Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: الزيارات
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مع السيد كريستين سالازار ممثِّل اليونسيف في ايران
لقاء سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي (دام ظله الشريف) مع السيد كريستين سالازار ممثِّل اليونسيف في ايران

السيد كريستين سالازار ممثِّل اليونسيف في ايران

o نشكر سماحتكم على السماح لنا باللقاء بكم، في البداية أعرّفكم نفسي: أنا ألماني الجنسية ووالديّ يعيشان في الاكوادور، ولنا اُصول صينيّة. لقد سعيت جاداً لايجاد العلاقات الوثيقة بين منظمة اليونسيف وقادة الطوائف الدينيّة، كما وكانت لنا مساعي مشتركة مع القادة البوذائيين في فيتنام، وهكذا عملت مع الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينيّة، كما حاولت ايجاد القرابة الشديدة بيننا وبين القادة الدينيين في گواتمالا، لأنني أعتقد أن جميع الديانات تكنّ إحتراماً فائقاً للاطفال، وقد جئت إلى إيران وبنفس الهدف ولأجل التعرُّف والإطلاع على حقوق الطفل والمرأة من وجهة نظر إسلامية، كما وأرجو أن نقوّي هذا الموضوع في الحوارات والابحاث المختلفة وأن نطرحها مع المراجع الدينيين .

إنَّ هذا الموضوع يحظى بالأهمية الكبيرة لاعلى مستوى إيران فحسب بل على مستوى دولي، كما وله أهميّة بالغة بين متفكري الشيعة. إنَّ أوضاع الطفل في ايران في حالة جيّدة، لكن ونظراً لبعض المستجدات الإجتماعيّة كالإيدز أو تعذيب الأطفال من قبل الآباء الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة أو مشاكل نفسيّة، كان من الواجب ان تجري محاورات مع مراجع الدين كي يُقدّم للناس إنموذج عملي يسيرون وفقه.

إنَّ التجارب والتحقيقات أثبتت أنَّ المذهب الشيعي يمكن أن يطرح نفسه، فله فكر متألق وراق، وقد اُدهش زملائي حينما اصطدموا بافكار شيعيّة مستجدة وراقية، وأرى أنَّ واجبي يحتم عليّ أن أقوم بنشر هذه الأفكار في خارج ايران، وأقوم بتعريفها، وقد شاهدنا في «توريدو» اندهاشهم بهذه الأفكار الساميّة والراقيّة، إننا ورغم إطلاعنا على افكاركم الراقيّة والنيّرة لكننا ـ وارضاء لغريزة حب الاطلاع عند زملائنا ـ نرغب من سماحتكم أن تعرفونا أكثر على نظرياتكم في مجال الطفل والمرأة كما ونرجو منكم أن ترشدوننا إلى مراجع الدين لنتحاور معهم بشأن إيذاء الأطفال، وترويج التربية الخالية من العنف الاسري كي نقوم بنقل هذا العلم داخل الاُسر كي تتم التربية بالطرق البعيدة عن القسوة والإيذاء.

اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم

بسم اللّه الرحمن الرحيم
¡ أنا بدوري أقدم لكم شكري الفائق، وسروري بما تعرفونه عن الفكر الراقي للشيعة في خصوص المرأة والطفل ورغبتكم بنشر هذه الافكار على افق واسع.
التشيُّع واضح لدى المفكرين والمثقفين، والجميع يعلم بان الفكر الشيعي يبتني على اساس العدالة والانسانية والاحترام لحقوق الانسان.

في البداية أؤكد على أن ماتحملونه من أفكار في خصوص الأطفال يعد فكراً جيّداً أقرَّه اللّه تعالى والقرآن الكريم في قوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولـئِكَ هُمْ أُولُوا الاَْلْبَابِ)([1]) يجعلهم أصحاب فكر وعقل راق، هؤلاء هم اولو العقول والألباب .

وهذا معناه أنَّ اللّه سيقلدكم أفضل الاوسمة والمداليات .

