Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: كتاب الطلاق

كتاب الطلاق (9)


كتاب الطلاق
وله شروط وأقسام ولواحق وأحكام

ينبغي ذكر أُمور قبل البحث في الشروط:

الأول:

إنّ مشروعية الطلاق من ضروريات الإسلام ولا كلام فيها، والحق أنّه من الأُمور التشريعية الامضائية مع زيادة قيود وشروط وكذا بالنسبة إلى الأحكام فيه، كما أشار إليه في الجواهر بأنه ليس في العقود والإيقاعات حقيقة شرعية، ضرورة وجودها في هذه المعاني قبل زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن اعتبر في الصحيح منها أُموراً وبهذا المعنى جعله الأصحاب معنى شرعياً مقابلا للمعنى اللغوي(1).
فعلى هذا، عند الشك في شرط من الشروط أو قيد من القيود أو مانع من الموانع وعدم الدليل عليه، يرجع إلى ما هو المعمول عند العقلاء، فإنّ في عدم ردع الشارع من تلك الأُمور شهادة على اعتبار الرضا منه، وأمّا على كفاية محض عدم الردع وإن
-------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 3.

(10)

لم يكن كاشفاً عن الرضا كما يظهر من صاحب الكفاية(1) فالأمر أوضح بل يمكن القول بالرجوع إلى ما عندهم في تلك الأُمور وإن كانت حادثة ولم تكن بمرأى ومنظر من المعصومين(عليهم السلام)، وذلك لأنّ مثل الرضا والإمضاء هو بناء من الأبنية العقلائية مع كون التغيّر والتبدّل في خصوصياتها من ناحية مضيّ الدهر والزمان أمراً طبيعيّاً ومعلوماً عادة، فعدم الردع عن تلك الأُمور كاشف عن الرضا مثل ما كان بالمرأى والمنظر منهم(عليهم السلام).
لا يقال: كيف يحصل العلم بالرضا مع عدم إمكان الردع لعدم الوجود كما هو المفروض.
لأنّه يقال: لمّا كانت الشريعة متكفّلة لكلّ الأزمنة بالضرورة والبداهة وأنّ الرسول الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) مرسل إلى الناس كافّة كما صرّح به قوله تعالى (وما أرسلناكَ إلاّ كافّةً للناس)(2) وأنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين كما أكّد عليه قوله تعالى (ولكنْ رسولُ الله وخاتمُ النبيين)(3) فلا بدّ من تبيين الأحكام لكل الأزمنة بإعطاء القواعد الكلية والضوابط العامّة وفي الاخبار إرشادات وإشارات إلى هذا الأمر.
ففي موثقة عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «احتفظوا بكتبكم فأنّكم
-------------------------------------
1 ـ فإنّه(قدس سره) قال في حجية الظواهر: «لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة، لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات، مع القطع بعدم الردع عنها، لوضوح عدم اختراع طريقة أُخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه، كما هو واضح. والظاهر أن سيرتهم على اتباعها، من غير تقييد بإفادتها للظنّ فعلا، ولا بعدم الظنّ كذلك على خلافها قطعاً، ضرورة أنّه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق، ولا بوجود الظنّ بالخلاف». «كفاية الأُصول: 323».
2 ـ سبأ (34): 28.
3 ـ الأحزاب (33): 40.

(11)
سوف تحتاجون إليها»(1)، وفي خبر مفضّل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أكتب وبثّ علمك في اخوانك فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم»(2). بل وخبر أبي إسحاق السبيعي، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ممّن يوثق به أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تكلّم بهذا الكلام وحفظ عنه وخطب به على منبر الكوفة: «اللهمّ أنّه لابدّ لك من حجج في أرضك، حجة بعد حجة على خلقك، يهدونهم إلى دينك ويعلّمونهم علمك، كي لا يتفرّق أتباع أوليائك، ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوت علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون»(3). وعلى كل حال، عند حدوث أُمور في الطلاق في الاشتراط أو عدمه وعدم الدليل على اعتباره يمكن الرجوع إلى ما هو المعتبر عندهم، ولا فرق في ذلك بين زمان الحضور والغيبة.
لا يقال: أنّه لا يوجد الدليل على الرضا منهم(عليهم السلام) لأنّه يقال: إنّ الشريعة متكفلة لكل الأزمنة وذلك بواسطة بيان القواعد الكلية والضوابط العامة كما مرّ تفصيله.

الثاني:

قد ذكر مبحث الطلاق في «الشرائع» في الأول من القسم الثالث من الكتاب وهو الإيقاعات وفيها أحد عشر كتاباً ومنها الإقرار مع أنّه إخبار وذكره فيها من جهة المشابهة للإيقاع في الجملة، ففي الجواهر بعد بيان معناه اللغوي قال: «وعلى كل حال
-------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 27: 81، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب8، الحديث17.
2 ـ وسائل الشيعة 27: 81، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب8، الحديث18.
3 ـ وسائل الشيعة 27: 90، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب8، الحديث46.



(12)

فهو ليس من العقود والإيقاعات لأنّه ليس بإنشاء، إلاّ أنّه لمّا كان مشابهاً للإيقاع في الجملة ذكره المصنف فيها، ولذا عرّفه في الوسيلة بأنّه أخبار بحقّ على نفسه»(1). ومثله بقية التعاريف فكلّها مشتركة في أخذ «الإخبار» في تعريفه، والبحث عن الطلاق في قسم الإيقاعات هو الرائج في الكتب الفقهية قديماً وحديثاً لكن الفيض (قدس سره) في المفاتيح مشى طريقاً آخر في ترتيبه وجعله على فنّين: الأول في العبادات والسياسات، والثاني في المعاملات والعادات، وذكر الطلاق في الفنّ الثاني إلاّ أنّه متروك والرائج هو الراجح.

الثالث:

إنّ مبحث الطلاق اقل رواية من النكاح وكذا في اختلاف الأقوال ويخطر بالبال أنّ قلة البحث في الطلاق تنشأ من قلة الفروع وذلك لقلّة ابتلاء المسلمين به في تلك الأزمنة، وأمّا في زماننا هذا، وهو سنة خمس عشرة وأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبوية على هاجرها وآله الصلاة والسلام، فالظاهر أنّها كثيرة بالنسبة، ولعل السرّ في ذلك هو شدّة تعبّدهم في تلك الأزمنة باحكام الإسلام وما جاء به في الأخلاق الكريمة، وقلة الأجهزة الإعلامية والارتباطية الموجبة لاطّلاع كثير من الناس على ما يجرى ويحدث في المجتمعات الذي يؤدي إلى التأثر منها وكذا التأثير فيها وهذا بخلاف زماننا هذا فالانتحال إلى الدين والتقيّد به وإن كان متحققاً مرتبته العليا لكن دور النشاطات الإعلامية والواسعة الحاصلة من تلك الأجهزة لا يخلو من المشاكل الجديدة والسلبيات الحديثة.
-------------------------------------
1ـ جواهر الكلام 35: 2.



(13)
وكيف كان، فلابدّ من البحث في مسائله وفروعه وبيان ضوابطه وأصوله مع لحاظ الزمان والمكان فأنّهما مؤثران في الفقه موضوعاً واستنباطاً.

الرابع:

الطلاق في اللغة بمعنى الإرسال والترك، وقيل أنّه بمعنى حل العقد أيضاً، وفي العرف عبارة عن إرسال الزوجة وتركها وفراقها. والظاهر أنّه حقيقة في المعنى العرفي ويكون من باب تسمية الخاص باسم العام، وما في المسالك من «أنّه شرعاً إزالة قيد النكاح بصيغة طالق وشبهها» فليس بتمام لأنّ الصيغة سبب للإزالة وهنا قد اخذ القيد في السبب، مضافاً إلى أنّه إن أريد اخذ القيود فيه فإنّها أكثر من ذلك مضافاً إلى أنّه أمر عرفي ولا يختص بالشرع فلا معنى للتقييد شرعاً. والأمر بعد وضوح حقيقة الطلاق وكون تلك التعاريف من باب شرح الاسم، سهل.

الخامس:

الأصل في الطلاق هو الفساد وذلك لاستصحاب بقاء الزوجية والنكاح واحكامهما كأصالة الفساد في العقود والمعاملات، ولا يخفى عليك أنّ أصالة الفساد فيه وفي العقود والإيقاعات ليست بمعناها الحقيقي وهو استصحاب بقاء الفساد نفسه لكونه مشكوكاً فيه من أوّل الأمر وفي الحالة السابقة كما هو المفروض بل هي بمعنى استصحاب ملازماته ومقارناته، فالأصل يجرى في الحقيقة فيها لا في نفسه، ومثلها أصالة اللزوم في العقود عند معناها الاستصحابي(1). وهذا لا ينافي ما قلناه في بناء
-------------------------------------
1 ـ فإنّ لأصالة اللزوم وجوه ستة ذكرها الشيخ في المكاسب فراجعه إن شئت.



(14)
العقلاء لأنّه وارد عليه فإنّ بالرجوع إليه يرتفع الشك.
هذا ولكن مقتضى الأصل اللفظي هو الصحة، قضاءً لإطلاق كتاب الله تعالى حيث قال: (يا أيها النبيّ إذا طلّقتُم النِساء فطلّقوهن لِعدّتهنّ)(1) وإن أبيت فلا اقلّ من الإطلاق المقامي، وأمّا سائر آيات الطلاق وهي كثيرة فليس لها إطلاق لأنّها في مقام بيان سائر الأحكام بعد الفراغ عن أصله. ومثلها روايات المسألة، والحصر الموجود في بعض الروايات هو أضافي ناظر إلى أقوال العامة.

السادس:

قد تكاثرت الاخبار بكراهة الطلاق مع التلائم بين الزوجين ومن دون موجب له، وبه صرّح جملة من علمائنا الإبرار بل الظاهر كونه أجماعياً حتى من العامّة ففي النبويّ العامي «ابغض الحلال عند الله الطلاق»(2) لكن تخالفها أخبار تدل على أنّ الحسن بن علي(عليهما السلام) كان مطلاقاً للنساء حتى نقل أنّه عطب به أبوه عليّ(عليهما السلام) على ظهر المنبر وبذلك يقع الاشكال في الجمع بينهما فإنّ المكروه لا يصدر عن المعصوم (عليه السلام) بل لا يريده فضلا عن صدوره منه ولا يقع هو (عليه السلام) مورداً للعطب أيضاً ولم أجد من تعرّض لهذه المنافاة في الكتب المتداولة الفقهية المبسوطة وغير المبسوطة إلاّ صاحب الحدائق، فلنذكر هاتين الطائفتين من الاخبار أوّلاً ثمّ نتكلّم فيها ثانياً.
أمّا الطائفة الأولى فمنها: ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) برجل فقال: ما فعلت امرأتك ؟ قال: طلّقتها يا رسول الله، قال: من
-------------------------------------
1 ـ الطلاق (65): 1.
2 ـ سنن أبي داود 2: 261 / 2178.





(15)
غير سوء ؟ قال: من غير سوء. «قال: ثمّ إنّ الرجل تزوّج فمرّ به النبيّّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: تزوّجت ؟ فقال: نعم، ثمّ مرّ به، فقال: ما فعلت امرأتك ؟ قال: طلّقتها، قال: من غير سوء ؟ قال: من غير سوء ـ خ» فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله عزّ وجلّ يبغض أو يلعن كلّ ذوّاق من الرجال وكلّ ذوّاقة من النساء»(1).
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وإنّ الله عزّ وجل يبغض المطلاق الذوّاق»(2).
ومنها: ما رواه أبو هاشم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من الطلاق»(3).
ومنها: ما عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعت أبي يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ يبغض كلّ مطلاق وذوّاق»(4).
ومنها: ما بالإسناد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «بلغ النبيّّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أبا أيّوب يريد أن يطلّق امرأته، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ طلاق أمّ أيّوب لحوب ـ أي إثم ـ »(5).
ومنها: صحيحة صفوان بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «تزوّجوا وزوِّجوا، ألا فمن حظّ امرئ مسلم إنفاق قيمة أيمة وما من شيء أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من بيت يعمر بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله
-------------------------------------
1ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث6.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث5.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 7، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث2.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث3.
5 ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث4.



(16)

عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ إنّما وكّد في الطلاق وكرّر القول فيه من بغضه الفرقة»(1).
ومنها: ما رواه الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق، قال: قال (عليه السلام): «تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش». قال: وقال (عليه السلام): «تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الله لا يحبّ الذوّاقين والذوّاقات»(2).
الطائفة الثانية، فمنها: ما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: جئتك مستشيراً، إنّ الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خطبوا إلي. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): المستشار مؤتمن، أمّا الحسن، فإنّه مطلاق للنساء ولكن زوّجها الحسين فإنّه خير لابنتك»(3).
ومنها: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن جعفر بن بشير، عن يحيي بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الحسن بن علي (عليه السلام) طلّق خمسين امرأة، فقام عليّ (عليه السلام) بالكوفة فقال: يا معشر أهل الكوفة! لا تنكحوا الحسن فإنّه رجل مطلاق. فقام إليه رجل فقال: بلى والله لننكحنّه فإنّه ابن رسول الله (عليه السلام) وابن فاطمة فإن أعجبه أمسك وإن كره طلّق»(4).
-------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 7، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 8، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب1، الحديث7 و8.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 9، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب2، الحديث1.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 9، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب2، الحديث2.


(17)
ومنها: ما عن الكليني أيضاً، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن زياد بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ عليّاً (عليه السلام) قال وهو على المنبر: لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق. فقام رجل من همدان، فقال: بلى والله لنزوّجنّه وهو ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وابن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإن شاء أمسك وإن شاء طلّق»(1).
واحتمل العلامة المجلسي كون ذلك للاختبار، قال: «ولعلّ غرضه (عليه السلام) كان استعلام حالهم ومراتب إيمانهم لا الإنكار على ولده المعصوم المؤيّد من الحيّ القيّوم»(2). وهو ليس بتمام، لأنّه إن كان اختباراً بأمر واقعي فهذا نفس الاشكال وإن كان بأمر غير واقعي فهو كما ترى، فإنّه (عليه السلام) كيف يتّهم ابنه (عليه السلام) بما لم يرتكبه. هذا وقال صاحب الحدائق: «وربما حمل بعضهم هذه الاخبار على ما تقدّم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء أو نحوه ممّا يوجب أولويّة الطلاق، ولا يخفى بعده، لأنّه لو كان كذلك لكان عذراً شرعياً. فكيف ينهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن تزويجه والحال كذلك. وبالجملة فالمقام محلّ اشكال، ولا يحضرني الآن الجواب عنه، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب»(3).
أقول: والتحقيق في حل الاشكال ودفعه وجهان: احدهما: أنّ الطائفة الثانية هي مخالفة للأصول والقواعد الشرعية القطعية وللكتاب والسنّة القطعية، فإنّ الإمام (عليه السلام) هو للناس وهو الحاكم بالقسط والعدل وهو لا يرتكب الظلم ولا يفعل المبغوض أبداً فإنّ عهد الله تعالى لا ينال الظالمين. هذا مع وهنها بأنه كيف لا يردع الإمام عليّ
-------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 12، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب4، الحديث1.
2 ـ مرآة العقول 21: 96.
3 ـ الحدائق الناضرة 25: 148.

(18)
بن أبي طالب (عليه السلام) ابنه عن هذا الفعل القبيح وكيف يرتكبه الحسن (عليه السلام) مع أنّه حليم وحكي في حلمه ما يعجب الإنسان، هذا ثانياً وممّا يوهنها أيضاً عدم نقل تلك الاخبار في الكتب الأربعة إلاّ في الكافي الشريف، فلم يروها الشيخ في كتابيه التهذيب والاستبصار ولا الصدوق في فقيهه. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر كون خبري عبد الله بن سنان ويحيى بن أبي العلا هما نقل قضية واحدة فتأمّل.
ثانيهما: الضعف في إسنادها أمّا رواية عبد الله بن سنان الأولى فسند البرقي إلى ابن محبوب ليس بمعلوم، ويحيى بن أبي العلا في الثانية مجهول ومهمل(1) وأمّا الثالثة وهي رواية عبد الله بن سنان الثانية التي عبّر عنها في الحدائق ومرآة العقول بالموثقة، ففيه: أنّ محمّد بن زياد بن عيسى حاله غير مذكور في كتب الرجال.
----------------------------------------
1 ـ ولكن يمكن أن يقال إنّ جعفر بن بشير الذي روى الخبر عنه فقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، كما أفاده الأستاذ نفسه. «المقرر»

(19)

القول في شروطه

)مسألة 1 ـ يشترط في الزوج المطلّق البلوغ على الأحوط والعقل، فلا يصح على الأحوط طلاق الصبيّ لا بالمباشرة ولا بالتوكيل وإن كان مميّزاً وله عشر سنين، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط(.

الشروط المعتبرة في المطلّق أربعة، احدها: البلوغ. واشتراطه في الجملة إجماعي بين المسلمين ولا اشكال ولا كلام فيه، والدليل عليه، مضافاً إلى ما يأتي من الروايات وانّه مجمع عليه بين علماء الإسلام، أنّ العقلاء لا يعتنون بما يأتي به غير المميّز ولا يعتبرونه طلاقاً، كما أنّ صحّة طلاق المميز البالغ صحيح بإجماعهم أيضاً وإنّما الخلاف في المميز غير البالغ، سواء بلغ عشراً أم لا.
والأقوال فيه ثلاثة الصحة إن كان له عشر سنين وهو المحكي عن الشيخ في النهاية وابني حمزة والبرّاج بل عن جماعة من القدماء. وصحته مطلقاً، وهو المحكيّ عن ابن جنيد وهو الظاهر من رسالة ابن بابوية والصدوق في الفقيه. وعدم صحته وإن بلغ عشراً وهو المشهور بين المتأخرين وتبعهم الجواهر وجعله أقوى، فإنّه بعد نفي البعد عن حمل مرسلة أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر

(20)
سنين»(1) على إرادة إمكان صحة طلاق الصبي إذا بلغ عشراً عاقلا ولو لبعض الأمزجة في بعض البلدان التي ينبت فيها الشعر أو يحصل فيها الاحتلام قال: «فلا ريب حينئذ في أنّ ذلك هو الأقوى وإن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين»(2). ولا يخفى أنّ مقتضى الأصل العملي وإن كان هو الفساد لكن اللفظيّ منه فمقتضاه كما مرّ هو الصحة، واستدلّ عليه بأنها مقتضى الجمع بين الاخبار فإنّها على طوائف ثلاثة عدم صحة طلاق الصبي مطلقاً، وصحته كذلك والتفصيل بين ما قبل العشرة وما بعده.
فالطائفة الأولى أربعة:
أحدها: خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ليس طلاق الصبي بشيء»(3).
ثانيها: موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه أو الصبيّ أو مبرسم أو مجنون أو مكره»(4).
ثالثها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يجوز طلاق الصبيّ ولا السكران»(5).
ورابعها: خبر حسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليه السلام) قال: «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم»(6).
-----------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 77، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث2.
2 ـ جواهر الكلام 32: 5.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 77، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث1.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 77، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث3.
5 ـ وسائل الشيعة 22: 78، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث4.
6 ـ وسائل الشيعة 22: 79، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث8.





(21)
والطائفة الثانية ثلاثة: موثق ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيّته وصدقته وإن لم يحتلم» على ما هو المروي في الكافي(1) والتهذيب(2)، وما ذكره في الوسائل من النسخة الثانية مع حذف الواو المذكورة قبل «وإن لم يحتلم» فهو سهو منه وليس بصحيح وإلاّ لا تصحّ العبارة كما هو واضح، فراجع إن شئت(3).
وموثق سماعة في موثقته المضمرة، قال: «سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته، فقال: إذا طلّق للسنّة ووضع الصدقة في موضعها وحقّها فلا بأس وهو جائز»(4).
وموثق جميل بن دراج في موثقته عن احدهما(عليهما السلام)، قال: «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم»(5).
والطائفة الثالثة واحدة: وهي مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين»(6).
وما في المسالك والوسائل تبعاً للشيخ في التهذيب من نقل متن المرسلة عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضاً وهم، كما ذكره صاحب الحدائق، وقد نبّه على ذلك قبله السيّد السند(قدس سره) فإنّه قال بعد نقل المرسلة كما نقلناها: «وقد جعل الشيخ في التهذيب هذه الرواية رواية ابن بكير، وهو غير جيّد، فإنّ رواية ابن بكير رواها الكليني متقدّمة على هذه الرواية بغير فصل. وكأنّ نظر الشيخ رحمه الله سبق من سند
------------------------------
1 ـ الكافي 6: 124 / 4.
2 ـ تهذيب الأحكام 8: 76 / 257.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 78، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث5.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 79، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث7.
5 ـ وسائل الشيعة 19: 212، كتاب الوقوف والصدقات، الباب15، الحديث2.
6 ـ وسائل الشيعة 22: 77، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب32، الحديث2.



(22)
رواية ابن بكير إلى متن رواية ابن أبي عمير وقد وقع نحو ذلك في عدّة مواضع من التهذيب فينبغي التنبيه له»(1).
ولا يخفى عليك: أنّ الجمع بالتفصيل المحكي عن النهاية وغيرها من كلام القدماء هو مورد للنصّ، وهو مرسل ابن أبي عمير الذي بحكم الصحيح عند الأصحاب لاسيّما الإرسال عن بعض رجاله كما في موردنا ولاسيّما مع عمل الشيخ في النهاية وجماعة من القدماء به، بل لعلّ مراسيله أولى بالعمل من المسانيد للإجماع على العمل بها فتأمّل. فما في المسالك من قوله «والأصح عدم صحته مطلقاً، لضعف المستند، ومخالفته للأصول الشرعية وأكثر الأمّة»(2) بعد نقله موثقة ابن فضّال عن ابن بكير وتضعيفها بالرجلين فانّهما فطحيّان على حدّ تعبيره، ونقله مرسلة أبي عمير بقوله «وقد روى في معناها ابن أبي عمير في الحسن مرسلا» هو كما ترى، فإنّه مبنيّ على مبناه من اعتبار العدالة الثابتة بالعدلين في حجيّة الرواية فإنّ الحجّة عنده هو الصحيح الإعلائي، وإلاّ فالموثقة مثل تلك المرسلة حجة كما أنّ غير واحد من أجلَّة المحدّثين هم من الفطحية وأخبارهم حجة معمول بها عند الأصحاب.
كما أنّ ما في الجواهر من الاستدلال للثالث المشهور بين المتأخرين وجعله أقوى بقوّة إطلاق الطائفة الأولى المتأيّد بنصوص رفع القلم الشامل للوضعي والتكليفي وبالأصول، وبعدم الفرق بين الطلاق وغيره من العقود التي عرفت سلب عبارة الصبي فيها، وبالشهرة العظيمة، وبخبر حسين بن علوان وهو الرابع من الطائفة الأولى ففيه، منع القوّة من جهة الاشعار الموجود في الإقران بينه وبين السكران والمعتوه والمجنون بأنّ الصبي مثلهم في عدم التمييز أو عدم الإدراك الصحيح، بل لعلّ التعبير في خبر
--------------------------------
1 ـ نهاية المرام 2: 7.
2 ـ مسالك الإفهام 9: 10.


