Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: المبحث الثاني: الحدود غير العرضية

المبحث الثاني: الحدود غير العرضية

من الموضوعات التي ادّعي الإجماع(501) على عدم قبول شهادة النساء فيها هو الحدود غير العرضية، وهذه الحدود تنقسم إلى قسمين:

أحدهما ما كان حق الله فقط، وهي عبارة عن حدّ شرب الخمر، والارتداد، والمحاربة، والقيادة وغير ذلك. وثانيها ما كان حق الله وحق الناس معاً، مثل حدّ السرقة وحدّ القذف.

أدلة عدم حجية شهادة النساء في الحدود غير العرضية


أ ـ الأصل


ويمكن بيان هذا الأصل بوجهين:


الأول: أصل عدم الحجية، الذي هو أصل أولي في باب الشهادات، ونتيجته عدم قبول شهادة مطلق الشهود ـ أعم من الرجال والنساء ـ إلاّ إذا قام دليل خاص على الخروج عن عموم هذا الأصل.

الثاني: أصل عدم حجية شهادة النساء في الحدود، ومستند هذا الأصل ـ كما تقدم ـ هو الروايات الخاصة الواردة في باب الحدود.

ونظراً لكون عدم قبول شهادة النساء في الحدود غير العرضية إجماعياً، نكتفي هنا بذكر استدلال الأردبيلي والنجفي بالأصل في المقام.

1 ـ استدلال المحقق الأردبيلي بالأصل


ظاهر كلام المحقق الأردبيلي هو الاستدلال بالوجه الأول المتقدم، رغم أنه لا فرق بين الوجهين، لأن الوجه الثاني يرجع إلى الوجه الأول الذي هو أعم وأشمل، وعليه، فالاختلاف الوحيد بين الوجهين إنما هو في مقدار الشمول، يقول المحقق الأردبيلي: «وأما أنّ ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود وكل حقوق الله تعالى إنما يثبت بالشاهدين، فلما عرفت من أن الذي يثبت بالشاهد واليمين ليس إلاّ الدين والمال، وكذا ما ثبت بالشاهد والمرأتين، وما ثبت بالمرأة الواحدة ونحوها،(502)فليس إلاّ الولادة والاستهلال، وما يثبت بشهادة النساء فليس إلاّ ما لا يمكن اطلاع الرجال عليه، مثل عيوب النساء الباطنة والرضاع، فما عدا ذلك إنما يثبت بالشاهدين كأنه بالإجماع، وظاهر (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)(503)، (وأشهدوا ذوي عدل منكم)(504) في الجملة، ولا شك أن الحدود وكل حق من حقوق الله مالية كانت كالزكاة أو غيرها من الشرب والسرقة عدا ذلك».(505)


2 ـ استدلال المحقق النجفي بالأصل


وظاهره في أصالة عدم حجية شهادة النساء في الحدود، حيث يقول:

«(ومنه) أي ما هو حق الله تعالى (وما يثبت بشاهدين) عدلين (وهو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحدود كالسرقة وشرب الخمر والردّة).. لإطلاق ما دل على قبولهما من الكتاب والسنة.... إلى غير ذلك من النصوص بالخصوص والعموم، مع أصالة عدم الثبوت بغير ذلك».(506)


ب ـ الروايات:


حيث لا وجود لرواية خاصة تدل على عدم قبول شهادة النساء في هذه الموارد بالخصوص، استند الفقهاء إلى إطلاق الروايات الدالة على عدم قبول شهادة النساء في الحدود، ونشير إلى هذه الروايات هنا:


1 ـ صحيحتا جميل بن دراج ومحمد بن حمران، عن أبي عبيد الله(عليه السلام)قال: قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال:

«في القتل وحده..».(507)

2 ـ رواية غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ألامام علي(عليه السلام)قال:

«لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القود».(508)

3 ـ رواية موسى بن إسماعيل بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أالامام علي(عليه السلام)قال:

«لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا قود».(509)


4 ـ رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن ألامام علي (عليه السلام) أنه كان يقول:

«شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود...».(510)


وكيفية الاستدلال بهذه الروايات واضحة، ذلك أن فيها إطلاقاً في مورد الحدود، فتشمل الحدود غير العرضية أيضاً، إلاّ إذا قيل: إن المراد من الحدود فيها خصوص الحدود العرضية، فلا يكون فيها إطلاق، إلاّ أن إثبات هذا الاحتمال صعب جداً، إذا لم نقل: إنه مستحيل، مع الأخذ بعين الاعتبار الروايات الواردة في الحدود غير العرضية، والتي أطلق فيها عليها عنوان (الحد)، وكذلك مع ملاحظة تعريف الحدود وامتيازها عن التعزيرات.