إنَّ الذي يجعلني أتحدّث لكم اليوم عن حقوق المرأة والطفل من وجهة نظر شيعي هو بركة الثورة الإسلامية ومؤسسها. نحن رهن الأفكار الراقيّة للامام الخميني (سلام اللّه عليه) وهذه الحركة العلمية قد فتحت لنفسها آفاقاً ومجالات في مختلف البلدان الإسلامية حيث عرَّفت الناس بمبادىء العدالة والحقوق والسياسية .

لاننسى بانَّ المجتمع الشيعي وفي القرون الخمسة الماضية كانت تملك شخصاً كالمقدس الأردبيلي الذي كان متديّناً وفي الوقت نفسه يحمل أفكاراً راقيّة ونورانيّة، فقد تمكَّن وبفضل هذه الافكار وكذلك تقواه أن ينشر أفكاره. وأرى نفسي ملزماً بتحيّة هذا العالم الجليل وكذلك جميع العلماء والمفكرين الذين يبذلون جهوداً حميدة في محاربة الجهل. نحن وبفضل جهودهم ومساعيهم هذه يمكننا أن نحارب الجهل وننشر تعاليم الإسلام في أرجاء المعمورة .

هناك شخصيّة فذّة حوزويّة ممتازة وهو الميرزا القمي حيث استطاع وبفضل أفكاره النيّرة والمستجدة أن يوجد حركة في البحوث الدينيّة، ولديه كتاب يسمى بـ «القوانين» واجه انتقاداً شديداً في زمانه حتى نقل ان كتابه هذا تعرض للإهانه.

كان الميرزا القمي يحمد اللّه على ماتعرض إليه كتابه قائلاً: أشكر اللّه أنهم رأوا كتابي قبل أن يرموا به. ولهذا السبب مازال هذا الكتاب القيّم يتداول في الحوزات ويستدل به وعلى مدى قرنين من الزمن .

هناك ملاحظة ثانية وهي: أنّ اصراركم على لقاء الشخصيات الحوزويّة أمرمهم للغاية فهم نادرون، كما ويوجد في طهران علماء عظام درسوا إلى جانب الدروس الحوزويّة الدروس الأكاديميّة أيضاً.

أمّا في خصوص حقوق الأطفال، فإن هناك قضايا وعوامل عديدة يمكن الإشارة إليها من وجهة نظر شيعية وهي كالآتي:

أولاً: يجب على جميع القوى الحكوميّة والاقتصادية أن تسعى جادّة لاقتلاع جذور الفقر، ان أحد العوامل لايذاء الاطفال هو الفقر والوضع الاقتصادي السيء. ولاننسى أن هناك الكثير من العوائل الفقيرة المتديّنة استطاعت ان تربّى اطفالها وتوفّق في تربيتهم الفكريّة والعاطفية بفضل أفكارهم الدينيّة، عليكم وضع قوانين خاصّة تمكّن المتنفذين من قلع جذور الفقر، فعن هذا الطريق تزول مسألة إيذاء الأطفال. نحن بحاجة إلى قوانين دوليّة تسنّ منع الطفل مزاوالة الأعمال، وهذا قانون قيّم وحسن لكن الأصل هو قلع الفقر، كي لاتجبر العوائل الفقيرة على إرسال أطفالها إلى ورشات العمل لتأمين مصاريف الحياة.

ثانياً: التشجيع على مزاولة الدراسة وتحصيل العلوم حيث يلعبان دوراً أساسياً في الثقافة والوعي. يجب أن تقوَّى العوائل ثقافياً لأن جذور الفقر تنبت في أراضي الجهل والأميّة، يجب أن نوفر للأطفال فرص الدراسة ونشجِّع العوائل على إرسال اطفالهم لغرض الدراسة.

ثالثاً: الاهتمام بقضيّة تحديد النسل، فهي من الأمور التي تحتاج إلى إمعان الدقة والإهتمام، فكلما قلّ الاطفال في الاسرة إزداد رفاهها وتحسَّن إقتصادها وتمكَّن الوالدان من الاهتمام بتربية الاولاد والإلتفات إلى مشاكلهم وأخيراً زوال قضيّة إيذاء الاطفال.

علينا أن نعمل على قضيّة تحديد النسل وتنظيم الاسرة فالاسلام يعتقد بان «قلّة العيال إحدى اليسارين»([2]).