(23)
أبي الصباح بأنّ طلاق الصبي ليس بشيء فيه أيضاً اشعار بأنّ المراد هو صبيّ لا يعتني بأقواله وأفعاله فإنّ نفي الشيئية ليس عن تعبّد وادّعاء بل هو بيان للواقع، بل لك أن تقول بالظهور فيه لأنّ الحمل على الادّعاء خلاف الظاهر. وأمّا التأييد بالأمور الأربعة المذكورة في كلامه ففيه ما لا يخفى، ضرورة أنّ شمول حديث الرفع للطلاق الذي ليست صحته ثقلا على الصبي محلّ اشكال بل منع فإنّ الحديث في مقام الامتنان وليس الصبي المميّز بمسلوب العبارة ولذلك يصح له الوكالة في اجراء الصيغ بل المعاملة باذن الوليّ، والشهرة من المتأخرين.
نعم التأيّد بخبر حسين بن علوان له وجه فإنّه قد قيل أنّه نصّ في عدم الصحة، واضعف من التقوية والتأييد ما في آخر كلامه (قدس سره) من نسبة الوسوسة إلى بعض متأخرى المتأخرين بتوهم حمل المطلق على المقيّد من أنّه فرع المكافأة مع أنّه غير تمام في خبر حسين بن علوان، وذلك لعدم الاشكال في المكافأة حيث إنّ المرسلة كالمسندة وقد صرّح(قدس سره) قبيل ذلك بأسطر بقوله «لكن في مرسل ابن أبي عمير الذي هو بحكم الصحيح عند الأصحاب». وإن كان المراد منه ما ذكره من القوّة فقد عرفت فيه، بل لقائل أن يقول: إنّ الترجيح للمرسلة وذلك لعمل الشيخ وجماعة من القدماء بها بل في مرآة العقول أنّه قد عمل بها الشيخان وجماعة من القدماء. وقد ظهر ممّا ذكرنا كلّه أنّ الأولى بل المتعيّن لمثل صاحب الجواهر الفقيه الماهر المتتبع، القول بأنّ الأول أقوى وأنّ الترجيح سنداً كالدلالة، للمرسلة.
فالحق ما ذهب إليه القدماء من الأصحاب من نفوذ طلاق الصبي إذا كان مميزاً بالغاً عشر سنين.
ثمّ أنّه قد ظهر ممّا ذكرنا وجه المحكي عن ابن الجنيد وغيره من صحة طلاق المميز مطلقاً وهو الأخذ بإطلاق الموثقات الثلاث، كما أنّه قد ظهر ما فيه من كونها مقيّدة


(24)
بالمرسلة، ولا يخفى عليك أنّ صحة طلاق المميز البالغ عشراً الذي هو الأقوى يكون مشروطاً بالرشد في الطلاق كما هو المطابق للقواعد وعليه النصوص كما عرفت.

) ولإطلاق المجنون مطبقاً أو أدواراً حال جنونه، ويلحق به السكران ونحوه ممّن زال عقله(.

ومن شرائط صحة الطلاق وهو الثاني من الشروط الأربعة،العقل إجماعاً، فلا يصح طلاق المجنون مطلقاً كما في المتن وذلك لعدم القصد الموجب لصدق العناوين المترتبة عليها الآثار والاحكام، ولموثقة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره»(1). ولفحوى الاخبار المستفيضة في المعتوه والموله(2)، ولحديث رفع القلم في ما كان الطلاق ثقلا عليه فتأمّل. والعمدة من هذه الوجوه الأربعة هو الأول وإلاّ فالحكم بعدم الصحة في الثاني والثالث ليس من باب التعبّد بل هو من جهة عدم تحقق العنوان، ولعلّ عدم ورود النص في المسألة هو لوضوح الحكم عند العقلاء وعدم احتمال صحة طلاق المجنون من أحد، نعم عن بعض العامّة الحكم بصحة طلاقه إذا كان متذكراً بعده، لكنه مع قطع النظر من حصول الاطمئنان بذلك فإنّه مشكل بل ممنوع عادة بل هو ممّا لا يعتني به عند العقلاء على فرض حصوله، فهو راجع إلى حصول القصد منه كما هو واضح.
) مسألة 2 ـ لا يصح طلاق وليّ الصبيّ عنه كأبيه وجدّه فضلا عن الوصيّ والحاكم(.
إجماعاً ويدل عليه روايات:
-------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 81، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب34، الحديث3.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 81، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب34 و35.

(25)
منها: ما عن الفضل بن عبد الملك، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزوّج أبنه وهو صغير، قال: لا بأس. قلت: يجوز طلاق الأب ؟ قال: لا». الحديث(1).
ومنها: ما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصبيّ يتزوّج الصبيّة يتوارثان ؟ فقال: «إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم. قلت: فهل يجوز طلاق الأب ؟ قال: لا»(2).
ونحوهما: ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3).
واستدل له أيضاً بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) «الطلاق لمن أخذ بالساق»(4). وكذا بأنّ الأب لا يلتذ من طلاق الولد والصباوة تنتهي.
ولا يخفى ما في الثاني بل الأول لأنّ عموم ولايته لا يرفع بالاعتبار المذكور، مضافاً إلى ضعف السند في النبوي حتى عند ناقليها من العامة. وعمدة الاشكال في النبوي، احتوائها على المخالف للمذهب وهو جواز طلاق المولى، مع أنّ الاخبار دالة على عكسه وأنّ للمولى اختيار طلاق العبد والأمة المملوكين له دون غيره فالمورد المذكور خلاف مذهبنا وذكر خصوص القاعدة العامة في رواية أُخرى(5) لا يجدي لأنّ الظاهر أنّ كليهما رواية واحدة فإنّ الراوي في كليهما هو ابن عباس فيحتمل التقطيع من جانبه.
هذا كله مضافاً إلى أنّ الحصر في الرواية ليس مطلقاً حتى يدل على عدم صحة
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 80، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب33، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 20: 292، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الباب12، الحديث1.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 80، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب33، الحديث2.
4 ـ سنن ابن ماجة 1: 672 / 2081.
5 ـ كنز العمّال 9: 640 / 27770.

(26)
طلاق الولي بل الحصر بالنسبة إلى الزوجة وأن ليس بيدها الطلاق كما يظهر من الاخبار الواردة من طرقنا فيه ففي مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة وشرطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، فقال: خالف السنّة وولّي الحق من ليس أهله، وقضى أنّ على الرجل الصداق، وأنّ بيده الجماع والطلاق وتلك السنّة»(1). ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر حيث قال في مقام الاستدلال بالنبوي بعد نقله: «الدالّ بمقتضى الحصر على اختصاص الطلاق بمالك البضع على وجه ينافي الطلاق بالولاية دون الوكالة التي هي في الحقيقة طلاق من المالك عرفاً، بل لو سلّم تناوله لمنع الوكالة أيضاً كفى في خروجها عن ذلك النص والإجماع فيبقى الطلاق بالولاية على المنع الّذي لا ينافيه عموماتها»(2) فما ذكره مبني على الحصر المطلق دون النسبي الظاهر من النبوي كما بيّناه، والأمر سهل بعد وجود الروايات الخاصة، والعجب من مثل صاحب الجواهر(قدس سره) كيف لم يستشهد بهذه الاخبار.

) نعم لو بلغ فاسد العقل أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ طلّق عنه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح، فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم، وان كان أحدهما معه فالاحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم وان كان الأقوى نفوذ طلاقه بلاضم الحاكم إليه(.

وفي المسألة ثلاثة أُمور ;
احدها: طلاق الوليّ عن البالغ الفاسد العقل.
ثانيها: طلاقه عمن طرأه الجنون بعد البلوغ.
ثالثها: رجوعه إلى الأب والجدّ
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 98، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب42، الحديث1.
2 ـ جواهر الكلام 32: 5.

(27)
ولايةً ومع فقدهما فهو إلى الحاكم.
ثمّ إنّ المراد من بلوغ فاسد العقل هو استمرار الجنون أو استمرار السفاهة ؟ فعلى الأول يكون الثاني مسكوتاً عنه، وعلى الثاني فالعكس، فإنّ الصور ثلاثة ; استمرار الجنون وطروّه واستمرار السفاهة، والظاهر من مثل المتن والشرايع هو الثالث وإلاّ كان الأنسب في التعبير المقابلة بين الجنون المستمر والطارئ، وكان هو أجود، فعليه حكم الجنون المستمرّ محتاج إلى البيان والتعرّض، وعليه فالظاهر منهما ولاية الأب والجدّ لمن كانت سفاهته، أي عدم عرفانه حدود الطلاق، مستمّرة إلى البلوغ، والأخبار دالّة عليه وهي الحجة ;
منها: صحيحة أبي خالد القمّاط المنقولة عنه بأسانيدها المتعدّدة، الصحيحة والموثقة، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «رجل يعرف رأيه مرّة وينكره أُخرى، يجوز طلاق وليّه عليه ؟ قال: ما له هو لا يطلّق ؟ قلت: لا يعرف حدّ الطلاق ولا يؤمن عليه إن طلّق اليوم أن يقول غداً: لم أطلّق. قال: ما أراه إلاّ بمنزلة الإمام ; يعنى الولي»(1).
ومثلها صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل الأحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه ؟ قال: ولم لا يطلّق هو ؟ قلت: لا يؤمن إن طلّق هو أن يقول غداً: لم أطلّق، أو لا يحسن أن يطلّق. قال: ما أرى وليّه إلاّ بمنزلة السلطان»(2).
ومنها: خبر شهاب بن عبد ربّه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلق، يطلّق عنه وليه على السنّة. قلت: فطلّقها ثلاثاً في مقعد. قال: تردّ إلى
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 81، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب34، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث1.

(28)
السنّة، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة»(1).
ومنها: رواية أبي خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في طلاق المعتوه. قال: يطلّق عنه وليّه فإنّي أراه بمنزلة الإمام عليه»(2).
ولا يخفى: أنّ اتحاد روايات أبي خالد وكونها رواية واحدة لا يخلو عن وجه بل قوّة وذلك لوحدة المروىّ عنه وقرب المضامين بل المثلية إن لم تكن عينية، ومن المستبعد سؤاله عن مسألة واحدة ثلاث مرات، والاختلاف في المتن قلة وكثرة فلعلّه من التقطيع، فروايات الباب وإن كانت اثنتان إلاّ أنّ النقل من أبي خالد مستفيض ورواه المشايخ الثلاثة عنه في الكتب الأربعة وهما يجعلانه في القوّة كالمستفيضة المشهورة.
ثمّ إنّ ظهور هذه الاخبار بل نصوصيتها في السفيه والمعتوه دون المجنون غير قابل للإنكار، كيف وإلاّ لم يكن لسؤال الإمام (عليه السلام) وجه، ضرورة أنّ المجنون ليس له الطلاق بالإجماع بل هو من بديهيات الإسلام والعقل، وذلك بخلاف السفيه وناقص العقل كما لا يخفى. هذا مع أنّه الظاهر من مقابلة المعتوه والمجنون في بعض الاخبار، ففي موثقة السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره»(3).
هذا مع تفسير المعتوه في صحيحة الحلبي وخبر أبي بصير بالأحمق الذاهب العقل وهو غير الجنون ; ففيها بعد سؤال الإمام (عليه السلام) عن المراد من المعتوه قال الراوي: الأحمق الذاهب العقل، بل هو كذلك لغة، ففي الجواهر «قلت: قد يقال: إنّ المراد بالمعتوه ناقص العقل من دون جنون، قال في محكي المصباح المنير: «عته عتهاً من
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث2.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث3.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 81، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب34، الحديث3.

(29)
باب تعب وعتاهاً بالفتح: نقص عقله من غير جنون أو دهش» وعن التهذيب «المعتوه المدهوش من غير مس أو جنون» وعن القاموس «عته فهو معتوه: نقص عقله أو فقد أو دهش» إلى غير ذلك من كلماتهم التي تقضي بالفرق بين العته والجنون»(1).
هذا وفي الجواهر بعد نفي البعد عن كون المراد منه من لا عقل كامل له ومثله يصح مباشرته للطلاق لكن باذن الوليّ لأنّه من السفيه فيه كالسفيه في المال قال: «وعلى هذا لا يكون اشكال في النصوص المزبورة، بل ربما يكون ذلك جمعاً بين ما دل على أنّه «لا طلاق له» كما في جملة من النصوص وبين ما دل على جواز طلاقه من النصوص السابقة وغيرها كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل «عن المعتوه أيجوز طلاقه ؟ فقال: ما هو ؟ فقلت: الأحمق الذاهب العقل، فقال: نعم»(2) بإرادة الصحة من ذلك مع الاذن من الوليّ، لعدم سلب عباراته باعتبار عدم جنونه، وإنّما أقصاه النقص الموجب للسفه في ذلك، وعدمها من تلك النصوص مع عدم الاذن، فيثبت حينئذ سفه في الطلاق، ولا عيب في ذلك، غير أنّي لم أجده مصرّحاً به في كلام الأصحاب. نعم ربما كان ظاهر بعض متأخرى المتأخرين بل قد يقال: بإرادته من مثل المتن، للتعبير عنه بفاسد العقل، وهو غير الجنون الذي ذكره بعد ذلك في الشرط الثاني، واحتمال أنّه ذكره هنا باعتبار اتصال فساد عقله بحال الصبا يدفعه أن البحث حينئذ من هذه الجهة في كون الولاية حينئذ للأب والجدّ مثلا أو للحاكم لا في طلاق الوليّ عنه وعدمه الذي ذكره المصنف، وعلى كل حال لا اشكال في دلالة النصوص
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 7.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 83، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب34، الحديث8.

(30)
المزبورة على صحة طلاق الولي عنه»(1).
ولقد أجاد فيما أفاد من صحة طلاق السفيه بإذن الوليّ لعدم كونه مسلوب العبارة مستنداً إلى الجمع، وسؤال الإمام (عليه السلام) في صحيحة أبي خالد بقوله (عليه السلام) «ولم لا يطلق هو»(2) مع ما فيها من الدلالة على الصحة، فيه شهادة على اختصاص الصحة بالاذن، ضرورة أنّ مورد السؤال هو طلاق الوليّ عنه فطلاقه على فرض وقوعه يكون باذنه.
ثمّ إنّ ما استشكله المسالك في الاستدلال بهذه الاخبار للجنون المستمر إلى البلوغ وإن كان بعضها مختصّاً به إلاّ أنّ غير واحد منها يعمّ ما قصدناه وبيّناه، لكن الذي يسهّل الأمر ما سيأتي في محلّه من الجواب عنها وعدم التمامية فانتظر.
هذا هو الأمر الأول في المسألة.
وأمّا الثاني وهو من طرأ عليه الجنون بعد البلوغ، فالمشهور بين الأصحاب بل عن الفخر الإجماع عليه(3)، هو صحة طلاق الوليّ عنه، والبطلان هو المحكي عن ابن إدريس(4) وقبله الشيخ في خلع الخلاف محتجّاً بإجماع الفرقة وغيره(5) والشهيد
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 7 ـ 8.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث1.
3 ـ إيضاح الفوائد 3: 292.
4 ـ السرائر 2: 673.
5 ـ «مسألة 29: ليس للولي أن يطلّق عمّن له عليه ولاية، لا بعوض ولا بغير عوض. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة واكسر الفقهاء، وقال الحسن البصري وعطاء: يصحّ بعوض وغير عوض، وقال الزهري ومالك: يصحّ بعوض ولا يصح بغير عوض، لأنّ الخلع كالهبة، والطلاق كالهبة، والبيع يصحّ منه دون الهبة. دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً الأصل بقاء العقد وصحتـه وثبوت الطلاق للولي يحتاج إلى دليل، وليس عليه دليل. وأيضاً قوله صلّى الله عليه وآله: «الطلاق لمـن أخذ بالساق» والزوج هـو الذي لـه ذلك دون غيره». الخلاف 4: 442

(31)
قد استشكل أوّلا على قول المشهور لكن اختاره بعد ذلك(1) والعلاّمة قد أجاب عن ابن إدريس وشدّ عليه(2).
هذا ويستدلّ للمشهور بأمور:
احدها: قاعدة نفي الضرر ; فإنّ مع عدم نفوذ طلاق الوليّ يلزم الضرر على تقدير استغنائه عن الزوجة وكون مصلحته في مفارقتها، مع أنّ العذر غير متوقع الزوال، وهو بخلاف الصبي لأنّ نكاحه منوط بالمصلحة وعذره متوقع الزوال.
ثانيها: إطلاق أدلة الولاية على المجنون أو عمومها.
ثالثها: الإجماع المنقول عن الفخر(قدس سره) المعتضد بالشهرة المحققة.
رابعها: ـ وهو العمدة ـ فحوى الروايات السابقة في المعتوه وفحواها على المختار فيها وإلاّ ففي غيره ما لا يخفى.
وأمّا القاعدة فهي اخص من المدّعى لأنّها تدور مدار الضرر لا المصلحة، وعموم الأدلة وإطلاقها غير قابل للمعارضة مع أدلة المانعين الأخص منها، والإجماع مع أنّه معارض بإجماع الشيخ في الخلاف ; فهو في مسألة اجتهادية. فالعمدة في المسألة هي الروايات وفي المسالك المناقشة فيها بأنّ تنزيل الولي منزلة الإمام أو السلطان لا يدلّ على جواز طلاقه، ولعلّ نظره الشريف إلى عدم ثبوت عموم الولاية للمنزّل عليه وهو الإمام والسلطان حيث إنّ ولايتهما بعد ولاية الأب والجدّ لا في عرضهما بأن يكون للإمام الولاية مع وجودهما فإنّه ولىّ من لا ولىّ له، ويحتمل أن يكون نظره إلى إجمال التنزيل وبأنّ متن الحديثين لا يخلو من قصور لأنّ السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل، ثمّ يقول له الإمام: ما له لا يطلّق ؟ مع الإجماع على أنّ المجنون ليس له
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الإفهام 9: 13 ـ 15.
2 ـ مختلف الشيعة 7: 331 ـ 332.

(32)
مباشرة الطلاق ولا أهلية التّصرف، ثمّ يعلّل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثمّ يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان وبأنّ هذه الأخبار ليس فيها تقييد باشتراط طلاقه بالمصلحة والغبطة للمجنون(1).
وفي الحدائق بعد نقله مناقشات المسالك وما احتجّ به الشيخ في الخلاف، ذكر ما هذا لفظه: «أقول: أمّا ما طعن به من عدم دلالة جعل الولي بمنزلة السلطان على جواز طلاقه عنه فقد عرفت إفصاح الرواية الثالثة(2) به وبها كشف نقاب الإبهام عن الروايتين المذكورتين كما أشرنا إليه آنفاً وأكد من ذلك الرواية الرابعة(3) ولكنّ العذر له واضح حيث لم يطلع عليهما وإلاّ لأوردهما وأمّا الطعن في المتن بما ذكره فقد تقدّم الجواب عنه».
ثمّ أنّه بعد ما بيّن قوّة قول المشهور وقصور القول الآخر وأنّ شيخنا المذكور قد رجع في آخر كلامه إلى القول المشهور وإنّما كلامه هنا نوع مناقشة أوردها في البين مع انّك قد عرفت أنّه لا أثر لها ولا عين، قال: «نعم ما ذكره من أنّه ليس في هذه الأخبار تقييد باشتراط الطلاق بالمصلحة متجه إلاّ أنّه يمكن الرجوع في ذلك إلى الأدلّة العامّة الدالّة على أنّ تصرّف الوليّ منوط بالمصلحة إن ثبت ذلك»(4).
وإنّما نقلنا كلامه بتمامه لما فيه من الجواب عن جميع المناقشات الثلاث للمسالك ولكن جوابه عن الطعن في المتن غير تمام لما مرّ من ظهور الاخبار في السفيه ومعه يكون السؤال والجواب تماماً، فإنّ السفيه لمّا لا يكون مسلوب العبارة فهو (عليه السلام) سأل
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الافهام 9: 13.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث3.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 84، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب35، الحديث2.
4 ـ الحدائق الناضرة 25: 155 ـ 156.

(33)
منه لم لا يطّلق باذنه فأجاب بالمحاذير المذكورة إلاّ أنّه حمل المعتوه فيما فيه السؤال والجواب على المجنون الادواري فالإمام (عليه السلام) سأله لم لا يطّلق في وقت افاقته ؟ فأجاب السائل بأنّه حال الإفاقة ليس كامل العقل على نحو ما ذكره في الخبرين، وقد عرفت ظهورهما كغيرهما في السفيه مع ما في جواب السائل على ما ذكره ما لا يخفى، نعم ما ذكرناه أيضاً هو دفع للإشكال لا رفعه.
واستدل الشيخ في خلع الخلاف لعدم الصحة بالإجماع، وبأصالة بقاء العقد وصحته واستصحاب الزوجية، وبالنبوي السابق بأنّ الطلاق لمن اخذ بالساق وهو مالك البضع(1). وزاد ابن إدريس الاحتجاج بقوله تعالى: (فَإن طَلَّقها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعدُ حتّى تَنكِحَ زَوجاً غَيرَهُ)(2) بأنّ الطلاق قد أضيف إلى الزوج فمن جعله لغيره فيحتاج إلى دليل. وبأنّ من شرط الطلاق مقارنة نية المطلّق الذي هو الزوج له وهذا غير موجود في غيره(3).
هذا وفي الكل ما ترى، أمّا الإجماع فيعارضه الإجماع عن الفخر(قدس سره)، مضافاً إلى أنّه مخالف للشهرة وقد ذهب الشيخ نفسه في النهاية إلى خلافه وأفتى بصحته، ولا محلّ للاستصحاب مع وجود الاخبار، وأمّا النبويّ فقد مرّ ما فيه، وأمّا ما في الكتاب من إضافة الطلاق إلى الزوج، فإنّه في مقام جعل الحكم على الموضوع والجعل كذلك لا مفهوم له قطعاً فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه وإلاّ لكان مفاد قوله «صلاة المغرب واجبة» مثلا أنّ صلاة الصبح غير واجبة، وإنّما المفهوم على تقدير الثبوت للقيود والعجب من ابن إدريس كيف استدلّ كذلك مع ضعفه، واضعف من ذلك استدلاله
--------------------------------------------------------
1 ـ الخلاف 4: 442.
2 ـ البقرة (2): 230.
3 ـ السرائر 2: 673.

(34)
باشتراط النية وذلك لعدم الدليل عليه أصلا، كيف وإلاّ لم يصحّ طلاق الوكيل وإنّما المعتبر رضا الزوج أو وصيّه فقط وهو حاصل على الفرض. فالحق هو ما ذهب إليه المشهور من صحة طلاق وليّ المجنون عنه.

