Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: انعكاسات
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: نظرة خاطفة على الفتاوى الحديثة لآية الله الصانعي
المرجعية بمثابة مؤسسة (2) نظرة خاطفة على الفتاوى الحديثة لآية الله الصانعي
المرجعية بمثابة مؤسسة (2)
فقيه الزمان

نظرة خاطفة على الفتاوى الحديثة لآية الله الصانعي


مريم باقي

نوعية النظرة الاجتهادية والتجديدية في الفقه الإسلامي تعدُّ من أسباب التوجُّه المتزايد نحو آية الله الصانعي في السنوات الأخيرة. وبرغم أنه يحظى بتجارب خاضها كمدِّعٍ عام وعضو في شورى صيانة الدستور، وهما منصبان يشترط فيهما الاجتهاد، وبرغم أنَّه قد تلقَّى تمجيداً من الإمام الخميني لكنه ترك عالم السياسة واختار مدينة قم مأوى له. فهو قد بلغ الاجتهاد الذي أهله لتقلّد مناصب سياسية وقضائية، ودعاه الإمام الخميني (عالماً بارزاً) وقد اعتمد في اجتهاداته التجديدية المبادئ والقيم الإسلامية، وإعادة النظر في بعض الاحكام الشرعية يكشف عن ميوله إلى الفقه الفاعل.
عندما يتحوَّل الفقه الفاعل إلى قانون يؤثر بنحو مباشر على حياة الناس عامة ؛ لأن قوانيننا تنهل من الفقه الإسلامي، ولاشك أن الحقوق الشخصية تشكل القسم الأكبر من القوانين الإيرانية، كما أنها ذات شمولية أكثر، وقد أخذت أربعة أبواب من خمسة أبواب خاصة بقوانين الجزاء الإسلامي من الفقه دون تغيير، فإن الحقوق المدنية، من احكام البيع والخيارات والرهن والإجارة والهبة حتى الوكالة والكفالة والإرث وحقوق الأسرة، متجذرة في الشريعة، وحقوق التجارة ذات علاقة محكمة مع الفقه، لذلك يمكن القول دون مبالغة بأن الكثير من هذه القوانين قد أخذت من الفقه وترجمت دون زيادة أو نقيصة. والشاهد على هذا المدعى هو تطابق هذه القوانين مع الجزء العاشر من كتاب (اللمعة الدمشقية) الذي يعدُّ من مصادر الفقه المهمة والذي ألّفه الشهيد الثاني (محمد بن جمال الدين المكي العاملي) بين عام 734 وعام 786 من الهجرة القمري.
واللافت أن مؤلف هذا الكتاب كان يعتقد قبل 700 عام بإمكانية تغيّر الاحكام بتغير العادات، من قبيل تغيّر النقود الدارجة والأوزان المتداولة والمصارف... فقد كان الشهيد الأول يذهب إلى الاجتهاد الفاعل، كما صرّح بهذا قبله العلامة الحلي، حيث أناط أحكام الشرع بالمصالح وبتغيير الأوقات وتختلف باختلاف المكلفين، ولأجل ذلك قد يجري حكم خاص في حق قوم باعتبار الزمان الذي يعيشون فيه فيكونون مأمورين به، لكنه لا يجري في حق قوم آخرين في زمن آخر، باعتبار ترتب المفسدة عليه، فيكون منهياً عنه.
لا يخصّص الفقهاء والاجتهاد بالمستحدثات فحسب بل يرون إمكانية تغيُّر الأحكام والفتاوى التي صدرت سابقاً أيضاً، فإن تغيير الأحكام يتناسب مع مقتضيات الزمان والمكان، أن عنصري الزمان والمكان يؤثران في تحوّل الاجتهاد كما يعبر بذلك الإمام الخميني.
يذهب البعض إلى أن هذا لا يعني تسويغ البدع في الشريعة وإدخال ما ليس في الشريعة في الدين.
