Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كتاب الإقرار

كتاب الإقرار

الذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر ، أو بما يستتبع حقّاً أو حكماً عليه ، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه ، كقوله : له ـ أو لك ـ عليّ كذا ، أو عندي ـ أو في ذمّتي ـ كذا ، أو هذا الذي في يدي لفلان ، أو إنّي جنيت على فلان بكذا ، أو سرقتُ أو زنيتُ ، ونحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعي([1]) ، أو ليس لي على فلان حقّ ، أو أنّ ما أتلفه فلان ليس منّي ، وما أشبه ذلك ; بأيّ لغة كان ، بل يصحّ إقرار العربي بالعجمي وبالعكس ، والهندي بالتركي وبالعكس ; إذا كان عالماً بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة ، والمعتبر فيه الجزم ; بمعنى عدم إظهار الترديد وعدم الجزم به ، فلو قال : أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا ، ليس إقراراً .

(مسألة 1) : يعتبر في صحّة الإقرار ـ بل في حقيقته وأخذ المُقرّ بإقراره ـ كونه دالاًّ على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور ، فإن احتمل إرادة غيره احتمالاً يُخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ . وتشخيص ذلك راجع إلى العرف وأهل اللسان كسائر التكلّمات العادية ، فكلّ كلام ـ ولو لخصوصيّة مقام ـ يفهم منه أهل اللسان أنّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه ، أو سلب حقّ عن نفسه من غير ترديد ، كان إقراراً ، وإن لم يفهم منه ذلك ـ من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد والإجمال ـ لم يكن إقراراً .

(مسألة 2) : لايعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً ، أو كونه مقصوداً بالإفادة ، بل يكفي كونه مستفاداً من تصديقه لكلام آخر ، واستفادته من كلامه بنوع من الاستفادة ، كقوله : «نعم» في جواب من قال : «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان» ، وكقوله ـ في جواب من قال : «استقرضت مني ألفاً» أو «لي عليك ألف» ـ : «رددتُه» أو «أدّيتُه» ، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه ودعوى منه بسقوطه ، ومثل ذلك ما إذا قال ـ في جواب من قال : «هذه الدار التي تسكنها لي» ـ : «اشتريتها منك» ، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له ودعوى منه بانتقاله إليه . نعم قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقيّاً ، فلم يتحقّق الإقرار ، بل دخل في عنوان الإنكار ، كما إذا قال ـ في جواب من قال : «لي عليك ألف دينار» ـ : «نعم» أو «صدقت» ; مع صدور حركات منه دلّت على أنّه في مقام الاستهزاء والتهكّم وشدّة التعجّب والإنكار .

(مسألة 3) : يشترط في المقرّ به أن يكون أمراً لو كان المقرّ صادقاً في إخباره ، كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه ومطالبته به ; بأن يكون مالاً في ذمّته ; عيناً أو منفعة أو عملاً أو ملكاً تحت يده أو حقّاً يجوز مطالبته ، كحقّ الشفعة والخيار والقصاص ، وحقّ الاستطراق في درب مثلاً ، وإجراء الماء في نهر ، ونصب الميزاب في ملك ، ووضع الجذوع على حائط ، أو يكون نسباً أوجب نقصاً في الميراث ، أوحرماناً في حقّ المقرّ ، وغير ذلك ، أو كان للمُقرّ به حكم وأثر ، كالإقرار بما يوجب الحدّ([2]) .

(مسألة 4) : إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ، ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه ; لابالنسبة إلى غيره ، ولا فيما يكون فيه نفع له ، فإن أقرّ باُبوّة شخص له ولم يصدّقه ولم ينكره ، يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه ، لا في نفقته على المقرّ أو في توريثه .