علينا ان نعي بان هناك فرقاً فاحشاً بين العائلة ذات عشر نفرات مع العائلة ذات نفر واحد، فالانسان يجب بقاء نسله ويتعلق باطفاله، وفي حالة إرتفاع عدد الأطفال فان العائلة ستواجه مشكلة من حيث تربية الأطفال وعدم الالتفاف إليهم أحياناً.

رابعاً: التربية تتوقَّف على عوامل اساسيّة كالدين والعلم والعقل، علينا اليوم ان نربِّي البشر وفق هذه العوامل، وهي ستثمر بعد 10 سنوات; لأن التربية ستوثر على العوامل الوراثية والجينات، وحينئذ سوف لايكون هناك وجود لايذاء الأطفال.

إذاً فالتربية الدينية مهمة جداً وللقادة المذهبيين في هذا المجال الدور الكبير، اذ تقع على عاتقهم مسؤولية رفع المستوى الثقافي والعملي والتربوي للمجتمعات البشرية.

ليعلم العالم ان الاسلام يولي أهميّة خاصة بالأحداث والصغار ويحترم النسل البشري. للرسول(صلى الله عليه وآله) الذي هو رسول الرحمة والعدالة كلام جميل في الخطبة الشعبانية حول الاهتمام بالاطفال، اذ يوصي بالرحمة بهم كما يوصي باحترام الكبار، يقول(صلى الله عليه وآله): «وقّروا كباركم وارحموا صغاركم»، وهناك كلام بليغ وعظيم وأعتقد بضرورة حفره على مقدمة بناية الامم المتحدة بخط جميل; ورد في أحد ادعية شهر رمضان الخاصة بالشيعة ذات المفهوم العالمي، هو ما ورد عن امام الشيعة المظلوم، ويطلب فيه من اللّه تعالى بان يغنى كل فقير «اللهم اغن كل فقير»([3])(عليه السلام): «اللهم أشبع كل جائع» كما ويوصي الامام باحترام الأسلاف وعدم نسيانهم; لأننا ورثنا كل مامنحوه لنا، ونحن نعيش على محيط من علومهم، وفي الحقيقة فان جميع العلوم الإنسانية رهن بالأسلاف، كما ويدعو الإمام بأن يفرِّح اللّه ويُسرّ جميع من ماتوا من المسلمين وغيرهم، فلا فرق بينهم، يقول(عليه السلام): «اللهم ادخل على أهل القبور السرور»([4])(صلى الله عليه وآله)يعدُّ احترام الكبار والرحمة بالصغار احدى القيم، ويعتبر حب الأطفال حب اللّه.

إذا اردتم أن تتعرَّفوا أكثر على نظرتنا الكونيّة فعليكم بمطالعة السيرة النبويّة وأن تتعرَّفوا على معالم العصر الجاهلي، فقد كان الرسول(صلى الله عليه وآله) يقبّل البنات في عصر غربة الإنسان ودفن الفتاة وهي حيّة، بحيث إنه كان يواجه الانتقاد من قبل البعض بانه لماذا ايقبِّلهن بهذا الشكل؟ كان الجهلة منهم يخبرون النبي(صلى الله عليه وآله) بان لديهم عشرة أطفال لكنهم لم يقبِّلوا أيَّ أحد منهم، فكان يجيبهم النبي(صلى الله عليه وآله) بأنَّ اللّه منحكم العاطفة والإنسانية لكن الشيطان سلبكم أيّاها.

ورد في التاريخ أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وعندما كان يسجد كان الإمام الحسين(عليه السلام) يمتطي ظهره فكان الرسول(صلى الله عليه وآله)يطيل في سجوده إلى أن ينزل (عليه السلام) من ظهره. جميع هذه الموارد من البحوث التربوية الإسلاميّة التي يجب ان نعتني بها .

خامساً: دور المحاكم وهي من العوامل المهمّة في ردع الوالدين عن إيذاء الأطفال. من لا يرتدعون بالإنذار والتثقيف فالمحكمة هي التي تقف امامهم، وقد يخالف البعض هذا، لكنه ليس بذي شأن، فكما تقام المحاكم لأجل الكبار يجب أن تقام لأجل إيذاء الأطفال.

