد عدّة قرون من عصر المحقّق الطوسي، أتى صدر المتألهين الشيرازي ليؤكّد على هذه النظريّة، ويعتبر أنّ الحركة الجوهريّة تبتني على هذا الأساس.

لقد استند المحقّق الطوسي في تأليفه كتاب « أوصاف الأشراف » على الآيات القرآنية والروايات الإسلاميّة، إلاّ أنّه كان يسعى دائماً أن لا يحصر نفسه في دائرة كلاميّة معيّنة، أو يحسب على طرف محدّد. وبمقدار ما كان عقله النظري وفياً للموازين العقليّة المحكمة والمعتبرة، ومعتمداً عليها، كان يرتكز على المسلّمات العقليّة في مجال العقل العملي أيضاً، ولم يكن يحيد أبداً عن المعطيات العقليّة في عمله.

استشهد المحقّق الطوسي في كلّ جميع فصول كتابه، وفي بداية كلّ فصل بآية من آيات القرآن الكريم، وكان يهدف من خلال ذلك إلى بناء منظومة أخلاقيّة مستفادة من القرآن الكريم.

من خلال مرور سريع على أسلوب الحكيم الطوسي في كتابيه المذكورين، يمكن الوقوف على الاختلاف الشكلي والمضموني بينهما. لذا لايشكّ القارئ في أنّ كتاب « أوصاف الأشراف » وكتاب « أخلاق ناصري » من تأليف مؤلّف واحد. كما لا يمكن التشكيك في أنّ موضوع كلا هذين الكتابين هو الحكمة العمليّة، وأنّ الأخلاق هي القسم الأساسي فيهما. لكن مع ذلك، هناك اختلاف كبير وعجيب بين هذين الكتابين في الشكل والمضمون. فبالإضافة إلى أنّ كتاب أوصاف الأشراف مرتبط بالأخلاق العرفانيّة وأسلوب أهل النظر، إلاّ أنّه ـ في الوقت ذاته ـ يعتمد على ديناميكيّة متجدّدة، لايرى مجالا لتوقّف السالك في سلوكه. بينما يبتني كتاب أخلاق ناصري على أساس نقطة الاعتدال والحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط، لكن مع ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه على الرغم من وجود اختلاف ظاهري بين هذين الكتابين، لايوجد بينهما، أي منافاة أبداً، بل يمكن القول بأنّ كلاّ منهما مكمّل للكتاب الآخر، وهذا ما يفصح عنه نفس المحقّق الطوسي في مقدّمة كتاب أوصاف الأشراف; حيث يقول:

«أمّا بعد، فقد تأمّل محرّر هذه الرسالة ومقرّر هذه المقالة محمّد الطوسي، بعد تحرير الكتاب الموسوم بـ «أخلاق ناصري» والمشتمل على بيان الأخلاق الكريمة والسياسات المرضيّة وطريقة الحكماء في أن يكتب مختصراً في بيان سير الأولياء وأسلوب أهل النظر، على قاعدة سالكي الطريق وطالبي الحقيقة، المبتنية على القوانين العقليّة والسمعيّة، والتي تعتبر لبّ هذه الصناعة وخلاصة هذا الفن».([4])

وبالإضافة إلى تأليفه كتابي أخلاق ناصري وأوصاف الأشراف، بادر المحقّق الطوسي إلى تأليف كتاب « أخلاق محتشمي » أيضاً. وهنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الجانب العملي والديني لهذا الكتاب، واضح أكثر ممّا هو موجود في كتاب أخلاق ناصري. وهناك اختلاف بين هذين الكتابين من حيث الشكل وأسلوب الكتابة، لكن مع التأمل القليل، يمكن الوقوف على أنّ كلا هذين الكتابين كُتبا بطلب من شخص واحد، وفي مدينة واحدة.

حيث طلب ناصر الدين أبو الفتح عبد الرحيم بن منصور في قهستان من الخواجة نصير الدين الطوسي أن يؤلّف له كتاباً، فما كان من هذا الحكيم العظيم إلاّ أن هبت فيه الهمّة للقيام بهذا الفعل. ويبيّن المحقّق الطوسي نفسه موضوع كتاب أخلاق ناصري، فيقول: «هو فنّ من فنون الحكمة، لاعلاقة له بمخالفة أو موافقة مذهب من المذاهب أو ملّة من الملل». وعليه، فقبل أن يكون كتاب أخلاق ناصري كتاباً مذهبيّاً، هو كتاب فلسفىّ، والحال أنّ « أخلاق محتشمي » عبارة عن كتاب ديني ومذهبي، بدأ في كلّ باب من أبوابه بآية من القرآن الكريم، واستند فيه على الأخبار والأحاديث المرويّة عن النبىّ الأكرم والأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين، بالإضافة إلى كلمات الأولياء الإلهيين.

