Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: في تطوّرات الفقه الإماميّة

في تطوّرات الفقه الإماميّة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

في تطوّرات الفقه الإماميّة

وبه نستعين، إنّه خير ناصر ومعين، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

أهمّ ما يتميّز به فقه الإماميّة عن غيره من المذاهب الفقهيّة هو الاستناد إلى سنّة الرسول عن طريق أهل بيته، مع أنّ باقي المذاهب أخذوا سيرة الرسول عن طريق الصحابة. ومن جانب آخر، فإنّ الإماميّة يتّبعون آراء ونظريّات أهل البيت وبخاصّة الإمام السادس من الأئمّة الإثنى عشر، ولذلک عرفوا باسم الجعفريّين، لكنّ باقي المذاهب تتّبع آراء ونظريّات مجموعة من فقهاء المدينة والعراق. هذا، مع العلم بأنّ مصادر الفقه لدى الشيعة عبارة عن: القرآن والسنّة والإجماع والعقل.

وبمعزل عن البحوث الكلاميّة والتاريخيّة المطروحة في هذا الباب فإنّه قد بلغنا عن الرسول 9 أحاديث دعى فيها المسلمين بعده لاتّباع القرآن وأهل البيت، وحديث الثقلين من هذا الصنف، وقد نقل بنحو متواتر عن طرق الشيعة والسنة.

ولأجل التعرّف بنحو إجماليّ على أدوار ومذاهب الفقه الإماميّ حتّى تأليف كتاب نزهة الناظر نتعرّض لتاريخ تطوّر الفقه الشيعي ومذاهبه من صدر الإسلام حتّى عصر الكتاب المزبور.

نبذة عن تطوّرات الفقه حتّى تأليف نزهة الناظر[1]

كان وما زال ظهور رجال كبار في ميادين العلم، وبخاصّة الفقه، منشأ تحوّلات كبيرة. وهؤلاء الكبار هم الذين طوّروا علم الفقه وحدّثوه من خلال نبوغم وتعمّقهم في اجتهاداتهم.

بالطبع هناک عوامل كثيرة أثّرت في الفقه وطوّرته، من قبيل: الموضوعات والأحكام، والبحوث الحديثة، وتحوّل طرق الاستدلال ومبانيه، وتعميق البحوث وتنميتها، والتعامل والتعاطي والاحتكاک مع الثقافات والتيارات الفكريّة المختلفة، والأزمنة والأمكنة، فقد كان لهذه الأمور تأثير بالغ على الفقه. رغم هذا، فإنّ تأثيرها لا يبلغ مستوى التأثير الذي تركه العلماء والفقهاء الكبار، حيث اعتبروا الأمور المزبورة بمثابة الآليات وظّفت لتنمية الفقه وتوسعته.

عهد التشريع

بدأ هذا العهد مع بعثة الرسول حتّى رحيله، واستمرّت مدّة 23 عاماً. وفي هذا العهد نزلت آيات القرآن تدريجيّاً وبترتيب خاصّ وبفواصل محدّدة أو بعد حوادث ومناسبات مختلفة، لتحكي أحكام الإسلام في موردها. بالطبع الأحكام التي نزلت في المدينة و إثر تشكيل الحكومة الإسلاميّة هناک أكثر من الأحكام والآيات التي نزلت في مكّة المكرّمة؛ وذلک باعتبار أنّ الآيات التي نزلت في مكّة اختصّت في الغالب بأصول العقائد وقصص الأنبياء والأمم الغابرة وما شابه، ونادراً ما تتعرّض لأحكام الشرعيّة، عكس ما عليه الآيات المدنية التي سعت في الغالب لبيان الأحكام الشرعيّة، وكانت إلى جنب السنّة النبويّة قد شكّلتا المصدر الأوّل والثاني للتشريع.

والسنّة لا تقتصر على ما بيّنه الرسول بالقول وشرح وتفسير من الآيات، بل تشمل الأفعال والتقريرات كذلک.

عهد المعصومين

انتهى عهد الوحي برحيل الرسول 9 وانتهى دور النبوّة، لكنّ الكثير من الأحكام، وبخاصّة تلک التي نزلت في أواخر عمر الرسول، كانت بحاجة إلى تبيين وتفسير. على أنّ الرسول كان يهمّ ببيان ما ينبغي بيانه وشرحه إلّا أنّه وفي ذات الوقت همّ في التعريف بالمراجع الدينيّة والعلميّة التي تلحقه، وكان يؤكّد للناس والصحابة بأنّهم سيجدون أصول الأحكام وكلّيّاتها في الثقل الأكبر، أمّا شرحها وبيانها فيجدونه في الثقل الأصغر. ومن هنا كان القول بتنصيص ونصب أئمّة أهل البيت من جانب، والقول بعصمتهم من جانب آخر، باعثاً لتصبح سنّة وسيرة أئمّة أهل البيت مصدر استنباط الأحكام إلى جانب القرآن والسنّة النبويّة.