وبرغم اختلاف فتاوى آية الله الصانعي مع ما اشتهر من الفتاوى لدينا إلاَّ أنه يعتمد ذات المصادر المعتمدة في الفقه، وتعدُّ آراؤه الجديدة نتيجة للتبع والتحقيق والتدقيق الوافر في فقه الحديث، وفي ذات الوقت لم يوجب ذلك التصعيب في مقام الافقاء ؛ لأنه في هذا المقام وفي مرحلة فهم الآيات والروايات ومباني الاستنباط قد التفت بنحو خاص إلى مبدأ التساهل، وقد أخذ بنظر الاعتبار دائماً مقولة صاحب (الجواهر) إلى الشيخ الأنصاري، حيث طلب منه التقليل من احتياطاته ؛ لأن الإسلام شريعة سهلة، وكما قال الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة: 185.
وعلى أيّة حال، التحول وإيجاد الحركة في الفقه من وظائف أهل الفقه، وتوقعات المجتمع من الفقهاء هي معرفة الظروف الزمانية واستنباط الأحكام بما ينسجم مع الأدلة التفصيلية والحقائق التي تدور حولنا. إعادة النظر في القوانين من قبل أهل الفن تعدُّ أمراً ملحاً ويتطلبه هذا العصر أكثر من أي عصر آخر، على أنه أرجعت إلى مجلس الشورى مؤخراً لائحة إعادة النظر في قوانين الجزاء الإسلامية والتي تمرُّ بمرحلة الاختبار، وقد مدِّد العمل بها ثلاث مرات، لكن لا يعرف فيها مستوى النهل من الفقهاء المجددين والبارزين.
آية الله الصانعي ابن زمانه، وقد كان إفتاؤه بأن الثالثة عشر هو سن بلوغ البنات موجباً لاستقطاب أنظار الكثير، فإن هذه الفتوى تؤثر كثيراً في مجال عبادات وحقوق البنات، من قبيل الزواج والأمور المالية واجراء الحدود.
يقول آية الله الصانعي في الروايات التي حددت سن البلوغ بتسع: ((لا يدل أيٌّ منها ولا ظهور لها في البلوغ في التاسعة، بل هي قيدت التسعة بالقابلية على الزواج أو نزول الحيض أو أنها تشير إلى أدنى عمر للبلوغ، ولذلك لا يعدُّ استناد المشهور إليها تاماً)).
كما يقول: ((ينبغي حمل روايات التسع سنوات على حالة حصول القابلية للزواج للبنات في هذا العمر، وبذلك يخرج العمر عن الموضوعية. وإذا رفضنا هذا المحمل فعلينا وضع هكذا روايات إلى جانب ؛ لأنها تخالف الكتاب والسنة والقواعد المسلّمة)).
دراسات هذا الفقيه تحكي عن عدم وجود أدلة يمكن الاعتماد عليها لإثبات البلوغ في السنة التاسعة، ويطرح هنا السؤال التالي: ((كيف يمكن مخالفة قاعدة سهولة الدين وفرض وظائف ثقيلة وإجراء حدود كاملة على بنت في التاسعة من عمرها، مع ضعفها وعدم رشدها ونحوّها وقابليتها للزواج ؟ كيف يمكن القول بسهولة الدين مع مطالبة البنات في هذا العمر بالقيام بجميع الواجبات المفروضة على النساء واجراء الحدود في حقهنَّ بنحو كامل كما تجرى الحدود على النساء والرجال الكبار؟ )) وقد أورد هذا الفقيه أدلته بوضوح على بلوغ البنت في الثالثة عشر من عمرها.
