Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: القول في عدة وطئ الشبهة

القول في عدة وطئ الشبهة (379)

(والمراد به وطئ الأجنبية بشبهة أنّها حليلته إمّا لشبهة في الموضوع كما لو وطأ مرأة باعتقاد أنها زوجته أو لشبهة في الحكم كما إذا عقد على أخت الموطوء معتقداً صحته ودخل بها).

ما في المسألة تفصيل لموارد الوطئ بالشبهة ولا بحث فيه، نعم يقع البحث في تعريفه حيث أنّه عرّف تارة بأنه ما لم يكن زناءً بلا قيد وأخرى مع إضافة عدم إيجابه الحد، والأجود بل المتعين الأول لعدم الانعكاس في الثاني لشموله الزنا عن أكراه على تسلم تحقق الإكراه فيه فإنّه زنا لا حدّ فيه على المكره بالفتح، ومن المعلوم عدم كونه محكوماً بالشبهة من حيث العدة وغيرها من الاحكام بل عدم العدة مستفاد من حديث الرفع أيضاً على العمومية كما لا يخفى، فتعريف الثاني غير مانع منه دون الأول حيث إنّ الزنا عن أكراه زناء قطعاً لكن الأمر في التعاريف من حيث الاطراد وعدم الانعكاس سهل لأنّها كاللفظية.

(مسألة 1 ـ لا عـدّة على المزنيّ بها سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى).

وذلك للأصل ولانصراف الاطلاقات عن الزنا، فإنّ ما يدل على أنّ العدة من الماء


(380)


مثل «إنّما العدة من الماء»(1) أو الدخول مثل «إذا التقى الختانان وجب العدة»(2) ومثل «إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدة»(3) منصرفة عن الزنا لأنّها راجعة إلى الوطئ المتعارف المشروع لا غير المشروع منه، مع أنّ بعض هذه الاطلاقات ورد في الزواج فغير شامل للزنا موضوعاً، فراجع إن شئت، ولا فرق فيه بين الحامل والحائل كما هو مقتضى الأصل، أمّا الحامل فلا خلاف في عدم العدة عليها وأمّا الحائل ففي الحدائق وعن تحرير العلامة وجوب الاعتداد عليها بل ظاهر الوسائل في عنوانه الباب المنعقد لحكم عدة الزانية وجوبه عليها مطلقاً ففيه «باب وجوب العدة على الزانية إذا أرادت أن تتزوج الزاني أو غيره»(4) واستدلّ صاحب الحدائق بخبر إسحاق بن جرير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها، هل يحلّ له ذلك؟ قال: نعم، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوّجها، وإنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها»(5).

وبخبر تحف العقول، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد(عليهما السلام): أنه سئل «عن رجل نكح امرأة على زنا أ يحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ثم يتزوّج بها إن أراد فإنّما مثلها مثل نخلـة أكـل رجل منها حرامـاً ثم اشتراها فأكل منها حلالا»(6).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث4.
[3] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث1.
[6] ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث2.

(381)


ولا يخفى ما في الاستدلال بهما لأنهما يوجبان العدة في غير محل الفرض الذي لا عدة فيه إجماعاً فإنّ الروايتين تقتضيان العدة على المزني بها للزاني والعدّة إنّما جعلت ـ في الموارد التي حكم بها مثل الطلاق والفسخ وسائر الموارد ـ لغير الزوج والواطي فإنّ الزوج المطلّق يجوز له تزويج زوجته المختلعة في إثناء العدّة ويجوز للفاسخ التّزوج في عدة فسخه وكذا في المتعة يجوز له تزويج المتمتّع بها في عدّة نفسه بعد انتهاء المدّة أو هبتها، فالعدّة إنّما جعلت للغير في نكاحه للمعتدّة لا لنفس الزوج في المعتدة عنه والزّواج بعد الزنا ليس بأولى من الزواج في عدّة الطلاق والفسخ والمتعة.

ومن ذلك يظهر أنّ الروايتين ليستا بصدد بيان العدّة المعهودة بل ليس بازيد من التكليف بالانتظار إلى استبراء الرّحم، سوا كان تحريميّاً أو تنزيهياً إن لم يكن إرشاداً.

لا يقال: إنّ حكمة العدّة وهي عدم اختلاط المياه موجودة هنا.

فإنّه يقال: أنّه حكمة لا علّة، هذا أولاً، وثانياً أنّ اختلاط المياه بالنسبة إلى الزوج نفسه غير معقول والرّواية الأولى أيضاً ظاهرة في الاعتداد باستبراء رحمها من ماء فجور الزاني نفسه، فالرواية الثانية وإن كانت ظاهرة في الاستبراء من نطفته ونطفة غيره ولكن علّله بعده بقوله «إذ لا يُؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه» فإنّ التعليل دالّ على احتمال ماء الغير في الرّحم ولكن الأصل عدمه ما لم يقم عليه حجّة، فالعدة إن كانت، إنّما تكون للزاني نفسه ومعه لا يعقل اختلاط المياه، مضافاً إلى ضعف سند الرواية الثانية، وأمّا الرواية الأولى وإن كانت بطريق الكليني مرسلة ولكنّها صحيحة بطريق الشيخ مع أنّهما مطلقتان شاملتان للحائل والحامل واختصاصه بالحائل غير تمام.

هذا كله مضافاً إلى أنّ المستفاد من قوله تعالى: (فما لكم عليهن من عدّة)(1)
--------------------------------------------------------
[1] ـ الأحزاب (33): 49.

(382)


كون العدة حقّاً للزوج فإنّها جعلت رعاية لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغىّ وأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر(1).

(وأمّا الموطوءة شبهة فعليها عدّة سواء كانت ذات بعل أو خلية، وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ).

قضاءً لإطلاق الروايات منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)«... إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدّة»(2).

ومنها: صحيحة الحلبى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل دخل بامرأة قال: إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة»(3)

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتهُ عن الرجل والمرأة متى يجب عليهما الغسل؟ قال: إذا ادخله وجب الغسل والمهر والرجم»(4).

فإنّ هذه المطلقات دالّة على وجوب العدّة بمجرّد الدخول، سواء انزل أم لا وسواء كان الدخول عن زواج أو شبهة.

(بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصة).

فإنّ في المسألة قولين; العدّة للاطلاقات، وعدمها للأصل ولأنّها لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغيّ. والحق هو الثاني لأنّ الانصراف الموجود في الزنا المتحقق من الطرفين موجود هنا أيضاً فالاطلاقات منصرفة عن هذا أيضاً. ولك أن تقول: إنّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ فيه إشكال يأتي تفصيله في التعليقة على فرع في المسألة الثامنة. «المقرر».
[2] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث3.
[4] ـ وسائل الشيعة 21: 320، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث9.


(383)


منشأ الانصراف هو أنّ العدة إنّما جعلت رعاية لحرمة الزوج ولا حرمة لماء البغىّ فإنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، فالاحوط لزوم العدّة إن كانت الشبهة من طرف الموطوءة خاصّةً وإن كان عدم اللزوم لا يخلو عن قوّة.

(مسألة 2 ـ عدّة وطئ الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطئ على التفصيل المتقدم).

لأنّ المتبادر من العدّة هو عدة الطلاق لا المتعة فإنّها الأصل في العدّة في الكتاب والسنّة.

(ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً).

لعدم زيادة الفرع على الأصل.

(مسألة 3 ـ لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها).

وذلك لأنّها في عدّة الغير.

(وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ أحوطهما الثاني وأقواهما الأول).

فإنّ فيه وجهين: الجواز، لأنّها زوجته والأصل بقاء جواز سائر الاستمتاعات وعدم الجواز، لا لحاقها بالوطئ والأقوى هو الأول، لعدم الدليل على المنع والإلحاق، نعم تحرم في المرأة الأجنبية لكنها لا لكونها في عدة الغير بل لكونها أجنبية فلا دليل على المنع من الاستمتاعات غير الوطئ في عدة الغير.

(384)


(والظاهر أنّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها).

لأنّها زوجته فلها النفقة وعدم التمكين نشأ من وجه شرعي.

(مسألة 4 ـ إذا كانت خلية يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها).

قضاءً للأصل ولاطلاقات باب النكاح وعموماتها ولأنّ الموطوءة بالشبهة كالمطلّقة ولا تزيد عليها، فكما أنّ المطلِّق يجوز له تزويج زوجته المطلقة في عدة نفسه فكذا الواطئ يجوز له تزويج موطوءته شبهة في عدة نفسه إذا كانت خلية.

(بخلاف غيره، فإنّه لا يجوز له ذلك على الأقوى).

قضاءً لا طلاق ما يدلّ على عدم جواز الزواج في عدّة الغير.

(مسألة 5 ـ لا فرق في حكم وطئ الشبهة من حيث العدّة وغيرها بين أن يكون مجرداً عن العقد أو يكون بعده بأن وطئ المعقود عليها بشبهة صحة العقد مع فساده واقعاً).

ملخص هذه المسألة أنّه لا فرق في احكام الوطئ بالشبهة بين أن تكون الشبهة موضوعية كما لو وطئ امرأة بتخيل أنّها زوجته وبين أن تكون حكمية كما لو زعم أنّه يجوز الجمع بين الأختين أو زعم أنّه يجوز التزويج في عدة الغير فزوّج ووطئها بتخيل صحة العقد وذلك لإطلاق أدلة احكام الوطئ بالشبهة.

(385)


(مسألة 6 ـ لو كانت معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوطئت شبهة أو وطئت ثم طلّقها أو مات عنها زوجها فعليها عدّتان على الأحوط لو لم يكن الأقوى).

لا يخفى أنّ هذه المسألة فرع لمسألة كليّة أُخرى وهي مسألة تداخل العدّتين وعدمه، وفيها وجهان بل قولان:

احدهما: عدم التداخل وهو المشهور بين الأصحاب بل عن الشيخ في الخلاف(1) الإجماع عليه
وثانيهما: التداخل المحكىّ عن ابن جنيد وعليه الصدوق في المقنع(2) والهداية(3) واستدل للأوّل بالأصل، أي القاعدة والروايات والاعتبار ; أمّا الأصل فهو أنّ كلّ سبب وكلّ موضوع يقتضي مسبباً وتكليفاً مستقلاً، وأمّا الروايات،
فمنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً؟ فقال: إن كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً واعتدّت ما بقي عليها من الأول واستقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطّاب»(4).

ومنها: موثقة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها فتضع وتتزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً، فقال: إن كان الذي تزوّجها دخل بها فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً واعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأول واستقبلت
--------------------------------------------------------
[1] ـ الخلاف 5: 75.
[2] ـ المقنع: 354.
[3] ـ الهداية: 277.
[4] ـ وسائل الشيعة 20: 451، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب17، الحديث6.

(386)


عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما وأتمّت ما بقي من عدّتها وهو خاطب من الخطّاب»(1).

ومنها: ما عن علي بن بشير النبّال، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها وانّه قذفها بعد علمه بذلك، فقال: إن كانت علمت أنّ الذي صنعت يحرم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأولى وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة»(2).

وأمّا الاعتبار، فإنّه قيل: إنّ العدة حق للرجل كالدين، فمع التعدد يلزم التعدّد.

واستدلّ لغير المشهور بروايات، منها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)«في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها، قال: يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً»(3).

ومنها: موثقة أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المرأة تزوّج في عدّتها قال: يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً»(4).

ومنها: مرسلة جميل بن درّاج، عن أحدهما(عليهما السلام) «في المرأة تزوّج في عدّتها قال: يفرّق بينهما وتعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير وإن جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر فهو للأوّل»(5).
--------------------------------------------------------
(1) وسائل الشيعه 450:20 ،كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الباب 17، الحديث 2.
(2) وسائل الشيعه 456:20 ،كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الباب 17، الحديث 18.
(3) وسائل الشيعه 453:20 ،كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الباب 17، الحديث 11.
(4) وسائل الشيعه 453:20 ،كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الباب 17، الحديث 12.
(5) وسائل الشيعه 454:20 ،كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الباب 17، الحديث 14.

(387)


ومنها: ما عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) «في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوّجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً»(1).

هذا وقد قال في الحدائق: «والظاهر من نسبة الرواية إلى الشهرة أنّ المراد بها الشهرة في الفتوى فإنّ المشهور هو التعدد كما عرفت وإلاّ فالشهرة في الرواية إنّما هي في جانب الروايات الدالة على الاتحاد»(2).

أقول: ولا يخفى تعارض الروايات في المسألة، وقد ذكر لرفع التعارض وجوه أربعة:


أحدها: وهو عن الشيخ، حمل النصوص الدالة على التداخل، على قبل الدخول(3)، بأن يقال: إنّ قوله (عليه السلام) «تعتد منهما جميعاً» بمعنى تعتد منهما وإن لم تكن العدة للثاني لعدم الدخول.

وهذا الحمل بعيد لا يمكن أن يصار إليه لأنّ المذكور فيها هو الاعتداد منهما جميعاً والظاهر منه وجوب الاعتداد منهما لكون العدة لكل واحد منهما وليس للرجل قبل الدخول عدة ; مضافاً إلى أنّ حمل الشيخ في روايتي زرارة وأبي العباس دون الأخريين.

ثانيها: وهو المذكور في كلام صاحب المدارك، هو حمل روايات عدم التداخل على الاستحباب والأخرى على الوجوب. وهذا هو كما ترى، فإنّ التعبير بالاعتداد في كلتا الروايتين على نهج واحد، فإنّ في كلتا الطائفتين التعبير بصورة الجملة
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 20: 446، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب16، الحديث2.
[2] ـ الحدائق الناضرة 25: 535.
[3] ـ الاستبصار 3: 188 ; تهذيب الأحكام 7: 308.

(388)


الخبرية، بل في بعض الطائفة الأولى كالطائفة الثانية بلفظ «تعتد» فلا يمكن الافتراق بينهما بحمل احديهما على الاستحباب والأخرى على الوجوب، بل قد يلزم الافتراق في نفس الرواية الواحدة بين الفقرتين منها بحمل احديهما على الوجوب والأخرى على الاستحباب.

