Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: الصورة الأولى: قتل المسلم لغير المسلم

الصورة الأولى: قتل المسلم لغير المسلم المشهور بين الفقهاء أن المسلم لو قتل غير المسلم فلا يُقاد به، وإنما عليه ـ فقط ـ دفع دية غير المسلم لأسرته.

يقول صاحب الجواهر: «لا يقتل مسلم بكافر مع عدم الاعتياد، ذمياً كان أو مستأمناً أو حربياً، بلا خلاف معتدّ به أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه»(58).

والمخالف الشيعي الوحيد هنا هو الشيخ الصدوق في كتاب المقنع، إذ يقول: «وإذا قطع المسلم يد المعاهد خُيّر أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا دية يده، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم، وأدوا إليه فضل ما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صُنع كذلك»(59).

ويذهب الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه إلى قتل المسلم الذي يقتل كافراً ذمياً، إلاّ أن ذلك ليس من باب القصاص، وإنما من جهة مخالفته لإمام المسلمين في المعاهدات التي أمضاها، يقول في هذا الإطار: «وعلى من خالف الإمام في قتل واحد منهم متعمداً القتلُ; لخلافه على إمام المسلمين، لا لحرمة الذمي»(60).

وهكذا يفتي فريق من الفقهاء ـ كابن الجنيد والحلبي ـ بقتل المسلم المعتاد قتل الكافر بحيث تكرّر منه الفعل، لكن لا من باب القصاص، بل بعنوان العقوبة.

من هنا، لا يصحّ عدّ رأي هذين الفقيهين، وكذا رأي الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، رأياً مخالفاً للقول المشهور هنا، فالمخالفة الوحيدة إنما صدرت من الصدوق في كتاب المقنع.

أدلّة النظرية المشهورة، وقفات نقدية
هذا، وقد استند مشهور الفقهاء ـ لإثبات ما ذهبوا إليه ـ إلى القرآن والسنّة والإجماع.

الدليل الأول: النص القرآني
والآية الوحيدة التي استدلّ بها هنا هي: (وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبيلاً)النساء: 141.

وقد وقع الاستدلال بها للمرّة الأولى من جانب الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف، فقد كتب ـ يبيّن الاستدلال ـ ما يلي: «والمراد بالآية النهي لا الخبر، لأنه لو كان المراد الخبر لكان كذباً»(61).

إلاّ أننا نرى أنه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية، وذلك:
1 ـ إذا كان هذا هو معنى الآية، فلا بدّ أيضاً من عدم إجراء حدّ السرقة وسائر الحدود والتعزيرات على المسلمين، أي أنه لو سرق مسلمٌ غير مسلم فلا يقام عليه الحدّ، وهكذا يلزم علينا أن لا نعتبر المسلم ضامناً ـ بالضمان القهري أو الجعلي ـ بما يعود نفعه لغير المسلم.

2 ـ إن تشريع القانون بغية حصول الناس على حقوقها لا يعدّ في نظر العرف والعقلاء سلطةً أو سيطرة.

3 ـ إذا سلّمنا أن جعل القوانين لتحصيل الناس حقوقها نحوٌ من السلطة والسيطرة فعلينا أن نقرّ بأن الآية المذكورة قد نفت هذا النوع من السلطة عن الكافر، إلاّ أن الكافر في المصطلح القرآني أخصّ من غير المسلم، بمعنى أن القرآن لا يرى كل شخص غير مسلم كافراً، إنما خصوص العالم بالحقيقة، المعرض عنها، الجاحد لها، وهؤلاء لا يشكّلون من مجموع غير المسلمين سوى فئة قليلة.

وعليه، فلا يمكن الحكم بعدم تساوي القصاص بين المسلم ومطلق من لا يصنَّف مسلماً.

نعم، سوف يكون هذا الحرمان القانوني في حق مثل هذا الكافر نوعاً من العقوبة له والجزاء، يقول الشيخ الصدوق في بداية باب ميراث أهل الملل: «وأن الله عزوجل إنما حرّم على الكفار الميراث; عقوبةً لهم بكفرهم، كما حرّمه على القاتل عقوبةً لقتله»(62).

وبعيداً عن ذلك، يلزم على تقدير القول بعدم تساوي الكافر والمسلم في القصاص انتفاء هذا التساوي عندما يكون وارث المقتول مسلماً، إذ لا تكون هناك سلطةٌ للكافر على المسلم، والحال أن أحداً لم يفت بذلك.