ج ـ قاعدة التخفيف والدرء


الوحيد الذي استند إلى هذه القاعدة هنا هو الفاضل الهندي،(511)ولا نرى أثراً لها لإثبات عدم حجية شهادة النساء في الحدود غير العرضية عند غيره.

د ـ الإجماع


ادّعى ابن زهرة في الغنية(512) والسيد الطباطبائي(513) الإجماعَ هنا، رغم أن الإجماع على عدم الحجية جاء شاملا للحدود على إطلاقها دون ذكر الحدود غير العرضية بالخصوص، ومن الواضح أن الحدود غير العرضية تعدّ جزءاً من الحدود، وادّعاء خروجها عنها ادعاء بلا دليل، بل ـ وكما تقدم ـ هناك دليل على خلاف هذا الادعاء.

شبهات واحتمالات في الاستدلال بالروايات


حيث كان عمدة استدلال المستدلين هنا هو إطلاق الروايات الواردة في الحدود، والوجوه الأخرى ترجع إلى الروايات، مثل الأصل والإجماع، أو أنّ ضعفها واضح مثل قاعدة بناء الحدود على التخفيف، حيث يبدو ضعفها في الحدود التي ترجع إلى حق الناس أوضح وأجلى... كان لا بد لنا من أن ندرس تمام الاحتمالات التي قد تبعث على تضعيف الاستدلال بالروايات، وفي بعض هذه الاحتمالات شبهات نشير إليها أيضاً، ولا ننسى الإشارة إلى أنّ ذكر هذه الاحتمالات بل وتقويتها في بعض الموارد لا يعني قبولنا بشهادة النساء في الحدود غير العرضية، كل ما في الأمر أننا نريد دراسة تمام جوانب الموضوع.

الاحتمال الأول: إن كلمة «النساء» في هذه الروايات جاءت بما هنّ نساء، ولا ربط لها بشهادة المرأتين العادلتين، أي أن الإمام كان يريد أن يقول: إن شهادة النساء في الحدود لا تقبل; لأنهنّ غير مطلعات على قضايا المجتمع مثل السرقات وما يخالف العفاف، وهذا لا ربط له بالقبول بشهادة امرأتين عادلتين عارفتين بهذا النوع من القضايا، ويؤيد هذا الاحتمال أن الوارد في القرآن الكريم في قبول شهادة النساء هو كلمة «المرأة» وليس «النساء»، قال تعالى: (... فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)(514) كما جاء في روايات حدّ الزنا تعبير «المرأتان» مثل: «..وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان».(515)


وبناء عليه، فعندما يكون الحديث عن النساء دون قيد العدالة والوثاقة ولا يكون المقام مقام ذكر البينة الشرعية، نجد في النصوص استخدام كلمة (نساء)، أما عندما يكون الحديث عن شهادة النساء مع قيد العدالة والمقام مقام البينة الشرعية فإننا نجد كلمة (المرأة) في الروايات.

إلاّ أن هذا الاحتمال باطل، فالوجه العمدة في الردّ عليه سيأتي لدى دراسة الاحتمالات اللاحقة، إلاّ أنه لا بد أن يعلم بأنه ضعيف للغاية; إذ في هذه الروايات نفسها ورد تعبير (نسوة); حيث جاء في خبر عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «... ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة...».(516)فمع مجيء أربع نسوة إلى جانب الرجلين، تصبح الرواية صريحة في أن كلمة النساء فيها متصلة ببحث شهادتهنّ مع قيد العدالة، لا بدونه.