ثالثها: وهو ما ذهب إليه صاحب الحدائق(1)، حمل روايات العدم على التقية ويشهد له خبر زرارة، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) «عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدّت فتزوّجت فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتدّ للناس؟ قال: بثلاثة قروء، وإنّما يستبرء رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم، قال زرارة: وذلك أنّ أناساً قالوا: تعتدّ عدّتين لكلّ واحدة عدّة فأبى ذلك أبو جعفر(عليه السلام) وقال: تعتدّ ثلاثة قروء فتحلّ للرجال»(2).

وكذا مرسلة يونس عن بعض أصحابه «في امرأة نعي إليها زوجها فتزوّجت ثم قدم زوجها الأول فطلّقها وطلّقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي: عليها أن تعتدّ عدّتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر(عليه السلام) فقال: عليها عدّة واحدة»(3).

رابعها: طرح الطائفة الثانية لاعراض المشهور عنها والعمل بالأولى لعمل المشهور بها، فإنّ الشهرة العملية من مميزات الحجة عن اللاحجة كما يستفاد من قوله(عليه السلام) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر»(4) و«المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 535.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 254، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب38، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 254، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب38، الحديث2.
[4] ـ مستدرك الوسائل 17: 303، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث2.

(389)



المجمع عليه لاريب فيه»(1) من مرجحات الحجية حتى يقال بأنّ الأخذ بها مقدم على سائر المرحجات أم لا؟ وعلي هذا فلا تعارض بين الطائفتين لعدم التعارض بين الحجة واللاحجة فلا يصل دور الموافقة للتقية أو الأصحّية أو غيرهما من المرجحات.

لكن لقائل أن يقول: إنّ هذه الشهرة ليست من المميزات ولا من المرجحات لأنّها هي التي توجـب الاطمينان بالمشهورة وبالخلل في غيرها، فإنّ من المحتمل هنـا أن تكون فتـوى الأصحاب من باب موافقـة المشهـورة للاحتيـاط والاشتغال فالشهرة المفيدة غير ثابتة كما لا يخفى.

وممّا يؤيّد ذلك حمل الشيخ الروايات المخالفة على قبل الدخول كما مرّ ولم يحملها على الشذوذ ولم يطرحها، وكذا يؤيّده أنّ الشيخ في الخلاف غير متعرض لروايات الخاصّة، قال:

«كلّ موضع تجتمع على المرأة عدّتان، فإنّهما لا تتداخلان، بل تأتي بكل واحدة منهما على الكمال. وروي ذلك عن الإمام علي(عليه السلام)، وعمر، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعي. وذهب مالك، وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنّهما تتداخلان وتعتدّ عدّة واحدة منهما معاً. دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً فقد ثبت وجوب العدّتين عليها وتداخلهما يحتاج إلى دليل. وروى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنّ طليحة كانت تحت رشيد الثققي، فطلّقها البتة فنكحت في آخر عدّتها، ففرّق عمر بينهما وضربها بالمخففة ضربات، وزوّجها، ثم قال: أيّما رجل تزوّج امرأة في عدّتها، فإن لم يكن دخل بها زوجها الذي تزوّجها فرق بينهما، وتأتي ببقية عدّة الأول، ثم تستأنف عدّة الثاني، ثم لا تحلّ له أبداً. وعن الإمام علي(عليه السلام)، مثل ذلك، ولا مخالف لهما في الصحابة»(2).

--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث1.
[2] ـ الخلاف 5: 75، مسألة 31.

(390)


هذا كله مع أنّه لقائل أن يقول: إنّ التعارض بين الروايات في المسألة غير محقق من رأس.

بيان ذلك: أنّ روايات التداخل إنّما هي مختصة بما إذا كان العدتان كلاهما لحكمة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه المناسب للاعتداد بعدة واحدة فالاستبراء بها محققة وروايات عدم التداخل مختصة بما إذا كان احديهما لحكمة مثل حرمة الزواج كعدة الوفاة، فالمناسب في اجتماعه مع مثل عدة الطلاق التي تكون لحكمة الاستبراء التعدد لأنّ الحرمة غير متحققة بمثل عدة الطلاق كما لا يخفى. فتلك الروايات محمولة عليه حيث لا يتحقق مثل حرمة الزوج بعدّة الاستبراء فينبغي الرجوع إلى النصوص مرّة أُخرى وملاحظتها، فراجع إن شئت.

نعم يبقى الكلام في رواية علي بن بشير النبّال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنّه قد بقي من عدّتها وانّه قذفها بعد علمه بذلك، فقال: إن كانت علمت أنّ الّذي صنعت يحرم عليها فقدمت على ذلك فإنّ عليها الحدّ حدّ الزاني ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً، وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثمّ قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحدّ وفرّق بينهما وتعتدّ ما بقي من عدّتها الأولى وتعتدّ بعد ذلك عدّة كاملة»(1).

لكن لقائل أن يقول: إنّ المراد هو عدّة واحدة وهي أطولها(2) وعلى كل حال فإنّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 20: 456، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب17، الحديث18.
[2] ـ وأنت ترى ما في هذا الاحتمال من البعد بل المنع، فإنّ الرواية نصّ أو كالنصّ في لزوم العدّتين وإلاّ لا معنى للاعتداد في ما بقي من الأولى والاعتداد بعد ذلك عدّة كاملة، وهذا واضح. «المقرر».

(391)


عدم التداخل هو الأحوط، والتداخل لا يخلو من قوّة.

أمّا إذا طلّق زوجته ثم وطئها هو شبهة ففيه وجهان بل قولان، من تعدد السبب فيقتضي تعدد المسبب كما ذهب إليه الشيخ وابن إدريس بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأكثر وفي غيره إلى المشهور، ومن كون العدة من شخص واحد فتتداخل العدتان كما ذهب إليه الفاضلان واختاره صاحب الجواهر وقوّاه بأنهما لواحد.

لكن لا يخفى أنّه إن قلنا: إنّ تعدّد السبب يوجب تعدّد المسبب يلزم القول بعدّتين هنا ولا فرق بين أن يكون من واحد أو اثنين.

نعم لقائل أن يقول: إنّ أدلّة السببية مثل «إنّما العدّة من الماء» و«إذا التقى
الختانان فقد وجب الغسل والمهر والعدّة» منصرفة عن وطىء شبهة الزوج نفسه، ويشهد له أنّه لا يوجد اثر ولا سؤال عن وطئ شخص واحد في روايات تعدّد العدّة.

(فإن كانت حاملا من أحدهما تقدّمت عدّة الحمل، فبعد وضعه تستأنف العدّة الأُخرى أو تستكمل الأولى، وإن كانت حائلا يقدم الأسبق منهما، وبعد تمامها استقبلت العدّة الأُخرى من الآخر).

والبحث عن هذه الاحكام يقع على القول بعدم التداخل والمستند فيها هو القواعد والدراية لا الرواية فإن كانت حاملاً من احدهما تقدمت عدة الحمل سواء كان سبب الأُخرى مقدماً أو مؤخراً أو مقارناً وذلك لعدم إمكان تأخير عدته التي هي وضع الحمل فلو وطئ المطلقة شبهة اثناء العدة فحملت تقدم عدة الوطئ بالشبهة فبعد وضعه تستكمل عدة الطلاق وكذلك العكس أي إذا وطئ شبهة ثم جامعها زوجها فحملت ثم طلقها فتقدم عدة الطلاق.

(392)


وأمّا إن كانت حائلاً فمقتضى القاعدة العقلية رعاية تقدم السبب المقتضي لتقدم المسبب، فمع وجود مسبب لامعنى لتحقق مسبب آخر في ظرفه بعد فرض عدم التداخل بين العدتين فيمنع عن تأثير السبب اللاحق في ظرف المسبب المقدم.

ثم أنّه ربما يحتمل أنّ عدة الطلاق مقدمة على عدة وطىء الشبهة وإن كان سببه مؤخراً وذلك لا قوائية الطلاق في السببية ولأنّه الأصل في العدة ; لكن لا يخفى عليك ما فيه، فإنّه مع عدم كونه بازيد من الاعتبار مع أنّه غير تام أنّ المستفاد من الروايات أنّ الوطئ بالشبهة سبب للعدة كالطلاق من دون دلالة على اقوائية احدهما على الآخر، نعم إنّ عدة الطلاق قد وردت في كتاب الله (والمطلقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء)(1) دون عدة الوطئ بالشبهة ولكن ذلك لا يفيد الاقوائية، مضافاً إلى عدم الملازمة بين اقوائية السبب والتأثير متقدماً ولو كان وجوده متأخراً.

ومع التقارن بين السببين مثل الوطئ بالشبهة في زمان وقوع الطلاق فلقائل أن يقول: إنّ العدة إن كانت حقاً للزوج والواطئ فتتعيّن ولقائل أن يذهب إلى القول بتخيير المرأة بين جعل أيّهما مقدمة والأخرى مؤخراً.

وتظهر الثمرة في الرجوع والتزويج في عدة البائن فإن تقدمت عدة الوطئ بالشبهة، فلو كان الطلاق بائناً فلا يجوز للزوج المطلق تزويجها اثناء عدة الوطىء بالشبهة لأنّه تزويج في عدة الغير وأمّا لو كان الطلاق رجعياً فهل يجوز له الرجوع فيها أم لا؟ والتحقيق أنّه مبنيّ على أنّ جواز الرجوع هل هو مشروط بكون المرأة في العدّة أو هـو منوط بعدم انقضاء العدّة؟ فعلى الأول لا يجوز وعلى الثاني، كما قـوّاه في الجواهـر، يجوز.
--------------------------------------------------------
[1] ـ البقرة (2): 228.

(393)


(مسألة 7 ـ لو طلّق زوجته بائناً ثم وطئها شبهة اعتدّت عدّة أُخرى على الأحوط بالتفصيل المتقدم في المسألة السابقة).

لا يخفى أنّ حكم المسألة مشترك بين البائن والرجعي لعدم الخصوصية، إلاّ أنّ الجمع بين الشبهة والرجعي إنّما يكون مبنياً على عدم كون مطلق الوطئ رجوعاً وأنّ تحقق الرجوع منوط بالقصد وإلاّ فمع تحقق الرجوع بمطلق الوطئ فالجمع غير محقق ولمّا أنّ مختار المتن في مسألة الرجوع كونه رجوعاً مطلقا وإن قصد به عدم الرجوع فاختص البائن بالذكر.

(مسألة 8 ـ الموجب للعدّة أُمور: الوفاة والطلاق بأقسامه، والفسخ بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع، والوطئ بالشبهة مجرداً عن العقد أو معه، وانقضاء المدّة أو هبتها في المتعة، ويشترط في الجميع كونها مدخولا بها إلاّ الأول).

وذلك قضاءً لإطلاق قوله تعالى (والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)(1) وللروايات الخاصة.

فرع: إن حملت المرأة بتلقيح نطفة الزوج أو غيره شبهةً بلا دخول فهل عليها العـدّة أم لا؟ الحق هو عدم الاعتداد مطلقاً لأنّ الحصر في «إنّما العدّة من الماء» هـو إضافي في مقابل الإيلاج بلا ماء فيرجع إلى «إنّما العدة مـن الماء مـع الدخول» ولذا سئل الراوي «فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل فقال(عليه السلام): «إذا ادخله وجب الغسل
--------------------------------------------------------
[1] ـ البقرة (2): 234.

(394)


والمهر والعدة(1) »(2).
[1] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1.

[2] ـ أقول: لا يخفى أنّ المسألة هي اعم من الحمل وعدمه، وعلى كل حال فإن حملت فالحق خلافاً لما أفاده الأستاذ وجوب الاعتداد عليها بوضع الحمل وإن لم تحمل فبالشهور، بل وبالإقراء، وذلك خوفاً من اختلاط المياه وصيانة للأنساب وللاطلاقات، فإنّ الأصل في الاعتداد في غير الوفاة هو الحمل والتحرز من اختلاط المائين كما قيل، ولذا نرى انّه انتفي عمّن لا يحتمل الحمل فيها عادة، ففي مرسلة جميل بن دراج، عن أحدهما(عليهما السلام) «في الرجل يطلّق الصبية التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها وقد كان دخل بها والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما»(1). وكذا ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها»(2). وغيرهما من النصوص، كما انّه مختار الشيخ في مقطوع الذكر، قال: «وإن كان قد قطع جميع ذكره فالنسب يلحقه، لأنّ الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالإنزال ممكن، ويمكنه أن يساحق وينزل، فإن حملت عنه اعتدّت بوضع الحمل وإن لم تكن حاملاً اعتدّت بالشهور، ولا يتصوّر أن يعتدّ بالإقراء لأنّ عدّة الإقراء إنّما تكون عن طلاق بعد دخول، والدخول متعذر من جهته»(3) فإنّ المسألة وما ذكره الشيخ يرتضعان من ثدي واحدة وإن كان في تفرقته بين الموردين بالشهور والإقراء منع وأشكال. نعم حصر حكمة لزوم الاعتداد في مثل الاجتناب عن اختلاط المياه ممنوع، لكن هناك فرق بين كون الاعتداد لخصوص التحرز عن مثل ذلك وبين كون التحرز عن اختلاط المياه أيضاً موجباً للاعتداد فإنّه على الثاني لا منافاة ولا أشكال في أن يكون الدخول وإن لم ينزل أو الإنزال لكن مع انتفاء الرحم، أيضاً موجباً للاعتداد. فعلى هذا إنّ لزوم الاعتداد له سببان ; الدخول بها وإن لم ينزل، ودخول الماء وإن لم يدخل بها وكذا وإن لم تحمل، فإنّ الولد للفراش ومعلوم أنّ النطفة التي استقرّت في الرحم أو الماء الذي تكوّن الولد منه أيضاً من الفراش، وإضافية «إنّما العدّة من الماء» لا تنافي كون خصوص الماء أيضاً موجباً لها، كما أنّ وجوبها لالتقاء الختانين أيضاً لا ينافي وجوبها لدخول الماء أيضاً فإنّ المراد من مثل «إذا التقى الختانان وجب العدّة» وجوبها وإن لم ينزل وليس فيه حصر لوجوبها في التقائهما، ولو سلّم الحصر


(395)
.................................................................................
--------------------------------------------------------
فهو اضافي يرجع إلى التأكيد على وجوب الاعتداد عند الالتقاء وإن لم ينزل، في قبال توهم بعض الناس بأنّ العدّة بدخول الماء أو بدخوله مقارناً لدخول الرجل بها.