فروع

منها: لا فرق في الجنون بين أن يكون متصدراً بالصغر أو عرض بعد البلوغ، قضاءاً للإطلاق وترك الاستفصال وإطلاق الفتاوى. وتوهم أنّ مقتضى التنزيل صحة الطلاق بعد البلوغ فقط لا قبله لأنّ السلطنة قبله إنّما هي للأب والجد لا للحاكم، مدفوع بأنّ الروايات في مقام بيان أصل التنزيل لا مورد السلطنة.
منها: إن لم يكن في طلاق المجنون مصلحة له لكن في عدمه عسر وحرج على الزوجة بحيث لا تقدر أن تعيش معه، يجوز أن تطلّق نفسها، وذلك لأنّ الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، والنبوي قد مرّ ما فيه سنداً ودلالةً ولو سلّم فقاعدة اليسر تخصصه ; ولا يخفى أنّ اللازم من هذا القول هو أنّ القاعدة ليست منحصرة في تخصيص العام أو التقييد بل تعم مجرى الاستصحاب والأصل، فإنّ القاعدة نافية لحكم حرجي ولو كان مورداً للاستصحاب بل في الحقيقة مقدمة عليه تقدم الامارة على الأصل بل واحتماله مساوق لعدمه لأنّه لو كان فلابدّ من الوصول إلينا لأنّ المفروض أنّ الحكم المحتمل المذكور مخالف لقاعدة اليسر ونفى الحرج ; وعلى كل حال فإن أخذنا بالنبويّ كما ادّعى في الرياض باستفاضة الاخبار عليه، لكن اطلاقه مقيّد بنفي الحرج وقاعدة اليسر ; وهكذا القول في روايات أُخرى توافق النبوي، منها: مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة وشرطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، فقال: خالف السنّة وولّى الحق من ليس أهله، وقضى


(35)
أنّ على الرجل الصداق، وأنّ بيده الجماع والطلاق وتلك السنة»(1).
ومنها: ما عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت السنّة، ووليت حقاً ليست بأهله، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنّة»(2).
إلى غيرهما من الروايات. ولزوم رجوعها إلى الحاكم في مفروض المسألة الذي لا يرى الوليّ المصلحة في الطلاق، لا وجه له، فإنّه كأخبار الأجنبي بذلك لعدم الولاية على الزوجة التي لها الطلاق بحكم الحرج كما لا يخفى.
منها: إن كان الزوج سفيها وليس له رشد وليس في طلاقه مصلحة له ولا يرى الولي أنّ المصلحة في الطلاق، ولكن في دوام النكاح حرج على الزوجة فالكلام الكلام. ولا فرق بين كون الحرج مادّياً أو روحيّاً ودينيّاً كالاعتياد بالمواد الافيونية والمخدّرة في الزوج أو سوء العمل فيه على حد يوجب الحرج عليها ; نعم يقع الكلام في أنّ الطلاق بيد مـن ؟
والحقّ هو جوازه من جانبها كما مرّ ولأوجه للقول بلزوم طلاق الإمام، لأنّ الحاكم له الولاية على الغائب والممتنع، والزوج هنا ليس له الطلاق فلأوجه لكونه للإمام، نعم الرجوع إليه يفيد في اثبات الحرج.
ثمّ إن كان المجنون ادوارياً ويمتنع عن الطلاق في زمان عقله، فهل يجوز لوليه الطلاق في جنونه إذا رأى فيه المصلحة ؟ الجواز ليس ببعيد لأنّه مع وجود المصلحة فيه وامتناعه عنه في زمان عقله ووجود المصلحة فيه في نظر الوليّ، يشمله إطلاق الاخبار ولأوجه للمنع. هذا مضافاً إلى احتمال ظهور رواية أبي خالد القمّاط فيه، بناءاً
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 98، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب42، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 21: 289، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب29، الحديث1.


(36)
على حملها على المجنون الادواري كما مرّ احتماله.

) مسألة 3 ـ يشترط في الزوج المطلّق القصد والاختيار بمعنى عدم الإكراه والإجبار فلا يصح طلاق غير القاصد كالنائم والساهي والغالط والهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جداً، بل يتكلم بلفظه هزلا، وكذا لا يصح طلاق المكره الذي قد ألزم على إيقاعه مع التوعيد والتهديد على تركه(.

أمّا القصد فواضح، فمع عدمه يقع باطلا اجماعاً وبلا شبهة، وأمّا شرطية الاختيار فيقع الكلام فيها في مقامين: احدهما: حكم الإكراه وثانيهما: موضوعه.
أمّا الأول فالإكراه رافع لأثر كل التصرفات قولا أو فعلا، اعتقاداً أو تكليفاً، إيقاعاً أو عقداً، إقراراً أو إنشاء بالإجماع من الإمامية وأكثر العامة، نعم ذهب الحنفية إلى نفوذه في بعض الموارد كالطلاق والعفو وتقليل الدية والظهار والايلاء. ويدلّ على ما قلناه الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعد اِيمانِهِ إلاّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئنٌ بِالإيمانِ)(1) بضميمة صحيحة عمرو بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمّتي أربع خصال خطؤها ونسيانها وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجلّ: (رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إن نَسِينا أو أَخطأنا رَبَّنا وَلا تَحمِل عَلَينا إصراً كَما حَمَلتَهُ عَلَى الذينَ مِن قَبلِنا رَبَّنا ولا تُحمِّلنا ما لاَ طاقَةَ لنَا به) وقوله: (إلاّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌ بِالايمانِ)(2).
--------------------------------------------------------
1 ـ النحل (16): 106.
2 ـ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث2.

(37)
أمّا الروايات فهي على قسمين ; عامة وخاصّة. أمّا العامة فمنها حديث الرفع المتفق عليه بين العامّة والخاصة في خصوص الإكراه والنسيان والوسوسة والتفكر في الخلق، ففي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا عليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق «الخلوة خ ل» مالم ينطقوا بشفة»(1). وظاهرها عموم الآثار.
ومنها: صحيحة صفوان واحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً عن أبي الحسن (عليه السلام) «في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك ؟ فقال: لا، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): وضع عن أمّتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطأوا»(2). وفيها شهادة على العموم في حديث الرفع أيضاً كما استظهره الشيخ الأنصاري(قدس سره) وقال: «يظهر من بعض الاخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الأُمّة بخصوص المؤاخذة». ثم ذكر الصحيحة، ثم أضاف: «فإنّ الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة وإن كان باطلا عندنا مع الاختيار أيضاً إلاّ أنّ استشهاد الإمام (عليه السلام) على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الوضع شاهد على عدم اختصاصه بوضع خصوص المؤاخذة. لكن النبويّ المحكي في كلام الإمام (عليه السلام) مختصّ بثلاثة من التسعة فلعلّ نفي جميع الآثار مختص بها، فتأمّل»(3).
ومنها: صحيحة عمرو بن مروان كما مرّت آنفاً، ومنها: مرفوعة أحمد بن محمّد النهدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): وضع عن أمّتي تسع
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 23: 226، كتاب الأيمان، الباب12، الحديث12.
3 ـ فرائد الأُصول 1: 321.

(38)
خصال: الخطاء، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلوة، والحسد مالم يظهر بلسان أو يد»(1).
أمّا الخاصّة الواردة في خصوص الطلاق والعتق:
فمنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن طلاق المكره وعتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق ولأعتقه بعتق، فقلت: إني رجل تاجر أمرّ بالعشار ومعي مال، فقال: غيّبه ما استطعت وضعه مواضعه، فقلت: فإن حلّفني بالطلاق والعتاق، فقال: احلف له. ثم أخذ تمرة فحفر بها من زبد كان قدّامه فقال: ما أبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو آكلها»(2).
ومنها: ما عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لا يجوز طلاق في استكراه ولا تجوز يمين في قطيعة رحم «إلى أن قال»: وإنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار». الحديث(3).
ومنها: خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لو أنّ رجلا مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل لم يكن عليه شيء»(4).
ومثل هذه الخاصّة ما هو وارد في خصوص العتق، وبإلغاء الخصوصية منه يدلّ على عدم صحة الطلاق مع الإكراه أيضاً، بل به يستدلّ على عدم الصحة في مطلق
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 15: 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث3.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث1.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 87، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث4.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث2.

(39)
العقود والإيقاعات. ثم إنّ الرفع يشمل الأثر الوضعي والتكليفى معاً لكن استثني من عموم القاعدة الشاملة للتكليف والوضع موردان:
احدهما: الراجع إلى التكليف بل الوضع وهو القتل، لما صحّ عن الصادقين(عليهم السلام) من أنّه «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية»(1).
والثاني: أكراه الكافر والمرتد حيث إنّهما يجبران على قبول الإسلام وهو أكراه عن حق كما بيّن في محله ولعل وجهه أنّه لمّا ألزما من قبل الله تعالى فيجوز أكراهما عليه. أضف إلى ذلك ما أشار إليه الفاضل الهندي والشهيد في المسالك من أنّ دخول الكافر في المسلمين وإسلامه يوجب عظمة المسلمين وشوكتهم وينجرّ إلى ايمانه تدريجاً. وكذا أكراه الحاكمِ المحتكرَ على البيع، أو المنفق على نفقة المنفق عليه، أو المديون على أداء الدين وغيرها من الموارد والجامع بين الكلّ هو الإكراه عن حقّ، ولعلّ الوجه في عدم رافعية ذلك الإكراه هو أنّ هذا الإكراه من الشارع لأنّ الإكراه الجايز وما يكون عن حقّ هو منحصر فيما هو واجب على المكرَه ـ بالفتح ـ فكأنّ الله تعالى اكرهه، والحاكم أو غيره يقصّ ذلك الإكراه، فتأمل.
ومنه يظهر أنّ ولاية الحاكم على الإكراه محدودة بالواجبات، نعم يجوز له الإجبار على المباح إذا كانت فيه مصلحة ملزمة. أضف إليهما مورداً آخر لم يأت في عبارات القوم وإنّما تعرّض له سيّدنا الإمام(قدس سره) وهو الإكراه إذا انجرّ إلى هدم الإسلام وعظمته وعظمة المسلمين فإنّ الإكراه هنا لا يرفع الحكم والتكليف. قال(قدس سره) عند الكلام حول موارد استثنيت من أدلة التقية:
«منها بعض المحرمات والواجبات التي في نظر الشارع والمتشرعة في غاية الأهمية
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعـة 16: 234، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب31، الحديث1 و2.

(40)
مثل هدم الكعبة والمشاهد المشرفة بنحو يمحو الأثر ولا يرجى عوده، ومثل الرد على الإسلام والقرآن والتفسير بما يفسد المذهب ويطابق الإلحاد وغيرها من عظائم المحرمات، فإنّ القول بحكومة نفي الحرج أو الضرر وغيرهما على أدلّتها بمجرد تحقق عنوان الحرج والاضطرار والإكراه والضرر والتقية بعيد عن مذاق الشرع غايته، فهل ترى من نفسك إن عرض على مسلم تخريب بيت الله الحرام وقبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أو الحبس شهراً أو شهرين أو أخذ مأة أو مأتين منه يجوز له ذلك تمسكاً بدليل الحرج والضرر، والظاهر هو الرجوع في أمثال تلك العظائم إلى تزاحم المقتضيات من غير توجه إلى حكومة تلك الأدلة على أدلّتها. ويشهد له مضافاً إلى وضوحه، موثقة مسعدة بن صدقه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1).
هذا مع أنّ في دليل الضرر كلاماً تعرّضنا له في رسالة لا ضرر وذكرنا أنّه أجنبيّ عن الحكومة على أدلة الاحكام ـ إلى أن قال: ـ وأولى من ذلك كلّه في عدم جواز التقية فيه ما لو كان أصل من أصول الإسلام أو المذهب أو ضروري من ضروريات الدين في معرض الزوال والهدم والتغيير كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير احكام الإرث والطلاق والصلاة والحج وغيرها من أصول الاحكام فضلاً عن أصول الدين أو المذهب فإنّ التّقية في مثلها غير جائزة، ضرورة أنّ تشريعها لبقاء المذهب وحفظ الأُصول وجمع شتات المسلمين لإقامة الدين وأصوله فإذا بلغ الأمر إلى هدمها فلا تجوز التقية وهو مع وضوحه يظهر من الموثقة المتقدّمة»(2).
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 16: 216، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب25، الحديث6.
2 ـ الرسائل العشرة، الإمام الخميني: 12 ـ 14.

(41)
كما أنّه «قدس سره» قال ما هو قريب منه في المكاسب المحرّمة عند ذكر مستثنيات التقية:
«منها بعض المحرمات التي في ارتكاز المتشرعة من العظائم والمهمات جداً، كمحو كتاب الله الكريم والعياذ بالله بجميع نسخه وتأويله بما يخالف الدين أو المذهب بحيث يوجب ضلالة الناس والرد على الدين أو المذهب بنحو يوجب الإضلال وهدم الكعبة المعظمة ومحو آثارها، وكذا قبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة «عليهم السلام» كذلك إلى غير ذلك. فإنّ الظاهر أنّ الأدلة منصرفة عن أمثال ذلك سيّما بعضها، وإنّما شرعت التقية لبقاء المذهب الحق ولولاها لصارت تلك الأقلية المحقّة في معرض الزوال والاضمحلال والهضم في الأكثرية الباطلة وتجويزها لمحو المذهب والدين خلاف غرض الشارع الأقدس، بل لعلّ بعض حقوق الناس كالاعراض الكثيرة المهمة في ارتكاز المتشرّعة كذلك. ففي تلك المقامات لابدّ من ملاحظة أقوى المقتضيين واهمّ المناطين» ثم استشهد بالموثقة، ثم أضاف: «بل يشكل تحكيم الأدلة فيما إذا كان المكره بالفتح من الشخصيات البارزة الدينية في نظر الخلق بحيث يكون ارتكابه لبعض القبايح موجباً لهتك حرمة المذهب ووهن عقايد أهله»(1).
ثم أنّه لا يفيد في صحة طلاق المكره تعقبه بالرضا وذلك لأنّ الفضولي في الطلاق غير جائز إجماعاً وبطلانه ليس إلاّ لعدم مقارنته بالرضا أو سبقه على الطلاق وإلاّ فليس فيه أمر آخر مانع عن صحته، فمنه يعلم اشتراط المقارنة أو السبق واللحوق غير مفيد وهذا المناط موجود في المكره أيضاً والبابان كأنّهما باب واحد. هذا مضافاً إلى جريان أصالة الفساد.
وقد تعرّض الفقهاء هنا لتعريف الإكراه ولعلّ السر فيه أنّه أوّل كتاب من الكتب
--------------------------------------------------------
1 ـ المكاسب المحرمة، الإمام الخميني 2: 221.

(42)
الثلاثة أي الطلاق والعتق واليمين، ورد في أخباره حكم الإكراه وكيف كان لا يخفى وضوحه عند العرف، وما جاء في تعاريفهم أيضاً ناظر إلى ما عند العرف، فلنا في الطرد والنقض، الرجوع إلى العرف وعند الشك في صدق مورد فالأصل هو الفساد وذلك وإن كان مقتضى الكتاب الصحة إلاّ أنّ التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ممنوع كما حقق في محله. ومن المعلوم عدم الفرق في كون الشك هو للجهل بالمفهوم العرفي للإكراه أو لجهلهم به، ويكفيك الشاهد على ذلك، الماء ; فإنّ صدقه على بعض المصاديق المشتبهة بالمضاف مشكوك ومجهول عندهم مع أنّه من أوضح المفاهيم وليس ذلك إلاّ لما أشرنا إليه.
لا يقال: العرف كيف يكون جاهلا بعمومه العرفي وهل هو إلاّ نسبة تردد الحاكم في حكمه ؟
لأنّا نقول: ما هو المعلوم عندهم المفهوم على سبيل الاجمال وهو غير كاف، للعلم بانطباقه على جميع المصاديق وأمّا العلم التفصيلي به الموجب للعلم بحدوده وثغوره بحيث لا يشذ انطباقه على شيء من مصاديقه فلهم في جلّ المفاهيم غير حاصل إن لم نقل كلّها. ولا يخفى أنّ محل الكلام في باب العقود والإيقاعات هو مورد يجتمع فيه جميع الشرائط إلا الاختيار وإلاّ فالبطلان راجع إلى فقدان غيره من الشروط، ولذلك ترى أنّهم «قدس سرهم» قد ذكروا اشتراط الاختيار مع سائر الشروط وفي عرضها، ومنه يظهر ما في عبائر الأصحاب من الاستدلال على بطلان عقد المكره بعدم القصد أو عدم الرضا أو عدم قصد الإنشاء فإنّه ليس في محلّه ويكون الاستدلال بأمر أجنبي عن مسألة الإكراه وحيثيته. ولا يخفى عليك أنّه لا فرق بين المكره والمضطر في وجود الرضا وعدم طيب النفس. توضيح ذلك: أنّ ما يحتاج إليه في العقود والإيقاعات هو الرضا بالعقد والإيقاع لا طيب النفس وهذا بخلاف الإباحة التي هي



(43)
محتاجة إلى طيب النفس فالتجارة عن تراض كافية لكن لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ بطيبة نفس منه ولك أن تقول: إنّ في المكره والمضطر يوجد الرضا بالتصرف بالعقد أو الإيقاع لكن ليست مباديه مستندة إلى نفسه وباختياره وطيب نفسه بل تكون مستندة إلى الغير فكأنّه لم يكن الرضا موجوداً أوّلا وقد وُجد ثانياً.

) مسألة 4 ـ الإكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضرّ بحاله عليه أو على من يجري مجرى نفسه كأبيه وولده نفساً أو عرضاً أو مالا بشرط ان يكون الحامل قادراً على إيقاع ما توعد به مع العلم أو الظن بإيقاعه على تقدير عدم امتثاله، بل أو الخوف به وان لم يكن مظنوناً، ويلحق به موضوعاً أو حكماً ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه مع خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وان لم يقع منه توعيد وتهديد، ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل مخافة اضرار الغير عليه بتركه من دون إلزام منه عليه، فلو تزوج بامرأة ثم رأى انه لو بقيت على حباله لوقعت عليه وقعة من بعض متعلقيها كأبيها وأخيها مثلا فالتجأ إلى طلاقها فطلقها يصح طلاقها(.

وهذا التعريف عدا ما ذكره في كفاية الخوف هو القدر المتيقن في كلمات الأصحاب، لكن فيه جهات من البحث:
الأولى: أنّه لا يختص بالتوعّد بل يشمل الفعل أيضاً عرفاً بل هو أولى بالصدق من التوعّد كما لا يخفى وقد صرّح بالصدق في كشف اللثـام ولم أجده في غيـره فإنّه(قدس سره) قال بعد تعريفه الآتي ذكره بالتوعّد المذكور مع قيوده في عبارته المزجية بكلام


(44)
القواعد ما هذا لفظه: «أو فعل به أو بمن يجرى مجراه ما يتضرّر به حتّى لفظ بالطلاق»(1).
ثم إنّ الإكراه صادق مع التوعد بالضرر الراجع إلى ما هو من المهمّات العامّة كحفظ النظام الإسلامي، حفظه الله من الحدثان، الذي هو من أوجب الواجبات، أو حفظ شخصية ولاة أمره فاليوم كالأخ الفاضل السديد والمحقق الخبير في التفسير والسياسة، الحاج الشيخ اكبر الهاشمي، فضلا عن حفظ شخصية الهادي الفقيه الوليّّ في الوقت الحاضر، آية الله السيّد علي الخامنئي، دام ظلّه، فضلا عن شخصية الإمام سلام الله عليه، المؤسس للنظام الإسلامي، الّذي كان تالياً لتلو العصمة وعقمت النساء من أن يلدن مثله، بل التوعّد بالضرر لكلّ ما يكون حفظه واجباً على المكره كما أن يتوعّده المكرِه (بالكسر) بقتل نفسه إن لم يطلق زوجته، أو توعّده بصيرورته مضاداً للثورة الإسلامية، أو بصيرورته عيناً للأعداء على عسكر المسلمين وجيوشهم إلى غيرها ممّا يكون التوعّد بأمر يجب على المكرَه (بالفتح) الردع عنه فالظاهر صدق الإكراه عرفاً في جميع تلك الموارد فإنّه إذا طلّق المكره زوجته خوفاً من التوعّد بالوقيعة في عرض الحكومة الإسلامية أو في ولاة أمرها مثلا يقال أنّه صادق في ادّعائه وهو كان مكرَهاً على طلاق زوجته فطلاقه وقع عن إكراه فهو باطل. وقد ظهر ممّا ذكرنا ضعف ما ذهب إليه الشهيد في المسالك من عدم تحقق الإكراه في أمثال تلك الموارد ; قال(قدس سره): «لا يحصل الإكراه بأن يقول: طلّق امرأتك وإلاّ قتلت نفسي أو كفرت أو تركت الصلاة ونحوها».
أقول: العجب منه أنّه اختار عدم الصدق جزماً مع أنّه كما بيّناه إن لم يكن مقطوعاً به فلا اقلّ من أنّه الظاهر من العرف بل الظاهر الصدق أيضاً فيما ذكره بعد ذلك بقوله:
--------------------------------------------------------
1 ـ كشف اللثام 2: 119 / السطر 14.


(45)
«ولا بأن يقول ولي القصاص لمن هو عليه: طلّق امرأتك وإلاّ اقتصصت منك، لأنّ ذلك حقّه فلا يعدّ استيفاؤه ضرراً بالمأمور»(1). ولا يخفي عليك ما في توجيهه من عدم كون القصاص ضرراً لأنّه حقّه، وذلك لأنّ الحقية لا تنافي الضرر كالجهاد في سبيل الله والخمس والزكوة فإنّها ضرر مع أنّها حقّ وأيّ حقّ «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» وقد ذكروا الموارد أمثلة لاحكام مبنية على الضرر التي لا تشمله القاعدة، وكيف لا يكون القصاص ضرراً على المقتصّ منه مع أنّ العفو منه خير لكم.
الثانية: هل يعتبر الظن والعلم أو يكفى الخوف والاحتمال احتمالا عقلائياً ؟ الظاهر من العرف هو الثاني بل في الجواهر: «ضرورة عدم اعتبار غلبة الظن بالفعل، بل يكفي تحقق الخوف كما سمعته في المرسل فضلا عن العرف»(2). ودونك المرسل وهو ما رواه الكيني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير أو غيره، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لو أنّ رجلا مسلماً مرّ بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتّى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلّق ففعل، لم يكن عليه شيء»(3).
ولا يخفي عليك ما في الاستدلال به من احتمال اختصاصه بالخوف على النفس لا الخوف المطلق ولو على المال مثلا، نعم العرف هو المعتمد والمرسل مؤيِّد، وعليك بالدقة في المراد من القهر على الطلاق والعتاق لعدم الجدوى فيه لذلك القوم الظاهر أنّهم من السرّاق وقطّاع الطريق، ولعلّ المراد الحلف بالطلاق والعتاق لإثبات عدم المال معه، ويشهد له ما رواه الكليني في باب طلاق المضطرّ والمكره بعد ذلك بسنده
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الإفهام 9: 23.
2 ـ جواهر الكلام 32: 12.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث2.