وأحب أن اُشير إلى أننا في تواصل وتنسيق دائم مع السلطة القضائية ونأمل بمساعدتهم أن نضع قانوناً يخصُّ ايذاء الطفل.

o أرجو من اللّه ان يوفقكم فعملكم يستحق الشكر والتقدير. لكنني أعتقد بان الوقاية أمر مهم، وعلينا ان نلتفت إليه ونؤكد عليه .

¡ نعم فالوقاية أفضل من العلاج، قال تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)([5]) بالشؤون الثقافيه والتربوية لها أهمية تفوق جميع الامور الاخرى. وأؤكد بان الاسلام يخالف ويرفض بشدة قضيّة الايذاء ويحرمها ولايفرق في ذلك بين الصغير والكبير، فالاسلام الذي يحرم ظلم الحيوانات ويأمر بان تضرب الحيوانات على ظهورها لا على وجهها، كي تمشي ولاتقف كيف يسمح للأب ان يجلد ولده؟ اذاً فالظلم محرم تماماً، وأنا أعتقد أن طريقة معاملة المذنبين تختلف بين كبار السن وصغارهم. إذا سرق طفل فإنَّ ذنبه يساوي ذنب الكبير لكن عقوبته تختلف عنه، ووقاية هذا الطفل من هكذا ذنوب تتمُّ بالتربية وببعض العقوبات الخفيفة.

وما قيل عن أن مسؤوليات العقوبة يبرأ منها الأطفال وأنَّ مايؤاخذ به الكبار لايؤاخذ به الصغار فكلام صحيح لكن هذا لايعني ترك الطفل اذا سرق، فهذا كلام خاطىء، يجب تربيته. وهذا أحد الاصول التي اقرّها الإسلام والعالم، ولهذا السبب لدينا اليوم محاكم خاصة بالكبار واخرى بالصغار، والعقوبات فيها تختلف أيضا، ولا أنسى أن انوّه بأن نشاطاتكم وعلى جميع الاصعدة، كالحوار والبحث والاعلام، تلعب دوراً كبيراً في إثراء الجانب الثقافي للناس، فعليكم أن لاتقنطو في نشاطاتكم بل تسعون جادّين في هذا المجال، فان الثمرة ستقطفونها في نهاية المطاف .

o هل يجوّز الشرع المقدس للوالدين ممارسة العنف تجاه اولادهم؟ وما هو رأي أئمتكم في ذلك؟ هل هناك سبيل لمنع ممارسة العنف الاسري من وجهة نظر شرعيّة؟

¡ إن الجواب على مثل هذا السؤال واضح وبيّن، فالسؤال هو أيضاً يعطي الجواب عن هذا السؤال، لايوجد شرع أو قانون يبيح العنف والإيذاء فكيف إذا كان هذا الشرع هو شرع إسلامي؟ إنّ ممارسة العنف والايذاء تجاه الاطفال المظلومين في نطاق الاسرة وغيرها أمر لايبيحه العقل والنقل ولا العلماء الدينيين أو غيرهم، فالكل يعتقد بحرمته وبكونه ذنباً وظلماً وايذاءً.

o سماحة آية اللّه، ان المصير حال دون استفادتي من محضركم في وقت اقرب للنهل من آرائكم التي طرحتموها والتي تنسجم مع افكارنا ومعتقداتنا، ان هذا الموضوع معقد وبحاجة إلى نظرة فنية وتكنيكية. وتختلف عن وجهة نظركم الدينية، نحن لانملك ذلك العلم لكي ننظر إلى الموضوع بأفق أوسع لكنكم على العكس تنظرون إلى الموضوع من زواية دينيّة شاملة.

¡ نعم ان التخصص والألتزام يلعبان دوراً هامّاً، لقد كان الإمام الخميني (سلام اللّه عليه) يقول: ان الحوزة والجامعة جناحان بهما يتمكن الإنسان من الطيران، فالعلم والفن، والعلم والعمل توأمان لاينفصلان.

o علينا أن نستغل الفرص ولا نكتفي بالحديث فقط، بل علينا ان نتحرك عمليّاً وفق نظام مدروس وجاد.

o ان التحرك العملي من أمثالي يتوقف على مثل هذه المحاورات والنقاشات .