وفي المسالك بعد أن ذكر أنّ المعتبر من الوطئ غيبوبة الحشفة قبلا أو دبراً قال: «وفي حكمه دخول منيّه المحترم فرجاً، فيلحق به الولد إن فرض وتعتدّ بوضعه، وظاهر الأصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا»(4) وقد أورد عليه صاحب الجواهر(قدس سره) بـ «انّ المتجه مع فرضه كونه بحكم الاعتداد قبل ظهور الحمل مخافة اختلاط المائين، بل لعل وجوب العدّة لها حاملا يقتضي ذلك أيضاً، ضرورة معلومية اشتراط العدّة بطلاقها الدخولي، فإن لم يكن ذلك بحكمه لم يكن لها عدّة حتّى معه أيضاً، لظهور النصوص المزبورة في اعتبار الالتقاء والإدخال والمس ونحوها ممّا لا يندرج فيها المساحقة من غير فرق بين الحامل وغيرها، والآية إنّما يراد منها بيان مدّة العدّة للحامل، لا أنّ المراد منها بيان وجوب العدّة على الحامل وإن لم تكن مدخولا بها، كما هو واضح بأدنى تأمل».

وبعد ذلك قد أظهر صاحب الجواهر غرابة «حكمهم بعدم العدّة في المجبوب الّذي لا فرق بينه وبين مقطوع الذكر خاصّة، بعد فرض حصول ماء من مساحقته يمكن تكوّن الولد منه ولو على خلاف العادة» بما يفيدنا فيما نحن فيه أيضاً، فإنّه قال في وجه الغرابة: «لإطلاق قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الولد للفراش» المفروض شموله لمساحقة سليم الأنثيين، ولو كان الّذي ألجأهم إلى ذلك حمل قوله: «إنّما العدّة من الماء» على أرادة بيان الحكمة لا السبب، ولذا أعقبه باعتبار الإدخال في العدّة، ولم يجعلوا ذلك سببين للعدّة، وحمل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «لذّت منه ولذّ منها» على خصوص الالتذاذ بالإدخال لا مطلقاً بحيث يشمل المساحقة لكن كان المتجه عدم التزام العدّة حتّى مع الحمل منه، وكون منيّه محترماً لاينافي سقوط العدّة المشترطة بالدخول، والفرض عدمه، فيكون حملها نحو حملها باستدخال قطنة من منيّه أو بمساحقة زوجة كانت تحته، وصعوبة التزام ذلك باعتبار كونها حاملا منه كصعوبة التزام عدم العدّة المحترم فيها المحتمل تكوّن ولد منه، مع أنّ مشروعية العدّة للحفظ من اختلاط الماء، والحكمة وإن لم تطرد لكن ينتفي الحكم الّذي شرع لها معها، فليس إلاّ القول بأن للعدّة سببين:

(396)

..................................................................................................
--------------------------------------------------------

أحدهما دخول مائه المحترم فيها بالمساحقة أو بإيلاج دون تمام الحشفة، والثاني إيلاج الحشفة وإن لم ينزل بل وإن كان صغيراً غير قابل لنزول ماء منه، فتأمّل جيداً فإنّ المقام غير منقّح»(5).

فتحصّل ممّا ذكر أنّ دخول ماء الزوج أو غيره شبهة يوجب العدّة وإن لم تحمل، كما أنّ الدخول يوجبها وإن لم ينزل أو لم تحمل أو لا يمكن حملها لانتفاء الرحم ونحوه.

وإلى ما اشرنا إليه من الحكمة والمصلحة في الاعتداد يشير بعض النصوص ويرشد إليه، فمنها ما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله «حرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس وذهاب الأنساب وترك التربية للأطفال وفساد المواريث وما أشبه ذلك من وجوه الفساد»(6).

ومنها ما رواه أيضاً بنفس الإسناد انه(عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله «حرّم الله عزّوجلّ قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب ونفي الولد وإبطال المواريث وترك التربية وذهاب المعارف وما فيه من المساوئ والعلل التي تؤدّي إلى فساد الخلق».(7)

ومنها ما مرّ في كلام الأستاذ من خبر إسحاق بن جرير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)(8) ومنها ما مرّ أيضاً في كلامه من خبر ابن شعبة، عن أبي جعفر الجواد(عليه السلام)(9).

هذا وقد ظهر ممّا ذكرنا الإشكال والتأمل في قولهم بعدم العدّة على المزني بها وفي ما استدلّ به الأستاذ على ذلك، فإنّ انصراف إطلاق مثل «إنّما العدّة من الماء» أو «بالتقاء الختانين» أو «بالدخول»، ممنوع، وكون بعضها في الزواج لا يمنع من إطلاق غيرها، وإيجاب الاعتداد على الرجل في روايتي ابن جرير وابن شعبة معلوم أنّ المراد منه انتظاره حتّى تعتدّ المرأة لا وجوب العدّة عليه فهو مثل ما عبّر عن اعتداد الرجال بقوله تعالى «فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها»، وما هو المستفاد في كلامه من قوله تعالى «فما لكم عليهنّ من عدّة» لو سلمّ فهو أنّ للزوج حق العدّة لا أنّ العدّة كلها له ولأجله، ولذا وطئ الشبهة أيضاً يوجب العدّة مع أنّ الماء فيه ليس للزوج، وعدم الحرمة لماء البغيّ يمكن أن يجعل نفسه سبباً للزوم الاعتداد وذلك ليتبيّن ماء البغيّ من الماء المحترم.

(397)

..................................................................................................
--------------------------------------------------------

ويؤيد ما ذكرناه ما أرسله صاحب الوسائل(قدس سره) عنهم(عليهم السلام) «إذا أدخله فقد وجبت العدّة والغسل والمهر والرجم»(10).

نعم ما يسهّل الأمر أنّ الولد للفراش فما دام يمكن لحوق الولد بالزوج شرعاً لا وجه للتحرز عن اختلاط المياه ولا يضرّ ذلك، وإن لم تكن ذات بعل فكذلك لا يوجب اختلاطها، نعم إن لم تكن حاملا ولا ذات بعل فأرادت التزوّج فيأتي الأشكال، كما أنّ الشهيد الثاني أيضاً مال إلى لزوم العدّة فإنّه بعد ذكر تقريب العلاّمة(قدس سره) في التحرير أنّ العدّة عليها مع عدم الحمل قال: «ولا بأس به حذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب»(11) وذهب الفيض الكاشاني في المفاتيح إلى أنّ «الاحوط ثبوتها مطلقاً عملا بالعمومات وحذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب».

هذا ولصاحب الحدائق هنا كلام جدير بالذكر على طوله، إتماماً للفائدة وإكمالاً للكلام في عدّة المزني بها، بل وتأييداً لما مرّ منا في أول التعليقة ; قال(قدس سره): «المشهور في كلام الأصحاب بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه أنّه لا عدة على الزانية إذا كانت ذات حمل من الزاني، أمّا لو لم تكن كذلك فالمشهور أيضاً أنّه لا عدّة عليها، وقيل: بوجوبها واليه مال العلاّمة في التحرير(12). قال المحدّث الكاشاني في المفاتيح «قيل: ولا عدة للزاني مع الحمل بلا خلاف إذ لا حرمة له، وبدونه قولان: أشهرهما العدم وأثبتها في التحرير، أقول: والأحوط ثبوتها مطلقاً عملا بالعمومات وحذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب» انتهى. والظاهر أنّه أراد بالعمومات ما ورد عنهم(عليهم السلام) في عدة روايات من قولهم «إذا أدخله وجب الغسل والعدة والمهر والرجم»(13)وقولهم «العدّة من الماء»(14)ونحو ذلك وهو شامل بإطلاقه للزنا.

وأمّا العلّة الثانية وهي المحاذرة من اختلاط المياه وتشويش الأنساب، فهي لا تنطبق على الإطلاق الذي اختاره، إذ مع الحمل لا يلزم ذلك كما لا يخفى، وإنّما يتّجه في غير صورة الحمل.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلّقة بذلك رواية إسحاق بن جرير المتقدمة في القسم الثالث، وهي دالّة على أنّه لا يجوز لمن فجر بالمرأة أن يتزوّجها حتّى تنقضي عدتها

(398)

..................................................................................................
--------------------------------------------------------
باستبراء رحمها من ماء الفجور(15).
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن أبي جعفر محمّد بن علي الجواد(عليهما السلام) أنّه سئل «عن رجل نكح امرأة على زنا، أيحلّ له أن يتزوجها؟ قال: يدعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطقة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ثمّ يتزوج بها إذا أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالا»(16).
وما رواه في التّهذيب عن زرعة عن سماعة في الموثق قال: «سألته عن رجل له جارية فوثب عليها ابن له ففجر بها، قال: قد كان رجل عنده جارية وله زوجة فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه ففجر بها فسئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن ذلك فقال: لا يحرم ذلك على أبيه، إلاّ أنّه لا ينبغي له أن يأتيها حتّى يستبرئها للولد، فإن وقع فيما بينهما ولد فالولد للأب إن كانا جامعاها في يوم واحد وشهر واحد»(17).

وإلى العمل بهذه الأخبار مال المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، فقال في بدايته بوجوب العدّة على الزانية إذا أرادت أن يتزوج الزاني أو غيره، وهو جيّد، إلاّ أنّ عبارته مطلقة في وجوب العدة على الزانية حاملاً كانت أم لا. والمستفاد من الروايات المذكورة من حيث التعليل فيها باستبراء الرحم، التخصيص بغير الحامل كما لا يخفى، وما تعلّق به أصحابنا النافين للعدة من حيث «إنّ ماء الزاني لا حرمة له» اجتهاد في مقابل النصوص.
وأنت خبير بأنّ المستفاد من روايتي إسحاق بن جرير ورواية كتاب تحف العقول تخصيص وجوب الاستبراء بغير ذات البعل إذا أرادت أن يتزوج الزاني وغيره، وهو الذي صرح به القائلون بوجوب العدة. أمّا لو كانت ذات بعل فإشكال ينشأ من دلالة الأخبار على أنّ الولد للفراش، فيلحق بالزوج، وإن احتمل كونه من الزاني(18)، وحينئذ فلا يضرّ اختلاط المياه، لأنّ الشارع ألحقه بالزوج، ومن ظاهر موثّقة سماعة المذكورة، ولعلّ الموثقة المذكورة محمولة على استحباب الاستبراء وكراهة الجماع بدونه، ويخرج لفظ «لا ينبغي» شاهداً بأن يحمل على ما هو المتعارف من الكراهة، إلاّ أنّ عبارة الشيخ المفيد المتقدمة ظاهرة

(399)
.................................................................................................
--------------------------------------------------------
فيما دلّت عليه الرواية المذكورة، والاحتياط ظاهر، واللّه العالم». انتهى كلام صاحب الحدائق(قدس سره)(19). «المقرر»
1 ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث3.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 182، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث2.
3 ـ المبسوط 5: 238.
4 ـ مسالك الأفهام 9: 215.
5 ـ جواهر الكلام 32: 216 ـ 218.
6 ـ علل الشرائع: 479، وسائل الشيعة 20: 311، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم،
الباب1، الحديث15.
7 ـ علل الشرائع: 480.
8 ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث1.
9 ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث2.
10 ـ وسائل الشيعة 22: 266، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث3.
11 ـ مسالك الأفهام 9: 263.
12 ـ قال في التحرير: ولو زنت امرأة خالية من بعل فحملت لم يكن عليها عدة من الزنا،
وجاز لها التزويج، ولو لم يحمل فالأقرب أنّ عليها العدة. انتهى.
13 ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1 و9.
14 ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1.
15 ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث1.
16 ـ وسائل الشيعة 22: 265، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب44، الحديث2.
17 ـ تهذيب الأحكام 8: 179 / 627، وسائل الشيعة 21: 167، كتاب النكاح، أبواب
نكاح العبيد والإماء، الباب55، الحديث3.
18 ـ وسائل الشيعة 21: 166، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب55.
19 ـ الحدائق الناضرة 23: 504 ـ 506.

(400)


( مسألة 9 ـ لو طلّقها رجعياً بعد الدخول ثم رجع ثم طلّقها قبل الدخول لا يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدّة).

لبطلان العدة الأولى بالرجعة المقتضية لفسخ الطلاق وعود النكاح السابق بل هو معنى الرجوع في الحقيقة وليست هي سبباً لإنشاء نكاح جديد وإلا لتوقف على رضاها فيصدق حينئذ على الطلاق الثاني أنّه طلاق امرأة مدخول بها بالنكاح الذي يريد فسخه بالطلاق، خلافاً للعامة فأوجبوا عليها إكمال العدة الأولى التي بطلت بالفراش الحاصل بالرجعة.

(من غير فرق بين كون الطلاق الثاني رجعياً أو بائناً).

للاشتراك في الوجه خلافاً للشيخ.

(وكذا الحال لو طلّقها بائناً ثم جدّد نكاحها في أثناء العدّة ثم طلّقها قبل الدخول لا يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول، وكذا الحال فيما إذا عقد عليها منقطعاً ثم وهب مدّتها بعد الدخول ثم تزوّجها ثم طلّقها قبل الدخول، فتوهم جواز الاحتيال بنكاح جماعة في يوم واحد امرأة شابة ذات عدّة بما ذكر في غاية الفساد).

وجه التوهم أنّ الطلاق بعد النكاح في العدة أو التزوّج بعد الهبة طلاق غير مدخول بها وذلك نكاح جديد بخلاف ما كان بعد الرجوع لما مرّ من أنّه هدم للطلاق المانع من النكاح السابق بقاءً فمع ارتفاع ذلك المانع بالرّجوع يبقى النكاح السابق على حاله فالطلاق الثاني طلاق عن نكاح مدخول بها.

(401)


وجه الفساد ولزوم العدّة هو أنّ أدلّة العدّة في المدخول بها ليس فيها تقييد المدخول بها الملحوق بالطلاق حتى يحصل الفرق بين الرجوع وغيره بل الموضوع فيها المطلّقة المدخول بها وإن كان اتصافها بالدخول من العقد السابق فالمرأة المدخول بها مطلقا لابدّ عليها من العدّة.