(46)
عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، ففيه: «فقلت: إنّي رجل تاجر أمرّ بالعشار ومعي مال، فقال: غيّبه ما استطعت وضعه مواضعه. فقلت: فإن حلّفني بالطلاق والعتاق، فقال: احلف له، ثم أخذ تمرة فحفر بها من زبد كان قدّامه فقال: ما أبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو آكلها»(1).
الثالثة: إذا أمر بشيء ولم يتوعّد فعلا لكن يقطع أو يخاف ضرره فيما بعد فهو أيضاً إمّا إكراه موضوعاً أو يلحقه في الحكم قضاءً للمناط وهو الخوف فإنّ ما هو العلّة والسبب لعدم الصحة مع الإكراه هو الخوف من المتوعّد به وعدم الاختيار وإلاّ فلا خصوصية للتوعّد اللفظي بما هو لفظ، فإنّه ليس الباب باب القراءَة أو العقود والإيقاعات المحتاجة إلى الألفاظ بل إنّما يكون ذكر التوعد في الإكراه من باب الغلبة في سببيّته للخوف، وعليه فالمفروض إكراه موضوعاً، وكيف كان فالعرف يلغي خصوصية التوعّد ويرى عدم الصحة والبطلان في الإكراه والخوف الحاصل مع عدم التوعّد أيضاً على المفروض، وبذلك ظهر وجه تمامية ما في المتن من قوله «ويلحق به موضوعاً أو حكماً» إلى آخره، وأمّا ما ذكره من الفرع الآخر بقوله «ولا يلحق به ما لو أوقع الفعل» إلى آخره فوجهه واضح، فإنّه لعدم الصدق موضوعاً بلا اشكال وعدم اعتناء العقلاء بالخوف كذلك أصلا بل يعدّون من يعتني به ويبيع متاعه مثلا لذلك الخوف جباناً وخارجاً من المتعارف.
الرابعة: لا فرق في الخوف بين أن يكون عادياً وحاصلا للمكره وغيره بسبب قدرة المكرِه بحيت يخاف من توعّده كلّ من توعّد به أو خاصّاً به وكان غيره لا يخاف منه ولكن يحصل الخوف لهذا الشخص بسبب ما يخصّه من الصفات النفسية ولكونه جباناً، وذلك لصدق الإكراه والإجبار فيهما عرفاً كما هو ظاهر وواضح.
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 86، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث1.

(47)
لا يقال: إنّ مقتضى خبر عبد الله بن سنان هو سعة باب الإكراه ولا يعتبر فيه أن يكون التوعيد بما يضرّه، حيث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم، ولا في جبر، ولا في إكراه. قال: قلت: أصلحك الله، فما فرق بين الجبر والإكراه ؟ فقال: الجبر من السلطان، ويكون الإكراه من الزوجة وإلام والأب وليس ذلك بشيء»(1).
لأنّه يقال: مضافاً إلى ضعف السند بعبد الله بن القاسم الذي هو بين ضعف وجهالة، أنّه ما هو المراد من هذا التفسير ؟ فهو إمّا تفسير عرفي، أي موضوعي أو شرعي تعبّدي، أي حكمي.
فعلى الأول فهو كما ترى لأن العناوين العرفية ومفاهيمها الاعتبارية غير قابلة لأخذ التعبّد فيها فإنّ حقيقتها بحقيقتها العرفية وليس للشارع بما هـو شارع التدخّل فيها كما ليس لـه التدخل في التكوينيات مـن حيث أنّه شارع، نعم له جعل الحقيقة الشرعية إلاّ أنّها ليست بعرفية وتكون أمراً آخر مبائناً لما في العرف.
وإن كان الثاني فهو من باب الادّعاء وهو مجاز مخالف للظاهر ولا يصار إليه إلاّ عند الضرورة وتعذر الحقيقة والحقيقة هنا ممكنة لأنّ توعّد مثل الزوجة والأم والأب ممن يعيشون مع المكره وبينهم نحو اتحاد وألفة وإن كان مما لا يوجب الضرر غالباً ويكون توعداً بأمور يسيرة بل قد يقال: كيف يحصل لهم التوعد بما يضره فإنّ الأوليين ضعيفتان والأخير يمنعه الشفقة لكن من الممكن حصوله على نحو يضر الإنسان، كان تتوعد الزوجة زوجها المتعين له شخصية اجتماعية بخروجها عرياناً إن لم يفعل الأمر الفلاني أو تتوعده بالوقيعة فيه وكشف إسراره الذي يكون مضراً له أو بغيرها من الأُمور المضرة للمكره وبعد ما كان لتوعدهم قسمان فمقتضى أصالة الحقيقة
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 23: 235، كتاب الإيمان، الباب16، الحديث1.


(48)
حمل اللفظ على معناه الحقيقي وأنّ المراد من الإكراه في الخبر التوعد بالنحو الثاني لا الأول الموجب للادعاء أو الإلحاق الحكمي فإنّه مخالف للظاهر وهذا الجواب المتين الذي ينبغي أن يكتب بماء الذهب هو من سيدنا الإمام(قدس سره) وما رأيت في كلام غيره من الأعاظم والفحول، جزاه الله الإسلام وفقهه أحسن ما جزاه الله به أوليائه، وما يترآى في النص من الجمع بين الإكراه والجبر فلعل المراد أنّ الإكراه يمكن صدوره من الضعيف أيضاً وإلاّ فلا يعقل كون الحكم للأعم والأخص معاً فإنّ الجبر من السلطان من مصاديق الإكراه وهو أخصّ منه.

) مسألة 5 ـ لو قدر على دفع ضرر الأمر ببعض التفصّيات ممّا ليس فيه ضرر عليه كالفرار والاستغاثة بالغير لم يتحقق الإكراه، فلو أوقع الطلاق مثلا حينئذ وقع صحيحاً، نعم لو قدر على التورية وأوقعه من دون ذلك فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلا(.
هل يشترط في صدق الإكراه العجز عن التفصّي أم لا ؟ وجوه، ثالثها التفصيل بين التفصّي بغير التورية والتفصي بها باعتبار العجز عن الأول في الصدق دون الثاني فالإكراه صادق وإن أمكنه التورية ولم يورّ دون غيره فالإكراه غير صادق مع إمكان التفصي بالفرار الذي غير مضرّ مثلا.
ووجه الثاني رواية عبد الله بن سنان المذكورة آنفاً في المسألة السابقة، فإنّ إمكان التفصّي بمثل الفرار أو العذر والحيلة في إكراه مثل الأُم والأب والزوجة بمكان من الوضوح، حيث إنّ إكراههم ليس من قبيل إكراه السلطان وغيره بالتوعّد بما فيه الضرر بل يكون بمثل أُمور أخلاقية وعاطفية كما مرّ وجهه، ومن المعلوم أنّ التفصي في مثل ذلك سهل له والرواية لم تدلّ على صدق الإكراه بالنسبة إليهم فيعلم منها عدم


(49)
اعتبار العجز عن التفصّي في الصدق وهي وإن لم تكن شاملة للتورية لكن تثبت الأمر في عدم اعتبار العجز عنها بطريق أولى. نعم في الجبر الراجع إلى السلطان لا يمكن التفصي بمثل الفرار.
وفيه: مضافاً إلى ضعف السند أنّ الاستدلال موقوف على حمل الإكراه على معناه المجازي ولا داعي له كما مرّ وإلاّ فعلى الحمل على الحقيقي كما هو الحق والمطابق للأصل فلا دلالة فيها على ذلك وتكون كغيرها من أخبار الإكراه وأدلّته إلاّ أنّها مبيّنة لبعض المصاديق.
وجه الأول أنّه مع إمكان التفصي عنه بالفرار أو التورية الإكراه حينئذ غير صادق عرفاً فإنّ قوام الإكراه بكون الداعي على العمل هو الخوف من الضرر المتوعّد به بحيث لا يكون العمل صادراً عن الاختيار من أوّل الأمر ومع تمكّن المكره من التفصّي بمثل الفرار الذي يسهل عليه أو باختياره العِدّة والعُدّة بمثل التِلِفون فليس داعية في الإتيان منع الضرر ورفع الخوف بل يكون مختاراً في العمل وأنّ داعية هو غيره من الدواعي في العاملين، ومثله التفصي بالتورية، فمن يعرف التورية ولم يغفل عنها بمثل الاضطرار والدهشة ويعلم أنّ الطلاق مع قصد غيره غير واقع كأن يقصد بقوله «هي طالق» طلاقها عن ألم الحمل أو المرض مثلا ومع ذلك قصد بقوله ذلك الطلاق فعدم كون الداعي له التوعّد المذكور هو واضح غير محتاج إلى البيان.
والثالث فلوجهين: أحدهما أنّه ليس في روايات الحلف كاذباً وتقية مع كثرتها جدّاً وفي قضية عمّار إشارة إلى التورية فهي غير معتبرة وإلاّ كان جديراً بالذكر ولاسيما في قضية عمّار الذي كان في شدّة وإكراه شديد، ففي موثقة زرارة من أخبار الحلف قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «نمرّ بالمال على العشّار فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلّون سبيلنا ولا يرضون منّا إلاّ بذلك، قال: فاحلف لهم فهو أحلّ «أحلى. خ. ل»


(50)
من التمر والزبد»(1). وفي خبر معمّر بن يحيى، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): «إنّ معي بضائع للناس ونحن نمرّ بها على هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم، فقال: وددت إنّي أقدر على أن أُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها، كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية»(2).
فإنّ السائل في مثل هذه الأخبار يطلب المخلص وطريق الفرار عن الظالم. والمعصوم (عليه السلام) يجوّز له الحلف كاذباً ولا يشير إلى التورية أصلا كأن يقول (عليه السلام): عليك بالتورية في الإخفاء كما ورّى إبراهيم (عليه السلام) في قوله (إنّي سَقِيمٌ)(3) على ما في أخبار التورية، وهل هذا إلاّ لعدم اعتبار العجز عنها في الإكراه وإلاّ فكيف لم يذكر التورية في هذه الأخبار الكثيرة والمسألة كانت محلاًّ للابتلاء، وأمّا قضية عمّار فانظر أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بالعود إن عادوا ولم يقل له: إن عادوا فعليك بالتورية. فإن كان العجز عنها معتبراً كان له(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبيّنه لاسيّما لمثل عمّار الذي كان السبّ عسراً عليه جدّاً.
ففي موثقة مسعدة بن صدقة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ الناس يروون أنّ علياً (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: أيّها الناس! إنكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثم تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي (عليه السلام)، ثم قال: إنّما قال: إنكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثم تدعون إلى البراءة منّي وانّي لعلى دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقل: ولا تبرؤوا منّي، فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة، فقال: والله ما ذلك عليه، وما له إلاّ ما مضى عليه عمّار
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 23: 225، كتاب الإيمان، الباب12، الحديث6.
2 ـ وسائل الشيعة 23: 227، كتاب الإيمان، الباب12، الحديث16.
3 ـ الصافات (37): 89.

(51)
بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه: (إلاّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌ بِالايمانِ) فقال له النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عندها: يا عمّار! إن عادوا فعُد، فقد أنزل الله عذرك، وأمرك أن تعود إن عادوا»(1).
وثانيهما أنّ حمـل الروايات المستدلّ بها في الباب عامّـة وخاصـة، علـى الجـاهلين بالتورية والعاجزين منها، حمل على النادر وهو بعيد وكذا الاجماعات والشهرات.
والوجهان ممنوعان، أمّا الأول فلأنّ الناس غالباً في غفلة من التورية فلا وجه راجح للإمام (عليه السلام) أن ينبهّهم على التورية، بل لعلّ التنبيه يكون مرجوحاً حيث أنّه على اعتبار العجز عن التفصّي به فهو ساقط مع الغفلة وهل تنبيهه (عليه السلام) إلاّ تنبيها على الموضوع في حقوق الله تعالى ؟ وهل فرق بينه وبين الإعلام ببقاء لمعة في الظهر لم يغسله من الجنابة من دون الالتفات حتى فرغ من غسله ؟ فكما أنّه غير مطلوب ومرجوح فكذلك المقام، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكتّ ؟! ثم مسح تلك اللّمعة بيده»(2).
وهذه الصحيحة دالّة على مرجوحية الإعلام لمكان قوله (عليه السلام) «ما كان عليك لو سكتّ» زيادة على دلالتها على عدم الوجوب المطابق للأصل أيضاً وليست الصحيحة مخالفة للأُصول والقواعد الاعتقادية كما زعمها بعض وإن دفعها بكونه للتعلم وذلك لأنها راجعة إلى أمر عادي وهو عدم جريان الماء على لمعة من الظهر ولا يرتبط بباب السهو والنسيان من رأس كما لا يخفى.
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب29، الحديث2.
2 ـ وسائل الشيعة 2: 259، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب41، الحديث1.

(52)
وأمّا قضية عمّار فالوجه فيها أنّ السبّ صادق من دون فرق فيه بين وجود التورية وعدمه فالتورية فيها غير مفيدة وليست تفصّياً أصلا. وأمّا روايات الإكراه عامّها وخاصّها فإنّه وإن كان حمل المطلقات على النادر أمر بعيد ولا يصار إليه إلاّ للضرورة والقرينة ولكن حمل اللفظ على ظاهره المختص بإفراده المستلزم لعدم الشمول لغير مصاديقه فهو أمر قريب وليس بغريب وإن كانت مصاديقه نادرة والمدّعى هنا هو عدم صدق الإكراه في القادر على التورية فالباب باب الظهور المتّبع كائناً ما كان لا باب المطلق والحمل حتى يكون حمله على النادر غريباً وعلى الأعم منه قريباً وقد ظهر من جميع ما ذكرناه ضعف ما في الجواهر من عدم اعتباره العجز من التفصّي بغير التورية ولا بها في صدق الإكراه، قال: «بل لا يعتبر فيه أيضاً عدم التمكين من الفرار عن بلاده أو التوسل بالغير أو نحو ذلك ممّا فيه ضرر عليه أيضاً»(1).
وقال أيضاً: «ولا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكره عدم التمكن من التورية بأن ينوي غير زوجته أو طلاقها من الوثاق أو يعلّقه في نفسه بشرط أو نحو ذلك وإن كان يحسنها ولم تحصل له الدهشة عنها، فضلا عن الجاهل بها أو المدهوش عنها، لصدق الإكراه، خلافاً لبعض العامة، فأوجبها للقادر»(2).
أقول: ولا حجة في قوله(قدس سره) عندنا على المسألة كما سيأتي.
وفي المسالك: «الثالث: لا يعتبر في الحكم ببطلان طلاق المكره التورية وإن كان يحسنها عندنا لأن المقتضي لعدم وقوعه هو الإكراه الموجب لعدم القصد إليه فلا يختلف الحال بين التورية وعدمها، ولكن ينبغي التورية للقادر عليها، بأن ينوي بطلاق فاطمة المكره عليها غير زوجته ممّن يشاركها في الاسم، أو ينوي طلاقها من
--------------------------------------------------------
1ـ جواهر الكلام 32: 12.
2 ـ نفس المصدر: 15.

(53)
الوثاق، أو يعلّقه في نفسه شرط. ولو كان جاهلا بها، أو أصابته دهشة عند الإكراه ـ كسلّ السيف مثلا ـ عذر إجماعاً»(1).
وقد مرّت عبارة الجواهر والظاهر أنّه أخذها منه. وفيه أوّلا: أنّه لا يتحقق الإكراه لمن يحسن التورية، وثانياً: أنّ للمكره أيضاً قصد هنا كما مرّ وقلنا إنّ محلّ البحث ما كان البطلان مستنداً إلى عدم الاختيار لا إلى عدم القصد وغيره من الشرائط كما بيّناه، وثالثاً: إن كان المراد من «عندنا» هو الإجماع فلم يثبت بعد، نعم إن كان هو الشهرة فله وجه، وكيف كان فالاستدلال به مع التعليل بعدم تحقق الإكراه عليل.
ثم أنّه (قدس سره) قال: «جميع ما ذكرناه آت في غير الطلاق من النكاح والبيع والعتق وسائر التصرفات ولكن جرت العادة بالبحث عنه هنا»(2).
فالظاهر منها عدم اعتبار العجز عنها مطلقاً، وفيه: أنّ الظاهر عدم صدق الإكراه مع القدرة على التورية.

تنبيه

وللشيخ (قدس سره) في المكاسب كلام، قال فيه: «فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعنى الجبر المذكور، والرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة، والمعيار فيه عدم طيب النفس فيها لا الضرورة والإلجاء وإن كان هو المتبادر من لفظ الإكراه ولذا يحمل الإكراه في حديث الرفع عليه، فيكون الفرق بينه وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الإفهام 9: 23.
2 ـ نفس المصدر: 24.

(54)
حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى (تجارة عن تراض) و«لا يحل مال امرء مسلم إلاّ عن طيب نفسه» وعموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق وخصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة مع عياله. فقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخص من الرافع لأثر الحكم الوضعي»( ).
وحاصل كلامه(قدس سره) أنّ الإكراه الرافع للأثر الوضعي والتكليفي في حديث الرفع وغيره وإن كان واحداً عنواناً والمتبادر منه هو الضرورة والإلجاء ويكون الفرق بينه وبين الاضطرار في حديث الرفع في أنّ الإكراه من قِبل الغير، والاضطرار من قبل النفس كالجوع والعطش لكنّ المعتبر منه بالنسبة إلى الوضع والتكليف مختلف فإنّ الرافع للوضع هو عدم طيب النفس وللتكليف هو الجبر من مثل السلطان القاهر.
واستدل على ذلك بوجوه ; أحدها: صحيحة عبد الله بن سنان الماضية، وقد أشار إليها في قوله في معنى الجبر المذكور، والرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها أنّها قد يكون من الأب والولد والمرأة.
ثانيها: أنّ المعتبر في المعاملات هو طيب النفس بأن يكون القصد حاصلا منه، وذلك لمكان استدلالهم بآية التجارة وحديث «لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ عن طيب نفسه».
ثالثها: عموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق.
رابعها: خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة مع عياله.
ولا يخفى عليك ما في هذا التفصيل ; فإنّ المعتبر منه في رفع الوضع هو المعتبر في رفع التكليف، وهو الإلجاء والضرورة المتبادرة منه، وفي كل الوجوه ما ترى:
أمّا الصحيحة فقد مضى الكلام فيها وأنّ الحاصل من مثل الأب والأُم هو الإلجاء والضرورة.
--------------------------------------------------------
1 ـ المكاسب، الشيخ الأنصاري (قدس سره): 120 / السطر 13.

(55)
وأمّا الثاني فالمعتبر في المعاملات هو تحقق الرضا كما يدلّ عليه الآية لا الزائد عليه وهو موجود في المكره والمضطر وغيرهما حيث إنّ البايع ولو عن إكراه هو راض بالبيع لما حصل في نفسه من الكسر والانكسار وأنّ العمل بالمكره عليه أولى عنده من وقوع المتوعّد عليه، ومثله المضطر، نعم ليست مبادئ الرضا فيهما مبادئ اختيارية مثل النفع في البيع وأمثاله، فالفرق بينهما وبين غيرهما بالنسبة إلى المبادئ لا غيرها كما لا يخفى، ومسألة طيب النفس هي أجنبية عن المعاملة وذلك لعدم الدليل عليه بل العمومات والاطلاقات وكذا بناء العقلاء على خلافه فإنّ الطيب بالمعاملة هو من مبادئ الرضا بها وهو منتف في غير واحد منها كما إذا كان الضرر والنفع فيها مساويين أو كان الضرر أكثر بل وفيما كان النفع فيه أقل من مأمولة والحديث مربوط بالإباحة والتكليف ولا يرتبط بالوضع جدّاً لأنّ المنفي فيه حلّية مال المسلم إلاّ بطيب نفسه وقبل تحقق البيع مثلا لا محلّ لطيب النفس وبعده لا فائدة له لأنّ المالك لا يملكه الآن، فالبايع بعد البيع غير مالك للمثمن حتى يكون طيب نفسه نافعاً وعدمه مضرّاً، وبالجملة فإنّ الموضوع في الحديث هو المال وهو أجنبي عن الوضع، فإنّ الموضوع فيه المعاملة والتجارة. ولا يخفى أنّ ما ذكرناه في مسألة الطيب والرضا هو ممّا استفدناه من سيّدنا الأستاذ(قدس سره).
وأمّا الثالث وهو اعتبار الإرادة في صحة الطلاق ففيه: أنّ الإرادة في هذه الروايات كغيرها من الموارد هي بمعنى القصد الحاصل مع الإكراه وغيره، ومسألة طيب النفس لو سلّم اعتبارها فهي أمر خارج عن حقيقته كما يشهد له ما عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لا يجوز طلاق في استكراه ولا تجوز يمين في قطيعة رحم «إلى أن قال: » وإنّما الطلاق ما أُريد به الطلاق


(56)
من غير استكراه ولا إضرار». الحديث(1); فإنّ الاستكراه ذكر مضافاً إلى الإرادة.
وأمّا الوجه الأخير فمراده موثقة منصور بن يونس قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) وهو بالعُريض فقلت له: «جعلت فداك، إنّي تزوجت امرأة وكانت تحبّني فتزوّجت عليها ابنة خالي وقد كان لي من المرأة ولد فرجعت إلى بغداد فطلقتها واحدة ثم راجعتها ثم طلّقتها الثانية ثم راجعتها ثم خرجت من عندها أُريد سفري هذا حتى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي، فقالت أُختي وخالتي: لا تنظر إليها والله أبداً حتى تطلق فلانة. فقلت: ويحكم والله ما لي إلى طلاقها من سبيل، فقال لي هو ما شأنك ليس لك إلى طلاقها من سبيل. فقلت: أنّه كانت لي منها ابنة وكانت ببغداد وكانت هذه بالكوفة وخرجت من عندها قبل ذلك بأربع فأبوا عليّ إلاّ تطليقها ثلاثاً ولا والله جعلت فداك ما أردت الله ولا أردت إلاّ أن أُداريهم عن نفسي وقد امتلأ قلبي من ذلك. فمكث طويلا مطرقاً ثم رفع رأسه وهو متبسّم فقال: أمّا بينك وبين الله فليس بشيء، ولكن إن قدّموك إلى السلطان أبانها منك»(2).
وفيه كما قيل إنّ الرجل هنا أيضاً مكره وذلك لحلفهم بعدم النظر إليها وأمرهم إيّاه بالطلاق والتوعد بترك النظر الذي كان مطلوباً له، فلعلّه يكون كالتوعد بالضرر المالي أو النفسي، وإن أبيت عن ذلك فلقائل أن يقول: إنّ عدم صحة الطلاق لعدم تحقق القصد أصلا وذلك لمكان قوله (عليه السلام) «ولكن ان قدّموك إلى السلطان» فإنّ الظاهر منه أنّ حكمه بالإبانة لمكان ظاهر الصيغة الدالة على الإرادة، ودعوى عدمها وأنّ الطلاق كان صوريّاً غير مسموع لأنّه خلاف الظاهر.
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 87، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب37، الحديث4.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 87، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب38، الحديث1.