الاحتمال الثاني: إن هذه الروايات الدالة على عدم حجية شهادة النساء في الحدود تعارض الروايات العامة والمطلقة الدالة على حجية شهادة العدلين; ذلك أن الأخيرة تدلّ ـ بإلغاء الخصوصية وبالفهم العرفي ـ على حجية شهادة العدلين، سواء كانا رجلين أم امرأتين، والمدلول الإطلاقي لهذه الروايات هنا هو عدم حجية شهادة النساء في جميع الحدود، وعليه لا يمكن التمسّك بإطلاق هذه الروايات لإثبات عدم حجية شهادة النساء في الحدود غير العرضية.

وقد يجاب عن هذا الاحتمال بأن روايات باب الحدود خاصة فيما روايات حجية شهادة العدلين عامة، وطبقاً لقاعدة حمل العام على الخاص نرفع اليد عن الروايات الدالة على الحجية بتخصيص روايات باب الحدود لها، وبهذا يرتفع التعارض.

إلاّ أنّ هذا الجواب غير تام، ذلك أن دليل حجية الظواهر ودليل تخصيص العام بالخاص مثل دليل حجية خبر الواحد ـ أي هو السيرة العقلائية ـ والعقلاء لا يمكن أن يقبلوا تخصيصاً مخالفاً للفهم العرفي وإلغائهم للخصوصية عرفاً، فلا يكون تخصيصاً حجةً.

وتوضيح هذه النقطة أن روايات باب الحدود خاصة، فضلا عن ضعفها السندي عدا صحيحة جميل وابن حمران، تخالف الفهم العرفي، فيما أدلة الشهادة العامة توافقه، وعليه لا يرى العقلاء تخصيص عام موافق للفهم العرفي برواية أو روايتين تخالفان فهم العرف، ذلك أن طريقة العقلاء في مثل هذه الموارد أنه لو أراد الشارع بيان أمر يقع على خلاف بناء العقلاء والفهم العرفي فلا بد له أن يورده بنصوص محكمة ومعتبرة مثل حرمة القياس، حيث كانت الأدلة الواضحة والنصوص المستفيضة مانعة عن التمسّك به.

ولا يفوتنا التأكيد على أن هذه القاعدة تجري في تمام أبواب الفقه، ففي كتاب الله تعالى مثلا جاء حول حدّ زنا غير المحصن: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..(517)وإطلاقها شامل للرجل والمرأة والمسلم وغيره، إلاّ أن لدينا حول هذا الموضوع رواية معتبرة يفيد ترك استفصال الإمام فيها في جوابه لسؤال السائل أنه إذا كان الزنا بين يهودي وامرأة مسلمة قتل ولو كان غير محصن، ففي خبر حنان بن سدير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال: «يقتل»،(518) ومن الواضح أن هذا الحكم على خلاف نصّ القرآن، فمع الأخذ بحجية خبر الواحد من باب بناء العقلاء، فإن العقلاء لا يخصصون إطلاق آية قرآنية بخبر مخالف للفهم العرفي والعقلائي خصوصاً في مجال الدماء، وهو مجال الاحتياط.

والنتيجة أنه حيث لا مجال لتخصيص الروايات العامة للشهادة بروايات باب الحدود، تظلّ على عمومها، وتدل على حجية شهادة المرأتين في الحدود.

الاحتمال الثالث: إن هذه الروايات التي تفيد عدم حجية شهادة النساء في الحدود مخصّصة بما دل على قبول شهادتهنّ في حدّ الرجم والجلد في باب الزنا، وهذا التخصيص يدل ـ أولا ـ على أن عدم قبول شهادة النساء في باب الحدود ليس حكماً تعبدياً لا نفهم منه شيئاً، كما تفيد ـ ثانياً ـ أنه حيث قبلت شهادة النساء في حدود مثل الزنا ـ وعقوبته القتل ـ فبالأولوية العقلائية أن تكون شهادتهنّ حجةً في الحدود التي تكون عقوباتها أقلّ، ووفقاً لهذه الأولوية المفهومة من أدلّة حجية شهادة النساء في حدّ الزنا، تكون روايات باب الرجم معارضةً لروايات عدم حجية شهادتهنّ في مطلق الحدود، مما يؤدي إلى تخصيص الروايات المطلقة، وعليه فكما لا تشمل هذه الروايات المانعة المطلقة حدّ الزنا، كذلك لا تشمل الحدود غير العرضية.