زيادة توضيح:

أنّ المستفاد من إطلاق قوله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فمالكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها)(1) هو عدم العدّة قبل الدخول مطلقاً، وهذا هو وجه جواز الاحتيال فيها وفي المنقطعة.

هذا ولعدم جوازه هنا يمكن التمسك بعدّة وجوه:


الأول: ما قد أكّد عليه سيّدنا الإمام سلام الله عليه في حرمة حيل باب الربا العرفي من استلزام تلك الحيل اللغوية في حرمة الربا فإنّ ذلك الوجه جار في توهم الاحتيال هنا أيضاً، بل قد سبق الأستاذ، صاحب الجواهر(قدس سره) في بيان الوجه على الملكية في باب استعمال الحيل، ففيه «وكلّ شيء تضمّن نقض غرض أصل مشروعية الحكم يحكم ببطلانه كما أومأ إلى ذلك غير واحد من الأساطين، ولا ينافي ذلك عدم اعتبار اطّراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية، كما هو واضح»(2).

والثاني: ما ذكره بعض آخر وهو أنّ للعدّة جهتين ; احديهما: ما يرجع إلى ذي العدّة مثل التوارث والنفقة والرجوع، وثانيتهما: ما يرتبط بغيره من الأجانب حيث
--------------------------------------------------------
[1] ـ الأحزاب (33): 49.
[2] ـ جواهر الكلام 32: 202.

(402)


لا يجوز لهم التزوج بها فيها، فعند صيرورتها غير مدخول بها ليست لها عدّة ولكن تستمرّ احكام العدّة الأولى التي تخصّ غير الزوج، ويشهد له روايات المتعة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم في حديث أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المتعة، فقال: إن أراد أن يستقبل أمراً جديداً فعل، وليس عليها العدّة منه، وعليها من غيره خمسة وأربعون ليلة»(1).

ومنها: ما أرسله ابن أبي عمير في مضمرته، قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة متعة، كان عليها عدّة لغيره، فإذا أراد هو أن يتزوّجها لم يكن عليها عدّة يتزوّجها إذا شاء»(2). إلى غيرهما من النصوص.

الثالث: وهو أحسن الوجوه، أنّ المستفاد من قوله تعالى، ليس هو عدم العدّة بل لزوم الاعتداد، فإنّ النكاح المذكور ليس له موضوعية بل له طريقية، فكأنّه تعالى قال: (إذا طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ) فذكر النكاح لتحقق الموضوع،ويشهد له الحكمة في العدّة وهي استبراء الرحم وحفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه(3).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 21: 54، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب23، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 21: 54، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب23، الحديث3.
[3] ـ هذا ولا بأس أن أسجّل ما أفاده شيخنا المحدّث الحرّ العاملي (قدس سره) في فوائده الطوسية إتماماً للفائدة وتأكيداً بل وإكمالاً لما أفاضه الأستاذ. قال(قدس سره): «اشتهر بين جماعة من الطلبة الآن حيلة في إسقاط العدّة وبعضهم ينسبها إلى شيخنا المحقق الشيخ علي، وصورتها انّه لو تزوّج رجل امرأة بالعقد الدائم ودخل بها ثم طلّقها بعد الدخول وجبت عليها العدّة فلو عقد عليها بعد الطلاق ثم طلّقها قبل الدخول فلا عدّة عليها فتدخل تحت النص المتضمّن لعدم لزوم العدّة مع الطلاق قبل الدخول والعدّة السابقة سقطت بالعقد
..................................................................................................
--------------------------------------------------------

(403)

الثاني إذ لا عدّة عليها منه.
وكذلك لو تمتع رجل بامرأة ودخل بها ثم وهبها المدّة أو انقضت مدّتها ثم عقد عليها أيضاً متعة ثم وهبها المدّة قبل الدخول أو انقضت قبله فإنّ المرأة لا عدّة عليها ثانياً والعدّة الأولى بطلت بالعقد الثاني.

وأقول: نسبة هذه الحيلة إلى الشيخ علي لم تثبت وعلى تقدير الثبوت هو مطالب بالدليل التام، فإنّ ما أورده هنا غير تام بل هو مشتمل على تسامح وتساهل وغفلة عجيبة عن نكتة وهي أنّ العدّة الأولى لم تسقط بالعقد الثاني إلاّ بالنسبة إلى صاحب العدّة وأمّا بالنسبة إلى غيره فهي باقية ولا دليل عندنا على إسقاطها.

نعم الطلاق الثاني وانقضاء المدّة الثانية أو هبتها ليس شيء منها موجباً للعدّة، والنص إنّما دلّ على هذا القدر ولا دلالة له على سقوط العدة السابقة بوجه وإنّما العدّة المنفية فيه العدّة الثانية، بل نصوص وجوب العدّة في الطلاق بعد الدخول وانقضاء المدّة وهبتها بعده فيها عموم وإطلاق شامل لهذه الصورة وغيرها، بل وقع التصريح في الأحاديث الكثيرة في فتوى علمائنا بأنّ العدّة هنا واجبة على المرأة بالنسبة إلى غير الزوج ساقطة عنها بالنسبة إليه فمن ادّعى تخصيص هذا العام وتقييد هذا المطلق فعليه البيان واثبات الدعوى بالدليل.

فإن استدل بعموم ما دل على سقوط العدّة في الحالة الثانية أجبنا بوجهين:


أحدهما: منع العموم فإنّه إنّما دل على عدم وجوب عدّة جديدة بالسبب الحادث ولا دلالة له على سقوط الأولى بعموم ولا خصوص.


وثانيهما: بعد التسليم نقول: قد تعارض العمومان وكل منهما قابل للتخصيص بالآخر، والنص والفتوى والاحتياط يؤيد ما قلناه، وكذا قولهم(عليهم السلام): لا تنقض اليقين بالشك أبداً وإنّما تنقضه بيقين آخر، والعدّة الأولى متيقنة حتى يحصل اليقين بسقوطها، والله اعلم. ويحسن أن ينشد صاحب هذه الحيلة قول أبي فراس:


فقل لمن يدّعي خيراً ومعرفة***حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء

«الفوائد الطوسية: 272، الفائدة 60».

«المقرر»

(404)


(مسألة 10 ـ المطلّقة بالطلاق الرجعي بحكم الزوجة في الأحكام، فما لم يدلّ دليل على الاستثناء يترتب عليها حكمها ما دامت في العدّة من استحقاق النفقة والسكنى والكسوة إذا لم تكن ولم تصر ناشزة، ومن التوارث بينهما، وعدم جواز نكاح أختها والخامسة، وكون كفنها وفطرتها عليه، وأمّا البائنة كالمختلعة والمباراة والمطلّقة ثلاثاً فلا يترتب عليها آثار الزوجية مطلقاً لا في العدّة ولا بعدها، نعم لو كانت حاملاً من زوجها استحقت النفقة والكسوة والسكنى عليه حتى تضع حملها كما مرّ).

اعلم أنّه لا كلام في البائن لتحقق الانفصال والبينونة، وقطع العصمة بينهما. وهذا بخلاف الرجعي فإنّها زوجته بعدُ، ويدل عليه مضافاً إلى إلغاء الخصوصية من موارد كثيرة واستفادة القاعدة كما مرّ، روايتان ; احديهما ما رواه معلّى بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته واحدة ثم راجعها قبل أن تنقضي عدّتها ولم يشهد على رجعتها، قال: هي امرأته ما لم تنقض العدّة، وقد كان ينبغي له أن يشهد على رجعتها، فإن جهل ذلك فليشهد حين علم ولا أدري بالّذي صنع بأساً وإنّ كثيراً من الناس لو أرادوا البيّنة على نكاحهم اليوم لم يجدوا أحداً يثبت الشهادة على ما كان من أمرهما، ولا أرى بالّذي صنع بأساً وإن يشهد فهو أحسن»(1).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 135، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب13، الحديث6.

(405)

و ثانيتهما ما رواه يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن طلاق الحبلى، فقال: يطلّقها واحدة للعدّة بالشهور والشهود، قلت: فله أن يراجعها؟ قال: نعم وهي امرأته، قلت: فإن راجعها ومسّها ثم أراد أن يطلّقها تطليقة أُخرى، قال: لا يطلّقها حتى يمضي لها بعد ما يمسّها شهر، قلت: وإن طلّقها ثانية وأشهد ثم راجعها وأشهد على رجعتها ومسّها ثم طلّقها التطليقة الثالثة وأشهد على طلاقها لكلّ عدّة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلّقة للعدّة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره؟ قال: نعم، قلت: فما عدّتها؟ قال: عدّتها أن تضع ما في بطنها ثم قد حلّت للأزواج»(1).

هذا، وتوهم دلالتها على كونها زوجته بعد الرجوع لا قبله، فلا دلالة لهما على المطلوب مدفوع بأنّ من الواضح انسداد باب هذا الاحتمال في رواية محمّد بن مسلم لعدم المعنى لكونها امرأته بعد الرجوع إلى انقضاء العدّة، نعم الاحتمال في الثانية في محله ولكن إبهامها مرتفع بالأولى; مضافاً إلى أنّ الظاهر من الواو حالية وذلك الاحتمال موافق للظاهر مع كلمة (ف) و(ثم) المفيدين للترتيب والتفريع.

(مسألة 11 ـ لو طلّقها مريضاً ترثه الزوجة ما بين الطلاق وبين سنة بمعنى انه إن مات الزوج بعد ما طلّقها في حال المرض بالمرض المزبور لا بسبب آخر على الأقرب، فإن كان موته بعد سنة من حين الطلاق ولو يوماً أو أقلّ لا ترثه، وإن كان بمقدار سنة وما دونها ترثه سواء كان الطلاق رجعياً أو بائناً، وذلك بشروط ثلاثة: الأول، أن لا تتزوّج المرأة، فلو تزوّجت بعد انقضاء عدّتها ثم

--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 148، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب20، الحديث11.

(406)


مات الزوج لم ترثه. الثاني، أن لا يبرأ من المرض الّذي طلّقها فيه، فلو برأ منه ثم مرض ومات في أثناء السنة لم ترثه إلاّ إذا مات في أثناء العدّة الرجعية. الثالث، أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة، لأنّ الطلاق بالتماسهما).

وسيأتي الكلام في المسألة بعد التذكرة التالية.

تذكرة

واعلم أنّ هنا مسألة لم يذكرها في المتن وهي كراهة طلاق المريض كما عليه الشهرة العظيمة ولا يخفى أنّ هذه الكراهة هي مضافة إلى أصل الكراهة الموجودة في الطلاق. هذا ولكن المحكي عن ظاهري المقنعة والتهذيب هو الحرمة حيث عبّرا بعدم الجواز بل هو المحكي عن ظاهر الاستبصار، فقبل التعرّض للمسألة نتكلم حول هذه التي لم يذكرها المصنف سلام الله عليه.

فنقول: إنّ النصوص الظاهرة في عدم الجواز هي أربعة، أوّلها: صحيحة زرارة، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج فإن هو تزوّج ودخل بها فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث»(1).

ثانيها: موثق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المريض أ له أن يطلّق امرأته في تلك الحال؟ قال: لا ولكن له أن يتزوّج إن شاء فإن دخل بها
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 149، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب21، الحديث1.

(407)


ورثته وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل»(1).

ثالثها: أيضاً موثق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يجوز طلاق المريض «العليل ـ ر» ويجوز نكاحه»(2).

رابعها: موثق زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج»(3).

ولقائل أن يقول: إنّ المستفاد من نسبة عدم الجواز في الثالث إلى الطلاق الذي يكون مقصوداً للغير كالبيع والإجارة هو البطلان فعدم الجواز والنهي المتعلق بمثله ظاهر في البطلان وعدم النفوذ عرفاً حيث إنّ الغرض منه البينونة لا نفس الطلاق بما هو هو فالطلاق مثل البيع حيث أنّه ليس مطلوبا بنفسه بل يكون مطلوباً لغرض النقل والانتقال بل يمكن أن يقال: إنّ التعبير في مثل موثقة زرارة أيضاً بنفي السلطة له دليل على البطلان أيضاً.

أقول: لكن في مقابلها أخبار مستفيضة، إن لم نقل أنّها متواترة، متكفلة لبيان حكم ارث تلك الزوجة فإنّها تدل على صحة الطلاق كما سنذكرها، مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي معارضة على نحو التباين للثالث الموثق ففيها أنّه سئل «عن رجل يحضره الموت، فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: نعم، وإن مات ورثته، وإن
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 150، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب21، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 150، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب21، الحديث3.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 150، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب21، الحديث4.

(408)

ماتت لم يرثها»(1). والتعارض بين الجواز المدلول عليه في الصحيحة وعدمه المذكور في الموثّق واضح. بل هي معارضة للثلاث الأُخرى أيضاً بناءً على دلالة هذه الثلاث على الفساد بل وبناءً على الدّلالة على الحرمة فإنّ الجواز في الصحيحة مقابل لعدم الجواز ولعدم كون الطلاق بيده في تلك الأخبار فإن كان المراد منها التكليفي فكذلك الصحيحة وإن كان المراد الوضعي فكذلك كما لا يخفى.

وذكروا في رفع التعارض والجمع بين الطائفتين وجوهاً:


احدها: أنّ النصوص الأربعة تدل على الحرمة، والروايات الأُخرى على النفوذ والصحة، ولا منافاة بين صحة المعاملة وحرمتها كالبيع وقت النداء وتشهد له صحيحة الحلبي كما مرّ آنفاً، فإنّ المراد من الجواز هو النفوذ لأنّ السؤال هو بعد الوقوع فكأنّه سأل أنّ هذا الطلاق هل هو نافذ أم لا؟

وفيه: أنّ النفي في تلك الروايات أيضاً ظاهر في عدم الصحة كما مر بيانه.

ثانيها: الجمع بينهما بأنّ الجواز وعدم الجواز في الطائفتين إضافي فإنّ الطائفة الأولى تدل على عدم نفوذ الطلاق بالنسبة إلى الإرث والطائفة الثانية على نفوذه بالنسبة إلى غير الإرث.

وفيه: أنّه كما ترى جمع تبرعي لا شاهد له، مع أنّه مخالف لنص الحلبي الدال على النفوذ في الإرث.

ثالثها: حمل الأربعة المذكورة على الكراهـة بين الطائفتين فإنّ نفي الجواز ظاهـر في الحرمة وإثباته نص في الجواز والنص مقدم على الظاهر ويكون محمولاً على الكراهة.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 151، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث2.