(57)
) مسألة 6 ـ لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلّق إحداهما المعينة وقع مكرهاً عليه(.

لأنّ تحقق أحدهما لا يمكن إلاّ بالمصداق الخارجي وما قيل من أنّه يقع الطلاق لأنّه مختار في تعيينها، ولأنّه ممّا عدل عن الإبهام إلى التعيين فقد زاد ما أكرهه عليه لأنّ الإكراه على طلاق إحداهما وطلاق المعينة طلاق إحداهما مع الزيادة وقد تقرّر أنّ الأمر بالكلي ليس أمراً بالجزئي، فقد ظهر ضعفه لأنّ الفرد المذكور عين المكره عليه لا غيره ولا زيادة عليه. نعم لو صرّح له في الإكراه على طلاق واحدة مبهمة بأن يكرهه على أن يقول: «إحداكما طالق» فعدل عنه إلى طلاق واحدة معينة فقد وقع طلاقه غير مكره عليه.

) ولو طلّقهما معاً ففي وقوع طلاق إحداهما مكرهاً عليه فيعين بالقرعة أو صحة كليهما وجهان لا يخلو أوّلهما من رجحان(.

من وقوع المكره عليه مع الزيادة، ومن كون الواقع غير المكره عليه لكن لا يخلو أوّلهما من رجحان لأن محض كون الواقع غير مكره عليه ليس رافعاً للإكراه إلاّ مع الدلالة على الاختيار، والظاهر عدم الدلالة في المقام إلاّ بالنسبة إلى الزيادة وإلاّ لم يطلقهما مقارناً مع التوعّد.

) ولو أكرهه على طلاق كلتيهما فطلّق إحداهما فالظاهر أنّه وقع مكرهاً عليه(.
ووجهه ظاهر.
) مسألة 7 ـ لو أكرهه على أن يطلق ثلاث تطليقات بينهما


(58)
رجعتان فطلّقها واحدة أو اثنتين ففي وقوع ما أوقعه مكرهاً عليه إشكال. إلاّ إذا قصد تحمّل ما أوعده عليه في ترك البقية أو كان ذلك بقصد احتمال التخلّص عن المكروه. وانه لعل المكره اقتنع بما أوقعه وأغمض عمّا لم يوقعه(.

ولا محل للإشكال فيه ولا في الإثبات أصلا حيث إنّ مقام الإثبات والظهور الذي هو المورد للبحث حاله واضح لأنّ في المخالفة المزبورة ظهور في الاختيار ودلالة عليه، وما ذكر منشأً للإشكال فهو يرجع إلى مقام القصد والثبوت مع أنّ حاله أيضاً واضح ولا اشكال فيه أيضاً كما لا يخفى، ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر الذي يقرب من المتن ; قال: «ومنها أن يكرهه على ثلاث طلقات فيوقع واحدة، فإنّه بالمخالفة المزبورة يظهر منه الاختيار، إلاّ أنّه كما ترى، ضرورة كون الواحدة بعض المكره عليه وقد يقصد دفع المكروه بالإجابة إلى بعضه»(1). فإنّ الضرورة غير رافعة للظهور وليست بأزيد من احتمال في الثبوت.

فروع

وفي المسالك فروع لا بأس بذكرها:
منها: لو أكرهه على أن يطلّق بكناية من الكنايات فطلّق باللفظ الصريح أو بالعكس عند القائل بصحته أو عدل من صريح مأمور به إلى صريح آخر فإنّه يقع الطلاق خصوصاً في الأول لأنّه قد حمله على طلاق فاسد فعدل إلى الصحيح وعند مجوّزه عدل إلى غير الصيغة المكره عليها(2).
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 14.
2 ـ مسالك الأفهام 9: 22.

(59)
أقول: والحق التفصيل في المسألة بأن يقال: إن كان للمكرِه (بالكسر) عناية بصيغة خاصة مذكورة في كلامه بحيث كان توعّده على الطلاق مع تلك الصيغة فالطلاق بغيرها صحيح لكونه كاشفاً عن الاختيار، وإن لم يكن كذلك وكان تهديده راجعاً إلى أصل الطلاق فهو باطل لأنّه المكره عليه وليس التبديل كاشفاً عنه كما لا يخفى، والظاهر في الإكراه كذلك هو الثاني وذلك لبعد عناية الشخص بصيغة خاصّة والإجبار عليها فإنّ الغرض الأصلي هو الطلاق، نعم في الصيغ التي وقع الاختلاف فيها بين العامّة والخاصّة فإن كان المكرِه من العامّة فلعلّ الظاهر هو الأول.
منها: لو اكره الوكيل على الطلاق دون الموكّل ففي صحته وجهان أيضاً من تحقق اختيار الموكل المالك للتصرف ومن سلب عبارة المباشر.
منها: لو توعّده بفعل مستقبل كقوله «إن لم تفعل لأقتلنّك أو أضربنّك غداً» ففي عدّه إكراهاً نظر من حصول الخوف بإيقاع الضرر ومن سلامته منه الآن والتخلص من الضرر يحصل بإيقاعه عند خوف وقوعه في الحال وهو أقوى، نعم لو كان يحصل الإكراه في الآجل على أنّه إن لم يفعل الآن أوقع به المكروه في الآجل وإن فعله ذلك الوقت ورجح وقوع المتوعد به اتجه كونه اكراهاً لشمول الحدّ له(1).
أقول: الظاهر كونه اكراهاً.
منها: لا يحصل الإكراه بأن يقول: «طلّق امرأتك وإلاّ قتلت نفسي أو كفرت أو تركت الصلاة ونحوها» ولا بأن يقول وليّ القصاص لمن هو عليه: «طلّق امرأتك وإلاّ اقتصصت منك»، لأنّ ذلك حقّه فلا يعدّ استيفاؤه ضرراً بالمأمور به(2).
أقول: قد مرّ الكلام فيه وأنّ بعض الموارد يعدّ من مصاديق الإكراه ولا فرق بين
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الأفهام 9: 23.
2 ـ نفس المصدر.

(60)
موارد الضرر وأمّا الأخير فإن أراد أنّه ليس بضرر ففيه: أنّه ضرر وإن أراد عدم شمول القاعدة له ففيه: أنّ خروج أمثال هذه الموارد ممّا بني على الضرر شبيه بخروج تخصصي ويكون واضحاً غير محتاج إلى بيان إلاّ أن يريد عدم الشمول لأنّه ضرر مقدم فله وجه ولكن الشأن في أنّه هل هو ضرر أو عدم النفع والإكراه صدقه دائر غالباً على الضرر وغير صادق على النفع غالباً ولعل مراده(قدس سره) من عدم كونه ضرراً هو ذلك.
منها: لو تلفظ بالطلاق ثم قال: «كنت مكرهاً» وأنكرت المرأة، فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه بأن كان محبوساً أو في يد متغلّب ودلت القرينة على صدقه قبل قوله بيمينه وإلاّ فلا، ولو طلّق في المرض ثم قال: « كنت مغشيّاً عليّ أو مسلوب القصد» لم يقبل قوله إلاّ ببيّنة تقوم على أنّه كان زايل العقل في ذلك الوقت لأن الأصل في تصرّفات المكلف الصحة إلى أن يثبت خلافه وإنّما عدلنا في دعوى الإكراه عن ذلك بالقرائن لظهورها وكثرة وقوعها و وضوح قرائنها بخلاف المرض(1).
أقول: لا كلام في حمل الفعل على الصحة وكذا في رفع اليد عن الظهور بالقرينة ولكن في إطلاق مثاله الثاني إشكال لأنّ المورد في المرض والمريض أيضاً يختلف فإنّ القرينة في بعض الموارد قوية ظاهرة كالحصبة.

) مسألة 8 ـ لو أوقع الطلاق عن إكراه ثم تعقبه الرضا لم يفد ذلك في صحته وليس كالعقد(.

قد مرّ الكلام فيه وهو مثل الطلاق الفضولي واحتمال الفرق بينهما مستبعد جداً، مضافاً إلى الأصل، والعمدة هو إطلاق عدم صحة الطلاق عند الإكراه.
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الأفهام 9: 23.

(61)
) مسألة 9 ـ لا يعتبر في الطلاق إطلاع الزوجة عليه فضلا عن رضاها به(.
وذلك للغوية الاشتراط لأن الطلاق بيد الزوج.

) مسألة 10 ـ يشترط في المطلقة أن تكون زوجة دائمة، فلا يقع الطلاق على المتمتع بها(.
ولا على الأجنبية مطلقاً ولو بالاشتراط، والوجه المشترك فيها عدم السببيّة فيها، فإنّ الأسباب والمسبّبات الشرعية توقيفية ولم تثبت السببيّة في غير الزوجية الدائمة وهو المطابق لاستصحاب بقاء الحل والأحكام السابقة، كما أنّ عليه إجماع الإمامية، نعم لبعض العامة قول بجواز طلاق الأجنبية مطلقاً أو معلّقاً على الزوجية، ولا يخفى أنّ الإيراد عليه لعدم المعقولية كما عن بعضهم الآخر غير وارد لأن الطلاق من الاعتباريات وهو تابع لجعل الشارع، فمن الممكن صحة طلاق الأجنبية دفعاً للزوجية المستقبلة المحتملة وخلط باب التكوين بالتشريع من غفلات العامّة في غير واحد من الأحكام، والأسف وقوعه في كلمات الأصحاب «نوّر الله مضاجعهم» أيضاً، وممّن تذكّر هذه الغفلة وحقّق مباينة التكوين عن التشريع وإنّهما بابان مستقلاّن سيّدنا الأستاذ(قدس سره) وذلك من خدماته العالية لفقه الإسلام جزاه الله عن الإسلام «خير الجزاء». ويدل على عدم صحته فيها الأخبار أيضاً:
منها: ما عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في المتعة ليست من الأربع لأنّها لا تطلّق ولا ترث وإنّما هي مستأجرة»(1).
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 21: 18، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب4، الحديث4، والباب43، الحديث1.

(62)
ومنها: ما عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: «رجل طلّق امرأته طلاقاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره فتزوّجها رجل متعة أتحلّ للأوّل ؟
قال: لا، لأنّ الله يقول: (فَإن طَلَّقها فَلاتَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعدُ حتّى تَنكِحَ زَوجاً غَيرَهُ فَإنْ طَلَّقَها)(1) والمتعة ليس فيها طلاق»(2).
ومنها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قلت: «كيف يتزوج المتعة ؟ قال: يقول: أتزوّجك كذا وكذا يوماً بكذا وكذا درهماً، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها ولا عدّة لها عليك»(3).
ومنها: صحيحة محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل يتزوّج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر، قال: إذا كان شيئاً معلوماً إلى أجل معلوم، قال: قلت: وتبين بغير طلاق ؟ قال: نعم»(4).
ولا يخفى عليك ما في الاستدلال بهاتين الصحيحتين الأخيرتين وذلك لعدم دلالة الأخيرة على أزيد من البينونة بغير الطلاق لا الانحصار فيه وعدم الجدوى للطلاق في البينونة ولذلك قال في المسالك في ذيل الصحيحة: وتعدّد الأسباب ممكن والاعتماد على الاتفاق، وأورد عليه الحدائق بأنه لا دليل على سببيّته في المتعة والأصل عدمه وهو كما ترى.
ولتوقف الاستدلال في ما قبلها على ظهورها في حصر الطلاق في شرطها مضيّاً أو إسقاطاً في ذلك كما احتمله الجواهر لكنّه ليس بأزيد من الاحتمال ولا وجه له لاسيّما مع
--------------------------------------------------------
1 ـ البقرة (2): 230.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 132، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب9، الحديث4.
3 ـ وسائل الشيعة 21: 44، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب18، الحديث3.
4 ـ وسائل الشيعة 21: 58، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب25، الحديث1.

(63)
أنّ الصحيحة في مقام بيان المتعة لا في الفرقة منها، وفي الجواهر «وإن لم يحضرني من النصوص ما يدلّ على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها نعم فيها ما يدل على حصوله بانقضاء المدّة وبهبتها، ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها، لإمكان تعدد الأسباب»(1). وقد أورد عليه المصحّح في حاشية الكتاب بأنّ «من الغريب أنه طاب ثراه، مع تبحره وإطلاعه التام على الروايات المتفرقة في أبواب الفقه وغيرها لم يلتفت إلى هذه الرواية هنا وقال: «ولم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها» مع أنّه(قدس سره) تعرّض لها في بحث المتعة، بل عقد صاحب الوسائل لهذا العنوان باباً وهو «باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدّة وبهبتها ولا يقع بها طلاق» وهو الباب 43 من أبواب المتعة وكذلك روى في الوسائل في الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث4 عن الشيخ(قدس سره) بإسناده عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «والمتعة ليس فيها طلاق». ولا يخفى أنّ مراد المصحح من تلك الرواية هي رواية محمّد بن مسلم التي قد مرّت آنفاً.
أقول: وأغرب منه عدم تعرّض صاحب الحدائق لهاتين الروايتين الدالّتين على المسألة وهما روايتا ابن مسلم والحسن الصيقل لأنّه أكثر تبحراً واطلاعاً بالنسبة إلى الروايات من صاحب الجواهر(قدس سره).
وأغرب منهما عدم ذكر صاحب الوسائل لهما في الباب المنعقد في عدم حاجة المتعة إلى الطلاق كما لا يخفى وجهه!.
ويؤيّد عدم صحة الطلاق في المتعة بأنّهنّ مستأجرات، وبعدم الحاجة إليه بعد وجود السبب وهو انقضاء المدّة وإمكان الهبة، ثم إنّ العمدة في المسألة حسنتا ابن مسلم والصيقل المنجبرتين بنفي الخلاف والإجماع فإنّ الأصل لا محلّ له مع وجود
--------------------------------------------------------
1ـ جواهر الكلام 32: 28.

(64)
الرواية والحجة، والإجماع لأحجية له في مصبّ الرواية كما أنّه لا اعتبار بالاعتبار.
وأمّا عدم الصحة في الأجنبية منجزاً ومعلقاً، بالمعيّنة كقوله «إن تزوّجت فلانة فهي طالق» أو بالمطلقة أو العامّة كقوله «من ـ أو ـ كلّ من أتزوّجها فهي طالق» فلا خلاف فيه، وفي الجواهر بعد بيان تلك الأقسام قال: «بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا نصّاً وفتوى، ولا إشكال، بل من ضرورة المذهب أنّه لإطلاق إلاّ بعد نكاح، لأنّه لإزالة قيده»(1). وتدل عليه الروايات المستفيضة كالصريحة بل الصريحة.
منها: ما عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «أنه سئل عن رجل قال: كلّ امرأة أتزوّجها ما عاشت أُمي فهي طالق. فقال: لإطلاق إلاّ بعد النكاح ولأعتق إلاّ بعد ملك»(2).
ومنها: ما عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل قال: إن تزوّجت فلانة فهي طالق، وإن اشتريت فلاناً فهو حرّ، وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين. فقال: ليس بشيء لا يطلق إلاّ ما يملك ولا يعتق إلاّ ما يملك، ولا يصّدّق إلاّ ما يملك»(3).
ومنها: ما عن عبد الله بن سليمان، عن أبيه في حديث، عن علي بن الحسين(عليهما السلام)«في رجل سمّى امرأة بعينها وقال: يوم يتزوّجها فهي طالق ثلاثاً، ثم بدا له أن يتزوّجها أيصلح ذلك ؟ قال: فقال: إنما الطلاق بعد النكاح»(4)، إلى غيرها من أحاديث الباب.
لا يقال: لعلّ المراد بالنكاح في هذه الأخبار هو الوطي، لأنّه يقال: أوّلا: ذلك
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 27.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 31، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب12، الحديث1.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 33، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب12، الحديث2.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 33، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب12، الحديث3.

(65)
خلاف إجماع الأُمّة، بل خلاف ضرورة فقه الإسلام في عدم اشتراط الطلاق بالوطئ بل نصّ الكتاب بوقوعه قبله في قوله تعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلّقتموهنّ من قبل أن تمسوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة)(1) وقوله تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسّوهن)(2) وقوله تعالى: (وان طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ)(3). وثانياً: مخالف للنكاح المتعارف في الكتاب والسنّة وهو عقد النكاح، وثالثاً: في غير واحد منها قد ذكر التزويج وهو عقد النكاح قطعاً.
وهذه الروايات تدل أيضاً على عدم الطلاق على الموطوءة بوطئ الشبهة والمحلّلة والمملوكة بملك اليمين، نعم على احتمال كون الحصر إضافياً وأنّ المراد نفي الطلاق في الأجنبية فلا دلالة فيها بالنسبة إلى تلك الموارد والأمر فيها سهل بعد أنّ مقتضى الأصل والقاعدة عدم الصحة حيث إن السببيّة محتاجة إلى الجعل والاعتبار كما أنّ الأحكام السابقة باقية إلى أن يثبت الخلاف.

) وأن تكون طاهرة من الحيض والنفاس فلا يصح طلاق الحائض والنفساء(.

بلا خلاف ولا إشكال، بل عليه إجماع أصحابنا، بل على حرمته إجماع الأُمّة، ويدل على البطلان والشرطية، الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها النبيّ إذا طلّقتم النسـاء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ)(4). ووجه الاستدلال على ما جاء من العامة والخاصـة أنّ المراد بالعدّة
--------------------------------------------------------
1 ـ الأحزاب (33): 33.
2 ـ البقرة (2): 236.
3 ـ البقرة (2): 237.
4 ـ الطلاق (65): 1.


(66)
هـو الطهر الغير المواقعة. والآية ظاهرة في الوضع وذلك لأنّ الأمر أو النهي إذا توجّـه إلى أمر ليس مقصوداً بالذات فهو محمول على كونه غيريّاً ووضعيّاً كما إذا قيل: لاتبع بيع الغرر، أو قيل: بع بالصيغة، فإنّ العقلاء في مثل تلك الموارد التي ليست مقصودة بالذات لا يحكمون بالنفسية والتكليف بل الغيرية والشرطية، والسرّ في ذلك واضح فإنّ المقصود مـن الإتيان بأمثال هـذه الموارد ليست نفسها حتى إذا أمر الشارع بها أو نهى عنها نحمله على المطلوبية الذاتية ونستظهرها منه فإنّها طريق إلى أمر آخر هـو مطلوب نفسي وبالذات.
كما أنّ الأمر كذلك في باب الأجزاء والشرائـط فإنّه أيضاً ظاهر في الشرطية والمانعية بنفس البيان، وهـذا مـن إفادات سيّدنا الأستاذ(قدس سره)فاغتنم.
وأمّا السنّة فمنها: صحيحة الفضلاء السبعة بل هي أربع عشرة صحيحة وهي ما عن عمر بن أُذينة عن زرارة وبكير ابني أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي، والفضيل بن يسار، وإسماعيل الأزرق، ومعمّر بن يحيى بن سام «بسام خ ل» كلّهم سمعه من أبي جعفر ومن ابنه(عليهما السلام) بصفة ما قالوا وإن لم أحفظ حروفه غير أنّه لم يسقط عنّي جمل معناه: «أنّ الطلاق الذي أمر الله به في كتابه وسنّة نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه ثمّ هو أحق برجعتها ما لم تمض لها ثلاثة قروء فإن راجعها كانت عنده على تطليقتين وإن مضت ثلاثة قروء قبل أن يراجعها فهي أملك بنفسها، فإن أراد أن يخطبها مع الخطّاب خطبها، فإن تزوّجها كانت عنده على تطليقتين وماخلا هذا فليس بطلاق»(1).
ومنها: ما عنه، عنهم، عنهما(عليهما السلام) قالا: «إذا طلّق الرجل في دم النفاس أو طلّقها
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 112، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الباب3، الحديث7.

(67)
بعد ما يمسها فليس طلاقه إياها بطلاق» الحديث(1).
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس وهي حائض، فليس بشيء وقد ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) طلاق عبد الله بن عمر، إذ طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض، فأبطل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الطلاق وقال: كل شيء خالف كتاب الله فهو ردّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ، وقال: لإطلاق إلاّ في عدّة»(2).
ومنها: ما عن بكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كل طلاق لغير العدة (السنّة خ. ل) فليس بطلاق أن يطلّقها وهي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقه بطلاق» الحديث(3). إلى غيرها من الأحاديث.

) والمراد بهما ذات الدمين فعلا أو حكماً كالنقاء المتخلل في البين(.
وإلحاق الحكمي بالفعلي لأنّه حيض ادّعاءً.

) ولو نقتا من الدمين ولم تغتسلا من الحدث صحّ طلاقهما(.

لعدم صدق الحائض والنفساء حينئذ فإطلاق الأدلة في محلّه.
) وأن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها(.
للإجماع والسنّة، وقد مضى شطر منها، وفي الرياض: «وبه استفاض أخبارنا بل وربما احتمل تواترها»(4).
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 20، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب8، الحديث5.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 21، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب8، الحديث7.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 22، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب8، الحديث9.
4 ـ رياض المسائل 11: 53.