ومن فتاويه اللافتة ما ورد عنه في مجال الاقتصاد من الحكم بحلية الفوائد بالنسبة إلى القروض الاستثمارية، وكذلك في مجال النظام السياسي والقانوني وحقوق النساء، كما أنه لا يمكن التغافل عن رأيه في المجال السياسي ونظرته في ما يخص الحكومة الإسلامية الديمقراطية، إذ يقول: ((ينصَّب للوكالة كل مجتهد تجتمع فيه الشروط، وشرعية التنفيذ بالنسبة إلى المصالح العامة التي لم يرد فيها حكم خاص ـ منحصر بالشعب ككل وأكثريته، ولا يكتسب التنفيذ مشروعيته إلاّ بعد رضاهم بنحو عام أو رضا أكثرهم)).
يتضامن آية الله الصانعي مع النساء في مطالبتهنَّ برفع بعض التمييز المفروض عليهن في القوانين، ويقول في قضاء المرأة:
(( لا خصوصية في ذلك للرجولة، ولا يوجد لدينا حجة شرعية على الخصوصية ويجوز لمن له ولاية القضاء أن ينصب النساء في مقام القضاء وبخاصة في الشؤون ذات الصلة بالنساء وحقوق العائلة، ذلك لحجية اطلاق أدلة القضاء وعموميتها وشموليتها)).
ويقول في قضية تساوي القصاص: ((الآيات القرآنية تقتضي احترام الإنسان وتفرض أن له حرمة، ويمكن لأولياء المقتول أن يقتصّوا من القاتل دون أن تكون هناك حاجة لدفع مبلغ وخصم مال من الأولياء)) فهو لا يرى اختلافاً بين المرأة والرجل في مجال القصاص. ويذكر أن تساوي المسلم وغير المسلم في الدية قد تقنَّن مؤخراً بتأييد من القائد، لكن هذا التساوي لم يُعمل بالنسبة إلى النساء، ولازلن يعانين من عدم التساوي هنا.
وفي مجال ارث الزوجة من الزوج تبدو فتاوى آية الله الصانعي لافتة، فهو يرى ردّ ما زاد على فرضها إليها عند انحصار الورثة فيها، ويذهب إلى أن هذا أقرب إلى الاحتياط. كما أنه يرى وجوب طلاق الخلع، بمعنى أن المرأة إذا سأمت الحياة المشتركة بالكلية وأعادت صداقها إلى الزوج أو دفعت مبلغاً إلى الزوج في سبيل تطليقها وجب على الزوج الطلاق، وإذا امتنع عن الطلاق أمكن للمحكمة التطليق ولاية.
وفي مسألة قيمومة الأم يذهب هذا الفقيه المجدد إلى أن للام الولاية على الأولاد، ويثبت هذا بواسطة عمومات القرآن والسنة ويرى ولايتها أولى من ولاية الجد، ويقول: ((ما اشتهر في تخصيص وتقييد هذه العمومات بالنسبة إلى الجد من الأب غير تام، ولا يمكن إصدار رأي فقهي على هذا الأساس )).
إن كلاً من هذه الفتاوى تمت بصلة بحقوق البشر التي لا ترتضي التمييز وتذهب إلى احترام الإنسان والحفاظ على كرامته لمجرد كونه إنساناً، ولأجل تحقيق هذه الحقوق ينبغي الإقرار أولاً بكرامة الإنسان وأنه غير أهل للتمييز، وفقيه مثل آية الله المنتظري الذي تابع الاجتهاد في المباني أكَّد على تقارن وتوازي الإنسان ومباني حقوق البشر.
الكثير من الرؤى الفقهية التجديدية بحاجة إلى الدخول إلى ساحة القوانين لكي تترك أثرها العملي، وقد بيَّن الدستور آليات تغيير القوانين، وتغيير الدستور أمر ممكن وفق المادة 177، أمّا تغيير قانون عادي فيتوقف على ما يتبنَّاه نواب مجلس الشورى في قالب أطروحة أو ما يتبنّاه مدونو القوانين في الحكومة، ومدى تأثّرهم بالاجتهادات الجديدة.
التاريخ : 2007/11/14
تصفّح: 11349





جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org