4 ـ وتخطياً لتمام ما تقدم نرى أن هذه الآية تماثل قاعدتي لا ضرر، ولا حرج، في نفيها السلطة والسبيل من جانب الله تعالى، أي أن تلك السلطة الناتجة عن التشريعات والقوانين الإلهية لم تجعل للكافر على المسلمين، وعليه، فإذا أقدم مسلم على أمر، كالإقدام على الضرر، فإن قاعدة «لا ضرر» لا تكون شاملةً له، وهكذا إذا أقدم على قتل غير المسلم، فإنه يكون قد منح الآخرين سلطةً على نفسه، لا أن الله منحهم إياها بتشريعه، حتى يكون هذا العطاء الإلهي منتفياً بالآية الكريمة.

الدليل الثاني: السنّة الشريفة
الدليل الثاني من أدلّة القائلين بهذه النظرية عبارة عن خمس روايات منقولة في المصادر الحديثية الشيعية، لكن مع ذلك، فقد عدّها الشهيد الثاني كثيرةً(63)، فيما اعتبرها صاحب الجواهر مستفيضةً أو متواترة(64).

والروايات الخمس هي:
1 ـ صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن دماء المجوسي واليهود والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شيء، إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم. قال: «لا، إلاّ أن يكون متعوّداً لقتلهم»، قال: وسألته عن المسلم هل يُقتل بأهل الذمّة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: «لا، إلاّ أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم، فيُقتل وهو صاغر»(65).

2 ـ وعن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: «لا، إلاّ أن يكون متعوداً لقتلهم، فيقتل وهو صاغر»(66).

3 ـ وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: قلت له: رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، قال: «لا يقتل به، إلاّ أن يكون متعوّداً للقتل»(67).

4 ـ صحيحة محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام).. وذكر نص الحديث الأوّل بعينه(68).

5 ـ صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر(عليه السلام): «لا يُقاد مسلم بذمّي في القتل، ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي، ثمانمائة درهم»( [69] ).

والذي يبدو أن الاستدلال بهذه الروايات الخمس على رأي المشهور ليس محكماً; وذلك:

أولاً:
إن الأحاديث الأربعة الأولى لا ترتبط بقصاص المسلم أمام غيره، إنما بعقوبة المسلم الذي اعتاد قتل غير المسلمين، فالحكم هنا بقتله إنما جاء من باب معاقبته ومجازاته لا من باب القصاص أو القود.

والشاهد على ذلك، إضافةً إلى تعبير «متعوّداً» المكرّر في الأحاديث الأربعة، عدم استخدام تعابير القصاص والقود وما شابههما في جملة هذه الأحاديث، إذ لو كان الحكم في سياق موضوع القصاص لكان لا بد ـ كما هو الحال في سائر روايات القصاص ـ من استخدام هذه التعابير وأمثالها.

والشاهد الآخر الذي يمكنه دعم هذا الاستنتاج أنه لا يوجد أىّ إشارة في الروايات الأربع إطلاقاً إلى مطالبة أولياء الدم بالقصاص، وأىّ أسرة من أسر المقتولين يلزمها المطالبة به، جميعها أو الأخيرة؟ كما أن الروايات الأربع لم تتحدّث عن ردّ تفاوت الدية، وأنه إلى أىّ أسرة يرجع؟

إن عدم إثارة هذه الموضوعات شاهد دالّ على عدم ارتباط هذه الأحاديث بباب القصاص، وإلاّ لزم تورّطها في إبهام شديد من هذه الجهات.

وعليه، فهذه الروايات الأربع ظاهرة في الحدّ والعقوبة، لا القصاص والقود، ومن ثم لا يمكن جعلها مستنداً للحكم هنا، وإذا ما شكّك شخص ما في ظهور هذه الروايات فيما قلناه، فلا أقلّ من وجود احتمال حقيقي جاد، ومعه لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالقصاص، لانتفاء ظهورها فيه مع وجود احتمال بهذه القوّة هنا.

وعليه، فلا يوجد في الحقيقة سوى حديث واحد للقول المشهور، وهو الحديث الخامس.

ثانياً: وبعيداً عن الإيراد الأوّل، تعارض هذه الروايات جملةَ روايات اُخرى تجوّز قصاص المسلم لغير المسلم مثل:
1 ـ صحيحة ابن مسكان، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، فأرادوا أن يقيدوا، ردّوا فضل دية المسلم وأقادوه»(70).

2 ـ وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إذا قتل المسلم النصراني، فأراد أهل النصراني أن يقتلوه، قتلوه، وأدّوا فضل ما بين الديتين»(71).