(68)
تكلمة

ثم أنّه يقع الكلام في أنّ الحيض والنفاس هل هما مانعان من صحة الطلاق أو الخلو منهما شرط فيها ؟ وجهان، وتظهر الثمرة في المجهولة حالها كما ذكرها في الجواهر وهي إشارة إلى قاعدة كليّة مذكورة في بعض الكلمات وهي أنّ الشك إذا كان في الشرط فالإحراز لازم، وإن كان في المانع فغير لازم، قضاءً لأصالة العدم، ويستفاد من كلام الشيخ الأعظم(قدس سره) تسليمه للقاعدة لكن في الوجوديين وأمّا في الوجودي والعدميّ أي فيما كان الشرط على الشرطيّة أمراً وجودياً كالقدرة على التسليم، والمانع على المانعية، أي العجز مثلا، أمراً عدميّاً فالمانع عدم القدرة فالثمرة غير مترتبة على فرض إمكان المانعية كذلك حيث إنّ العدم ليس بشيء ويستحيل تأثيره وتأثّره فكيف يكون مانعاً وذلك لأنّ ثمرة أصالة العدم فيهما واحد وهو البطلان فأصالة عدم القدرة كما تكون مقتضية للبطلان من جهة انتفاء الشرط فكذلك من جهة المانع، لأنّ عدم القدرة هو المانع ومعه فالممنوع منه باطل وغير موجود وهذا بخلاف الوجوديين كالعدالة والفسق مثلا على كون الفسق هو ارتكاب المعاصي لأعدم الملكة الرادعة، فعلى شرطيته مثلا في ولاية المؤمنين مع الشك في عدالة شخص لأتثبت ولايته لأنّ الشرط لازم الإحراز وأمّا على مانعية الفسق فمقتضى أصالة عدمه عدم تحقق المانع فالولاية ثابتة للمشكوك فسقه وعدالته.
وتظهر من كلام سيدنا الأستاذ(قدس سره) في البيع، إنكاره الثمرة المذكورة وإن وافق الشيخ الأعظم في عدم معقولية مانعية العدم، بناءً على مبناه الحق الحقيق بالتصديق من بطلان استصحاب العدم الأزلي الذي حققه في محلّه بما لا مزيد عليه فعدم الثمرة حق على المبنى ولاكلام فيه ففي المجهولة حالها لابدّ من الإحراز شرطاً كان أم مانعاً، وأمّا


(69)
مذهب الشيخ في عدم معقولية مانعية العدم فغير تام لما مرّ منا مراراً تبعاً لسيّدنا الأستاذ الإمام(قدس سره) أنّ باب الاعتباريات يختلف عن باب التكوين وأنّ قوامها بالاعتبار والجعل فقط. وبذلك يظهر مخالفة مذهب الأستاذ هنا لمختارة البديع من عدم الخلط بين التكوين والتشريع، ومنه يظهر أنّه لا فرق بين القول بكون الحيض والنفاس مانعين عن الطلاق أو كون الطهر منهما شرطاً في صحته، نعم على قول الشيخ(قدس سره) فالثمرة مختلفة.
ثم لا يخفى: أنّ الأمر بإيجاد شيء مقيّداً بأمر آخر كالأمر بالصلاة في المكان المباح أو مع طهارة اللباس مثلا ظاهر في الشرطية كما أنّ النهي عن المركب كذلك كالنهي عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه أو مع الحدث مثلا ظاهر في المانعية قضاءً لظهور العناوين في الموضوعية والدخالة، فحمل دخالة ذلك الشيء في الأمر على مانعية مقابله وفي النهي على شرطية مقابله مخالف للظاهر، ومن ذلك يظهر وجه استظهار الجواهر من الأدلّة الشرطية ; قال:
«قد يشهد للثاني منهما أنّ ظاهر النصوص الكثيرة استفادة الشرط المزبور من قوله تعالى (فطلقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة)(1) لأنّ المراد الأمر بطلاقهنّ في طهر يكون من عدّتهنّ والحائض حال حيضها ليس كذلك، وكذا ذات الطهر المواقعة فيه. ولعلّه لذا ذكره المصنف وغيره من الشرائط»(2). وذلك لما ذكرناه من الظهور في الأمر بالشيء أو المركب في شيء آخر فإنّ الأمر بالطلاق لعدّتهنّ يكون المراد منه الطهر والحائض ليست كذلك.
) مسألة 11 ـ إنّما يشترط خلو المطلقة من الحيض في المدخول بها الحائل دون غير المدخول
--------------------------------------------------------
1 ـ الطلاق(65): 1.
2 ـ جواهر الكلام 32: 29.

(70)
بها ودون الحامل بناءً على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى فيصح طلاقها في حال الحيض(.

إجماعاً ويدل عليه الأخبار. منها: ما عن إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «خمس يطلّقن على كل حال: الحامل المتبيّن حملها، والتي لم يدخل بها زوجها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي قد جلست عن المحيض»(1).
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بطلاق خمس على كل حال: الغائب عنها زوجها والتي لم تحض، والتي لم يدخل بها زوجها، والحبلى، والتي قد يئست من المحيض»(2).
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «خمـس يطلقهنّ أزواجهـنّ متى شاؤوا: الحامـل المستبين حملها، والجاريـة التـي لم تحض، والمـرأة التي قد قعدت من المحيض، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها»(3).
ومنها: صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «خمس يطلّقن على كل حال: الحامل، والتي قد يئست من المحيض والتي لم يدخل بها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تبلغ المحيض»(4).
والعموم في هذه الأحاديث شامل لحال الحيض والطهر كما أنّه شامل لطهر المواقعة
--------------------------------------------------------
1ـ وسائل الشيعة 22: 54، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث3.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث4.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث5.

(71)
وغير المواقعة وأنّها حاكمة على إطلاق ما دلّ على النهي عن طلاق الحائض على شموله للحائل غير المدخول بها والحامل وعلى كون النسبة عموماً من وجه فإنّ لسانها لسان النظر إلى ذلك الإطلاق والحكومة، وإن أبيت عنها فالترجيح لها لخروجهما عنه بالإجماع بل لدلالة الآية أيضاً لأنّ المراد من قوله تعالى (فطلقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة) الأمر بطلاقهنّ في طهر يكون من عدّتهنّ، وغير المدخول بها لا عدّة لها، كما أنّ الحامل عدّتها وضع الحمل على كل حال، وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الآية كالأخبار دالة على استثنائهما أيضاً.

) وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق، ولو كان غائباً يصح طلاقها وان وقع في حال الحيض لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها، فلو علم أنها في حال الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر أو تمكن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل(.

يصح طلاق الغائب في الجملة إجماعاً ولا إشكال فيه، وعليه الروايات الكثيرة، وإنما الكلام والإشكال في إطلاقه، فإنّ في المسألة أقوال خمسة:
الأول: عدم اشتراط التربص وأنّ المناط تحقق وصف الغائب مع الجهل بحال الزوجة والتقييد بالجهل وإن لم يكن بمصرّح به في كلماتهم المرئية والمحكية(1) لكنّه هو
--------------------------------------------------------
ـ قال في الحدائق: «وقال الشيخ في النهاية: ومتى لم يكن دخل بالمرأة وطلّقها وقع الطلاق وإن كانت حائضاً، وكذلك إن كان غائباً شهراً فصاعداً وقع طلاقه إذا طلّقها وإن كانت حائضاً». وقال في موضع آخر منها: «إذا خرج إلى السفر وقد كانت طاهراً طهراً لم يقربها فيه بجماع جاز له أن يطلّقها أي وقت شاءَ، ومتى كانت طاهراً طهراً قد قربها فيه بجماع فلا يطلّقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، ثم يطلّقها بعد ذلك أي وقت شاء». وكلامه الأول يرجع إلى ما ذكره الصدوق في الفقيه، وبه صرّح ابن حمزة أيضاً، فقدر مدّة التربص بشهر فصاعداً. وبما ذكره من الكلام الثاني صرّح ابن البرّاج فقال: «إن كان لمّا خرج كانت طاهرة طهراً لم يقربها فيه بجماع طلّقها أي وقت أراد وإن كانت طاهراً طهراً قد قربها فيه بجماع فلا يطلّقها حتى تمضي لها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ويطلّقها بعد ذلك أي وقت أراد». (الحدائق الناضرة 25: 184). «منه دام ظله».

(72)
المستفاد والمعلوم عرفاً من مناسبة الحكم والموضوع وذلك لعدم الخصوصية للغائب بما هو هو الموجب لجواز الطلاق حتى مع العلم بالحال وأنّ الزوجة حائض بل الخصوصية إنّما تكون من جهة سببية الغيبة للجهل غالباً لاسيّما في مثل زمان القائلين بهذا القول ممّا كانت الأجهزة الإعلامية والاتصالات اليومية قليلة جدّاً. وهو المحكي عن علي بن بابوية وابن أبي عقيل وسلاّر والمفيد وأبي الصلاح بل قد ادّعى ثانيهم التواتر عليه.
الثاني: ما هو المحكي عن الصدوق في الفقيه(1) والشيخ في موضع من النهاية وصريح ابن حمزة على المحكي وهو تربص شهر فصاعداً.
الثالث: اعتبار تربص ثلاثة أشهر مع العلم ببراءة رحمها من الحمل فيما إذا خرج بعد المواقعة وهو المحكي عن ابن الجنيد والعلاّمة في المختلف.
الرابع: التفصيل بين السفر في طهر غير المواقعة فيجوز له الطلاق من دون اشتراط، بخلاف كونه في طهر المواقعة فعليه التربص ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر وهو للشيخ في موضع من النهاية وصريح ابن البرّاج على المحكيّ عنه.
الخامس: التفصيل كذلك مع اعتبار العلم بخروجها من ذلك الطهر إلى طهر آخر
--------------------------------------------------------
1 ـ الفقيه 3: 325 / 1572.


(73)
وهو المشهور بين المتأخرين. وجعله الشرايع المحصّل في المسألة وذهب إليه قبلهم الشيخ في الاستبصار.
هذا ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار وهي على طوائف:
الأولى: تدل على جواز طلاق الغائب مطلقاً، وهي أخبار استثناء الخمس المنقولة في المسألة السابقة وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «سألته عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل حال، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها»(1).
ورواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل يطلّق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلّقها كانت طامثاً. قال: يجوز»(2).
فمقتضى الإطلاق في تلك الأخبار وترك الاستفصال في هاتين الروايتين هو عدم اعتبار التربّص أصلا.
ولقائل أن يقول: التمسك بالإطلاق غير تمام، أمّا في أخبار الخمس فلأنّه في مقام العدّ لا المعدود وأنّ الغائب على الإطلاق مورد للاستثناء أو مع القيد، والمفيد في المقام هو الإطلاق في المعدود لا في العدّ كما لا يخفى. وأمّا في الروايتين فلأنّ السائل فى صحيحة ابن مسلم ليس في مقام السؤال عن صحة طلاق الغائب بما هو غائب حتى يكون في ترك الاستفصال دلالة على العموم بل السؤال عن اشتراط طلاقه كغيره بالخلوّ عن الحيض وعدمه فالسؤال هو عن أصل الاستثناء فتكون مثل أخبار الخمس، وفي رواية أبي بصير السؤال عن طلاق الغائب المنكشف كونه في حال الحيض بعد وقوعه كما يظهر من عطفه العلم بالطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب، فليس
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 56، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث1.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 57، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث6.

(74)
السؤال إلاّ عن صورة خاصّة، فالاستدلال للعموم بترك الاستفصال في هذه الرواية أضعف من غيرها.
هذا مضافاً إلى ما يمكن أن يقال في جلّ أخبار الخمس بل في غير صحيح ابن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) من أنّها ناظرة إلى حال المرأة وأنّهنّ يطلّقن على كل حال فالإطلاق على التسليم بالنسبة إلى حالات المرأة الغائب عنها زوجها لا بالنسبة إلى الزوج الغائب ومدّة التربص، نعم التمسك بالإطلاق في تلك الصحاح له وجه وهو شمول «متى شاءت» لكلّ الأزمنة من الغيبة في المدّة اليسيرة والكثيرة فالصحاح بإطلاقها تدلّ على صحة طلاق الغائب ولو قبل مضيّ الشهر لكن الحمل كذلك بعيد جداً فإنّ الظاهر كون المراد من كلمة «متى» الزمانية العموم من حيث خلوّ الزوجة عن الحيض وعدمه فإنّه المحطّ للاستثناء ويشهد له سياق بقية الأخبار من التعبير بـ«كلّ حال» فتدبّر.
الثانية: ما تدلّ على اشتراط مضيّ شهر واحد كموثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الغائب إذا أراد أن يطلقها تركها شهراً»(1). وما عن ابن سماعة قال: سألت محمّد بن أبي حمزة: متى يطلّق الغائب ؟ فقال: حدّثني إسحاق بن عمّار أو روى إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن (عليه السلام) قال: «إذا مضى له شهر»(2).
الثالثة: ما تدلّ على اشتراط التربّص بثلاثة أشهر وما فوقها كصحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتى تمضي ثلاثة أشهر»(3).
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 56، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث3.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 57، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث5.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 58، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث7.

(75)
وموثقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): «الغائب الذي يطلّق أهله كم غيبته ؟ قال: خمسة أشهر، ستة أشهر قال: حدّ دون ذا. قال: ثلاثة أشهر»(1).
الرابعة: ما تدلّ على أنّ طلاق الغائب بالأهلّة والشهور كموثقة ابن بكير قال: أشهد على أبي جعفر (عليه السلام) إنّي سمعته يقول: «الغائب يطلّق بالأهلّة والشهور»(2). ولا يخفى عليك عدم منافاة الرابعة للبقية لأنّ النسبة بينهما نسبة الإجمال والتفسير، كما أنّه يحتمل أن يكون الاعتداد بالأهلّة والشهور وذلك لما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج في الحاضر الّذي لا يمكنه الوصول(3). بل الظاهر هو ذلك.
وما ذكر أو يمكن أن يذكر في رفع الاختلاف والجمع بين هذه الأخبار وجوه:
أحدها: ما عن الشيخ في الاستبصار وهو الدليل لأصحاب القول الخامس، بحمل الأخبار المختلفة في مدّة التربّص على اختلاف عادات النساء في الحيض وعلم الزوج بحال زوجته في ذلك، فقال: فمن يعلم من حال زوجته أنّها تحيض في كل شهر يجوز له أن يطلّقها بعد انقضاء الشهر ومن يعلم أنّها لا تحيض إلاّ في كلّ ثلاثة أشهر لم يجز له أن يطلّقها إلاّ بعد انقضاء ثلاثة أشهر وكذلك من تحيض في كل ستّة أشهر، وحينئذ فالمراعى في جواز ذلك مضيّ حيضة وانتقالها إلى طهر لم يقربها فيه بجماع، واقتفاه أكثر المتأخرين. قال المحقق الثاني(قدس سره): «وهو الذي يقتضيه النظر الصحيح والوقوف مع القوانين الأصولية، لأنّ الأخبار الدالّة على وجوب التربّص مدّة ليصحّ الطلاق لا يجوز إجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي، ولا إطراح بعضها، فلم يبق إلاّ الجمع بينها بالحمل على أنّ المراد مراعاة زمان يعلم الزوج الغائب حصول الحيض
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 58، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث8.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 56، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث2.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 60، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب28، الحديث1.

(76)
بعد طهر الجماع، والانتقال عنه إلى طهر، وأنّ الاختلاف ينزّل على اختلاف عادة النساء في حصول الحيض باعتبار شهر أو ثلاثة أشهر أو خمسة أو ستّة، فقد اشتركت أخبار التربّص في أنّ الانتقال من طهر إلى طهر آخر شرط في صحة الطلاق من الغائب ولو ظنّاً مستفاداً من عادة المرأة إن كانت معلومة، وإلاّ فمن غالب عادات النساء. ودلّت رواية أبي بصير(1) على أنّه لو طلّقها وعلم يوم طلّقها أنّها كانت طامثاً يجوز الطلاق. ولا ريب أنّ ما اشتركت فيه هذه الأخبار مخصّص لعموم الخبرين الدالّين على جواز تطليق زوجة الغائب على كلّ حال»(2).
ولا يتوهّم أنّ المعتبر عند أصحاب هذا القول هو العلم بالانتقال وانقضاء الحيض كما هو صريح الشرائع، لكن الظاهر من المحقّق الثاني هو الاكتفاء بالظنّ حيث إنّ مرادهم من العلم بقرينة اكتفائهم بمضيّ مدّة الحيض من أشهر وغيره هو الحجة المعتبرة المستندة إلى الظنّ الحاصل من الانقضاء. هذا مع أنّ العلم في الفقه والألسنة المتعارفة هو الحجّة كما بيّناه مرّة بعد مرّة وحقّقناه في الأُصول عند البحث عن حديث الرفع.
أقول: إنّ مقتضى القاعدة الأُصولية وإن كان تقييد الأخبار المطلقة المستندة للشيخ المفيد ومن تبعه بأخبار التربّص لكن الإشكال في تلك الأخبار لما بينهما من التعارض فلابدّ من رفع التعارض بينهما ثم التقييد بها، وما ذكروه من الجمع فليس في الأخبار إشعار به أصلا ويكون الجمع تبرّعاً محضاً والسؤال قد وقع فيها عن مطلق المطلّق لا عن واقعة مخصوصة حتى يتوجّه احتمال كون المطلّقة المسؤول عنها معتادة بتلك العدّة فحملها على العادات المختلفة بعيد جدّاً.
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 57، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث6.
2 ـ الحدائق الناضرة 25: 187.

(77)
لا يقال: إنّ موثقة إسحاق بن عمّار المنقولة في الطائقة الثالثة حيث إنّها حاكمة على موثقته الأُخرى وعلى ما عن ابن سماعة المنقولتين في الطائفة الثانية لأنّها تفسّر الغائب فيرتفع التعارض بينهما.
لأنّه يقال: مضافاً إلى عدم جريان ذلك في صحيحة جميل لعدم كون الموضوع فيها الغائب بل الموضوع فيها الرجل الخارج من منزله والحكومة تابعة للسان الدليل، أنّه لم يقل بذلك أحد، ويكون مخالفاً للإجماع، حيث إنّ اللازم من الجمع كذلك تربّص أربعة أشهر، ثلاثة أشهر لتحقق الغائب حكومة، وواحد لاعتباره في الغائب.
ثانيها: حمل المطلقات على شهر واحد، والثلاثة والخمسة والستة على الندب، والشاهد له اختلاف الروايات مع اتحاد الراوي في اثنتين منها وهو في روايتي إسحاق بن عمّار، ولا يخفى عدم تماميته لعدم اختلافها كثيراً موجباً للحمل كذلك فإنّ الأخبار بين طائفتين، من شهر واحد وثلاثة أشهر، والزائد على الثلاثة ليس بمعتبر وذلك لما في الموثق الدالّ عليه بالاجتزاء بالثلاثة، ففيه قال: خمسة أشهر أو ستّة. قلت: حدّ دون ذا، قال: ثلاثة أشهر. هذا، مع أنّ الحمل عليه يلزم أن يجري في الشهر الواحد أيضاً فكيف يكون متعيّناً ؟ نعم في وحدة الراوي دلالة عليه لكنه غير كاف.
ثالثها: ما في الجواهر من حمل المطلقات على طهر غير المواقعة واعتبار ثلاثة أشهر أو شهر واحد على من خرج في طهر المواقعة فإنّ طلاق الغائب بعد مضيّ ثلاثة أشهر في المسترابة يقع صحيحاً لأنّ الطلاق لابدّ أن يكون في العدّة قضاءً للآية الشريفة فالمرأة في ذلك الزمان لا تخلو من أن تكون حاملا أو حائلا والطلاق فيهما في العدّة أمّا في الحامل لكون انقضاء عدّتها بالوضع ويصحّ طلاقها في حاله وإن كانت حائضاً وأمّا في الحائل فلعدم إضرار الحيض في الغائب غير العالم فإنّ المتيّقن من مانعيته إنّما هو في غير الغائب ممّن لا يتعذّر ولا يتعسّر عليه تحصيل العلم وعين هذا


(78)
الكلام يجري في مستقيمة الحيض بعد مضيّ الشهر لأنّ المطلّقة بعد انقضاء عدّتها وهي شهران أو ثلاثة أشهر إمّا تكون حاملا فطلاقها كان في الحمل وإمّا تكون حائلا فطلاقها لم يكـن في طهر المواقعة ووقوعـه فـي الحيض غير مضرّ في الغائب كما مـرّ فقال:
«بل من التأمل فيما ذكرنا قد ينقدح وجـه جمع بين ما دلّ مـن النصوص التي سمعت تواترها على طلاق الغائب على كل حال بحملها على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه ولم يعلم بكونها حائضاً ولو لعادة لها وقتية مثلا معلومة لديه، وبين ما دلّ منها على اعتبار الثلاثة أشهر وهي صحيح جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتى يمضي ثلاثة أشهر» وموثّق إسحاق بن عمّار قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): «الغائب الذي يطلّق كم غيبته ؟ قال: خمسة أشهر أو ستة أشهر، قلت: حدّ دون ذلك، قال: ثلاثة أشهر» وحسن ابن بكير، قال: أشهد على أبي جعفر (عليه السلام) أنّي سمعته يقول: «الغائب يطلّق بالأهلّة والشهور» التي عن الاسكافي العمل بها وطرح ما عداها، وتبعه في المختلف بحملها على من خرج في طهر المواقعة، ضرورة أنّه مع مضي المدّة المزبورة إمّا أن تكون مستبينة الحمل، وطلاقها حينئذ للعدّة، أو حائضاً وهو غير قادح في الغائب، بل قد يحصل ذلك في الامراة المستقيمة التي هـي غير مسترابـة بمضيّ شهر مضافاً إلى عدّتها.
وعليه ينزّل موثّق إسحاق عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً» وخبر ابن سماعة سألت محمّد بن أبي حمزة «متى يطلّق الغائب ؟ قال: حدّثني إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن (عليه السلام)، قال: إذا مضى له شهر» فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد وإليه أشار الصدوق في الفقيه بقوله:

(79)
«وإذا أراد الغائب أن يطلّق امرأته فحدّ غيبته أنّه إذا غابها كان له أن يطلّق متى شاء خمسة أشهر أو ستّة، وأوسطه ثلاثة أشهر، وأدناه شهر» بل لا يبعد إرادة الانتقال من طهر إلى زمان طهر آخر من الشهر في النصوص، ولعلّ هذا هو الوجه في اختلاف النصوص، وأولى من العمل بأحدها وطرح الآخر»(1).
وفيه: أنّ الجمع كذلك كالجمع السابق تبرّعي لا شاهد له، لا من العقل ولا من النقل، وما ذكره(رحمه الله) وجهاً لصحّة الطلاق من وقوعه إمّا على الحامل المستبين حمله أو الحائل المنقضي حيضه فإنّه وإن كان فيه الدقّة الفقهية إلاّ أنّ العرف لا يعلمه فضلا عن المساعدة عليه بل غير واحد من علمائهم وفقهائهم لا يعلمونه إلاّ بعد الدّقة الكثيرة فكيف يعتمد على هذا النحو من الجمع الذي ليس بعرفي بل ليس إلاّ جمعاً دقيقاً فقهيّاً لا يبدو إلاّ من مثل صاحب الجواهر المستنبط لجواهر الأحكام بالغوص في بحار الكتاب والسنّة، المؤلف لجواهر الكلام في الفقه الذي لا تجد فرعاً من كل أبواب الفقه إلاّ وقد تعرّضه، والذي قال استأذنا الإمام(قدس سره) في حقه أنّه الّذي يعجز عن تأليفه مائة من الفقهاء! هذا مع أنّ مضيّ ثلاثة أشهر وإن كان غالباً موجباً للعلم أو الاطمينان بالحمل وعدمه لكنّه ليس على الدوام فيبقى حال غير الغالب غير معلوم ولايستقيم مع ما ذكره(رحمه الله) ومع أنّ حمل المطلقات على الخارج في طهر غير المواقعة ممّا لا شاهد له أصلا فإنّه وإن سلّمنا كون الاختلاف في أخبار التربّص شاهداً على ما ذكره(رحمه الله)من الجمع فهو مختصّ بتلك الأخبار دون المطلقات كما لا يخفى.
رابعها: حمل الشهر الواحد على المستقيمة، والثلاثة على غيرها على أن تكون للأهلّة والشهور خصوصية. وفيه أنّه لا شاهد له أيضاً ويكون تبرّعاً محضاً.
خامسها: ما في المسالك من تقييد الإطلاقات بأخبار التربّص ثلاثة أشهر لصحّتها
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 32 ـ 33.