كما أشرتم، عليّ أن أتواصل مع العلماء والمفكرين في طهران من الحوزويين والجامعيين، لكنني بحاجة ماسة إلى التعرف على آرائكم فيما يخص قوانين القضاء الخاصة بالمراهقين، واعدامهم أي الأطفال دون سن 18 سنة، وكذلك فتاواكم حول منع انتشار الـ HIV ، وآمل ان نعقد شورى غير رسمية كي نستفيد من آرائكم الاسلاميّة .

نعم، أنا أؤيدكم الفكرة في ضرورة إطلاع العلماء على أفكاركم، يجب أن يرتفع المستوى الفكري للمجتمع من خلال طرح مثل هذه النقاشات. وثقّوا بأن لهذا المقدار أيضاً آثاره الايجابية .

أمّا فيما يخصُّ قضيّة الايدز، فقد ذكرت مسبقاً رأيي فيه، لكن هناك من الجهلة من حال دون نشر هذه الآراء، لقد أكّدت على ضرورة التثقيف في هذا المجال بدءاً بالمدارس، يجب أن يعلِّموا الأطفال ويثقِّفوهم، أتذكر انني واجهت صرخات من البعض بعد حديثي هذا قائلين فيها بان من يرغب في ترويج هذه القضية يريد أن ينشر الفحشاء والفساد في المجتمع، لكنني رغم ذلك أقول كل ما أراه صحيحاً، ومن الطبيعي لوسائل الاعلام دورها في هذه القضية، فهي تتحمَّل مسؤولية تثقيف المجتمع والعوائل، لكن معرفة مثل هذه المشاكل وكذلك انتقال الثقافة الصحيحة لايتمّان إلاَّ عن طريق التربية والتعليم، إنّ على الأطفال ان يتعلَّموا هذه المعادلة، وقليلاً قليلاً يتعلَّمون المراحل التالية، فعندئذ سيزول الفحشاء والفساد.

أمّا فيما يخصُّ مسألة الإعدام، فانا أعتقد بأنَّ الاعدام قضيّة قابلة للعلاج وذلك عن طريقين أحدهما: قال به الميرزا القمي حيث كان من الفقهاء العظام بانَّ قطع اليد والرجم والاعدام حدود خاصة بزمان الإمام المعصوم(عليه السلام). ويمكن لنا أن نسنَّ هذه النظرية في قوانينا، وبذلك نكون قد أقمنا حدود اللّه ولم نعطلها .

والطريق الثاني: هو ان نتدخل في قوانين الإثبات; لإنها وفقاً للضوابط الإسلامية لا ضوابط المحكمة; لان للإثبات طريقين، اما الإقرار (4 مرات) حيث يكون على اساس الوازع الديني للمقرّ لا على اساس من الخوف. وهذا الأمر من مميزات الإسلام، فالاسلام يريد من الناس ان يصلوا إلى مستوى بحيث يتأذَّى ضميرهم ووجدانهم ان ارتكبوا خطاءً، وطالبوا بانزال الجزاء بحقهم، أو أن يشهد اربعة اشخاص عدول، بان يكونوا مراجع دين أو ائمة جماعة، ويأتوا إلى المحكمة ويشهدوا بانهم رأوا الشخص الفلاني بأم أعينهم وهو يرتكب (الزنا)، لأن الإسلام يرفض إنتشار وشيوع المسائل المنافيّة للعفاف والتي تستوجب اجراء الحدود الشرعية في المجتمع، الاسلام دين الرأفة والرحمة والسماح، وهو يرغب ان تحلَّ المشاكل لا أن ينتشر المنكر في المجتمع .