(409)


وفيه: أنّ الحمل غير جارية في مثل التعبير بكلمتي المثبت والمنفي مثل كلمة «يجوز» و«لا يجوز» فإنّه من اظهر مصاديق التعارض بين النفي والإثبات والأمر والنهي، والجمع المذكور تبرعي غير عرفي وإلاّ فاللازم من صحة الجمع كذلك وعرفيته عدم وجود التعارض أصلاً في الأدلة لأنّه بعد إمكان الجمع بين النفي والإثبات لم يبق مورد للتعارض ولا للأخبار العلاجية على كثرتها وهو كما تري والفرق الفارق بيـن مثل النص والظاهـر كذلك مـع غيرهما منهما أنّ النصوصية في مثل المورد بالدلالة الالتزامية وفي غيره بالمطابقة والتقديم منحصر عرفاً في الثاني دون الأول، ولك أن تقول: إنّ الأخذ بالنص المدلول عليه بالدلالة الالتزامية وتقديمه على الظاهر موجب لعدم الأخذ فوجوده سبب لعدمه وتحقيق البحث موكول إلى محلّه.

نعم يمكن أن يقال: إنّ الروايات الأربع ليست دالة على الحرمة لا وضعاً ولا تكليفاً ولا يفيد في نفسها أزيد من الكراهة فإنّها قاصرة عن الدلالة على الحرمة ; أمّا عدم إفادتها الحرمة فلان الجملة المستدل بها على الحرمة خبرية لا ناهية ودلالة الجملة النافية الخبرية على الحرمة محل اشكال بل منع إلا إذا أعقبه بايعاد العذاب; مضافاً إلى أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع أيضاً مقتضية لذلك، فلو كان المراد هو الحرمة كان اللازم الاتيان بالنهى أو التعقيب ببيان العذاب، وأمّا عدم إفادتها الفساد فلأنّه إنّما يتم على دلالة الروايات على نفي السلطنة وهي غير تمام فإنّ جملة «ليس له أن يطلق» لا تفيد ذلك لاستلزامه ذكر المعلول لإفادة العلة، حيث إنّ عدم الطلاق له معلول عن نفي سلطنته عليه وذكر المعلول وإرادة العلة مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة ; فإن كان المراد هو نفى السلطنة كان ينبغي أن يقال: أنّه ليس الطلاق بيد المريض ويشهد له روايات السلطنة، مثل «الطلاق بيد من اخذ بالساق» ولعل مراد

(410)


الشيخين قدّس سرهما في ظاهر المقنعة والتهذيب وكذا الاستبصار من عدم الجواز أيضاً هو الكراهة كما أفاد صاحب الجواهر(قدس سره) بأنّهما قد أرادا الكراهة من عدم الجواز غير مرّة(1).

أمّا الكلام في أصل المسألة يقع في مقامات:


الأول: أنّ ثبوت التوارث بين الزوجين في الرجعية وعدمه في البائن على المشهور بل ادعى عليه الإجماع ويدل على الحكمين مضافاً إلى الشهرة والإجماع، أوّلاً قطع العصمة بينهما بالطلاق البائن والزوج خاطب من الخطاب في هذا القسم وهذا بخلاف الرجعي فإنّها زوجته بعد. وثانياً النصوص الواردة، منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة، فإذا طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها الرجعة ولا ميراث بينهما»(2).

ومنها: موثقة زرارة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن الرجل يطلّق المرأة، فقال: يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة»(3).

وتوهم أنّ الموثقة تدل على التوارث من الطرفين في العدة الرجعية من دون الدلالة على عدم الإرث لكل واحد منها في غير الرجعية إلا بالمفهوم وهو ليس بازيد من عدم المطلق في غير الرجعية وعدم المطلق كذلك اعم من عدم الإرث من الطرفين أو من طرف واحد ولا معين لخصوص الأول، فالاستدلال بها لعدم الإرث في البائن من
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 147.
[2] ـ وسائل الشيعة 26: 225، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب13، الحديث10.
[3] ـ وسائل الشيعة 26: 223، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب13، الحديث4.

(411)


الطرفين غير تمام، مدفوع بأنّ السؤال لـمّا كان عن مطلق ارث المطلّق والمطلقة لا الرجعية فقط فلو لم يكن المراد من الجواب عدم الإرث في البائن مطلقا وكان مجملاً ومردداً بين الأمرين كان الجواب ناقصاً وهو كما ترى ; فعلى هذا إنّ المفهوم منها هو عدم ارث كل واحد منهما في الطلاق البائن صوناً لكلام الحكيم(عليه السلام) عن الإبهام والنقص.

ومنها: خبر الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «هي ترث وتورث ما كان له الرجعة بين التطليقتين الأوّلتين حتى تغتسل»(1). وابن زياد هذا هو الصيقل ظاهراً لنقل ابن مسكان عنه وهو وإن لم يوثق كغيره من المسمّين بمثله إلا ابن زياد العطار لكن نقل ابن مسكان ويونس بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان من أصحاب الإجماع عنه وكذا نقل جعفر بن بشير الذي روى عن الثقات ورووا عنه وجماعة عنه وكثرة رواياته وكون كتابه معتمد الأصحاب وما استفادة السيد المحقق صدر الدين في حواشي المنتهى من دلالة الرواية على تسليمه للإمام (عليه السلام) على ما في تنقيح المقال وغيره من الأُمور الموجبة للمدح، كاف في اعتباره وصحة الاستناد إلى خبره، ودلالته بالمفهوم كالسابقة وأمّا المراد من الاغتسال هو الغسل من الحيض، وعليه فلابدّ في العدة من تمامية الطهر الثالث المخالف لمذهب الإمامية من كفاية رؤية الدم الثالث ولذا حمل على التقية لمذهب العامة.

ومنها: موثقة محمّد بن قيس، عـن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قضى في المـرأة إذا طلّقها ثم توفي عنها زوجها وهـي في عـدّة منه، ما لم تحـرم عليه فإنّها ترثـه ويرثها ما دامت في الـدم من حيضتها الثالثة فـي التطليقتين الأوّلتين فإن طلّقها ثلاثاً فإنّها لا ترث مـن زوجها ولا يرث منها، فإن قتلت ورث مـن ديتها، وإن قتل ورثت مـن
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 208، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب15، الحديث16.

(412)


ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه»(1).
بل يدل على الحكمين أيضاً بعض نصوص عدّة الوفاة، منها: ما رواه ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثمّ توفي عنها وهي في عدّتها فإنّها ترثه وتعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها، وإن توفّيت هي في عدّتها فإنّه يرثها وكلّ واحد منهما يرث من دية صاحبه لو قتل ما لم يقتل احدهما الآخر»(2). وفي تقييد التوارث في الجواب بالمعتدة الرجعية لأنّها التي عليها عدة الوفاة دون المعتدة البائنة دلالة مفهومية على عدمه في البائن كما لا يخفى. وكذا موثقة سماعة، قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته ثم أنّه مات قبل أن تنقضي عدّتها، قال: تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها ولها الميراث»(3). ودلالتها كالسابق بالمفهوم أيضاً.

هذا وقد ناقش ما ذهب إليه صاحب المدارك وتبعه في ذلك صاحب الكفاية، فإنّهما ذهبا إلى أنّ الزوج المطلّق بالرجعي في حال المرض لا يرث في العدّة كالبائن، واستدلاّ بما مرّ من صحيحة الحلبي أنّه «سئل عن رجل يحضره الموت فيطلّق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: نعم وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها»(4) حيث إنّ إطلاقها يشمل الرجعي والبائن، والبائن لا كلام فيه والرجعي هنا يختص بطلاق المريض وهي مقدّمة على غيرها من النصوص لأنّها اخص مطلقاً.

وأجيب عنه بوجوه: منها: ما ذهب إليه صاحب الجواهر بأنّها مختصّة ببعد العدّة
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 251، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث8.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 251، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث7.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 251، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب36، الحديث9.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 151، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث2.

(413)

واستشهد برواية الحلبي وأبي بصير وأبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدّة»(1) ثم قال: «المعلوم كون الموضوع فيه (خبر هؤلاء الثلاثة) طلاق المريض كما لا يخفى على من لاحظ الكافي، فإنّه رواه بعد أن روى عن أبي العباس طلاق المريض على وجه يعلم منه أنّ مرجع الضمير فيه ذلك على أنّه لا يتم بقرينة غيره من النصوص الأعلى ذلك فهو حينئذ مقيد لصحيح الحلبي»(2).

ويرد عليه أنّ رواية هؤلاء الثلاثة مرسلة فلا يكاد أن يكون شاهداً على حمل الصحيحة بعد انقضاء العدة. وكان ينبغي له(قدس سره) أن يعتمد على ما رواه المشائخ الثلاثة عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ويستشهد به، قال: «إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدّتها إلاّ أن يصحّ منه، قلت: فإن طال به المرض قال: ما بينه وبين سنة»(3). فإنّ التهذيب ذكر تلك الرواية بعد هذه الصحيحة فكان ينبغي إرجاع الأمر إلى ما فعله في التهذيب، وأمّا أصل الحمل في كلامه(قدس سره) لا بأس به.

هذا ويخطر بالبال أنّ ما أجاب به صاحب الجواهر ليس بتمام ومناقشة السيّد السند(قدس سره) في المدارك والسبزواري (قدس سره) في الكفاية في محلها، لأنّ رواية أبي العباس السابقة على رواية هؤلاء الثلاثة في الطلاق البائن لا الرجعي حيث قال السائل: قلت له: «رجل طلق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك تطليقتين»
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 154، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث9.
[2] ـ جواهر الكلام 32: 149.
[3] ـ وسائل الشيعة 26: 226، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب14، الحديث2.

(414)


فالرواية في الطلاق الثالث وهو بائن فأجاب الإمام(عليه السلام) «فإنّها ترثه إذا كان في مرضه» ورواية هؤلاء الثلاثة لا يكاد يمكن أن يكون ذيلاً لرواية أبي العباس السابقة لاستلزامه كون التقييد بانقضاء العـدة في غير محلـه، فإنّ الزوج المطلق لا ترثها المطلقة البائنة سواء ماتت قبل انقضاء العدة أو بعده وسواء وقع الطلاق حال المرض أم لا وإذا لم يكن ذيلاً لها فصدر الرواية غير معلومة هل كان في الطلاق الرجعي أم البائن، حال السلامة أم المرض فيحتمل أن يكون جواباً عن الطلاق الرجعي حال المرض فيكون معارضاً لصحيحة الحلبي الدالة على عدم ارثه منها أيام العدة لا شاهـداً للجمع بينها وبين ما دل على ارثه منها ما دامت في العدة، مضافاً إلى أنّه يناسب الاعتبار أيضاً.

وما قاله بعض الفقهاء (قدس الله إسرارهم) من أنّ حرمان الزوج عن الإرث أيام العدة غير موافق للحكمة، مدفوع بأنّ (وجزاء سيئة سيئة مثلها)(1) فإنّ الزوج المريض أراد بالطلاق حرمان زوجته عن الإرث فحكم الشارع بحرمان نفسه عن الإرث منها عقوبة له، فهذا مناسب للاعتبار والحكمة ويدل عليه صحيحة الحلبي المتقدمّة ; فما ذهب إليه صاحب المدارك وصاحب الكفاية من عـدم ارثه منهـا صحيح تام.

ومنها: حملها على ما إذا قصد الإضرار بالطلاق كما ذهب إليه كاشف اللثام.

واستشكل عليه في الجواهر بأنه لأوجه له.

ولكن لا يخفى أنّ منعه بأنّه لا وجه له غير تمام فإنّ له وجهاً وهو الروايات المتعرضة لطلاق المريض الدالة على عدم ارث الزوج إذا طلق زوجته في حال الإضرار فلا بأس لذلك الحمل.
--------------------------------------------------------
[1] ـ الشورى (42): 40.

(415)


المقام الثاني: أنّ الزوج المطلق في حال المرض لا يرث الزوجة المطلقة في البائن ولا بعد العدة الرجعية على المشهور بين الأصحاب ; بل عن الخلاف الإجماع عليه كما عن المبسوط نفى الخلاف لانتفاء الزوجية وانقطاع العصمة بينهما، فأصالة عدم الإرث بحاله، ويدل عليه مضافاً إلى ما ذكر، ما مرّ آنفا في مرسلة يونس، والتعليل الوارد في خبر الهاشمي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «لا ترث المختلعة والمباراة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج وإن مات في مرضه لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه»(1).

هذا وقد نوقش فيما ذهب إليه المشهور بما أورده الشيخ(قدس سره) فإنّه مع ذهابه في الخلاف إلى نفي الخلاف بين علماء الإسلام في عدم التوارث في البائن لكن اختار في النهاية ثبوته، فإنّه قال: «إذا طلق الرجل امرأته، وهو مريض، فإنّهما يتوارثان ما دامت في العدّة ; فإن انقضت عدّتها، ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوّج، فإن تزوّجت، فلا ميراث لها ; وإن زاد على السنة يوم واحد، لم يكن لها ميراث. ولا فرق في جميع هذه الاحكام بين أن تكون التطليقة هي الأولي أو الثانية أو الثالثة، وسواء كان له عليها رجعة أو لم يكن، فإنّ الموارثة ثابتة بينهما على ما قدّمناه»(2).(3)

--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 290 كتاب الخلع والمباراة، الباب5، الحديث4.
[2] ـ النهاية: 509.
[3] ـ هذا وقد أكّد الشيخ(قدس سره) على هذا في كتاب الوصايا بقوله: «وطلاق المريض غير جائـز. فإن طلّق ; ورثته المرأة ما بينه وبين سنة، إذا لم يبرأ المريض من مرضه ولا تتزوّج المـرأة. فإن برأ المريض، ثم مرض بعد ذلك ومات لم ترثه المرأة وكذلك إن تزوّجت المرأة بعد انقضاء عدّتها، لم يكن لها ميراث. وإن لم تتزوّج ومضى بها سنة ويوم ; لم يكن لها بعد ذلك ميراث، ويرث هو المرأة ما دامت في العدة، فإذا خرجت من عدّتها لم يكن له منها ميراث. ولا فرق بين أن تكون التطليقـة الأولى أو ثانية أو ثالثـة وعلى كل حال». النهاية: 621.
هذا ولقائل أن يقول، بل لابدّ أن يقال: إنّ كلام الشيخ خارج عن محلّ النزاع ولا يرتبط به ولا يخالف ما ذهب إليه المشهور فإنّه في المطلقة حال المرض فإنّه لا فرق في ذلك بين البائن والرجعي إلى سنة ما لم تتزوّج. «المقرر».