(80)
وموافقتها مع الاعتبار لأنّ الغالب في الغائب عن زوجته أن يكون حالها مجهولا وحملها ممكناً في وقته ومع جهله بحالها تصير في معنى المسترابة إلاّ أن يعلم عادة المرأة وانتقالها بحسبه من طهر إلى طهر آخر فيكفي تربّصه ذلك المقدار(1).
وفيه: أنّه تمام على مبناه من اختصاص حجية الخبر بالصحيح الإعلائي وأمّا على ما هو الحق من حجيّة الخبر وإن كان موثّقاً بل وإن كان موثوق الصدور فالتعارض في محلّه.
سادسها: حمل موثقة عمّار الدالة على اعتبار الشهر بما في صحيحة عبد الرحمن من كون الشهر للغائب الّذي يصل إليها الأحيان ولا يصل إليها الأحيان فيتركها شهراً ولا يصل إليها ليصير سبباً لجهله، فإنّ المناط في الغائب الجهل كما يظهر من الصحيحة ويكون مناسباً للغيبة وحمل الدالّة على اعتبار الثلاثة على الأولوية والاستحباب بشهادة موثقة عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) حيث إنّ الإمام (عليه السلام) لم يعيّن المدّة في جواب إسحاق عن مدّة الغيبة في الغائب الذي يطلّق، بل أجابه (عليه السلام) بقوله «خمسة أشهر أو ستة أشهر» والجواب كذلك لايلائم الوجوب بل مناف له، وما في الذيل من بيان الحدّ الذي يكون دون ذلك وإن كان في حدّ نفسه ظاهراً في الوجوب لكنّه لمّا يكون بعد سؤال السائل فظهوره لمكان الترديد في الاستحباب محفوظ وإلاّ فيلزم نقصان جوابه (عليه السلام) كما لا يخفى. وهذا الوجه من الجمع هو أظهر الوجوه وعليه الشاهد من الأخبار ويكون موافقاً للاعتبار وهو الوجه كما في المتن.
ثم إنّ احتمال أنّ الأهلّة والشهور ليست شرطاً في صحة الطلاق من باب الحيض والطهر بل هو حكم للغائب عند الطلاق ; فإنّ ترك المرأة في السفر في موثّقة عمّار لا معنى له إلاّ مضيّ المدّة، فالملاك هو مضيّها، وعلى هذا يؤخذ بظاهـر عنوان
--------------------------------------------------------
1 ـ مسالك الأفهام 9: 39 و40.

(81)
الغائب. ويشعر به ما عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض موالينا إلى أبي جعفر (عليه السلام) معي: «ان امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب من البلاد فتبع الزوج بعض أهل المرأة. فقال: إمّا طلّقت وإمّا رددتك، فطلّقها، ومضى الرجل على وجهه فما ترى للمرأة ؟ فكتب بخطه: تزوّجي يرحمك الله»(1). إلاّ أنّه مع اختصاصه بالموثّقة ممّا لا يذهب إليه الفقيه العارف بأحكام الطلاق وأدلة شرائطه.
ثم إنّ رواية إسحاق بن عمار نصّ في صحة الطلاق بعد مضيّ شهر واحد وصحيحة جميل ظاهرة في عدم الجواز فيحمل النفي هنا على الكراهة، وكذا موثّقة عمّار الأُخرى ظاهرة في الجواز بعد مضيّ ثلاثة أشهر وعدم الجواز قبله، فحمل الروايات على الاستحباب لهذا الوجه وجيه إلاّ أنّ الاشكال في الوجه فإنّه غير تمام على ما حقّق في محلّه.

) مسألة 12 ـ لو غاب الزوج فإن خرج حال حيضها لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض أو كانت ذات العادة ومضت عادتها، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان صحّ طلاقها وان تبيّن وقوعه في حال الحيض، وان خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه طلّقها في أي زمان لم يعلم بكونها حائضاً وصحّ طلاقها وان صادف الحيض، نعم لو طلّقها في زمان علم بأن عادتها التحيّض فيه بطل إن صادفه(.

لاستصحاب الحيض المتيقّن حال خروجه المنقطع بالقطع بخلافه أو بمضيّ المدّة
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 57، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث4.

(82)
والمحكّم فيهما إطلاق روايات الغائب لعدم اختصاصها بالخروج مع الجهل بحال الزوجة، ووجه ما استدركه بقوله «نعم» معلومية عدم كون الغائب بما هو هو موضوعاً للحكم ومورداً للاستثناء بل الاعتبار به من جهة ملازمته للجهل بحالها فإنّه المناسب معه في الاستثناء.

) ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر، ويكفي تربص شهر والأحوط أن لا ينقص عن ذلك، والأولى تربص ثلاثة أشهر، هذا مع الجهل بعادتها، وإلاّ فيتبع العادة على الأقوى، ولو وقع الطلاق بعد التربص المذكور لم يضرّ مصادفة الحيض في الواقع(.

كفاية الانتقال بمقتضى العادة هي من جهة حجية العادة ظاهراً والاحتياط بمضيّ الشهر من جهة الغلبة والعمل برواية الشهر وأمّا الأولوية بالنسبة إلى الثلاثة فلما مرّ من الجمع بالحمل على الاستحباب وكثرة الاستظهار.

) بل الظاهر أنّه لا يضرّ مصادفته للطهر الذي واقعها فيه بأن طلّقها بعد شهر مثلا أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها عن الطهر الأول والحيض الذي بعده ثم تبيّن الخلاف(.

وجه الظهور هو أولوية كشف الطهر من كشف الحيض فإنّ فيه فقدان الشرطين وهما عدم الحيض وعدم كون الطهر غير المواقعة وفي كشف الحيض فقدان الشرط الأخير فقط، وأيضاً أنّه لا خصوصية للحيض بل المعيار هو الغيبة واستثناء الغائب من الشرطين.


(83)
) مسألة 13 ـ الحاضر الذي يتعذر أو يتعسر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر والحيض كالغائب، كما ان الغائب لو فرض امكان علمه بحالها بسهولة بلا تعسّر كالحاضر(.

لعدم الخصوصية للغائب وذلك لصحيحة عبد الرحمن، قال سألت الحسن (عليه السلام) «عـن رجـل تزوّج امـرأة سـرّاً من أهلها «أهله. فقيه» وهـي فـي منزل أهلها «أهلـه. فقيه» وقد أراد أن يطلّقها وليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت، قال: فقال: هذا مثل الغائب عن أهله يطلّق بالأهلّة والشهور، قلت: أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلّقها ؟
قال: إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود ويكتب الشهر الّذي يطلّقها فيه ويشهد على طلاقها رجلين فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تعتدّ فيها»(1).
ولا أجد كما قال في الجواهر، خلافاً في المسألة إلاّ من الحلّي فيما حكي عنه بناءً على أصله من عدم العمل بخبر الواحد، فإلحاق الحاضر حينئذ بالغائب قياس، والمتّجه بقاؤه حينئذ على حكم الحاضر من عدم جواز طلاقه حتى يعلم انتقالها من طهر المواقعة وخلوّها عن الحيض حين الطلاق، ولكنّه كما ترى(2).
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 60، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب28، الحديث1.
2 ـ جواهر الكلام 32: 39.

(84)
تتمة

قد ذكر الشهيد(قدس سره) في المسالك صوراً لطلاق الغائب قد مرّ بعضها في المتن وبقي منها بعض يجدر ذكر تمامها إتماماً للفائدة. قال(قدس سره):
«إذا طلّق الغائب زوجته فلا يخلو إمّا أن يطلّقها بعد مضيّ المدّة المعتبرة أو قبلها وعلى التقديرين إمّا أن يوافق فعله كونها جامعة لشرائطه في الواقع بأن يكون قد حاضت بعد طهر المواقعة وطهرت فوقع الطلاق حال الطهر، أو لا يوافق، بأن تبيّن وقوعه في طهر المواقعة أو حالة الحيض أو يستمر الاشتباه. وبيان الحكم ينتظم في مسائل:
الأولى: أن يطلّقها مراعياً للمدّة المعتبرة ثم تظهر الموافقة، بأن كانت قد انتقلت من طهر المواقعة إلى آخر، وهنا يصح الطلاق إجماعاً لاجتماع الشرائط المعتبرة في صحته ظاهراً وفي نفس الأمر».
أقول: اعتباره المدّة في هذه المسائل مبنيّة على مختارة من الخصوصية لها كما أنّها تختلف باختلاف المباني من اعتبار الشهر أو الثلاثة أو اعتبارهما باعتبار الاختلاف في الحيض وأمّا على المختار من كفاية الحجّة على الانتقال فلا خصوصية للمدّة بما هي هي بل الاعتبار بالحجة، نعم المدّة تكون من مصاديقها، وكيف كان فالوجه في الصحة هو ما ذكره(رحمه الله) واقتفاه الجواهر إلاّ أنه ادّعى عدم الخلاف في الصحة ونسب الإجماع إلى المسالك وفيه وفي أمثاله الكثيرة الواقعة في الجواهر لشهادة على دقته(رحمه الله)في نقل الفتاوى والإجماعات، فالمسألة مع أنّها كانت من واضحات الفقه وليس للفقيه إلاّ الإفتاء بالصحة لاجتماع الشرائط ظاهراً وواقعاً لكنّه(رحمه الله) مع ذلك قال: لمّا لم يحصل له الإجماع فلم يدّعه بنفسه بل حكاه عن غيره واكتفى بنفي الخلاف المحصّل له.


(85)
قال(قدس سره): الثانية: «أن يطلّقها كذلك ولكن ظهر بعد ذلك كونها حائضاً حال الطلاق، وهنا يصح الطلاق أيضاً لأن شرط صحته للغائب مراعاة المدة المعتبرة وقد حصل والحيض هنا غير مانع لعدم العلم به وهو ممّا قد استثني من صور المنع من طلاق الحائض بالنص والفتوى وفي رواية أبي بصير، قلت: «الرجل يطلّق امرأته وهو غائب فيعلم أنّه يوم طلّقها كانت طامثاً. قال: يجوز»(1). والمراد من هذه الرواية أنّه لم يكن عالماً بالحيض حال الطلاق ثم علم، لعطفه العلم على الطلاق بالفاء المفيدة للتعقيب. ولا خلاف في هذه الصورة أيضاً.
الثالثة: الصورة بحالها في أنّه طلّق بعد المدة المعتبرة ولكن ظهر بعد ذلك كونها باقية في طهر المواقعة لم تنتقل منه إلى حيض ولا إلى طهر آخر وهو صحيح أيضاً كالسابقة، لعين ما ذكر فيها، وهو وقوعه على الوجه المعتبر شرعاً ولأن الطلاق إذا حكم بصحته في حالة الحيض بالنص والإجماع فلأن يحكم بصحته في حالة الطهر أولى، لما قد عرفت من أنّ شرط الطلاق في غير الغائب أمران: وقوعه في طهر، وكون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا اتفق وقوعه في حالة الحيض تخلّف الشرطان لعدم طهر آخر غير طهر المواقعة وعدم الخلو من الحيض، وإذا اتفق وقوعه في حالة الطهر فالمتخلّف شرط واحد وهو كون الطهر غير طهر المواقعة، فإذا كان تخلّف الشرطين في الغائب غير مانع فتخلّف أحدهما أولى بعدم المنع. وربّما قيل هنا بعدم الوقوع لانتفاء شرط الصحة وهو استبراء الرحم، خرج منه حالة الحيض للرواية فيبقى الباقي، وللمنع عن وجود الشرط، وأنّ الاذن في الطلاق استناداً إلى الظن لا يقتضي الحكم بالصحة إذا ظهر بطلان الظن. وجوابه أنّ الشرط المعتبر في استبراء الرحم للغائب إنّما هو مراعاة المدّة المعتبرة وهو حاصل وموضع النصّ والفتوى وهو
--------------------------------------------------------
ـ وسائل الشيعة 22: 57، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب26، الحديث6.

(86)
حالة الحيض، منبّه عليه وظهور بطلان الظن غير مؤثر فيما حكم بصحته. والحاصل أنّ الشرط المعتبر حاصل والمانع وهو ظهور الخطأ غير معلوم المانعية وقد تخلّف فيما هو أولى بالحكم أو مساو في المنع، وكون الحكمة في انتظار المدّة المقررة هو استبراء الرحم غير لازم، لأنها مستنبطة لا منصوصة فلا يلزم إطرادها، وإنّما المنصوص اعتبار انقضاء المدّة المعتبرة واستنبط منها (معها خل) الاكتفاء بظنّ الانتقال من طهر إلى آخر وكلاهما متحقق.
الرابعة: أن يطلّقها مراعياً للمدّة المعتبرة ويستمرّ الاشتباه فلا يعلم كونها حائضاً حال الطلاق أو طاهرة طهر المواقعة أو غيره، وهنا يصح الطلاق قولا واحداً لوجود المقتضي للصحة وهو استبراؤها المدّة المعتبرة مع باقي الشرائط وانتفاء المانع، إذ ليس ثَمّ إلاّ اشتباه الحال وهو غير صالح للمانعية وكون انتقالها من طهر المواقعة إلى آخر شرطاً في صحة الطلاق مخصوص بالحاضر وأمّا الشرط في الغائب فهو مضيّ المدّة المعتبرة مع عدم العلم بكونها حائضاً حال الطلاق أو باقية في طهر المواقعة فمتى انتفى العلم بذلك حصل الشرط.
الخامسة: أن يطلّقها قبل مضيّ المدّة المعتبرة ولكن ظهر بعد الطلاق وقوعه في طهر لم يواقعها (لم يقربها خ. ل) فيه، وفي صحة الطلاق حينئذ وجهان ; من حصول شرط الصحة في نفس الأمر وظهور الحال، ومن عدم اجتماع الشرائط المعتبرة في الطلاق حال إيقاعه المقتضي لبطلانه، ويمكن أن يجعل ظهور اجتماع الشرائط بعد ذلك كاشفاً عن صحته خصوصاً مع جهله ببطلان الطلاق من دون مراعات الشرط، لقصده حينئذ إلى طلاق صحيح ثم ظهر اجتماع شرائطه. والأظهر الصحة».
أقول: بل الأقوى وذلك لإطلاق أدلة الشرائط كما قاله في الجواهر، بل لظهور أدلّة الإحراز في أنّ الإحراز طريقي لا نفسي.


(87)
قال(قدس سره): «السادسة: أن يطلّقها قبل الاستبراء وتبيّن عدم الانتقال أو يستمرّ الاشتباه فيبطل الطلاق عند كل من اعتبر المدّة، لوجود المقتضي للبطلان وهو عدم التربّص به المدة المعتبرة وعدم انكشاف حصول ما يقتضي الصحة، بخلاف السابق».
أقول: ولا يخفى عليك الفرق في البطلان في الصورتين حيث أنّه واقعي مع التبيّن وظاهريّ مع استمرار الاشتباه.
قال(قدس سره): «السابعة: لو طلّقها بعد انقضاء المدّة المعتبرة ولكن اتفق له مخبر يجوز الاعتماد عليه شرعاً بأنها حائض بسبب تغيّر عادتها ففي صحة الطلاق حينئذ وجهان ; أجودهما العدم، وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة أو بكونها حائضاً حيضاً آخر بعد الطهر المعتبر في صحة الحيض، لاشتراك الجميع في المقتضي للبطلان، وصحة طلاقه غائباً مشروط بعدم الظن بحصول المانع».
أقول: إنّ قوله بأّن الروايات مشروطة بعدم الظن بالخلاف، ففيه أنّ لها إطلاق، وانصرافها غير معلوم ويؤيده إطلاق عبارات الأصحاب بل الانصراف كذلك معلوم العدم، كيف وطلاق الغائب مع رعاية شرائطه صحيح نصّاً وفتوىً مع العلم بخلافه فضلا عن الظنّ المعتبر. هذا بناءً على كون المراد من العبارة أخبار المخبر بعد الطلاق، وأمّا بناءً على مقارنة الأخبار بالطلاق كما في الجواهر بل استظهره من المسالك ففيه إمكان منع الاشتراط المزبور وذلك لإطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على صورة العلم خاصّة، نعم قد يقال باعتبار خصوص خبر العدل بناءً على أنّه من العلم شرعاً في هذا المقام دون كلّ ظنّ.
قال(قدس سره): «الثامنة: لو كان خروج الزوج في طهر آخر غير طهر المواقعة صح طلاقها من غير تربص، ما لم يعلم كونها حائضاً ولا يشترط هنا العلم أو الظن بعدم الحيض بخلاف ما سبق. والفرق أنّ شرط الصحة هنا موجود وهو استبراؤها


(88)
بالانتقال من طهر إلى آخر وإنّما الحيض بعد ذلك مانع من صحة الطلاق ولا يشترط في الحكم بصحة الفعل، العلم بانتفاء موانعه بل يكفي عدم العلم بوجودها، بخلاف السابق، فإنّ شرط صحة الطلاق مضيّ المدة المعتبرة المشتملة على العلم بانتقالها من طهر إلى آخر والجهل بالشرط يقتضي الجهل بصحة المشروط».
أقول: ما ذكره من الحكم تمام قضاءً لأخبار الغائب لا لما علّله من الفرق في الشكّ في الشرط والمانع، وذلك لما مرّ من عدم التمامية وإن كان مورداً للخلاف.
قال(قدس سره): «التاسعة: النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه، فلو غاب وهي حامل ومضت مدّة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطهرها من النفاس جاز طلاقها كما لو انتقلت من الحيض. ويكفي في الحكم بالنفاس ظنّه المستند إلى عادتها وإن كان عدمه ممكناً كما قلناه في الحيض ومثله ما لو كان حاضراً ووطأها قبل الوضع فإنّه يكتفي بنفاسها في الاستبراء.
العاشرة: لو وطأها حاملا ثم غاب وطلق قبل مضيّ مدّة تلد فيها غالباً وتتنفّس فصادف الطلاق ولادتها وانقضاء نفاسها ففي صحته الوجهان الماضيان في الحيض، والحكم فيهما واحد».
أقول: وقد أورد في الجواهر على اعتبار مضيّ المدّة لأن طلاق الحامل لا يعتبر فيه مضيّ المدّة بما هذا لفظه:
«وفيه أنّه يمكن القول بجواز طلاقها على كل حال ما لم يعلم نفاسها، لاجتماع جهتي الجواز فيه، وهي الحمل وكونه غائباً، ولا مدخلية للمدّة هنا فيه وحينئذ فلو وطأها حاملا ثم غاب عنها وطلّق قبل مضيّ مدّة تلد فيها غالباً فصادف الطلاق نفاسها صحّ، وكذا لو صادف ولادتها وانتفاء نفاسها، وليس هو كالطلاق قبل المدّة فصادف حيضها وطهرها، وذلك لأنّ احتمال البطلان بسبب احتمال كون مضيّ المدّة


(89)
شرطاً ولم يحصل، بخلاف المقام الّذي لا وجه فيه لاعتبار المـدّة، ضرورة كونها حامـلا أو في طهـر لم يقربها فيه، وكل منهما لا يعتبر فيه مـدّة أصلا كما عرفت، إذ المـدّة إنّما اعتبرت لتحصيل الظـن بالانتقال إلى طهر آخـر باعتبار مواقعته لها في الطهر الّذي غاب فيه، وفي الفرض لا تقدح مواقعته، لكونها حاملا أو في طهر لم يواقعها فيه»(1).
قال(قدس سره): واعلم إنّ المراد بالعلم في هذه المواضع كلّها معناه العام وهو الاعتقاد الراجح الشامل للظن المستند إلى عادتها في الحيض والطهر والحمل، وينبّه عليه إطلاقهم العلم ثمّ ظهور خلافه. «انتهى كلامه رفع مقامه»(2).
أقول: لا كلام في أنّ المراد من العلم هنا أعم من العلم الخاص وأمّا شموله لمطلق الظنّ، ففيه أنّه مختصّ بالظنّ الّذي يكون معتبراً إلاّ أن يقال بكون المراد منه هو المعتبر من الظنون، قضاءً للأمثلة، حيث إنّها من الظنون المعتبرة، ودليل الشمول استعمال الروايات وضرورة الشمول كما يظهر من المراجعة إلى موارد استعمال العلم في الكتاب والسنّة وألسنة الفقهاء، فإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وأُمناء الرسل هم أهل الحجج والأمارات لا العلوم الفلسفية والرجحان المانع من النقيض، لعدم إمكانهما في غير الضروريات من الفقه، وقد حقق الشمول الأستاذ الإمام(قدس سره) في البحث عن رفع ما لا يعلمون في حديث الرفع بما لا مزيد عليه.
فدليل الشمول ذلك لا الإطلاق المذكور في كلامه لأنّ الإطلاق كلّما كان واسعاً لا يشمل غير افراده فإنّ الإطلاق ليس قرينة على خلاف الظاهر وعلى الصدق لغير مصاديقه كما هو واضح.
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 38.
2 ـ مسالك الأفهام 9: 40 ـ 45.

(90)
) مسألة 14 ـ يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة، وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض لخلقة أو عارض، لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة، فلو طلّقها قبلها لم يقع(.

لما مرّ من روايات استثناء الخمس(1) وأمّا اشتراط مضيّ ثلاثة أشهر في الأخيرة فلا خلاف فيه بل في الحدائق بعد النسبة إلى المقطوع به في كلامهم قال: «بل الظاهر أنّه موضع وفاق»(2). ويدل عليه صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألت الرضا (عليه السلام) «عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق ؟ قال: تطلّق بالشهور»(3).
ومرسل العطّار المنجبر بالعمل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها، كيف يطلقها إذا أراد طلاقها ؟ قال: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلّقها»(4).
ثم أنّه هل المراد من الصغيرة هي غير البالغة كما هو ظاهر المتن والشرائع والمختصر بل المذكور في كلام الأصحاب على ما في الحدائق فإنّه قال: «فاعلم أنّ المذكور في كلام الأصحاب عد الصغيرة في جملة من استثني من الحكم المتقدم»، أو التي لم تبلغ التسع كما فسّره الشيخ في النهاية ؟ وتظهر الثمرة في سنّ البلوغ، فعلى انّ ذلك بتمامية الثلاث عشرة لا التسع كما هو المختار يمكن أن تكون الجارية قبل ذلك
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 54، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25.
2 ـ الحدائق الناضرة 25: 180.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 189، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب4، الحديث17.
4 ـ وسائل الشيعة 22: 91، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب40، الحديث1.

(91)
السنّ إذا لم تكن بالغة بالعلائم الأُخرى، ممّن لم تحض ومثلها لا تحيض بل هو الغالب فيهنّ كما ادّعاه أهل الإطلاع فيجوز طلاقها وإن كانت مدخولاً بها لأنّها من المستثنيات ويجوز طلاقها على كل حال، والظاهر هو الأول قضاءً لظاهر العنوان المأخوذ في أخبار الاستثناء فإنّ حمل العنوان على عدم البلوغ حمل للفظ على الإشارة وانّه ليس بنفسه مقصوداً بل يكون مقصوداً للغير وعنواناً مشيراً إليه وهو كما ترى.
ويستشهد بل يستدلّ للثاني ببعض روايات العدد كرواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ثلاث يتزوّجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض. قال: قلت وما حدّها ؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من الحيض ومثلها لا تحيض. قلت: وما حدّها ؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة»(1).
وروايته الأُخرى الموثّقة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كل حال: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك ؟ قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى يكون كذلك ؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها»(2).
ولكن في الاستدلال بل في الاستشهاد بهما إشكال ومناقشة لأنّه إن أراد الإمام (عليه السلام) الإخبار عن واقع خارجي وهو حيضهن بعد التسع فهو كما ترى لأن أكثر الجاريات في التاسع من العمر لسن في سنّ من تحيض، وإن أُريد أنّ الجارية بعد تسع
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث4.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 183، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث5.

