Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة عامة
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كتاب الوكالة

كتاب الوكالة

وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته ، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب بكلّ ما دلّ([1]) على هذا المقصود ، كقوله : «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها ، بل الظاهر كفاية قوله : «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه ، وقبول بكلّ ما دلّ على الرضا به ، بل الظاهر أنّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب ، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة ; بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك ، بل لايبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ; والرضا بما فيها من طرف الوكيل ; وإن تأخّر وصولها إليه مدّة ، فلا يُعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها . وبالجملة : يتّسع الأمر فيها بما لايتّسع في غيرها ; حتّى أنّه لو قال الوكيل : «أنا وكيلك في بيع دارك ؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» صحّ وتمّ ; وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود .

(مسألة 1) : يشترط فيها على الأحوط التنجيز([2]) ; بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شيء ، كقوله ـ مثلاً ـ : إذا قدم زيد ، أو أهلّ هلال الشهر ، وكّلتك في كذا . نعم لابأس بتعليق متعلقها ، كقوله : أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد ، أو وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا .

(مسألة 2) : يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلايصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبيّ والمجنون والمكره . نعم لايشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط([3]) . ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه ، فلايصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه ، دون غيره كالطلاق ، وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب ، فلايصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرماً . وفي الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لايجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح .

(مسألة 3) : لايشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر ـ بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة ـ عن المسلم والكافر ، إلاّ فيما لايصحّ وقوعه من الكافر ، كابتياع المصحف([4])لكافر ، وكاستيفاء حقّ من المسلم([5]) ، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم .

(مسألة 4) : تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما([6]) ممّن لا حجر عليه .

(مسألة 5) : لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله ـ كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين ـ جاز له التوكيل فيما جاز له .

(مسألة 6) : ما كان شرطاً في الموكّل والوكيل ابتداءً شرط فيهما استدامة ، فلو جنّا أو اُغمي عليهما أو حجر على الموكّل فيما وكّل فيه ، بطلت الوكالة على الأحوط([7]) ، ولو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد .

(مسألة 7) : يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغاً في نفسه ، وأن يكون للموكّل سلطنة شرعاً على إيقاعه ، فلا توكيل في المعاصي كالغصب والسرقة والقمار ونحوها ، ولا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه . ولا تعتبر القدرة عليه خارجاً مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعاً ، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه .

(مسألة 8) : لو لم يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاع أمر ، إلاّ بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل ـ كتطليق امرأة لم تكن في حبالته ، وتزويج من كانت مزوّجة أو معتدّة ، ونحو ذلك ـ فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعاً لما تمكّن منه ; بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه ، بأن يوكّله ـ مثلاًـ في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها أو شراء مال ثمّ بيعه ونحو ذلك . كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّيّ يكون هو من مصاديقه ، كما لو وكّله على جميع اُموره ، فيكون وكيلاً في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعاً ورهناً وغيرهما . وأمّا التوكيل استقلالاً في خصوصه ـ من دون التوكيل في المرتّب عليه ـ ففيه إشكال ، بل الظاهر([8]) عدم الصحّة ; من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل ـ كانقضاء العدّة ـ أو قابلاً ، فلايجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها والمزوّجة بعد طلاقها ، وكذا في طلاق زوجة سينكحها ، أو بيع متاع سيشتريه ونحو ذلك .

(مسألة 9) : يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير ; بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل ، فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لايصحّ التوكيل فيه . وأمّا العبادات البدنيّة ـ كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها ـ فلايصحّ فيها التوكيل ; وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ ، كالحجّ عن العاجز أو عن الميّت كالصلاة وغيرها ، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً . نعم تصحّ الوكالة في العبادات الماليّة ـ كالزكاة والخمس والكفّارات ـ إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ .

(مسألة 10) : يصحّ التوكيل في جميع العقود ، كالبيع ، والصلح ، والإجارة ، والهبة ، والعارية ، والوديعة ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والقرض ، والرهن ، والشركة ، والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والوكالة ، والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصيّة والوقف والطلاق والإبراء ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه . والظاهر صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة ; إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسّكاً بالزوجيّة ; حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة . ولايبعد صحّته في النذر والعهد والظهار . ولايصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار ; على إشكال في الأخير([9]) .

(مسألة 11) : يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما ، كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين ، والسلم بالنسبة إلى الثمن ، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها .

(مسألة 12) : يجوز التوكيل في الطلاق غائباً كان الزوج أم حاضراً ، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها .

(مسألة 13) : تجوز الوكالة في حيازة المباح كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما ، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له .

(مسألة 14) : يشترط في الموكّل فيه التعيين ; بأن لايكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ . نعم لابأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي .

(مسألة 15) : الوكالة : إمّا خاصّة ، وإمّا عامّة ، وإمّا مطلقة .

فالأولى : ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شيء معيّن ، كما إذا وكّله في شراء بيت معيّن . وهذا ممّا لا إشكال في صحّته .

والثانية : إمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة المتعلّق ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة ، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه ، وإمّا عامّة من الجهتين ، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه ، أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلّق به بجميع أنواعه ; بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته .

وكذا الثالثة: قد تكون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه، كما لو قال: «أنت وكيلي في أمر داري» ، وكذا لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري» ، مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن ، وقد يكون بالعكس ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي» ، وقد تكون مطلقة من الجهتين ، كما لو قال : «أنت وكيلي في التصرّف في مالي» . وربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين اُمور : إمّا في التصرّف دون المتعلّق ، كما لو قال : «أنت وكيلي في بيع داري أو صلحها أو هبتها أو إجارتها»، وإمّا في المتعلّق فقط، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع هذه الدار ، أو هذه الدابّة ، أو هذه الفرش» مثلاً ، والظاهر صحّة الجميع .

(مسألة 16) : لابدّ أن يقتصر الوكيل ـ في التصرّف في الموكّل فيه ـ على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ـ ولو بمعونة قرائن حاليّة أو مقاليّة ـ ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر ، كما لو سلّم إليه المبيع ووكلّه في بيعه ، أو سلّم إليه الثمن ووكّله في الشراء . وبالجملة : لابدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له .

(مسألة 17) : لو خالف الوكيل وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة ، فإن كان ممّا يجري فيه الفضوليّة كالعقود ، توقّفت صحّته على إجازة الموكّل . ولا فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة ، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصيّات ، كما إذا وكّله في بيعها نقداً فباع نسيئة ، أو بخيار فباع بدونه . نعم لو علم شموله لفاقد الخصوصيّة أيضاً صحّ في الظاهر ، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين ، فإنّ الظاهر ـ بل المعلوم من حال الموكّل ـ أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة . ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن ، فباعها في غيره بذلك الثمن ، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن . هذا بحسب الظاهر . وأمّا الصحّة الواقعيّة فتابعة للواقع . ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائيّ في التحديد لم يجز التعدّي ، ومعه فضوليّ في الظاهر ، والواقع تابع للواقع .

(مسألة 18) : يجوز للوليّ كالأب والجدّ([10]) للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه .

(مسألة 19) : لايجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه ; لا عن نفسه ولا عن الموكّل إلاّ بإذنه ، ومعه يجوز بكلا النحوين ، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع ، ولايجوز التعدّي عنه ، ولو قال مثلاً : «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو إذن في توكيل الغير عن الموكّل . والظاهر أنّه كذلك لو قال : «وكّل غيرك» وإن لايخلو من تأمّل .

(مسألة 20) : لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الأوّل ، فليس له أن يعزله ، ولاينعزل بانعزاله ، بل لو مات يبقى الثاني على وكالته ، ولو كان وكيلاً عنه كان له عزله ، وكانت وكالته تبعاً لوكالته ، فينعزل بانعزاله أو موته ، ولايبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل .

(مسألة 21) : يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما ، أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك ، جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه ; سواء صرّح بالانضمام والاجتماع ، أو أطلق ; بأن قال مثلاً : «وكّلتُكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقيت وكالة الباقي لو وكّل بالانفراد .

(مسألة 22) : الوكالة عقد جائز من الطرفين([11]) ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته ، وكذا للموكّل أن يعزله([12]) ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ـ ولو بإخبار ثقة ـ كان نافذاً .

(مسألة 23) : تبطل الوكالة بموت الوكيل ، وكذا بموت الموكّل([13]) وإن لم يعلم الوكيل بموته ، وبعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره ، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط([14]) ، وبتلف ما تعلّقت به الوكالة ، وبفعل الموكّل ـ ولو بالتسبيب ـ ما تعلّقت به ، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ينافيه ، كما وكّله في بيع شيء ثمّ أوقفه .

(مسألة 24) : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، بل يكره لذوي المروءات ـ من أهل الشرف والمناصب الجليلة ـ أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان ، ولايعتبر رضا صاحبه ، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل .

(مسألة 25) : وكيل المدّعي وظيفته : بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم ، وإقامة البيّنة وتعديلها ، وتحليف المُنكر ، وطلب الحكم على الخصم . وبالجملة : كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات . ووكيل المدّعى عليه وظيفته : الإنكار ، والطعن على الشهود ، وإقامة بيّنة الجرح ، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها . وبالجملة : عليه السعي في الدفع ما أمكن .

(مسألة 26) : لو ادّعى منكر الدين ـ مثلاً ـ في أثناء مدافعة وكيله عنه الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي ، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه .

(مسألة 27) : لا يُقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله ، فلو أقرّ وكيل المدّعي القبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة أو المصالحة ، أو بأنّ الحقّ مؤجّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل ، وبقيت الخصومة على حالها ; سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، وينعزل بذلك وتبطل وكالته ; لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه .

(مسألة 28) : الوكيل بالخصومة لايملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه ، إلاّ أن يكون وكيلاً في ذلك ـ أيضاً ـ بالخصوص .

(مسألة 29) : يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً بالخصومة كسائر الاُمور ، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما ولم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما .

(مسألة 30) : لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم ـ في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً ، أو في خصومة شخصيّة ـ ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه ، يسمع الحاكم دعواه عليه . وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيّنة عنده عليها . وأمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة ، فإن لم يحضر خصماً عنده ، أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته ، لم يسمع دعواه . ولو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه ، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّيّة المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، ولو قضت بحقّيّة المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها ، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة ، ومع ثبوتها بها تثبت حقّيّة المدّعى عليه في ماهيّة الدعوى .

(مسألة 31) : لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل .

(مسألة 32) : لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ ، لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعته وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة .

(مسألة 33) : يجوز التوكيل بجعل وبغيره ، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جعلاً ، فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ ، استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل .

(مسألة 34) : لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء ، لم يكن له مطالبة وارثه إلاّ أن تشملها الوكالة .

(مسألة 35) : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان ـ أي موكّله ـ فأخذها ، صار وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ، وللوكيل أن يقبض نفسه ، بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لايشمل قبض الوكيل ، فلزيد استردادها مادامت في يد الوكيل ; ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر ، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله ، ولو قال : خذها عن الدين الذي تُطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد ، وليس له الاسترداد .

(مسألة 36) : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده ; لايضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي ، كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما ، لكن لاتبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه ; وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه ، بل لايبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع .

(مسألة 37) : لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي ، لم يضمنه الوكيل إلاّ إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف . وكذا الحال لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن .

(مسألة 38) : لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق ـ وقال : أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة ، أو تشتري لي المتاع الفلاني ـ فهل يعمّ نفس الوكيل ، فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه ، أو يشتري له المتاع من نفسه ، أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني .

(مسألة 39) : لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره ، ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل ، ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل فالظاهر أنّ القول قول الموكّل ، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجعل . وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والمُوصى له في دفع المال المُوصى به إليه ، والأولياء ـ حتّى الأب والجدّ ـ إذا اختلفوا مع المولّى عليه ـ بعد زوال الولاية عليه ـ في دفع ماله إليه ، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك . نعم لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم ، أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم ، فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ من فعل أو قول.

[2] ـ وإن كان الأقوى صحّتها مع التعليق وعدم شرطيّة التنجيز في أصل الوكالة.

[3] ـ وكذا يصحّ توكيله في غير مثل إجراء العقد ممّا تكون الوكالة فيه مستلزمة للتصرّف في شؤون الصبيّ وحدوده بعمله بالوكالة مع إذن الوليّ; لترتفع حرمة التصرّف في شؤون الصبيّ وحدوده مستقـلاًّ ومن دون إذن الولي، ولايخفى أنّ مثل إجرائه صيغة العقد ليس مشمولاً لأدلّة حرمة التصرّف في شؤونه وحدوده; قضاءً لانصراف أدلّتها اللفظية وللاقتصار على القدر المتيقّن في أدلتها اللبّية.

[4] ـ في إطلاق المثال تأمّل على ما حقّقه (سلام اللّه عليه) من التحقيق في حرمة بيع المصحف في كتابه «البيع». (كتاب البيع، الإمام الخميني(قدس سره) 2: 719)

[5] ـ الأقوى صحّة الوكالة فيها وفي المخاصمة; قضاءً للعمومات والإطلاقات، وإن كان المشهور عدم الصحّة، لكن لادليل لهم على ذلك إلاّ دعوى دلالة آية نفي السبيل عليه. (النساء (4) : 141)

وفيه: منع كون هذا سبيلاً على المسلم، كيف وإلاّ لزم عدم جواز مطالبة الموكّل بنفسه أيضاً إذا كان كافراً، مع أنّه لا إشكال في جوازه; إذ لايجب عليه أن يوكّل مسلماً في ذلك، هذا. مع أنّه ورد في بعض الأخبار أنّ المراد من الآية نفي سبيل الحجّة، وما في «ملحقات العروة» بعد الإشكال في الاستدلال بالآية بما ذكر من قوله: «وحينئذ فإن تمّ الإجماع فهو، وإلاّ فالأقوى الجواز». (ملحقات العروة 1: 138)

ففيه: أنّ الإجماع على تحقّقه ليس إجماعاً كاشفاً عن قول المعصوم أو فعله ورأيه; لاحتمال استناد المجمعين إلى الآية.