لا يتمكن القاضي ان يحل هكذا مسائل بمراقبة تليفون المتهم أو الاستعانة بالقرائن الاخرى. لدينا روايات كثيرة في فقهنا الشيعي وجميعها يدل على التزام العدالة والسماح والعفو. في زمان امير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام) جاءت إمرأة إليه وأقرَّت بالزنا وطلبت منه ان يجلدها لتطهر، ماذا تتصورون أن يكون موقف امير المؤمنين (عليه السلام) منها؟!! قال: انظروا هل ان هذه المرأة مجنونة؟! هل عندها مشكلة نفسيّة؟! قالوا: كلا، ليست بمجنونة، فأمرها الأمير(عليه السلام) بأن تذهب، ولم يسجنها الأمير (عليه السلام) ولم يأخذ منها وثيقة، وجاءت هذه المرأة وللمرة الثانية واجابها الأمير كما في المرة الأولى، وقال: انظروا هل هي مجنونة أو أنها تعاني من مشاكل نفسية؟ قالوا: كلا، قال لها: انصرفي، وفي المرة الثالثة تكررت الحادثة نفسها وصرفها الإمام(عليه السلام)، وفي آخر مرحلة وحينما كانت حاملاً أو أنها ولدت ابنها قال لها الإمام علي(عليه السلام) إِذهبي وربّي ابنك ليكبر ويصبح مميزاً، ثم تعالي لاقيم عليك الحد، وخرجت المرأة وهي غاضبة، وواجهها أحد الجهَّال والذين تعرّض الإسلام للخطر على طوال التاريخ من أمثاله، سائلاً إيّاها، لماذا أنْتِ غاضبة، فأجابته: اقررت لدى الأمير اربع مرات ولم يقم عليّ الحد وطالبني بان أقوم بتربية هذا الطفل، وبعد ان يكبر آتيه ليقيم عليّ الحد، فواعدها هذا الجاهل بان يقوم بتربية هذا الطفل، فجاءآ معاً إلى الأمير(عليه السلام) وقال الرجل: أنا أتكفَّل هذا الطفل، فتألّم الإمام(عليه السلام) كثيراً وقال: أتتصور أنّي عاجز عن كفالته، أردت أن لا أقيم عليها الحد فلجأت إلى خلق الأعذار، فصرفتها وها أنت جئت ضامناً لها؟ هل هناك مثل لهذا القضاء؟ !

اذن يمكننا وبالاستعانة بهكذا روايات جاءت في فقه الإسلام والشيعة، أن نسنَّ قوانين تحول دون تنفيذ حد الجلد والرجم، رغم كونها منسجمة مع القانون الاسلامي.

إنَّ المعيار هو موازين الإسلام، لكن المجتمع لم يصل إلى ذلك المستوى من الوعي ليدرك هذا، هناك من يعتقد بان هذا يستلزم تعطيل الجزاء الإلهي، كلا، فهذه نظريات في القوانين الإلهية لا تعطيل لها، وأنا أعتقد بضرورة التأمل والتدقيق في تنفيذ الحدود الإلهيّة في زمن الغيبة، وكما قلت سابقاً إذا ثبت للمحكمة امر ما فعليها اقامة الحد والتعزير، ولكن غالباً لايتحقّق هذا الأمر .

o يظهر منه انه موضوع اخلاقي; لأنّه عمليّاً غير قابل للتنفيذ .

¡ نعم ان الإسلام أيضاً لم يؤيِّد ذلك، وهو يرغب بان يوبَّخ المذنب، كما هو المشهود في زماننا هذا، فعلى علماء النفس وعلماء الجرائم ان يجلسوا معاً ويقرّوا نوع العقاب الذي ينزل بحق من انتهك الحرمة والعفاف ويتركوا تنفيذ الحدود إلى زمان الإمام المهدي(عليه السلام) فهو مخيّر بالتنفيذ أو عدمه، وإذا كان هناك إشكال يورد عليه فهو يجيب عنه (عج)، وعليه فمن وجهة نظر إسلامية وشيعيّة يمكننا القول بان حدود الرجم والجلد في خصوص النساء ـ وكما يؤيده الميرزا القمي ـ أمر يخص زمان الامام المهدي (عج)، واليوم يجب تنفيذ العقوبات الدارجة في جميع انحاء العالم لا غير .

اما في خصوص القصاص، فأعتقد باننا لو كنا نمتلك قانونين صالحين فأحدهما القصاص; لأنَّ في القصاص مراعاة لحقوق الناس وعواطفهم وضماناً لأمنهم. فإنّه يمنح اولياء الدم حرية اختيار الانتقام أو العفو أو يقترح عليه إدارة مائة يتيم لأجل عفوه، والعفو اكثر ثواباً.