(416)


المقام الثالث: أنّ المطلقة في حال المرض ترث الزوج المطلّق ما بين الطلاق وبين سنة إجماعاً ويدل عليه النصوص الواردة فيها:
منها: ما رواه أبو العباس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدّتها إلاّ أن يصحّ منه، قال: قلت: فإن طال به المرض، فقال: ما بينه وبين سنة»(1).

ومنها: مرسلة أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «في رجل طلّق امرأته تطليقتين في صحة ثمّ طلّق التطليقة الثالثة وهو مريض، أنّها ترثه ما دام في مرضه وإن كان إلى سنة»(2).

ومنها: موثقة سماعة قال: سألته(عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته وهو مريض، قال: ترثه ما دامت في عدّتها وإن طلّقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة فإن زاد على السنة يوماً واحداً لم ترثه وتعتدّ منه أربعة أشهر وعشراً عدّة المتوفى عنها زوجها»(3). وقد مرّ عنه آنفاً ما يقرب منها.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 151، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 152، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث3.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 152، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث4.

(417)


ثم أنّه يشترط في ارث المطلقة في حال المرض طول السنة أُمور ثلاثة:

الأول: أن لا تتزوج المرأة، فلو تزوج بعد انقضاء عدتها ثم مات الزوج لم ترثه بلا خلاف بل ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه عليه، ويدل عليه مضافاً إلى ما ذكر روايات خاصة:
منها: ما رواه أبو الورد عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى انقضت عدّتها فإنّها ترثه ما لم تتزوّج، فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فإنّها لا ترثه»(1).
ومنها: مرسلة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «في رجل طلّق امرأته وهو مريض، قال: إن مات في مرضه ولم تتزوّج ورثته، وإن كانت تزوّجت فقد رضيت بالّذي صنع، لا ميراث لها» إلى غيرها من الأخبار(2).
الثاني: أن لا يبرأ الزوج من المرض الّذي طلقها فيه فلو برء منه ثم مات لم ترثه إلاّ في العدّة الرجعيّة بلا خلاف بل ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه عليه ويدل عليه روايات:
منها: ما رواه أبو العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته مادام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها، إلاّ أن يصح منه ; قال قلت: فإن طال به المرض؟ فقال: ما بينه وبين سنة»(3).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 152، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث5.

[2] ـ وسائل الشيعة 22: 153، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث6.

[3] ـ وسائل الشيعة 22: 151، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث1.

ومنها: ما رواه أبو العباس في خبره الآخر، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل طلّق امرأته وهو مريض قال: ترثه في مرضه ما بينها وبين سنة إن مات في مرضه ذلك»(1).
ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته «عن رجل طلّق امرأته، وهو مريض حتى مضى لذلك سنة، قال: ترثه إذا كان في مرضه الذي طلّقها، لم يصح بين ذلك» (2).
الثالث: أن لا يكون الطلاق بالتماس منها فلا ترث المختلعة والمباراة لأنّ الطلاق بالتماسهما ويدل عليه خبر محمّد بن القاسم الهاشمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لا ترث المختلعة ولا المباراة ولا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج وإن مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه»(3).
وأمّا الإشكال بضعف سنده بمحمد بن القاسم الهاشمي فإنّه لا توثيق فيه، مندفع بأنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب به.
لا يقال: أنّ عمل الأصحاب به غير معلوم إذ من المحتمل أنّ فتوى الأصحاب كان مستنداً إلى المفهوم المستفاد من الجملة الشرطية في موثق سماعة «وإن طلّقها حال إضرار فهي ترثه إلى سنة»(4) وإلى التعليل الوارد في مرسلة يونس قال: سألته «ما
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 154، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث11.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 153، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب22، الحديث7.
[3] ـ وسائل الشيعة 26: 229، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب15، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 152، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب22، الحديث4.

(419)


العلة التي من اجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم يرثها؟ وما حد الإضرار عليه؟ فقال(عليه السلام): هو الإضرار ومعنى الإضرار منعه إياها ميراثها منه فألزم الميراث عقوبة»(1) فإنّهما تدلان على عدم ارثها منه مع عدم الإضرار مضافاً إلى اعتضادهما بما دل على أنّها إن تزوجت فقد رضيت بالذي صنع فلا ميراث لها الظاهر في أنّ المعيار هو الإضرار وعدم رضاها وحيث إنّ الإضرار في الخلع والمباراة منتف أفتى الأصحاب بعدم ارثها منه فاستناد فتواهم برواية محمّد بن القاسم غير معلوم فلا جابر لضعف سنده.
لأنّه يقال: إنّ الاضرار في الخلع والمباراة موجود إن لم نقل إنّ الاضرار المتحقق فيهما من اظهر مصاديقه فإنّ الزوج قد أكثر الضيق والأذى عليها حتى رضيت ببذل مهرها أو أكثر لتخلص نفسها ولو لمدة قليلة فلا يكاد يمكن أن يكون مستند الأصحاب إلا رواية خاصة مثل خبر محمّد بن القاسم ويؤيد ذلك ويشهد له أنّ الأصحاب قد اتفقوا في عدم ارث المختلعة والمبارئة مع اختلافهم أنّ المريض بما هو هو موضوع للحكم بالإرث إلى سنة أم هو بقصد الاضرار فإنّ الاتفاق هنا مع الاختلاف في أصل المسألة يدل على أنّ للمورد خصوصية اقتضت الحكم بعدم الإرث وليست هي إلاّ رواية محمّد بن القاسم.
ثم إنّ المعروف بين الأصحاب هو جريان الحكم على طلاق المريض مطلقاً مع قصد الاضرار وعدمه مستدلاً بالاطلاقات، لكنّ الأخذ به مشكل كما يرشدنا إليه مرسلة يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «ما العلّة من أجلها إذا طلّق الرجل امرأته وهو مريض في حال الاضرار ورثته ولم يرثها؟ وما حدّ
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 26: 228، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب14، الحديث7.

(420)


الاضرار عليه؟ فقال: هو الاضرار ومعنى الاضرار منعه إياها ميراثها منه فألزم الميراث عقوبة»(1).

وكذا مضمرة سماعة قال: سألته «عن رجل طلّق امرأته وهو مريض، قال: ترثه ما دامت في عدّتها فإن طلّقها في حال الاضرار فإنّها ترثه إلى سنة، وإن زاد على السنة في عدّتها يوم واحد فلا ترثه»(2). وقريب منها ما رواه الكليني عنه باختلاف يسير وبزيادة في آخرها يأتي آنفاً.
ويؤيّده التعليل في عدم ارثها عند التزوج برضاها بالطلاق. هذا ولكن لا يخفى أنّ الأصل في طلاق المريض هو وقوعه بقصد الاضرار فلا احتياج إلى إحراز القصد بل ترثه ما لم يحرز عدم قصده الاضرار فالمانع لأرثها إلى سنة هو إحراز عدم قصده الاضرار لا إحراز قصد الاضرار وذلك لأنّ المذكور في موثق سماعة ومرسل يونس هو وقوع الطلاق في حال الاضرار لا وقوعه إضراراً حتى يحتاج إلى إثبات وقوعه إضراراً فإنّ طبع طلاق المريض يقتضى وقوعه إضراراً فلا يحتاج إلى إحرازه بل عدم ارثها يحتاج إلى إحراز عدم قصده الاضرار لمخالفته لمقتضى الأصل.
فرع: لو طلّق المريض زوجته الكتابية أو الأمة ثم أسلمت أو أعتقت فهل ترثه كالمطلقة المسلمة الحرة إلى سنة على خلاف القواعد أو يكون ارثها تابعاً لقواعد الإرث؟ فيه قولان: ارثها إلى سنة وارثها على القواعد العامة فترثها في العدة إن كان الطلاق رجعياً وإلاّ فلا والظاهر أنّ منشأ الخلاف الاختلاف في مسألة شرطية الاتهام
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 26: 228، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب14، الحديث7.
[2] ـ وسائل الشيعة 26: 228، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب14، الحديث9.

(421)


بالإضرار في طلاق المريض وعدمها فعلى الشرطية يتجه الأول، قضاءً لأخبار الطلاق حيث إنّ موضوعها طلاق المريض وفي الشرائع بعد قوله بإرثها العدة فقط إذا أعتقت فيه قال: «ولو قيل ترثه كان حسناً ولو طلقها بائناً فكذلك»(1) نظراً إلى عدم دخالة التهمة في الحكم بل الموضوع هو طلاق المريض بما هو مريض وهو أشار إلى وجه ثالث لعدم الإرث ولخروج المورد من الأخبار وبيّنه الجواهر بما حاصلة: أنّ روايات الباب مختصة بمرآة كان لها الإرث إن لم يكن يحدث الطلاق وأنّها بصدد بيان الخصوصية لطلاق المريض وانّه سبب للإرث إلى سنة لا أنّه سبب مستقل ولو بالنسبة إلى غير الوارث ولمّا أنّ الأمة وكذا الكافرة لا ترثان من رأس فالأخبار غير شاملة لمثلهما، والوجه وجيه وتمام، فالأقوى هو الثاني.
وأمّا ما عن الفخر(رحمه الله) من الاستدلال لعدم الإرث بأنّ نكاحهما لا يوجب الإرث فكيف مع طلاقهما.
ففيه نظر لمنع أنّ النكاح لا يوجب الميراث بل هو موجب له مطلقاً ولكن الكفر والرق مانعان من الإرث إذ الإسلام والحرية شرطان فيه وتخلّف الحكم عن السبب لوجود مانع أو فقد شرط لا يقدح في سببيته فإذا فقد المانع ووجد الشرط عمل السبب عمله كما حقق في الأُصول والأمر هنا كذلك والأقوى ثبوت الإرث مع زوال المانع في العدة الرجعية وفي البائن مع زوال المانع قبل القسمة خاصة.
فرع: لو وقع الاختلاف في وقوع الطلاق في حال المرض وعدمه، فأنكره الوارث وادّعته المرأة فعليها البينة. ولا يخفى عدم الفرق بين مجهولي التاريخ وبين كون احدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ لأنّ أصل عدم الحادث مثبت، كما حقق في محله.
فرع: يمكن أن ترث المريضَ أكثر من زوجات أربع وهو واضح كما إذا طلق
--------------------------------------------------------
[1] ـ شرائع الإسلام 3: 16.

(422)

المريض الأربع بائناً وتزوّج بأربع أُخرى ودخل بهنّ فإنّ الدخول شرط في الإرث كما سيأتي، ثم مات قبل تمام السنة أو طلّقهن رجعياً ثم تزوّج بأربع أُخرى بعد انقضاء العدّة ولا ارث للزائد من أربعة زوجة إلاّ في مثل المورد كما لا يخفى.
فرع: الحكم في المسألة كما مرّ مبنيّ على موت المريض بمرضه، وأمّا إن مات بعلّة أُخرى كالقتل، ففيه وجهان ; من استظهار إناطة الحكم في النصوص بموته بذلك المرض، ومن أنّ الحكم فيها مبني بحسب الظاهر على موته في المرض وإن لم يكن بالمرض، وما هو الموافق للحكمة والاعتبار هو الثاني حيث إنّ الاضرار محقق بطلاقه فيه من دون فرق بين موته بالمرض أو بسبب آخر والحكم دائر مدار الحكمة وجوداً وإن لم يكن دائراً معها عدماً فمع الحكمة لابد من الحكم وإلا فليست الحكمة بحكمة نعم عدم الحكم ليس دائراً مدار عدمها وإلا كانت علة لا حكمة فالفرق بينهما في الدوران وعدمه في العدم وبما ذكرنا يظهر حكم تبدّل المرض حيث إنّ الحكم ثابت معه لكون الطلاق والموت كلاهما في المرض واتحاد المرض فيهما لا دليل عليه بل الإطلاق على خلافه.

فرع: لا يلحق بالطلاق في المرض غيره من أسباب الفراق كاللعان كما لو قذفها وهو مريض فلاعنها وبانت باللعان فلا ترثه بلا اشكال ولإخلاف لاختصاص موضوع الحكم نصاً وفتوى بالطلاق ولانتفاء التهمة بالإيمان وحرمة القياس عندنا ومثله الفسخ بالردة منها أو منه أو تجدّد التحريم المؤبّد المستند إليها برضاع أو غيره لذلك، وفي تجدد التحريم المؤبد المستند إليه كاللواط إن قلنا به نظر من الأصل ومن التهمة والمعتمد الأول وأمّا الفسخ بالعيب فإن كان من قبلها فلا ميراث لها بلا اشكال ولا خلاف لما مرّ في اللعان وبعده من اختصاص الموضوع بالطلاق ولعدم التهمه وعدم المحل للقياس من رأس وأمّا إن كان من قبله لعيب الزوجة ففيه نظر من الأصل

(423)

والخروج عن موضوع الدليل ومن كونه بمعنى الطلاق في كون الفرقة من قبله وإن كانت هي الباعثة له عليها والاعتماد على الأصل والخروج فلا ميراث لها أيضاً كالفسخ من قبلها.
فرع: إذا طلقها ثم لاعنها أو حصل الارتداد الفاسخ منه أو منها أو تجدد التحريم المؤبد منها فلا ميراث لها لأنّها يمنع الإرث وهـي في النكاح فأولى بالمنع وهـي مطلقـة وإن كانت في العدة الرجعية إلاّ أن يعود إلى الإسلام فيها فيرث في وجه كما فـي السرائر وإذا طلّقها ثم لأط لواطاً اوجب عليه تحريمها مؤبداً أشكل من عموم الأخبار المورثة لها وانّه لا يوجب التحريم ولا يستعقب الفسخ إذا كانت في النكاح فلا يمنعها الإرث ليقال بالأولوية وهي مطلقة، ومـن أنّ الإرث اثر النكاح وهـو يمنع النكاح فيمنع آثاره، وفيه أنّ الإرث مـن آثار النكاح المتقدم وهـو إنّما يمنع مـن النكاح ثانياً.
فرع: الظاهر من الأخبار اعتبار المرض السابق على حال النزع فلا يترتب الحكم على الصحيح الذي حضره الموت وتشاغل بالنزع فيه مع احتمال عده مرضاً سابقاً حكماً وأنّ اللحوق موافق مع حكمة التهمة ومع ما جاء في صحيح الحلبي من التعليق ولابد من الاعتماد عليه وتخصيص الأخبار به على العمومية والعمل به وبها على عدم العمومية وقصورها عن شمول مورد الصحيح وما في الجواهر من أنّ «قاعدة الاقتصار على المتيقن تقتضي الأول إلا إذا كان حضور الموت لحضور مرض اقتضاه»(1) فإن كان مراده من المرض المقتضي المرض الحادث المقارن مع النزع فهو راجع إلى ما ذكرناه ويكون تماماً وفي محله وأمّا إن كان مراده المرض السابق فمخالف لظاهر الصحيح وهو كما ترى.
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 158.