الاحتمال الرابع: احتمال صدور هذه الروايات تقيةً، لأن أهل السنّة يذهبون إلى عدم قبول شهادة النساء في الحدود، وأدلتهم في هذا المجال سلسلة من الوجوه الاعتبارية، دون أن يوردوا دليلا خاصاً من كتاب أو سنّة.

ووجوه الاستدلال عند أهل السنّة هي:


1 ـ إن شهادة النساء في الحدود محلّ الشبهة، ذلك أن القرآن قبل شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد، أما في الحدود فإن البناء على عدم إجراء الحد، الأمر المستند إلى قاعدة: «درء الحدود بالشبهات»، وعليه لا تقبل شهادة النساء في الحدود.

2 ـ لا تقبل شهادة المرأة مطلقاً مع عدم انضمام الرجال حتى لو بلغ عددهنّ كثرةً ما بلغ، وعليه لا تقبل شهادتهن في الحدود أبداً.

ولعل قصدهم من «محل الشبهة» هو أن شهادتهنّ غير حجة، وإنما تقبل في بعض المواضع منضمات إلى الرجال، وهذا ما صرح به القرآن أيضاً، حيث عدّ الأموال والديون فقط، ففي غير هذه الموارد لا تقبل شهادة النساء أبداً.

وهذه الوجوه التي ذكرناها مأخوذة من كتاب المغني لابن قدامة، إنه يقول: «مسألة: قال (ولا يقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال أقلّ من الرجلين) وهذا القسم نوعان:

أحدهما: العقوبات، وهي الحدود والقصاص، فلا يقبل فيه إلاّ شهادة رجلين، إلاّ ما روي عن عطاء وحماد أنهما قالا: يقبل فيه رجل وامرأتان، قياساً على الشهادة في الأموال، ولنا أن هذا مما يحتاط لدرئه وإسقاطه، ولهذا يندرىء بالشبهات، ولا تدعو الحاجة إلى إثباته، وفي شهادة النساء شبهة، بدليل قوله تعالى: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) وأنه لا تقبل شهادتهن وإن كثرن ما لم يكن معهنّ رجل، فوجب أن لا تقبل شهادتهن فيه، ولا يصح قياس هذا على المال، لما ذكرنا من الفرق، وبهذا الذي ذكرنا قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وحماد والزهري وربيعة ومالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي، واتفق هؤلاء وغيرهم على أنها تثبت بشهادة رجلين ما خلا الزنا... فإن الزنا الموجب للحد لا يثبت إلاّ بأربعة...».(519)


فمع الالتفات إلى فتوى أهل السنّة في الحدود، يحتمل أن تكون روايات باب الحدود قد جاءت منسجمةً معهم على أساس التقية، ذلك أنها روايات مخالفة لبناء العقلاء في باب الشهادات; إذ تثبت نوعاً من التعبد، والعقلاء لا يقبلون التعبد المخص المخالف لبناءاتهم، إلاّ إذا أرفق بأدلة مستحكمة وكثيرة تعطي اليقين بأن مفادها هو نظر الشارع حقاً، وهذه الروايات هنا ليس لها هذه الطاقة، لأنها ضعيفة من حيث السند، سوى صحيحة جميل وحمران، بل إنها مخدوشة من الناحيتين الأدبية اللغوية والمعنائية، ففي رواية موسى بن إسماعيل ـ على سبيل المثال ـ جاء: «.. لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا قود...»،(520) فإن جملة: «لا قود» ليست صحيحة من الناحية اللغوية، بل الصحيح هو ما جاء في رواية غياث بن إبراهيم: «ولا في القود»،(521) كذلك الحال في رواية السكوني فقد حملها الشيخ الطوسي في التهذيب(522) والاستبصار(523)على التقية أو على نوع من الكراهة، ودليل كونها على نحو التقية هو رواية داوود بن الحصين،(524)وكذلك صحيحة جميل وحمران، حيث جاء فيها:.. أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده...»،(525) مع أنّ القتل ليس جزءاً من الحدود، وأهل السنّة لا يرونه جزءاً منها، بل يطرحونه بعنوان القصاص.

ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه الإشكالات جميعها في الروايات الدالة على عدم حجية شهادة النساء في الحدود، يبعد جداً أن يتمسك العقلاء بهذه الروايات لتخصيص أدلة الشهادة العامة، والموافقة للفهم العرفي والارتكازات العقلائية.

إشكال على احتمال التقية


قد يشكل شخص ويقول: حيث لا يمكن حمل الروايات الصحيحة على التقية وإسقاطها عن الحجية، وهناك روايتان في هذه الروايات صحيحة السند تدل على عدم قبول شهادة النساء... إذاً فلا يمكننا القول بالتقية في هذه النصوص، ويؤيد ذلك كلام العلامة المجلسي(526) حول روايات تحريف القرآن، وعددها كثير جداً وقد قيل: إن بينها روايات صحيحة، فقد اعتقد المجلسي أنه لا يمكن وضع علامة استفهام كبيرة حول هذه الروايات نظراً لصحّتها وكثرتها; إذ لو فعلنا ذلك فكل رواياتنا ستكون عرضة للتساؤل والنقد.

جواب الإشكال


أولا: نكتفي في التعليق على ما قاله العلامة المجلسي بما ذكره المرحوم الشعراني في حاشية كتاب الكافي، يقول: «وقال المجلسي رحمه الله في مرآة العقول: لا يخفى أن هذا الخبر وكثيراً من الأخبار الصحيحة صريحة في نقض القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار لا يقصر الإمامة; فكيف يثبتونها بالخبر انتهى. والجواب أنا لا نثبت أصل الإمامة بالخبر الوارد عن أهل البيت، فإنه مصادرة على المطلوب، بل بالعقل مؤيّداً بأخبار أهل السنّة، وكما أن طرح جميع الأخبار يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار، قبول جميعها يوجب رفع الاعتماد عن القرآن، والقرآن أولى بأن يعتمد عليه».(527)


فالشعراني هنا يرى أن القبول بتحريف القرآن له مضار أكبر وأكثر من ردّ أحاديث التحريف، ذلك أن حفظ القرآن والحيلولة دون الخدش في الاعتماد عليه أولى من الخدشة في الروايات، رغم أن الشعراني نفسه أنكر بعد ذلك وجود روايات صحيحة وصريحة في تحريف القرآن.

ثانياً: إن لدينا روايات صحيحة وموثقة كثيرة في الأبواب المختلفة، تخالف القرآن الكريم، وبطلانها واضح جداً، وسنشير إلى هذه الروايات.

ونتيجة ذلك أن الاستدلال بروايات صحيحة السند لا بد أن يكون بالتدقيق في القرآن والمعايير المختلفة، وأحد هذه المعايير يمكن أن يكون العدالة وعدم ظلم الآخرين سيما فيما يرجع إلى موضوع حقوق الإنسان، مع الانتباه أيضاً إلى بناء العقلاء في التخصيصات والتقييدات وحجية الظواهر وخبر الواحد الثقة.

ونكتفي هنا بذكر روايتين صحيحتين سنداً وردتا في باب الحدود وبطلانهما واضح، ونترك الحكم للباحثين الفضلاء الأعزاء، كما أن هاتين الروايتين وردتا في كتب: التهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وهما:


1 ـ صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «الرجم في القرآن قول الله عز وجل: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة».(528)


2 ـ موثقة سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): في القرآن رجم؟ قال: «نعم»، قلت: كيف؟ قال: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة».(529)


الجواب المشترك على تمام الاحتمالات


ثمة جوابان مشتركان يطالان تمام الاحتمالات المتقدمة التي تهدف الخدش في دلالة روايات الحدود، وهذان الجوابان يضعّفان من هذه الاحتمالات ويردّانها:


1 ـ لدينا في الروايات الدالة على عدم حجية شهادة النساء في الحدود، روايات صحيحة السند، فلا يمكن رفع اليد عنها بمثل هذه الاحتمالات، ذلك أنها روايات ظاهرة في عدم حجية شهادة النساء في الحدود، فلا يمكن الاعتناء بمثل هذه الاحتمالات في مقابل الروايات المعتبرة، وبصرف الاحتمال لا يمكن إسقاط الحجية.