وفي هذا المجال روعيت حقوق الناس; لأن القانون يحدّ من الحريّات، وإذا أمرنا بالقصاص فحسب لكان في ذلك سلب لحق خيار اولياء الدم لأنّهم قد يرغبون بعقوبة اخرى .

أمّا فيما يخص عقوبة الأطفال، فإنّ كان الطفل يعلم مامعنى القتل؟ وما هي عقوبة القاتل ويدرك معنى فقدان العائلة معيلها ورغم ذلك يقدم على القتل لا أن يكون قتله صادراً عن غير ارادة وتعمُّد ويقدم على القتل بكامل الارادة، فهنا لايوجد بينه وبين الآخرين فرق في تنفيذ العقوبة بشأنه.

لو جعلنا السنَّ القانونية التي تجيز تنفيذ العقوبة هي سن الثامنة عشر، فهذا أمر صائب جداً، لأنّ القوانين الدولية المعاصرة تفرّق بين العقوبات وفق سنِّ المتهم، امّا فيما يخصُّ القصاص فتساوي بين الجميع. هناك من ينتقد قانون القصاص ويرفض قصاص الأطفال. ونقول لمثل هذا ماذا نفعل حيال طفل ذي عشر سنوات يفكر بعمر رجل في الخامسة والعشرين ويقرّر كتقريره؟ لو عاقبنا مثل هذا الطفل ولم نجرِ في حقه القصاص فاننا سنسلب حريّة الناس، ولو قلنا لاهل الدم بانكم لاتملكون الحق في العقاب بالمثل أو العفو فنحن حينئذ سلبنا منهم الرأفة، فقانون القصاص كمثلث يشترك فيه صاحب الدم والدولة والشعب .

أرى من الضروري أن أعرفكم على حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية، سمعتم كثيراً بان الإسلام يفرّق في قوانينه بين المسلمين والكفّار، فالاخيرون لايرثون المسلمين، ولايجوز الزواج معهم، وديتهم قليلة جداً (نصف دية المسلم) لو قتل المسلم الكافر فلا قصاص عليه، وأحكام اُخرى كثيرة وردت في الكتب، وهذه الأحكام صحيحة جداً ولا نلمس فيها مسألة التمييز، ولعلكم تسألون لماذا؟ وأجيب موضحاً:

الاسلام يجيز زواج المسلم من الكتابية (اليهودية والنصرانية) ولا يجيز العكس، فالنصراني واليهودي لايجوز له الزواج بالمسلمة، وكذلك لايجوز للمسلمين أن يقيموا روابط عائليّة مع الكفار، وحتى أنهم لايرثونهم، وهناك خطأ حصل في ترجمة الألفاظ، فماطرحته يرتبط بالكافر لا غير المسلم، والكافر معناه من يعلم بان الاسلام حق لكنه يكفره ان يغطي هذه الحقيقة وينكرها ويقوم بالإعلام المضاد تجاه المسلمين .

ان الكافر تقتضي مصالحه معاداة المسلمين، ولا يمكن للعلم والمعرفة أن تقف حائلاً لصده عن هذه العداوة، لأن مصالحه تبتني على اسس حب النفس، لكن الإيمان والضمير يمكنهما صدّ الكافر وضبطه. من يعلم بحقانية الإسلام، وفي الوقت ذاته ينكر هذه الحقيقة ويقوم بالإعلام المضاد، فهو أسير مصالحه الشخصية ورغباته السياسيّة والعقائدية والاجتماعية، فهذا لايتمكن من الزواج بأبنتي ولا يمكنه أن يرثني، ولا أنسى بان انوّه بان مثل هؤلاء الاشخاص قد يكونون قليلين جداً نسبة إلى 5/6 مليار انسان، نحن نعتقد بان هؤلاء ليس لهم حقوق، فهم محرومون منها، وهذا هو عين الصواب، لكن الآخرين لايختلفون معنا في الحقوق، فالمسلم يجوز له الزواج من غير المسلمة وكذا العكس، لكن لو عجز الايراني في الزواج من فتاة انجليزية فهذا راجع إلى قوانين الدولة، وفي الحقيقة البشر سواسيّة ، والإسلام يعاقب الكافر لا غير المسلم.