(424)


(مسألة 12 ـ لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتى تنقضي عدّتها إلاّ أن تأتي بفاحشة توجب الحدّ أو تأتي بما يوجب النشوز، وأمّا مطلق المعصية فلا توجب جواز إخراجها، وأمّا البذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا لم ينته إلى النشوز ففي كونه موجباً له اشكال وتأمل، ولا يبعد أن يكون ما يوجب الحدّ موجباً لسقوط حقّها مطلقاً، وما يوجب النشوز موجباً لسقوطه ما دام بقائها عليه، وإذا رجعت رجع حقّها، وكذا لا يجوز لها الخروج بدون اذن زوجها إلاّ لضرورة أو أداء واجب مضيق).
وتفصيل الأمر في المسألة أنّه لا خلاف نصاً وفتوى في وجوب السكنى للمطلقة الرجعية كما يجب لها النفقة بل عليه الإجماع محصّلا ومنقولاً، والأصل فيه الكتاب في قوله تعالى: (يا أيها النبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهن لعدّتهن وأحصوا العدّة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهنّ من بيوتهن ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً)(1).
وكذا قوله تعالى: (أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم ولاتضارّوهنّ لتضيقوا عليهنّ وإن كنّ اولات حمل فأنفقوا عليهنّ حتى يضعن حملهنّ فإن ارضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له
--------------------------------------------------------
[1] ـ الطلاق (65): 1.

(425)

أُخرى
)(1) وللأخبار المتكاثرة ; منها: ما رواه سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى(عليه السلام)«عن شيء من الطلاق فقال: إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتدّ حيث شاءت ولا نفقة لها، قال: قلت: أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن) قال: فقال: إنّما عنى بذلك التي تطلّق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تُخرج ولا تَخرج حتّى تطلّق الثالثة فإذا طلّقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلّقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضاً تقعد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدّتها»(2).
ومنها: موثقة سماعة، قال: سألته «عن المطلقة أين تعتدّ؟ قال: في بيتها لا تخرج وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتى تنقضي عدّتها»، وسألته «عن المتوفى عنها زوجها أكذلك هي؟ قال: نعم وتحجّ ان شاءت»(3).
ومنها: موثقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته «عن المطلّقة أين تعتدّ؟ فقال: في بيت زوجها»(4).
ومنها: ما رواه أبو الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تعتدّ المطلّقة في بيتها ولا ينبغي للزوج إخراجها ولا تخرج هي»(5).
--------------------------------------------------------
[1] ـ الطلاق (65): 6.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 216، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب20، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 215، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب19، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 213، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث4.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 213، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث5.

(426)

ومنها: ما رواه أبو بصير، عن أحدهما(عليهما السلام) «في المطلقة أين تعتدّ؟
فقال: في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة ليس له أن يخرجها ولا لها
أن تخرج حتى تنقضي عدّتها»(1).
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»(2).

ومنها: خبر أبي العبّاس، قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتّى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»(3).

ومنها: صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المطلّقة تعتدّ في بيتها ولا ينبغي لها أن تخرج حتّى تنقضي عدّتها، وعدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إلاّ أن تكون تحيض»(4). والتعبير بـ «بيتها» هو بتبع الكتاب وباعتبار الملابسة كما هو واضح، إذ من المعلوم عدم إرادة بيت الزوجة المطلقة حقيقة لعدم المعنى لنهي الزوج عن إخراج الزوجة عن بيتها فإنّ الإخراج منهىّ عنه قبل ذلك من باب عدم جواز التصرف في ملك الغير، والمراد بـ «لا ينبغي» في بعض النصوص، هو الحرمة بقرينة الكتاب وبقيّة الأخبار.
ثم لا اشكال ولا خلاف في عدم جواز الإخراج ولا الخروج للمطلقة كذلك في الجملة لكن الخلاف واقع في أنّ حرمة الخروج هل هي مطلقة أو منوطة بعدم اذن الزوج؟ فالمحكي عن ظاهر المشهور هو الإطلاق وفي المسالك: أنّ مقتضى الآية هو
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 214، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث6.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 214، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث7.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 198، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب12، الحديث2.

(427)

الحرمة مطلقاً وسيأتي نصّ كلامه، وفي نهاية المرام وظاهر الشرائع والمتن، الثاني، وهو الحق، وذلك مضافاً إلى أنّه لا يبعد كون الآية ظاهرة في ذلك ـ فإنّ السكنى في العدة الرجعية كالسكنى في النكاح الدائم وليس بازيد منه فكما أنّ للزوجة حق السكنى في النكاح الدائم ولا يجوز للزوج إخراجه فكذلك أيام العدة أيضاً وكما أنّه لا يجوز للزوجة الخروج من بيت زوجها في النكاح الدائم إلا بإذنه فكذلك بعد الطلاق، ما دامت في العدة ـ يدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها»(1) ومثلها خبر أبي العباس(2) وفيهما الصراحة بالاختصاص.
واستدل الشهيد الثاني(3) لعمومية الحرمة بإطلاق الآية الشريفة ثم فرق بين السكنى المستحقة بالنكاح والسكنى أيام العدة بأنّ في السكنى أيام العدة حقاً لله تعالى كما أنّ في العدة حقاً له تعالى بخلاف السكنى المستحقة بالنكاح فإنّ حقها مختص بالزوجين وفرّع عليه فلو اتفقا على الخروج منعهما الحاكم منه ثم استدل للاختصاص بصحيحة الحلبي ولكن مع ذلك ذهب إلى أنّ الأجود التحريم مطلقا عملاً بظاهر الآية ويؤيد ما ذهب إليه الشهيد قوله تعالى في ذيل الآية الشريفة (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)(4) فإنّ هذه الحكمة تقتضي كونها مصاحبة للزوج إذ ربما تؤدي إلى رجوعها إليها.
و أمّا الإيراد على المسالك بأنّه لا وجه مع وجود الصحيحة للأخذ بإطلاق الآية
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 214، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث7.
[3] ـ مسالك الافهام 9: 314.
[4] ـ الطلاق (65): 1.

(428)


فإنّه مقيد بالصحيحة، فيرد عليه بأنّ الإشكال عليه مبنائي لا بنائيّ فقوله تمام على مذهبه(قدس سره) في حجية الروايات وهو حجية رواية العدل الّذي شهد على عدالته البينة فخبر الموثق والعدل بالدراية غير حجة عنده وفي السند إبراهيم بن هاشم القمي فإنّه ثقة وأيّ ثقة لكنه بالدراية لا بالشهادة وقد أورد عليه صاحب المدارك(قدس سره) بأنّه لا رادّ لخبر ابن هاشم، والشهيد نفسه قد عمل به في غير موضع وما في الحدائق بعد نقل كلام المسالك «أنّ الرواية المذكورة معتبرة الإسناد عندهم إذ حسنها على تقدير عدها من الحسن إنّما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لأراد لروايته منهم كما صرح به غير واحد فالواجب تخصيص إطلاق الآية بها وهم قد جروا على هذه القاعدة في غير موضع، ولهذا مال سبطه في شرح النافع إلى ما ذكرناه فقال: والعمل بهذه الرواية متجّه وإن كان المنع مطلقا أحوط وهو جيد»(1). ففيه: أنّ عدم الرد لروايته أمر وتخصيص الكتاب به أمر آخر ولا ملازمة بينهما ولذلك اختلف القائلون بحجية الخبر الواحد في جواز تخصيص الكتاب به وعدمه فلعل الشهيد الثاني أيضاً يكون ممّن يعمل بمثل خبر إبراهيم بن هاشم لكنه مع ذلك لا يرى تخصيص الكتاب به وإنما يرى التخصيص بخبر العدل بالبينة فتأمّل.
وبما أنّ كلام المسالك مقتض للقول بالفرق بين سكنى الزوجة والمعتدة فينبغي نقله، قال: «وكما يحرم عليه إخراجها من المسكن يحرم عليها الخروج أيضاً وإن اتفقا عليه لدلالة الآية على تحريمه من كل منهما فلو اتفقا على الخروج منعهما الحاكم منه، لأنّ فيه حقاً للّه تعالى، كما أنّ في العدة حقاً له تعالى، بخلاف السكنى المستحقة بالنكاح فإنّ حقها مختصّ بالزوجين، وذهب جماعة من الأصحاب، منهم
--------------------------------------------------------
[1] ـ الحدائق الناضرة 25: 525.

(429)


أبو الصلاح(1) والعلامة في التحرير(2)، إلى تقييد التحريم بعدم اتفاقهما عليه فلو خرجت بإذنه جاز، ويدل عليه حسنة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»، والأجود التحريم مطلقاً عملاً بظاهر الآية»(3).
ثم أنّه لا اشكال في جواز الإخراج عند إتيانها بفاحشة مبيّنة، وإنّما الاشكال في المراد منها، وفيه أقوال:
أحدها: أنّ المراد هو إتيانها بكلّ ما يوجب الحدّ.
ثانيها: كلّ ذنب أدناه إيذاؤها أهل الزوج وسبّهم.
ثالثها: إيذاؤها أهل الزوج وسبّهم.
ورابعها: الزنا. هذا وفي الروايات يوجد اختلاف في تفسيرها فبعضها قد فسّرها بإيذاء الزوج وأهله، وبعضها بالسحق وبعضها بالزنا، ودونك الروايات ; فمنها: ما رواه علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الإمام الرضا(عليه السلام) «في قوله تعالى: (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة) قال: أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها»(4).
ومنها: ما رواه محمّد بن علي بن جعفر قال: سأل المأمون الإمام الرضا(عليه السلام) «عـن قول الله عزّ وجلّ (ولا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة)قال: يعني بالفاحشة المبيّنة أن تؤذي أهل زوجها فإذا فعلت فإن شاء أن يخرجها
--------------------------------------------------------
[1] ـ الكافي في الفقه: 312.
[2] ـ التحرير 2: 75.
[3] ـ مسالك الافهام 9: 314.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 220، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث1.

(430)


مـن قبل أن تنقضي عدّتها فعل»(1).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: سئل الإمام الصادق(عليه السلام) «عن قول الله عزّ وجلّ (واتقوا الله ربكم لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة)قال: إلاّ أن تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ»(2).
ومنها: خبر سعد بن عبد الله ، عن صاحب الزمان(عليه السلام) قال: قلت له: «أخبرني عن الفاحشة المبينّة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته، قال(عليه السلام): الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا، فإنّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه» الحديث(3).
ومنها: مرسلة الطبرسي في مجمع البيان «في قوله تعالى: (ولا تخرجوهنّ من بيوتهنّ إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينّة) قال: قيل: هي البذاء على أهلها فيحلّ لهم إخراجها وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)»(4).

ومنها: مرسلته أيضاً عن عليّ بن أسباط، عن الإمام الرضا(عليه السلام) قال: «الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبّهم»(5).
وأنت ترى أنّ سندها كلّها مخدوش فيه، نعم قد ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 220، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث2.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 220، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث3.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 221، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث4.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 221، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث5.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 221، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب23، الحديث6.

(431)


على أنّ الفاحشة المبيّنة تشمل الإيذاء والسبّ، وعلى كل حال لا يمكن جبر سندها بعمل الأصحاب وكذا الشهرة المدّعاة على أنّ أدناها إيذاؤها زوجها وأهله فلا جابر لإسناد الروايات، نعم الروايات المفسّرة بالسب والإيذاء هي أكثر عدداً من غيرها. اللهم إلاّ أن يقال: إنّ مرسلة الصدوق حيث إنّها من مقطوعاته لا تخلو من اعتبار، لكن لا يخفى أنّه لو سلّم ذلك لكن لا تدل على الحصر بل هي مبيّنة للمصداق كما هو الدأب في كلماتهم(عليهم السلام) عند تفسير الكتاب، أو يقال: إنّها ذكرت نموذجاً من بعض الذنوب كالزنا. هذا وقد جمع صاحب الجواهر وبعض آخر بين تلك النصوص بأنّ كلا منها مبيّن لمصداق، فالملاك هو ما يوجب الحدّ أو ما يؤذي الزوج والأهل(1).

أقول: هذا وجيه لكنه غير ملائم مع خبر سعد بما فيه من أنّ الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا فيكون معارضاً بمرسلة الصدوق ففيها التفسير بالزنا فالتعارض بالنفي والإثبات وغير قابل للجمع إلاّ أن يقال: إنّهما يتعارضان فيتساقطان ويبقى من الأخبار ما فيه تفسير الفاحشة بإيذاء الزوج وأهله وسبّهم لكنه غير تمام أيضاً لكونها معارضة لخبر سعد أيضاً حيث إنّ نفي الزنا ملازم مع نفي دونه كما لا يخفى وبعد تعارض الأخبار فيأتي دور الرجوع إلى ظاهر الكتاب ثم الرجوع إلى الأصل في المسألة إن لم يفد ظاهر، والظاهر عدم وضوح المراد من ظاهره ولا يحصل الاطمينان بما قالوا في معناه فيجب الرجوع إلى الأصل في المسألة، وفيه وجهان:

احدهما: الأخذ بعموم المستثنى منه والاقتصار بالقدر المتيقن في المستثنى، والمتيقن في المستثنى هو الزنا فيبقى غيره داخلاً في عموم حرمة الإخراج.
وفيه: أنّ إجمال المخصص والمقيّد المتصل يسري إلى العام والمطلق كما بيّن في الأُصول. لا يقال: إنّ إجمال المتصل يسري في المتباينين لا في الأقل والأكثر، لأنّ ما
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 333.