(92)
سنين ليست ممّن لا تحيض ادّعاءً فهو خلاف الظاهر ويحتاج إلى الدليل. ومن الممكن بل الظاهر حمل الرواية على أنّ القدر المشترك بين الجواري وما يكون لهنّ جميعاً بالنسبة إلى عدم الحيض هو قبل تسع سنين، فالرواية بحسب المفهوم في بيان ما يمكن بلوغه الحيض بحسب السنّ بل لا يدلّ المفهوم على أزيد من ذلك. ويؤيده عدم الإطلاق للمفهوم، والظاهر أنّ ما ذكرناه هو مراد صاحب نهاية المرام. فانه(قدس سره) ذكر في شرائط المطلقة ما هذا لفظه:
«وذكر الشيخ في النهاية: إنّ المراد بالصغيرة من نقص سنّها عن تسع سنين. قال: ومن كان لها تسع سنين فصاعداً ولم تكن حاضت بعد وأراد طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلّقها بعد ذلك. وعندي في هذا التخصيص نظر، ولا يبعد أن يكون المراد من «لم تحض» التي لم تحض مثلها عادة وإن زاد سنّها عن التسع وسيجيء في باب العدد ما يؤيد ذلك وضوحاً»(1). وما ذكره فيه من قوله «واعلم أنّ المصنف وجمعاً من الأصحاب صرّحوا بأنّ المراد بالصغيرة من نقص سنّها عن التسع، ومورد الروايات المعتبرة «التي لا تحيض مثلها» وهي تتناول من زاد سنّها على التسع إذا لم تحض مثلها وقد وقع التصريح في صحيحة جميل بعدم وجوب العدّة على من لم تحمل مثلها وإن كان قد دخل بها الزوج(2) مع أنّ الدخول بمن دون التسع محرّم، وحمله على الدخول المحرّم خلاف الظاهر. ولو قيل بسقوط العدّة عن الصبية التي لم تحمل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع، لم يكن بعيداً من الصواب وإن كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه»(3).
--------------------------------------------------------
1 ـ نهاية المرام 2: 23.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث3.
3 ـ نهاية المرام 2: 91.


(93)
لا ما ذكره صاحب الجواهر في المحكي عنه من أنّ الأولى إرادة الأعم منها وهي التي لم تبلغ سنّ المحيض الذي هو التسع، ومن التي لم تحض مثلها عادة سواء كان ينقص سنّها عن التسع أو لم يكن، فتكون أعم من الصغيرة والمسترابة،(1) وذلك لعدم ذكر للمسترابة في موضع من كلاميه أصلا.
بل مراد صاحب نهاية المرام أنّ الملاك في المسألة هو سنّ من لا تحيض ولا تحيض كما بيّناه، والشاهد عليه أنّه قد ذكر ذلك الكلام ذيل قول الشيخ ولقد أجاد فيما قال فهو كالنص في عدم شموله للمسترابة.
وأمّا الحامل فهل هي تمام الموضوع كما في المتن، أو المستبين حملها كما هو المحكي عن بحر العلوم في المصابيح ؟ وجه الأول واضح لأن المذكور في الروايات هو الحامل والحامل أمر واقعي لا دخل للعلم والجهل فيه، نعم قد ذكر أمر التبيّن في روايتين:
أحداهما: ما مرّ عن إسماعيل بن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «خمس يطلّقن على كل حال: الحامل المتبيّن حملها» الحديث(2).
وثانيتهما: ما مرّ أيضاً عن محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «خمس يطلّقهنّ أزواجهنّ متى شاؤوا: الحامل المستبين حملها» الحديث(3).
ولكن الظاهر أنّ الاستبانة فيهما مأخوذة كأمثالها على الطريقية لا الموضوعية، والسرّ أنّ الطرق المثبتة لمّا كانت آلة لإحراز الواقع ومقصودة لذلك وتكون ممّا «بها» ينظر، لا «فيها» بحسب الطبع فكلّ ما اُخذ في الدليل وفي موضوع الحكم يحمله العرف
--------------------------------------------------------
1 ـ جواهر الكلام 32: 41.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 54، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث1.
3 ـ وسائل الشيعة 22: 55، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب25، الحديث4.


(94)
لذلك الطبع على الطريقية، ومن هذا الوجه أيضاً حمل اليقين في أخبار الاستصحاب على الطريقية، لا بما ذكره صاحب الكفاية من فناء اليقين في المتيقّن فناء المرآة في المرئيّ به لمنافاة ذلك مع الأخذ في الحكم والنظر إليه مستقلا كما حقّقناه في محلّه. وتوهّم أنّ قيد التبيّن فيهما على هذا يكون توضيحيّاً لا احترازياً وهو كما ترى حيث إنّ الأصل في القيد الاحتراز، مدفوع بأنّه يكون للتنبيه على الطلاق المباح لأنّه مع عدم التبين فمقتضى استصحاب عدم الحمل الحرمة. واستدل في المصابيح على مختارة(قدس سره) مرة بالروايتين وأُخرى بأن الطلاق حرام في طهر المواقعة فيجب التبين ولا تنافيه الروايات المطلقة الغير المقيّدة بالتبيّن لأنها ناظرة إلى إباحة الطلاق وهي منوطة بالتبين. فإنّ الظاهر من قوله «يطلّقهنّ» إباحة الطلاق دون وقوعه والإباحة مشروطة.
أقول: ولا يخفى ما فيهما، أمّا الأولى فقد ظهر ممّا مرّ، وأمّا الثانية فمخالفة للظاهر جداً لأنّها إمّا في مقام بيان الحكم الوضعي أو الأعم منه ومن التكليفي، لأن الطلاق من الإيقاعات وهو مقصود بالغير والظاهر من الحكم المتعلق به هو الإرشاد إلى الوضع ولا أقلّ من أنّه المتيقن دون الوضعي ولا فرق بينهما وبين المطلقات فتأمل. مضافاً إلى أنّ ذلك النظر جار في المقيّد من الأخبار لاشتراكه مع المطلق في قولهم «يطلقهنّ» كما لا يخفى على المراجع. فالروايتان أيضاً ناظرتان إلى مقام بيان الحكم التكليفي.
) مسألة 15 ـ لا يشترط في تربص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون اعتزاله لأجل أن يطلقها، فلو لم يتفق مواقعتها بسبب إلى مضيّها ثم بدا له طلاقها صح في الحال(.

وذلك لإطلاق الأدلّة مع أنّه ليس من العبادات حتى يحتمل فيه القصد بل ذلك


(95)
التربّص يكون اطمئناناً ببراءة الرحم، ومن المعلوم عدم دخالة القصد فيه أصلا، وبالجملة الحكم توصلّي لا تعبّدي كما لا يخفى.
) مسألة 16 ـ لو واقعها في حال الحيض لم يصح طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة، بل لابدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر. فما هو الشرط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا وقوعه في طهر غير طهر المواقعة(.

الشرط ليس إلاّ وقوعه في طهر غير المواقعة ففي موثّقة اليسع قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا طلاق إلاّ على السنّة ولا طلاق إلاّ على طهر من غير جماع». الحديث(1). ومقتضى ذلك الصحة في مفروض المسألة لإطلاق دليل الشرط وليس المفروض مورداً للتعرّض في الأخبار حتى يقيّد به الإطلاق. وكيف كان فلم نجد التعرّض للمسألة، في مثل الجواهر والحدائق، نعم الظاهر من كشف اللثام أنّه لو وطِئَها في الحيض ثم خرجت من الحيض وصارت طاهرة، فالطلاق في الطهر صحيح لأنّه طهر غير المواقعة. وما ذكر من الشرط في المتن كما قلنا لا يوجد أثر منه في الروايات.
نعم إن لم نأخذ بالإطلاقات فالأصل يقتضي بقاء الحرمة، وما في العبارة من اشتراط كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة فهو مصادرة فالمرجع إمّا إطلاق الأدلة وإمّا استصحاب بقاء النكاح.
لا يقال: إنّ الحيض امارة على عدم الحمل وهو مع المواقعة فيه لا دلالة عليه.
لأنّه يقال: نحن لا نسلّم أنّ الحيض امارة على ذلك دائماً، فإنّه يتّفق مع الحمل
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 22: 24، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب9، الحديث3.

(96)
أيضاً. هذا أولا، وثانياً لا نسلّم عدم موجبية الحيض للاستبراء إن اتفق فيه الوقاع، وعلى كل حال فالمسألة مشكلة.
* * *
«في هذا اليوم وهو اليوم الثالث عشر من شهر آبان قد ألقى شيخنا الأستاذ (دام ظله) كلمة مهمة فقط حوله وهو اليوم الذي قد نفي الإمام الخميني الراحل (قدس سره) من إيران إلى مدينة بورسا في تركيا على أيدي كيان الشاه الأمريكي وجلاوزته وقد صرّح الأستاذ (دام ظله) باشتراك أمريكا في كل الجرائم الصادرة في العالم في الأمس واليوم، وقد أكّد على ضرورة الكفاح، والجهاد المستمرّ ضدّ الكيان الأمريكي».
* * *
) مسألة 17 ـ يشترط في صحة الطلاق تعيّن المطلقة بأن يقول: «فلانة طالق» أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال، فلو كانت له زوجة واحدة فقال: «زوجتي طالق» صح، بخلاف ما إذا كانت له زوجتان أو أكثر وقال: «زوجتي طالق»(.

قد نسب إلى المشهور اشتراط التعيين في المطلّقة مع تعدّد الزوجة لفظاً أو قصداً، وعن الشيخ والمحقق والعلامة والشهيد في أحد قوليهم عدم الاشتراط كما هو المنقول من العامة. ولا يخفى أنّ مقتضى الاستصحاب والاحتياط اشتراطه، كما أنّ مقتضى الإطلاق في باب الطلاق، إن كان، هو عدم الاشتراط، إلاّ أن يقال، إنّ إطلاقه، على تسليمه، منصرف إلى المتعينة حيث أنّه المتعارف، بل لقائل أن يقول: إنّ طلاق غير المعين ليس بطلاق عند العقلاء كبقية العقود والإيقاعات ; فما عن المشهور هو المنصور. وليعلم أنّ منشأ اختلاف هؤلاء العلماء الأربعة في المسألة بكونهم ذوي قولين هو الاجتهاد والدراية لا الأخبار حيث إنّها إمّا تكون شاهدة أو مؤيدة


(97)
للمشهور كما سيظهر ولنكتفي في بيان تلك الوجوه بنقل عبارة الرياض وفيه ما هذا لفظه:
«وفي اشتراط تعيين المطلّقة إن تعدّدت الزوجة لفظاً أو نية تردد ينشأ من أصالة بقاء النكاح فلا يزول إلاّ بسبب محقق السببية وأنّ الطلاق أمر معين فلابدّ له من محل معيّن وحيث لا محل فلا طلاق، وأنّ الأحكام من قبيل الأعراض فلابدّ لها من محلّ تقوم به، وأنّ توابع الطلاق من العدّة وغيرها لابدّ لها من محلّ معين، ومن أصالة عدم الاشتراط وتعارض بالاُولى، ومن عموم مشروعية الطلاق، ومحلّ المبهم جاز أن يكون مبهماً وهما ممنوعان، ومن أنّ احديهما زوجة وكل زوجة يصح طلاقها وكلية الكبرى ممنوعة ولا دليل عليها سوى العموم المدّعى، وفيه بعد المنع المتقدم أنّه ليس بنفسه دليلا آخر قطّ فإذا القول الأول هو الأقوى والأشهر بين أصحابنا المتأخرين منهم والقدماء كما حكاه بعض الأجلاّء بل ادّعى عليه في الانتصار اجماعنا، ويشهد له بعض المعتبرة الآتية في أوّل الركن الرابع وهو الشهادة، خلافاً للمبسوط والفاضلين والشهيد في أحد قوليهم»(1).
وأمّا ما اتخذه(قدس سره) من بعض المعتبرة شاهداً فهو اثنان أحدهما: ما عن محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن رجل قال لامرأته: أنت عليّ حرام أو بائنة أو بتّة أو برية أو خليّة.
قال: هذا كله ليس بشيء إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدّي، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين»(2).
--------------------------------------------------------
1 ـ رياض المسائل 11: 55.
2 ـ وسائل الشيعة 22: 41، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب16، الحديث3.

(98)
ففي اعتباره (عليه السلام) قوله «أنت طالق واعتدّي» خطاباً بها في اجراء الصيغة لشهادة على لزوم التعيين.
وثانيهما: ما عن محمّد بن أحمد بن مطهّر، قال: «كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) إنّي تزوّجت أربع نسوة ولم أسأل عن أسمائهنّ ثمّ إنّي أردت طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة أُخرى، فكتب (عليه السلام): انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهنّ فتقول: اشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوج الأُخرى إذا انقضت العدّة»(1).
فإنّ في أمره (عليه السلام) بالنظر إلى العلامة لشهادة على اعتبار التعيين كما لا يخفى.
أقول: ولا يخفى عدم شهادتهما للمطلوب. نعم فيهما تأييد له فإنّ الأولى مع أنّها ليست في مقام بيان شرطية التعيين أصلا بل في مقام بيان عدم الصيغة بمثل «أنت برية وخلية» ولزوم كونها بما عيّنه من الصيغتين، واردة مورد الغالب، وأمّا الثاني فلعلّ الأمر بالنظر بل الظاهر أنّه لدفع المشقة الناشئة من قبل عدم التعيين، فإنّ في تعيينها بعد الطلاق بالقرعة أو بالاختيار مشقة كما لا يخفى وهذه المشقة وإن لم تكن كثيرة لكنّ الاعتماد على الرفع بعد الطلاق مع إمكان الدفع من أوّل الأمر أمر غير مطلوب فالإمام (عليه السلام) في مقام التسهيل والدفع وحلّ العقدة بالطريق الأسهل لا بيان الشرطية فتأمل.
ثم على القول بالصحة ففي التعيين قولان: أحدهما: القرعة والثاني: اختياره. كما أنّ الاختيار بيده ابتداءً فكذا استمراراً. والإيراد على الأول بأن القرعة تكون في مورد له واقع معين وهذا بخلاف المورد لأنّه ليس له واقع معين. ففيه أنّه إن لم نقل
--------------------------------------------------------
1 ـ وسائل الشيعة 20: 520، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الباب3، الحديث3.

(99)
باختصاصها بمورد ليس له واقع معين فلا أقل من شمولها له لأن مورد القرعة في الكتاب وعند العقلاء هو باب تزاحم الحقوق الذي ليس له واقع معين. والحق أنّ التعيين هو بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل والاستدلال للثاني بالاختيار أشبه شيء بالمصادرة كما هو ظاهر.
) إلاّ إذا نوى في نفسه معيّنة، فهل يقبل تفسيره بمعينة من غير يمين ؟ فيه تأمل(.

ولكن التأمل لا يعبأ به لأن نيّته لا تعلم إلاّ من قبله وهو يطالب بنيته، والظاهر أنّ وجهه هو كون المقام مقام حقوق الغير فهو معرض لتضييع الحق والزوج محلّ الريب. وفيه أنّ الحق هنا بيد الزوج.

فروع

قال في القواعد: فروع على القول بالصحة مع عدم التعيين.
ألف: إذا طلّق غير معينة حرمتا عليه جميعاً حتى يعين ويطالب به وينفق حتى تعين ولا فرق بين الباين والرجعى.
أقول: إن كان مراده(قدس سره) من الجميع، أي حرمت عليه كل واحد منهما كما احتمله كشف اللثام فالحرمة ظاهرية إن كان التعيين كاشفاً وبياناً للموقع (بالفتح) لكونها من جهة الاحتياط والعلم بالموافقة فإنّ المخالفة الاحتمالية للعلم الإجمالي كالقطعية غير جائزة، وأمّا إن قلنا إنّ بالتعيين يتمّ الطلاق فلا حرمة قبله أصلا، كما لا نقول في البيع الفضولي قبل الإجازة على كونها ناقلة، وغاية الأمر كون الإبهام التزاماً في الذمّة بالطلاق ويخرج عنها بالتعيين، وعليه فحكم القواعد بحرمتهما في غير محلّه لعدم


(100)
الحرمة لواحد منهما فضلا عن كليهما كما هو واضح. وإن كان المراد أنّ الجمع بينهما حرام كحرمة الجمع بين الاُختين إلاّ أنّها في العقد وهذه في الوطي فبعد وطي احديهما يكون وطي الأُخرى محرّماً عليه فإن اعتبرنا التعيين كاشفاً فكل واحد منهما حرام هذه وتلك وإن انفردت عن الأُخرى احتياطاً لما مرّ قبل ذلك، وإن قلنا إنّ بالتعيين يتحقق الطلاق فليستا بحرام أصلا. فحاصل الاحتمالات في عبارة القواعد أربعة حاصلة من ضرب الاحتمالين في الجمع في الاحتمالين من حيث المعنى، والصحيح منها واحد وهو حمل الجمع على الجميع مع القول بالكاشفية والبقية باطلة كما لا يخفى. وأمّا المطالبة بالتعيين فهو تمام على أنّ التعيين كاشف لاستلزام عدمه حرمة الاستمتاع لهما وتضييع حق غير المطلّقة بحسب الواقع، وأمّا على كونه جزءً آخراً للطلاق فلا حقّ لهما فكيف المطالبة لأنّهما زوجتاه وحقوقهما محفوظة، وأمّا وجوب الإنفاق عليهما فعلى مبنى المتمّمية فواضح وعلى الكاشفية فكذلك على كونها حكمية وأمّا على الحقيقية فلكونه السبب والمقدم لعدم التعيين كما لا يخفى، ووجه عدم الفرق بين البائن والرجعي واضح.
قال(قدس سره): ب ـ لو قال: هذه التي طلّقتها، تعينت للطلاق، ولو قال: هذه التي لم أُطلّقها، تعيّنت الأُخرى إن كانت واحدة وإلاّ عيّن في البواقي.
أقول: وذلك لكون التعيين بيده.
قال(قدس سره): ج ـ لو قال طلّقت هذه بل هذه. طلّقت الأولى دون الثانية لأن الأولى إذا تعيّن الطلاق فيها لم يبق ما يقع على الثانية.
د ـ هذا التعيين تعيين اختيار فلا يفتقر إلى القرعة بل له أن يعيّن من شاء.
أقول: ولَنكتفي في بيان هذا الفرع وتالييه بعبارة كشف اللثام وذلك لبطلان المبنى من رأس وهو صحة طلاق المبهمة، فلا حاجة إلى زيادة البسط، وعبارته كافية فيه.


(101)
قال(قدس سره) مزجياً بالمتن: «الرابع: هذا التعيين تعيين شهوة واختيار لا تعيين اخبار عن معنى في نفس الأمر لا يجوز تعدّيه، فلا يفتقر إلى القرعة كما في الشرايع استناداً إلى الإشكال عنده كما عند غيره بل له أن يعيّن من شاء فإنّ الغرض إيقاع الطلاق على أحديهما من غير تعيين لفظاً ولا نيّة والقرعة لما تعيّن في نفسه فاشتبه علينا لكن لو أقرع فاختار من خرجت باسمها لم يكن به بأس.
الخامس: هل يقع الطلاق بالمعيّنة من حين الإيقاع للطلاق أو من حين التعيين ؟ الأقرب الثاني استصحاباً للنكاح واحتياطاً للعدّة ولأنها لو طلّقت بالإيقاع فإمّا أن يقع الطلاق حينئذ على الكل أو على واحدة معينة وفسادهما ظاهر لكونهما خلاف مقتضى اللفظ والنية، أو على واحدة مبهمة وهو أيضاً باطل لأن الطلاق معيّن لا يحلّ إلاّ فـي معيّن، ولأنّ المطلّقـة موجودة في الخارج ولا وجـود للمبهم، ويرد النقـض بكلّ واجب مخيّر ومنع تعيّن الطـلاق إذا لم يتعيّن المحلّ، وأنّ المطلّقة ذاتها موجودة مـع تعلّق الطلاق المبهم بهـا وخيرة المبسوط الوقوع مـن حين الإيقاع لأنّه أوقـع صيغة منجزّة مجزوماً بها فيقع بها الطلاق وإن كان مبهماً والتعيين ليس من صيغة الطلاق في شيء كما أنّ من أسلم على أكثر من أربع يزول بالإسلام نكاحه عـن الزائدة المبهمة ولا يتعيّن إلاّ بالتعيين والتعيين كاشف عمّن زال نكاحها لا مزيل وهو عندي أقرب، وعلى الأول فيجب عليها العدّة من حين التعيين وعلى الثاني من الإيقاع وهو ظاهر.
السادس: لو طلّقها بائناً ثم وطئ احديهما وقلنا يقع الطلاق باللفظ كان تعييناً للاُخرى للطلاق لأن الظاهر أنّه إنّما يطأ من يحلّ له فهو كوطي الجارية المبيعة في زمن الخيار فإنّه يكون فسخاً من البائع وإجازة من المشتري وقيل لا يكون تعييناً لأنّه أعم وكما أن الطلاق إنّما يقع بالقول فكذا تعيينه ولأنه لو كان تعييناً لكان إذا وطئهما طلّقتا


(102)
وكما أنّ النكاح لا يملك بالفعل لا يتدارك به، وأمّا ملك اليمين فيحصل بالفعل فيتدارك به فلذا كان وطي المبيعة فسخاً أو إجازة، وإن قلنا إنّ الطلاق إنما يقع بالتعيين لم يؤثر الوطي شيئاً لأن الفعل لا يوقع الطلاق قطعاً. ثم في المبسوط أنّ من جعل الوطي تعييناً أباح وطي من شاء منهما وإنما حرّم الجمع بينهما في الوطي ومن لم يجعله تعييناً حرّمهما لأنّهما قبل التعيين متشبّثان بحرمة الطلاق، والأقرب عند المصنف مع أنّه لم يجعله بتعييناً تحريم وطيهما معاً وإباحة من شاء منهما لما عرفت من أنّ المتشبّثة بحرمة الطلاق إنما هي في احديهما مبهمة فكما له إبقاء من شاء منهما على الزوجية له وطي من شاء منهما»(1).
قال العلاّمة(قدس سره): هـ ـ يجب عليه التعيين على الفور ويعصى بالتأخير. إلى آخر كلامه(قدس سره).
أقول: وهذا الأخير لتخرج الزوجات من التحيّر فإنّه مشقة عليهنّ.
--------------------------------------------------------
1 ـ كشف اللثام 2: 121 / السطر24.

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org