لو بسطنا ونشرنا هكذا أفكار وقلنا بأن هناك عدة مليارات من الناس ليسوا بمسلمين فاننا في هذه الحالة سنزيل سوء ظن مليارات من الناس حول الإسلام، ولقد أكّدت على هذه المسألة في صحيفة الشرق الأوسط مستدلاً بالعقل والقرآن بان الكافر يختلف عن غير المسلم، وهناك المليارات منهم، وهذا ليس معناه بانهم كفار، فالكافر يختلف عن غير المسلم.

وهذا يتطلب بحثاً مفصلاً، وهو راجع إلى القواعد الفكريّة للإسلام، لو تمكنا من الحضور في جامعة الأزهر أو إحدى المؤتمرات الدولية تمكّنا من حل الكثير من المشاكل، أتذكَّر ـ قبل عدّة سنوات ـ جاءت هيئة مسيحية وسنيّة من أمريكا وطلبت مني المقابلة، وهناك ذكرت لهم هذه النظرية، وقد أعربوا عن فرحهم الشديد بها.

o وهذا في الواقع هو اساس اختمار الفكرة .

ـ لدينا في الواقع تنسيق مع جامعة المفيد نحاول عن طريقه ايجاد التفاسير المختلفة لهكذا قضايا وإعلام العالم بها.

ـ تعريف الناس بالتفاسير العقلائية للإسلام والحقائق الملموسة عنه أمر جيد، ويعدّ خدمة للإنسانية جمعاء، فعليكم بالسعي، وانقلوا عن لساني للجميع بان الإسلام يساوي بين جميع البشر في الحقوق، ويستثني الكافر فقط.

o لقد شجعتموني أكثر على الدخول في الاسلام .

¡ كلامكم صحيح ـ وكما ذكرت سابقا ـ فلو تمكنا و من خلال مؤتمر دولي أن نطرح الاُصول الصحيحة للإسلام، فتأكَّدوا بان العقلاء من البشر سوف يدخلون في هذا الدين; لأنَّ الاسلام لايخالف العقل والفكر، والإسلام دين سهل وسمح، ولو سمعتم بالإعلام المضاد للإسلام فهو ناشىء عن تصرفات بعض المتحجِّرين والجهلاء.

o هناك الكثير من المتحجِّرين في العالم اليوم وقد نستطيع ان نتواصل معهم عن طريق التنسيق معكم، وندعوهم للإصلاح .

¡ لو استطعتم القيام بهذا الإعلام الثقافي، فالكل سيترك التعصُّب ويتنور بنور الإسلام.

o نحن نقول في بعض الأحيان إنَّ هذا ليس معناه صِدام الحضارات بل معناه تجاهل الحضارات .

¡ نعم، هناك خطأ، وقد قلت في احدى المرّات للسيد الخاتمي في خصوص قضيّة الحوار، ان عليه طرح هذا المبدأ لكي نحلّ مشاكلنا فلو طرحنا هذا المبدأ تمكنّا من حل جميع المشاكل، فمشكلتنا تتلخص في عدم تمكننا من طرح هكذا أفكار .

ولا ننسى بأنَّ جميع هذه المبادئ استقيناها من أفكار العلماء العظام امثال الإمام الخميني والمقدس الأردبيلي، فعلماؤنا السابقون هم الذين أوصلونا إلى هذه النظريات، فالامام الخميني وبافكاره النيّرة علَّمنا دروس الصمود والتقدّم، وقد قاوم هو أيضاً الافكار المتحجّرة، وسنقاوم كما قاوم هو، وسنقوم بنشر هكذا نظريات، ونحن ندعو له ونحيي روحه الطاهرة والسامية حيث فتح أمامنا الآفاق وهيّىء لنا الأرضية، لنقوم بنشر هذه الأصول وفق ماألهمنا ايّاه من افكار ورؤى مستنيرة .

o شكراً جزيلاً.

¡ وفقكم اللّه.

-----------------------------------------------

([1]) الزمر: 17 ـ 18.

([2]) بحار الانوار 104: 72.

([3]) مستدرك الوسائل 7: 447.

([4]) المصدر السابق.

([5]) الرعد: 7.
التاريخ : 2007/02/21
تصفّح: 12174





جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org