ولدى الخواجة الطوسي آثار أخرى مهمّة أيضاً، يمكن عدّها من جملة المؤلّفات المرتبطة بالحكمة العمليّة. من هذه الآثار، يشار إلى ترجمة الأدب الوجيز، والذي كتبه المحقّق الطوسي لمحتشم قهستان أيضاً. وأصل هذه الرسالة «الأدب الوجيز للولد الصغير» كتبها ابن المقفّع باللغة العربيّة، فقام المحقّق الطوسي بنقلها إلى الفارسيّة.

ومن جملة الآثار التي تركها المحقّق الطوسي، رسالة «التولى والتبرّى» التي كتبها لنجيب الدين في قهستان، وقد اعتمد في كتابة هذه الرسالة على الأسلوب الباطني.

ومن مؤلّفاته المذهبيّة التي تنسب إليه، «رسالة في فضيلة أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام) »; إذ ينقل في بداية هذه الرسالة خبراً عن محمّد بن يعقوب الكليني يدلّ على أنّ صاحب هذه الرسالة هو شيعي إثنا عشري.

كذلك «رسالة آداب المتعلّمين» التي كتبت في مجال الحكمة العمليّة، لذا فهي تعتبر في عداد الكتابين الآخرين « أخلاق ناصري » و « أوصاف الأشراف » .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . يعدّ المترجم من بين الذين اشتهروا بكثرة التأليف والتصنيف في مختلف العلوم والفنون المعروفة في عصره، كالتاريخ والعلوم والأدب والفقه والتفسير والأخبار والحكمة والفلسفة والمنطق والأخلاق والأدعية والأذكار والسياسة والهندسة والحساب والجبر والمقابلة والهيئة والنجوم ( الفلك ) وعلم التقويم والـ « زيج » وأحكام النجوم والأسطرلاب والموسيقي وبقيّة العلوم . مؤلّفاته مشهورة بسهولة العبارة والخلوّ من تعقيداتها والتهذيب وتنقيح المعاني وبعدها عن الحشو والزوائد الخالية من المعاني، ممّا جعلها مورد رغبة الطلاّب وإقبال العلماء بنحو أصبحت تلك المؤلّفات من بين كتب الدراسة على امتداد قرون من الزمن. هذا، و تناولها كثير من العلماء بالتعليق والتداول والشرح . وقد كانت مؤلّفاته باللغة العربيّة والفارسيّة ، كما ترجمت بعض رسائله العلميّة من العربيّة إلى الفارسيّة، وبعض كتبه من الفارسيّة إلى العربيّة، كما ترجّم قسم من مؤلّفاته إلى اللغات الأجنبيّة الأخرى . وقد تناولت تلك المؤلّفات علوم الرياضيّات والأجوبة على المسائل المطروحة، وكذلك جملة من المقالات والمعالجات المختصرة إلى جانب ترجماته لكتب كثيرة. وقد قدم أكثر الباحثين في حياة المحقّق الطوسي قائمة بأسماء مؤلّفاته الكثيرة، كالسيّد الأمين في: أعيان الشيعة، وهو أنهاها إلى 186 عنواناً، والأفندىّ الإصفهانىّ في: رياض العلماء، والخوانساري في: روضات الجنّات، وخيرالدين الزركلي في كتابه: الأعلام، والشيخ عبداللّه نعمة في: فلاسفة الشيعة، والاُستاذ محمدتقي المدرّس الرضوي في كتابه: أحوال و آثار خواجه نصيرالدين طوسى، وغيرهم من المترجمين في أحوال الحكيم الطوسي، وإليك بمراجعتها ونحن نكتفي بهم.

[2] . بحار الأنوار، ج 74، ص 166.

[3] . بحار الأنوار، ج 25، ص 205.

[4] . أوصاف الأشراف، الخواجة نصير الدين الطوسي، ص 4.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org