(432)



نحن فيه أيضاً هو من مصاديق المتباينين كما لا يخفى.
ثانيهما: التمسك بالاستصحاب فإنّه يقتضي حرمة الإخراج إلاّ ما تيقّن أنّه من مصاديق الفاحشة، فيجب الاكتفاء بالزنا أو بما يوجب الحدّ، إن قلنا بالتعدي عن الزنا إلى كل ما يوجب الحد بأن كان ذكر الزنا في المرسلة من باب النموذج لما يوجب الحد والأستاذ سلام الله عليه سلك في المتن مسلكاً آخر فإنّه سلام الله عليه ذهب إلى جواز الإخراج إذا أتت بفاحشة مبينة وهي ما يوجب الحد، أخذاً بظاهر الآية أو بمرسلة الصدوق رحمه الله بناءً على كون ذكر الزنا نموذجاً لما يوجب الحد، أو أتت بما يوجب النشوز، أخذاً بقاعدة النشوز فإنّه موجب لسقوط حق الزوجة للنفقة والسكنى ولمّا كانت المطلقة الرجعية زوجة فيجري عليها ما يجري على الزوجة من حق النفقة والسكنى ومن سقوطه إذا صار ناشزة فالبذاء باللسان وإيذاء الأهل إذا وصل إلى حد النشوز يجوز إخراجها لأنّ حق السكنى لها بما أنّها زوجة غير ناشزة وأمّا إذا لم ينته إلى النشوز فاستشكل سلام الله عليه في كونه موجباً له.
وهذا حسن(1) جيد ويتفرع عليه أنّ الاتيان بما يوجب الحد يكون موجباً لسقوط
--------------------------------------------------------
[1] ـ ولكن يمكن النقاش في إمكان تحقق النشوز هنا وإيجابه لجواز الإخراج، فإنّ المراد من نشوز الزوج أو الزوجة هو خروج كل منهما عن الطاعة الواجبة عليه للآخر، وما يظهر من بعض أهل اللغة كصاحبي الصحاح والقاموس وكذا المجمع بما حاصلة أنّ نشوزها هو الاستعصاء والكراهة، فإنّه هو خلاف ما في الشرع من كونه هو الامتناع من خصوص الحق الواجب عليه أو عليها ولذا قيل لم يكن من النشوز البذاء وإن أثمت به واستحقت التأديب، ولا الامتناع من خدمته وقضاء حوائجه التي لا تعلّق لها بالاستمتاع لعدم وجوب شيء من ذلك عليها ولا غير ذلك ممّا لا ينقص الاستمتاع بها، على حدّ تعبير صاحب الجواهر(قدس سره)، وقد صرّح الشهيد في المسالك بأنه «ليس من النشوز ولا من مقدماته بذائةُ اللسان
..................................................................................................
--------------------------------------------------------

(433)


والشتم، ولكنها تأثم به وتستحق التأديب عليه، وهل يجوز للزوج تأديبها على ذلك ونحوه ممّا لا يتعلّق بحقّ الاستمتاع، أم يرفع أمره إلى الحاكم؟ قولان، تقدّما في كتاب الأمر بالمعروف. والأقوى أنّ الزوج فيما وراء حق المساكنة والاستمتاع كالأجنبي وإن نغّص ذلك عيشه وكدّر الاستمتاع» ثم أضاف: «المراد بحوائجه التي يكون التبرّم بها أمارة النشوز ما يجب عليها فعلها من الاستمتاع ومقدّماته، كالتنظيف المعتاد وإزالة المنفّر والاستحداد، بأن تمتنع أو تتثاقل إذا طلبها على وجه يحوج زواله إلى تكلّف وتعب. ولا أثر لامتناع الدلال، ولا للامتناع من حوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك. وفي بعض الفتاوى المنسوبة إلى فخر الدين أنّ المراد بها نحو سقي الماء وتمهيد الفراش. وهو بعيد جدّاً، لأنّ ذلك غير واجب عليها فكيف يعدّ تركه نشوزاً؟ !»(1)

و لو سلّم صدق النشوز على مثل البذاء باللسان كما تسلّمه صاحب الجواهر بالقبول رداً على الشهيد بقوله «ضرورة تحقق النشوز بالعبوس والإعراض والتثاقل وإظهار الكراهة له بالفعل والقول ونحوهما ممّا ينقص استمتاعه بها وتلذذه بها، بل لا ينبغي التأمّل في تحققه بتبرّمها بحوائجه المتعلّقة بالاستمتاع أو الدالّة على كراهتها له، بل لعل ما سمعته من الفخر يراد منه ذلك»(2) لكن أين ذلك ممّا نحن فيه الّذي هو لا يريد منها الاستمتاع إلاّ أن يريد به الرجوع فيها وبالرجوع ينتفي موضوع البحث، كما أنّ مع تحقق النشوز أو اماراته يجوز للزوج الوعظ والهجر والضرب على ما فصّل في محلّه لا انّه يزيل منها حق السكنى ويخرجها من بيته، فإناطة الحكم بحقها للسكنى المشروط بكونها زوجة غير ناشزة والتفريع عليه ليس في محله وإن استحسنه الأستاذ.
هذا مضافاً إلى أنّ النشوز أو اماراته هناك في الزوجية لو سلّمنا انّه يسقط حق السكنى بمجرد تحققه لكن قياس أيام العدّة بذلك ممنوع فلعلّ حضورها في بيته يوجب رفع الخصومة من البين وتحقق التلائم بينهما ورجوعه إليها أثر ذلك، كما أشار إليه قوله تعالى «لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً» وعلى كل حال إنّ مثل الإيذاء والسبّ إن كان من مصاديق الفاحشة المبيّنة فهو وإلاّ ليس للنشوز ولا لمقدماته واماراته عنوان خاص ومستقل في سقوط حقّها للسكنى وجواز أخراجها منه.
فتحصّل من ذلك كله أنّ تحقق النشوز بمثل ذلك فيه اشكال وتأمل، مضافاً إلى أنّ النشوز هنا لا معنى له إلاّ أن يريد الزوج الرجوع ومعه ينتفي الموضوع، وثالثاً مع صدق النشوز حتى في باب الزوجية يتحقق جواز الوعظ والهجر والضرب، وجواز أخراجها من أوّل الأمر محل تأمل ظاهر بل منع، ورابعاً لا تلازم بين سقوط حق السكنى هناك وسقوطه فيما نحن فيه. «المقرر»

(434)


حقها مطلقا فلا يجب إعادتها إذا تاب ورجع عما ارتكبها لعدم الدليل عليه بل الظاهر من الآية عدم وجوبه وأمّا الاتيان بما يوجب النشوز يكون موجباً لسقوط حقها مادام بقائها عليه لقاعدة النشوز فلو رجع عن النشوز تجب الإعادة.
ثم إنّ المراد بالخروج والإخراج المحرّم هل هو مختصّ بما معه قصد عدم العود أم اعم منه وما معه قصد العود أيضاً كالخروج لزيارة الأقرباء وعيادة المرضى كما ورد نظيرها في أخبار عدّة الوفاة فراجعها.
وفي عبارة بعضي الأصحاب ككاشف اللثام إشارة إلى الاختصاص إن لم نقل بظهورها فيه وأورد عليه في الجواهر بكونه مخالفاً لمذاق الفقه ولكن يمكن أن يستدل له بظهور الآية الشريفة لأنّ من المعلوم أنّ المراد من الآية الخروج والإخراج رغماً للزّوج والمطلق لا الأعم منه ومن الخروج إلى فناء الدار بأن تكون الزوجة للزّوج. وممّا يؤيّد ذلك بل يشهد له هو كلام الفضل بن شاذان على ما حكاه في الجواهر، قال:
«إن معنى الخروج والإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حقّ بإذن زوجها، مثل مأتم وما أشبه ذلك، وإنّما الخروج والإخراج أن
--------------------------------------------------------
[1] ـ مسالك الأفهام 8: 360.
[2] ـ جواهر الكلام 31: 205.

(435)


تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة، فهذا الّذي نهى الله عنه، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم يقل: إنّها خرجت من بيت زوجها، ولا يقال: فلان أخرج زوجته من بيتها، إنّما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخطة، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها على ذلك، لأن المستعمل في اللغة هذا الّذي وصفناه ـ إلى أن قال ـ: ان أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيّع قد رخّصوا لها في الخروج الّذي ليس على السخط والرغم، وأجمعوا على ذلك»(1).
هذا بحسب الكتاب وأمّا بحسب إخبار الباب ففيها التعرّض لهما ففي صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «المطلّقة تعتدّ في بيتها ولا ينبغي لها أن تخرج حتى تنقضي عدّتها...»(2).
فإنّ الجملة الأولى منها راجعة إلى حرمة النقل والانتقال والثانية منها إلى الخروج بقصد العدد. ومثلها موثقة سماعة بن مهران قال: سألته «عن المطلقة أين تعتدّ؟ قال: في بيتها لا تخرج وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف اللّيل ولا تخرج نهاراً...»(3).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يضارّ الرّجل امرأته إذا طلّقها فيضيق عليها قبل أن تنتقل قبل أن تنقضي عدّتها...»(4). وفي صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها...»(5).
--------------------------------------------------------
[1] ـ جواهر الكلام 32: 332.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 198، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب12، الحديث2.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 215، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب19، الحديث1.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 213، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث2.
[5] ـ وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث1.

(436)


فإنّ الصحيحة الأولى في الخروج بقصد عدم العود والثانية فيه بقصد العود وليس في هذه الروايات دلالة على حرمة الخروج والإخراج بقصد العود لما فيها من التعبير بلفظ «لا ينبغي» وهو اعمّ من الحرمة ولا يصار إليها من دون قرينة وشاهد.
لا يقال: قد سبق منكم أنّ المراد من «لا ينبغي» هو الحرمة بقرينة الآية الشريفة لأنّا نقول: إنّ ما قلناه سابقاً كان على أن يكون المراد من الخروج في الآية الشريفة هو الأعم من قصد العود وعدمه وأمّا على ما ذهبنا إليه من عدم إفادة الآية الشريفة أزيد من حرمة النقل والانتقال، فلا تكون قرينة على إرادة الحرمة منه.
وعلى هذا فالحق هو ما اختاره العلاّمة في القواعد حيث ذهب إلى التفريق بين الانتقال من منزل إلى منزل فإنّه لا يجوز حتى مع اذن الزوج ولو اتفقا عليه منعهما الحاكم لأنّ حق الله تعالى تعلّق بالسكنى هنا لنهيه عن الخروج والإخراج بخلاف مدة النكاح فإنّ السكنى فيها حقّ الزوج، وبين الخروج إلى الحَجَّة المندوبة فإنّه يجوز مع اذن الزوج. وأضاف كاشف اللثام في وجهه أنّ هذا الخروج ليس ممّا لا يفيد فيه الإذن فإنّه الانتقال للسكنى.
ومن ذلك يظهر الخلط في كلام الشهيد الثاني حيث استدل لذهاب جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح والعلامة في التحرير إلى جواز الخروج بإذن الزوج بصحيحة الحلبي عـن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخـرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها...» وذهب نفسه إلى عدم جوازه مطلقاً حتى مع إذن الزوج لدلالة الآية على تحريمه من دون أن يفرّق بين الخـروج بقصد العود وعدمـه لأنّ صحيحـة الحلبي المعبر عنها في المسالك بالحسنـة تدلّ على الخـروج بقصد العود والآية الشريفة تدلّ على عدم الجواز في الانتقال من منزل إلى منزل وعلى كلّ حال

(437)


فلا دليل على الحرمة مطلقاً حتى مع قصد العود.
وعلى هـذا لا يتطرّق الكلام في موارد الجواز مـن حيث الاضطرار أو الحاجـة أو وقت الخـروج والعود كنصف الليل كما جاء في بعض الأخبار ; وهي على طوائف:
الأولى: ما تدل على جواز الخروج للضرورة والحاجة، منها: مكاتبة صفّار إلى أبي محمّد الحسن بن علي(عليهما السلام) «في امرأة طلّقها زوجها ولم يجر عليها النفقة للعدّة وهي محتاجة هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل أو الحاجة؟ فوقّع(عليه السلام): لا بأس بذلك إذا علم الله الصحّة منها»(1).
ولا يخفى عليك عدم دلالتها على الحرمة مع عدم الضرورة والحاجة حيث إنّ البأس اعم من الحرمة.
الثانية: ما وردت في الحج، منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: «المطلّقة تحجّ وتشهد الحقوق»(2).
ومنها: موثقة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «المطلّقة تحجّ في عدّتها إن طابت نفس زوجها»(3).
ومنها: موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته «عن المطلّقة أين تعتدّ؟ قال: في بيتها لا تخرج وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهاراً، وليس لها أن تحجّ حتى تنقضي عدّتها» وسألته «عن المتوفى عنها زوجها كذلك هي؟ قال: نعم وتحجّ إن شاءت»(4).
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 278، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب55، الحديث1.
[2] ـ وسائل الشيعة 22: 219، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب22، الحديث1.
[3] ـ وسائل الشيعة 22: 219، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب22، الحديث2.
[4] ـ وسائل الشيعة 22: 215، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب19، الحديث1.

(438)


أمّا الأولى فبإطلاقها تعمّ الرجعية أيضاً كالبائنة وتدل على جواز الحج بدون إذن الزوج والثالثة في نفسها قاصرة عن الدلالة على الحرمة بل تدل على الجواز والكراهة بقرينة جواز الزيارة إلاّ أن يقال بالحرمة في خصوص الحج ومعه أيضاً يقيد إطلاقها بمنطوق موثقة معاوية بن عمار الصريحة في جواز حجها إن طابت نفس زوجها.
الثالثة: ما تدل على تقييد الخروج باذن الزوج مطلقا. منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ باذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»(1). وهي أيضاً لا تدل على الحرمة، فإنّ «لا ينبغي» كما مر اعم من الحرمة والكراهة.
--------------------------------------------------------
[1] ـ وسائل الشيعة 22: 212، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب18، الحديث1.








عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org