2 ـ إذا أردتم بهذه الاحتمالات إسقاط حجية هذه الروايات، فإنكم سوف تواجهون مشاكل في موضوعين فقهيين مع أنكم اعتبرتم شهادة النساء حجة فيهما، واستندتم في ذلك إلى هذه الروايات عينها، وهذان الأمران هما:

أ ـ حجية شهادة النساء في إثبات الطلاق.


ب ـ حجية شهادة النساء في القتل.


وتوضيح ذلك أن هناك روايات تدل على عدم حجية شهادة النساء في الطلاق والدم، مثل رواية محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن ألامام الرضا(عليه السلام)... قال: «.. ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، ولا في الدم»،(530) وقد تقدم في بحث الطلاق أن هذه المجموعة من الروايات تعارض صحيحة حمران وجميل الدالتين على قبول شهادة النساء في الدم بعد عدم إمكان التفكيك(531) في المضمون، وهذا التعارض يشكّل مانعاً وعائقاً رئيساً عن التمسك بروايات عدم حجية شهادة النساء في الطلاق، وعمدة وجوه عدم قبول شهادة النساء في الطلاق هو هذه الروايات التي تسقط عن الحجية بعد وقوع هذه المعارضة، من هنا نجد أنفسنا في هذا الموضوع معتمدين على بناء العقلاء وعمومات الشهادة لإثبات حجية شهادة المرأة في الطلاق، بعد تهاوي دليل عدم حجية شهادتها فيه.

من هنا، فإذا أسقطنا روايات باب الحدود ـ وإحداها صحيحة جميل وحمران ـ عن الحجية، فلن يكون هناك معارض في باب الطلاق، فتتعين دلالة أخبار المنع عن شهادتهنّ في الطلاق.

كذلك يجري هذا الإشكال في روايات باب القتل، حيث تدل على عدم نفوذ شهادة النساء في القتل، تعارضها أيضاً ـ كما قلنا هناك ـ صحيحة جميل وحمران، ومن بين الروايات هناك مرفوعة حماد عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «لا تجوز شهادة النساء في القتل».(532)


احتمال في الجمع بين الروايات


انطلاقاً من الإشكال الموجود في الاحتمالات الأربعة المتقدمة والذي حال دون القول بعدم حجية روايات باب الحدود، مع حجية شهادة النساء في الحدود غير العرضية... ثمة احتمال آخر في هذه الروايات يمكن على أساسه الجمع بينها، لا بأس بذكره لإكمال جوانب الموضوع.

أولا: ترتبط روايات باب الحدود، التي جاء فيها: «... لا تجوز شهادة النساء في الحدود...»،(533)بشهادة النساء منفردات، ودون انضمام الرجال إليهنّ، حيث لا تقبل شهادتهنّ في هذه الحال، ويؤيد هذا الحمل خبر عبد الرحمن الذي ورد فيه: «.. تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال»،(534)وعليه فلا منافاة بين تلك الروايات مع الروايات الواردة في حدّ الزنا (الرجم والجلد)، لأن روايات باب الحدود ـ انطلاقاً من هذا الحمل ـ تدل على عدم حجية شهادة النساء منفردات، وهي ساكتة عن كيفية قبول شهادة النساء إذا انضم إليهنّ الرجال، فيما روايات باب حدّ الزنا تدل على قبول شهادة النساء وكيفية ذلك في باب الزنا.

ثانياً: حيث حملنا روايات باب الحدود على قبول شهادة النساء مع الرجال، وحيث كانت لدينا في باب حدّ الزنا روايات تدل على قبول شهادة النساء منضمات إلى الرجال في الجملة، أمكن القول: إن روايات الحدود التي ورد فيها: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود»(535)تعني (لا تجوز في الحدود العرضية منفرداً)، وهذا يعني أن هذه الروايات لا تدل على عدم قبول شهادة النساء في الحدود غير العرضية، مثل حدّ الإفطار في شهر رمضان، وحدّ القذف، وشرب الخمر، وغير ذلك، بل هي ساكتة عنها، كما أنها لا تعارض بناء العقلاء والفهم العرفي والأصل الثانوي في مورد شهادة النساء في الحدود، وعليه فالبناء العقلائي والفهم العرفي والأصل الثانوي أسسٌ ثابتة محكمة في الحدود غير العرضية، وتدل على قبول شهادة النساء في هذه الحدود.