[6] ـ فيما لايكون سفيهاً ولا محجوراً فيه، كما مرّ في المسألة الخامسة في القول في السفه من كتاب الحجر.

[7] ـ وإن كان الأقوى الصحّة في القصير من الجنون والإغماء، بل الصحّة في طويلهما أيضاً لاتخلو من قوّة، وأمّا في الحجر على الموكّل، فهو وإن كان موجباً لعدم صحّة تصرّف الوكيل حال محجورية الموكّل، إلاّ أنّ كونه مبطلاً بحيث لايصحّ تصرّفه بعد زوال الحجر أيضاً وكون الوكالة محتاجة إلى توكيل جديد محلّ منع. وما في «المسالك» من أنّه موضع وفاق غير كاف في رفع اليد عن العمومات والإطلاقات، كما لايخفى. (مسالك الأفهام 5: 247)

[8] ـ بل الأقوى الصحّة; لعدم الدليل على اشتراط كون الموكّل حال التوكيل مالكاً للتصرّف في العمل الموكّل فيه.

[9] ـ وإن كان الأقوى صحّتها.

[10] ـ أو غيرهما من الأولياء، فإنّ المعيار الولاية، وذكرهما من باب المثال.

[11] ـ على المعروف، بل قد يقال: إنّه إجماعي، لكن لزومها قضاءً للأصل في العقود والشروط، ولعموم أدلّة وجوب الوفاء واللزوم لايخلو من قوّة، والموكّل خارج بالنصّ والدليل، بل، وفي انعزال الوكيل بعد بلوغه العزل عن الموكّل لا قبله تأييد للأصل، وعلى هذا، ليس للوكيل عزل نفسه، وأنّه لاينعزل به ولو مع حضور الموكّل، فضلاً عن غيبته.

[12] ـ مع اشتراط عدم العزل في الوكالة أو في غيرها من العقود، فلايصحّ عزله ولاينعزل بعزله; لأنّه خلاف مقتضى الشرط، فلا وجه لاحتمال انعزاله بالعزل وأنّه فعل حراماً فقط، وعلى هذا، فما هو الرائج اليوم في عقود الزواج وأسنادها من اشتراط وكالة الزوجة أو الإذن لتوكيل غيرها في الطلاق عن الزوج عند تحقّق الشروط والأسباب مع اشتراط عدم انعزالها بعزله، أمر صحيح يلتزم به ولاتنعزل حينئذ بعزله.

[13] ـ على المشهور المدّعى عليه الإجماع، وربّما يستدلّ عليه بأنّ مناط جواز تصرّف الوكيل هو الإذن، وتنقطع بالموت. وفيه: أنّ حدوث الإذن كاف فيه، ولذا لو وكّله ثمّ سهى عن توكيله بالمرّة بحيث لم يبق في خزانة خياله أيضاً نفذ تصرّفه عليه، وأيضاً له أن يقول: أنت وكيلي في حياتي وبعد موتي . غاية الأمر أنّه يدخل في عنوان الوصيّة أيضاً بالنسبة إلى مابعد الموت، وبأنّ المال بعد موته ينتقل إلى الورثة، فيتوقّف التصرّف على إذنهم. وفيه: أنّه قد لايكون متعلّقاً بالمال، مع أنّه لايتمّ بالنسبة إلى الثلث الراجع أمره إليه، مع أنّ الأقوى أنّ له أن يتصرّف في ماله بعد موته بأزيد من الثلث أيضاً بمثل البيع بثمن المثل. ومن العجب استدلال صاحب «الحدائق» وتبعه صاحب «الجواهر» بموثّقة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه(عليه السلام) في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب فأنكحوا الغائب وفرض الصداق، ثمّ جاء خبره أنّه توفّى بعد ما سيق الصداق فقال: «إن كان أملك بعدما توفّى فليس لها صداق ولا ميراث وإن كان قد أملك قبل أن يتوفّى فلها نصف الصداق وهي وارثه وعليها العدّة». (وسائل الشيعة 20: 305 / 2; راجع: الحدائق الناضرة 22: 23; جواهر الكلام 27: 360)

وفيه: أنّ البطلان في موردها ليس من جهة موت الموكّل، بل من جهة عدم صحّة تزويج الميّت، وأمّا الإجماع ودعوى الانصراف إلى حال حياته في الغالب العمدتين في الحكم بالبطلان، ففيهما ما لايخفى، أمّا الإجماع فلاحتمال كون الانصراف أو الموثّقة مدركاً لهم، وأمّا الانصراف فلا كلّية له، بل تختلف حسب الموارد.

[14] ـ مرّ في المسألة السادسة حال عروض الجنون والإغماء بعد الوكالة لكلٍّ منهما، وأنّ العروض غير مبطل، والشرطية مربوطة بحال العقد لا الاستدامة.

العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org