استمرّ عهد المعصومين إلى الغيبة الصغرى، وباعتبار إمكانيّة وسهولة الوصول إلى المعصوم كان الفقه الشيعي في الأساس عبارة عن أحاديث منقولة بنحو روايات. وينبغي الالتفات إلى أنّ هذا العهد، وبرغم كونه عهد نقل الأخبار، ما كان يخلو من الفقاهة والاجتهاد، بل كان الاجتهاد رائجاً، وهو أمر مشهود من خلال ما أثرناه من روايات ووصايا وردت عن الأئمّة. وكمثال على ذلک كان أحد الأئمّة يوصي أحد أصحابه بالاستنباط والاجتهاد، ويعتبر وظيفته بيان القواعد الكليّة والأصول وعلى الصحابي أن يفرّع ويرتّب الأحكام الجزئيّة عليها، حيث ورد الحديث التالي: «علينا إلقاء الأصول وعليكم بالتفريع».[2]

وفي موارد أخرى، أجاب أحد الصحابة بأنّه يُجاب عن الموارد التي سأل عنها من خلال الرجوع إلى القرآن، ومنه يمكن استنباط واستخراج الأجوبة، ثمّ بيّن محل الرجوع من القرآن وكيفيّة الاستنباط منه.[3]

عهد بداية الغيبة

مع بداية عهد الغيبة، همّ المحدّثون الكبار من الشيعة وركّزوا على جمع وتدوين الأحاديث، منهم: الشيخ الكليني والشيخ الصدوق، ومن خلال مساعيهم أثرنا مجاميع فقهيّة روائيّة بوّبت بنحو موضوعي.

وفي هذا المضمار يمكن الإشارة إلى فقهاء آخرين يصنّفون ضمن طائفة هذا العهد، من قبيل: ابن أبي عقيل وابن جنيد الإسكافي، لكن كانوا يعتمدون مناهج فقهيّة تختلف عن المناهج الفقهيّة التي اعتمدها مثل الشيخ الكليني والشيخ الصدوق، ويمكن تصنف المزبورين ضمن الفقهاء المتكلّمين.

المناهج الفقهيّة لابن أبي عقيل وابن جنيد عبارة عن: حجّيّة واعتبار الأحاديث كمصادر أساسيّة للفقه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد كانا يعتمدان العقل كآلية أساسيّة لاستنباط الأحكام. وهذه المناهج كانت أكثر انسجاماً مع المناهج الفقهيّة التي اعتمدها فقهاء الشيعة في العهود اللاحقة، ولذلک كانت أقوالهما تنقل باحترام من قبل أولئک الفقهاء اللاحقين الذين أدخلوا عنصر العقل والاستدلالات العقليّة إلى الفقه.

عهد الفقهاء المتكلّمين

في هذا العهد شهد العالم الشيعي علماء وفقهاء اعتمدوا ـ في مجال الاستنباط ـ القواعد الكليّة للقرآن والأحاديث المسلّمة والروايات التي تأكّد صحّت انتسابها إلى الأئمّة بنحو قطعيّ، وأخرجوا عن موضع الاعتماد الروايات التي لم يتأكّد صحّة انتسابها إلى الأئمّة، وهي عبارة عن الأخبار التي تُدعى أخبار آحاد، وبدلاً عن ذلک اعتمدوا الآراء التي كانت دارجة لدى الطائفة الشيعيّة ويعملون وفقها الإجماعات. كان استنباط الأحكام الشرعيّة من المصادر المزبورة يتمّ وفق استدلال وتحليل عقليّ، وعلى العموم كان عدم اعتبار الخبر بحدّ ذاته هو الخصيصة الأساس لمنهجهم.

ويُصنّف الشيخ المفيد والسيّد المرتضى من أعاظم علماء وفقهاء الشيعة، وكذلک أبو الصلاح الحلبي ضمن هذه الطائفة من العلماء.

عهد شيخ الطائفة وما بعده

المشهود في العهود السابقة من العهود التي مرّ بها الفقه الشيعي هو أنّ فقهاء تلک العهود قد اعتمدوا ظواهر القرآن والأحاديث المسلّمة فقط، ولا اعتبار للحديث بحدّ ذاته، ما لم يُسلّم صدوره عن المعصوم. أمّا شيخ الطائفة الطوسي فسعى لاعتبار والقول بصحّة هذه الأحاديث مع غضّ النظر عن الشواهد والقرائن، برغم الاحتفاظ بالهيكل التحليلي والعقلي لمناهج الفقهاء الذين سبقوه. وقد توفّق في عمله هذا، وبنى أساساً جديداً للفقه الشيعي يختلف بالكليّة عن الأسس التي اعتمدت من قبل الفقهاء السابقين. إنّ منهج الشيخ في حقيقته هو مزج بين مدرسة أهل الحديث - فقهاء السنوات الأولى من عهد الغيبة ـ ومدرسة المتكلّمين.