3 ـ موثقة سماعة، عن أبي عبدالله(عليه السلام): في رجل قتل رجلاً من أهل الذمّة، فقال: «هذا حديث شديد لا يحتمله الناس، ولكن يعطي الذمي دية المسلم، ثم يقتل به المسلم»(72).

والظاهر أن مقصود الإمام من شدّة الأمر بحيث لا يحتمله الناس، أن المسلمين يظنون عدم قصاص المسلم بغيره; نظراً لأفضلية الإسلام وعظمته، بينما يجيب الإمام(عليه السلام)بالقصاص، غايته أنه يلزم دفع تفاوت الدية إلى عائلة المسلم الجاني قبل قصاصه.

وحيث كانت روايات الباب معارضةً لروايات اُخرى، لزم ترجيح الروايات الثلاث الأخيرة، انطلاقاً من موافقتها لآيات القصاص، فتكون هذه الأحاديث ـ في المحصّلة النهائية ـ أساساً للاستنتاج الفقهي هنا.

وقد أعمل صاحب الجواهر الترجيح بين هذه الروايات بطريقة اُخرى، إنه يقول: إن هذه الروايات الثلاث الأخيرة تخالف آية نفي السبيل، ومن ثم يلزم ترجيح تلك الروايات عليها(73)، إلاّ أنه ـ وكما مرّ سابقاً ـ لا تملك آية نفي السبيل دلالةً فيما نحن فيه، وهذا معناه فقدان مخالفتها للمعنى، ومن ثم لا تكون سبباً للرجحان.

والمطلب الذي بيّناه في معارضة الروايات الثلاث وترجيحها يقع على حسب رأي المشهور في باب دية المسلم وغيره، وإلاّ فإن هذه الروايات تخالف هي أيضاً النص القرآني; طبقاً لما مرّ معنا في الفصل الأوّل من أن الآيات القرآنية لا ترى الدين شرطاً في القصاص، ومعنى ذلك أن هذه الروايات عينها ينبغي طرحها أيضاً.

ومن بين مجموع الروايات المنقولة، أي الروايات الخمس الأولى والروايات الثلاث اللاحقة ليس هناك من رواية تامة سنداً ومتناً عدا صحيحة محمد بن قيس، وهي التي تدلّ على أن قصاص المسلم وغيره يقع دون حاجة إلى دفع فاضل الدية.

وبعبارة اُخرى، أربع روايات من مجموع الروايات الثمانية التي مرّت معنا، تتعلّق بالعقوبة والحدّ، وهي التي تدلّ على حالة اعتياد المسلم قتل غير المسلمين، فيما تخالف ثلاثة اُخرى القرآن الكريم من حيث دلالتها على تفاوت المسلم وغيره في القصاص، ومن ثم لا تكون حجةً، وعليه، فلا يبقى في البين عدا رواية واحدة تامة سنداً ومتناً، ألا وهي صحيحة محمد بن قيس، ولكنّها غير موافقة مع القرآن.

الدليل الثالث: الإجماع

الإجماع ثالث أدلّة المشهور هنا، بيد أنه غير تام أيضاً، وذلك:
أولاً: يخالف الشيخ الصدوق المشهور في كتاب المقنع، مما بإمكانه أن يُحدث خللاً في الإجماع.

ثانياً: لا مجال للاستدلال بالإجماع مع وجود الآيات والروايات القرآنية والحديثية(74).
--------------------------------------------------------------------------------
(58) النجفي، جواهر الكلام 42: 150.
(59) المقنع: 534.
(60) من لا يحضره الفقيه 4: 92، ذيل الحديث: 299.
(61) الخلاف 5: 145، المسألة: 2.
(62) من لا يحضره الفقيه 4: 234.
( (63) مسالك الأفهام 15: 142.
(64) جواهر الكلام 42: 150.
(65) وسائل الشيعة 29: 107، ب47، ح1.
(66) المصدر نفسه: 109، ب47، ح6.
(67) المصدر نفسه، ح7.
(68) المصدر نفسه: 107، ب47، ح1.
(69) المصدر نفسه: 108، ب47، ح5.
(70) المصدر نفسه: 107، ب47، ح2.
(71) المصدر نفسه: 108، ب47، ح4.
(72) المصدر نفسه، ح3.
(73) جواهر الكلام 42: 150.
(74) لمزيد من الاطلاع يراجع: صانعي، فقه الثقلين (كتاب القصاص): 230 ـ 247.
عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org