دراسة واستنتاج


ليس بعيداً ـ انطلاقاً مما تقدم من أبحاث وجمع بين الروايات ـ أن يذهب فقيهٌ إلى نفوذ شهادة النساء منفردات وغير منفردات في الحدود (غير الزنا)، على أساس إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط في الشهادة، وملاكها عدالة الشاهد ورؤيته، وكذلك العمومات المستفادة من روايات الشهادة. كما يذهب أيضاً إلى نفوذ شهادتهنّ في حقوق الله.

وتجدر الإشارة إلى أنه في أيّ مورد من الموارد التي تقبل فيها شهادة النساء ـ غير باب الأموال والديون لعلّة سبق ذكرها ـ لا تختلف هذه الشهادة من حيث العدد عن شهادة الرجال إطلاقاً.
_______________________________________________________
(501) ابن زهرة، غنية النزوع 1: 438.
(502) الظاهر أن مراده الرجل الواحد ذلك أنه قال في مجمع الفائدة والبرهان 12: 439: «الظاهر أن الرجل الواحد يقوم مقام المرأة الواحدة في مسألتي الوصية والولادة بالطريق الأولى».
(503) البقرة: 282.
(504) الطلاق: 2.
(505) مجمع الفائدة والبرهان 12: 442.
(506) جواهر الكلام 41: 158.
(507) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب24، ح1.
(508) المصدر نفسه: 358، ح29.
(509) المصدر نفسه: 359، ح30.
(510) المصدر نفسه: 362، ح42.

(511) كشف اللثام 10: 321.

(512) غنية النزوع: 438.
(513) رياض المسائل 2: 443.
(514) البقرة: 282.
(515) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب24، ح7، ومثله ح5.
(516) المصدر نفسه: 353، ح10.
(517) النور: 2.
(518) وسائل الشيعة 28: 141، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، باب36، ح1، ويذكر الأستاذ الصانعي «دام ظله» حول هذه الرواية أنها جاءت لبيان قضية خارجية شخصية، ذلك أن السائل سأل عن يهودي زنا مع مسلمة، ولم يكن السؤال عن عنوان اليهودي بل عن واحد منهم، وهذا النوع من الاسئلة يدل على شخصية السؤال، ومن ثم على شخصية الجواب ودلالته الجزئية الموردية. (تقريرات درس الشيخ الصانعي).
(519) المغني والشرح الكبير 12: 7.
(520) وسائل الشيعة 27: 359، كتاب الشهادات، باب24، ح30.
(521) المصدر نفسه: 358، ح29.
(522) التهذيب 6: 281، ح773.
(523) الاستبصار 3: 25، ح80.
(524) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب24، ح35.
(525) المصدر نفسه: 350، ح1.
(526) مرآة العقول 12: 525.
(527) الوافي، ج 2، حاشية الشعراني: 232.
(528) تهذيب الاحكام 10: 3، ح7; ووسائل الشيعة 28: 62، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، باب1، ح4.
(529) من لا يحضره الفقيه 4: 17، ح32; ووسائل الشيعة 28: 67، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ الزنا، باب1، ح18.

(530) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب24، ح7، ومثلها في الدلالة ما جاء صفحة: 352، ح5، و354، ح11.

(531) إنما قلنا بالمعارضة في الدم; لأن حكم الطلاق والدم جاءا معاً بجملة: «لا تجوز»، والعقلاء لا يقبلون في مثله التبعيض في الحجية.
(532) وسائل الشيعة 27: 358، كتاب الشهادات، باب24، ح27.
(533) المصدر نفسه: 359، ح30.
(534) المصدر نفسه: 356، ح31.
(535) المصدر نفسه: 359، ح30.
عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org