ومن خلال ما ألّفه الشيخ من كتب عديدة، منها: المبسوط في الفقه التفريعي، والخلاف في الفقه المقارن، و النهاية في الفقه الشيعي التقليدي، و تهذيب الأحكام و الاستبصار كمجاميع حديثيّة، استطاع التأثير بشكل معجز على سير تكامل وتطوّر الفقه الشيعي.

من الخصائص البارزة الفقهيّة لهذه المدرسة هو التوظيف والتزوّد من التراث الفقهي لأهل السنّة، حيث عمل عليه فقهاؤهم في القرون بكثرة، وهو ما جعل الفقه الشيعي يخطو باتّجاه نحو التحوّل أو التنمية والتطوّر.

عرض الشيخ آراءه والمباني الشيعيّة في كتابيه المبسوط و الخلاف بمناهج التدوين السنيّة، وقد اتّخذت شكل تحشية أحياناً، وأحياناً أخرى لم تستقطب في نصّه الفقهي. وهذا المنهج ولّد نوعاً من الاضطراب وعدم النظم والانسجام في التراث الفقهي للشيخ، نقّح وهذّب فيما بعد من قبل فقهاء، مثل المحقّق الحلّي، ونال شيئاً من الانسجام، ثمّ همّ العلّامة الحلّي ببسط هذا الفقه وتنميته.

عظمة الشيخ وشأنه العلميّ كان قد ألقى بظلاله على المراكز العلميّة للشيعة إلى حدّ لم يترک مجالاً لأحد للإبداع والابتكار أو اقتراح الجديد وإبداء المخالفة، وكان الفقهاء، حتّى قرن من بعد رحيله، تابعين لآرائه بالكليّة، ولذلک كانوا يُدعون بالمقلّدة. وبعد مضيّ قرن من وفاة الشيخ ظهر فقهاء تردّدوا في الأسس المعتمدة من قبل الشيخ، وأنكروا حجّيّة أخبار الآحاد، وعادوا إلى ما كان عليه الشيخ المفيد والسيّد المرتضى. وقد همّ بترويج هذا المذهب فقهاء من قبيل: محمّد بن إدريس الحلّي مؤلّف السرائر.

لكن لم يمض الكثير على المنهج الجديد حتّى ظهر فقهاء اعتبروا في منهج شيخ الطائفة الغنى والسعة الكافية، وسعوا في صيقلة وإعادة بناء هيكليّته.

برغم المحاسن والفوائد التي ترتّبت على استخدام الشيخ للفقه السنّي إلّا أنّه ترک نوع اضطراب وعدم انسجام في الفقه الشيعي ممّا استدعى لتدوينه تارة أخرى. وفي هذا المجال برز علماء كبار و فقهاء مؤثّرون، مثل المحقّق الحلّي أوجد تحوّلاً في فقه الشيخ الطوسي ومنح ذلک الفقه شكلاً جديداً ونظماً أصوليّاً وترتيباً خاصّاً ليبدو أكثر انسجاماً وتهذيباً.

وبعد المحقّق الحلّي برز تلامذته من قبيل: العلّامة الحلّي الذي سار في نفس طريق أستاذه المحقّق، فقد سلک نهج الشيخ الطوسي وترتيب المحقّق الحلّي، وسعى كثيراً لبسطٍ وتنمية وتنقيح الفقه، وترک مؤلّفات كثيرة في الفقه المقارن والفقه التفريعي، وأثرنا عنه تتبّعاً وتحقيقاً في الفقه.

مؤلّف كتاب نزهة الناظر كان يعيش في ذات العهد، فقد عُدّ أحد نقّاد منهج شيخ الطائفة.[4]


-------------
[1].البحوث الواردة تحت هذا العنوان أخذت من (مقدمه اى بر فقه شيعه) لحسين المدرسي الطباطبائي، و(مدخل علم فقه) لرضا إسلامي. وكلا الكتابين بالفارسيّة.
[2]. وسائل الشيعة :27 62، أبواب صفات القاضي، الباب 6، الحديث 52.
[3]. راجع: الكافي :3 33، كتاب الطهارة، باب الجبائر، الحديث 4.
[4]. مقدمه اى بر فقه شيعه: 52. (بالفارسيّة)

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org