(مسألة 5) : يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ، ويقبل من المقرّ ويلزم ويطالب بالتفسير والبيان ورفع الإبهام ، ويقبل منه ما فسّره به ، ويلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف واللغة ، وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه ، فلو قال : «لك عندي شيء» اُلزم بالتفسير ، فإن فسّره بأيّ شيء صحّ كونه عنده ، يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً ، كهرّة ـ مثلاً ـ أو نعل خلق لايتموّل . وأمّا لو قال : «لك عندي مال» ، لم يقبل منه إلاّ إذا كان ما فسّره من الأموال عرفاً وإن كانت ماليّته قليلة جدّاً .

(مسألة 6) : لو قال : «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده ، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» ، اُلزم بالتفسير وكشف الإبهام ، فإن عيّن اُلزم به لابغيره ، فإن لم يصدّقه المقرّ له ; وقال : «ليس لي ما عيّنت» ، فإن كان المقرّ به في الذمّة ، سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع ، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله ، وإن كان عيناً كان بينهما مسلوباً ـ بحسب الظاهر ـ عن كلّ منهما ، فيبقى إلى أن يتّضح الحال ، ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره . ولو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره ، فإن صدّقه المقرّ له ; وقال : أنا ـ أيضاً ـ لا أدري ، فالأقوى القرعة وإن كان الأحوط التصالح ، وإن ادّعى المعرفة وعيّن أحدهما ، فإن صدّقه المقرّ فذاك ، وإلاّ فله أن يطالبه بالبيّنة ، ومع عدمها فله أن يحلّفه ، وإن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً ، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه .

(مسألة 7) : كما لايضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به ، لايضرّان في المقرّ له ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لأحد هذين» يقبل ويلزم بالتعيين ، فمن عيّنه يُقبل ، ويكون هو المقرّ له ، فإن صدّقه الآخر فهو ، وإلاّ تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ . ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين ، ولو ادّعيا ـ أو أحدهما ـ عليه العلم كان القول قوله بيمينه .

(مسألة 8) : يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ والمجنون والسكران ، وكذا الهازل والساهي والغافل والمكره . نعم لايبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بماله أن يفعله ، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين .

(مسألة 9) : إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ، ويقبل فيما عدا المال ، كالطلاق والخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء ، وكذا في كلّ ما أقرّ به وهو يشتمل على مال وغيره ; لم يقبل بالنسبة إلى المال ، كالسرقة فيحدّ إن أقرّ بها ، ولايلزم بأداء المال .

(مسألة 10) : يُقبل إقرار المفلّس بالدين سابقاً ولاحقاً ، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء بتفصيل مرّ في كتاب الحجر ، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت ، وأنّه نافذ إلاّ مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث .

(مسألة 11) : لو ادّعى الصبيّ البلوغ فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ، ولايثبت بمجرّد دعواه ، وكذا إن ادّعاه بالسنّ ، فإنّه يطالب بالبيّنة([3]) . وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه ، فثبوته بقوله بلا يمين ـ بل معها ـ محلّ تأمّل وإشكال .

(مسألة 12) : يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق ، فلو أقرّ لدابّة بالدين لغا([4]) ، وكذا لو أقرّ لها بملك ، وأمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ ونحوه ، كأن يقول : «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» ، أو لهذا مريداً به ذلك ، فالظاهر أنّه يقبل ويحكم بمالكيّة مالكها ، كما أنّه يقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها ; بمال خارجيّ أو دين ; حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها ; من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها .

(مسألة 13) : لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره ، فإن كان المقرّ به ديناً أو حقّاً لم يطالب به المقرّ ، وفرغت ذمّته في الظاهر ، وإن كان عيناً كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر ، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها . هذا بحسب الظاهر . وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ ـ بينه وبين الله تعالى ـ تفريغ ذمّته من الدين ، وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره ، وإلاّ ففيه تأمّل .

(مسألة 14) : لو أقرّ بشيء ثمّ عقّبه بما يضادّه وينافيه ، يؤخذ بإقراره ويُلغى ما ينافيه ، فلو قال : «له عليّ عشرة ، لابل تسعة» يلزم بالعشرة . ولو قال : «له عليّ كذا ، وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يلزم بالمال ولايسمع منه ما عقّبه . وكذا لو قال : «عندي وديعة وقد هلكت» ، فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله : «عندي» الظاهر في وجودها عنده . نعم لو قال : «كانت له عندي وديعة وقد هلكت» فلا تنافي بينهما ، وهو دعوى لابدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة .

(مسألة 15) : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت ، ونفس المستثنى إن كان من المنفي ، فلو قال : «هذه الدار التي بيدي لزيد إلاّ القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بما عداها ، ولو قال : «ليس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بها . هذا إذا كان الإخبار متعلّقاً بحقّ الغير عليه . وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال : «لي هذه الدار إلاّ القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن القبّة ، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يُسمع منه ، ولو قال : «ليس لي من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانيّة» كان إقراراً بعدم استحقاق ما عدا القبّة .

(مسألة 16) : لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر ، كما إذا قال : «هذه الدار لزيد» ، ثمّ قال : «لعمرو» ، حكم بكونها للأوّل واُعطيت له ، واُغرم للثاني بقيمتها .

(مسألة 17) : من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب كالبنوّة والاُخوّة ونحوهما ، والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه ; من وجوب إنفاق وحرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف ونحو ذلك . وأمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل : وهو أنّه إن كان الإقرار بالولد وكان صغيراً غير بالغ ، يثبت به ذلك ; إن لم يكذّبه الحسّ والعادة ـ كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله ـ ولا الشرع ـ كإقراره ببنوّة من كان ملتحقاً بغيره من جهة الفراش ونحوه ـ ولم ينازعه فيه منازع ، فينفذ إقراره ، ويترتّب عليه جميع آثاره ، ويتعدّى إلى أنسابهما ، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيداً للمقرّ ، وولد المقرّ أخاً للمقرّ به ، وأبيه جدّه ، ويقع التوارث بينهما ، وكذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض . وكذا الحال لو كان كبيراً وصدّق المقرّ مع الشروط المزبورة . وإن كان الإقرار بغير الولد وإن كان ولد ولد ، فإن كان المقرّ به كبيراً وصدّقه ، أو صغيراً وصدّقه بعد بلوغه ، مع إمكان صدقه عقلاً وشرعاً ، يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق ، ولايتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما ، ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق غير مصدّق له ، لايثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلاّ بالبيّنة .

(مسألة 18) : لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره .

(مسألة 19) : لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به ، فيأخذ المنكر نصف التركة ، والمقرّ ثلثها بمقتضى إقراره ، والمقرّ به سدسها ، وهو تكملة نصيب المقرّ ، وقد تنقص بسبب إقراره .

(مسألة 20) : لو كان للميّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، كان لها الثمن والباقي للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع ، وللزوجة الثمن ، وباقي حصّتها للولد .

(مسألة 21) : لو مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته ، فمع إمكانه وعدم منازع له يثبت نسبه ، وكان ميراثه له .

(مسألة 22) : لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً ، ولو أقرّ بعضهم وأنكر بعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت ، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما . وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة ، ويؤخذ منه من الدين الذي أقرّ به ـ مثلاً ـ بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلّ من الوارثين خمسين ، فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر ، أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين . وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة ; بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء ، وأنكر الآخر ، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ بمعناه العامّ الشامل للتعزير أيضاً، وإلاّ فمن المعلوم عدم الخصوصية للحدّ بالمعنى الخاصّ في حقيقة الإقرار.

[2] ـ بمعناه العامّ، كما مرّ.

[3] ـ والحجّة.

[4] ـ اللغوية فيه وفي تاليه من الفرع تابعة لعدم الأهلية في عرف المقرّ، فتختلف بحسب الأمكنة والأزمنة، فمع اعتبار الدين أو الملكية للدابّة ، كما هو عند بعض الشعوب والبلدان، فاللغوية ممنوعة، ولابدّ من العمل بالإقرار; فإنّ إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ مطلقاً.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org