Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: الحكمة والأخلاق في رأي الحكيم الطوسي

الحكمة والأخلاق في رأي الحكيم الطوسي

علم الأخلاق هو علم يعلم الإنسان كيف يحيا، ويبيّن له الحسن والقبح والخير والشرّ، ويكشف له التصرّف الصحيح مع الآخرين، كما يبيّن كيفيّة حصول التعاون بين مجموعة ومجموعة أخرى، أو بين المجتمع بشكل عام.

تتألّف أصول علم الأخلاق من الآداب والسنن، التي باجتماعها يتقوّم هذا العلم، وهذه الآداب ضروريّة ومهمّة في عمليّة تكامل الإنسان، والمحافظة على فطرته السليمة.

وأمّا موضوع علم الأخلاق فهو النفس، باعتبار أنّها هي التي يمكّنها أن تقوم بالفعل الحسن أو القبيح بإرادتها.

والغرض من علم الأخلاق هو الدين، الذي وضعه اللّه كطريق علمي سهل وسريع لحصول النفس الإنسانيّة على الطباع الحسنة، وأنسها بالأعمال الحسنة والجيّدة. وفي النتيجة، تسوق الأخلاق الحسنة الإنسان إلى السعادة وترشده إلى الأعمال الحميدة، كما أنّها تعدّه وتهئيه للقيام بالوظائف الاجتماعيّة المطلوبة منه.

تتّخذ القوانين الأخلاقيّة مكاناً لها في روح الإنسان، وهي نافعة في المحافظة على صحّة الروح، وتعمل على إيجاد حالة من التواؤم بين الإنسان وقوانين الطبيعة. كما أنّها تؤمّن المحافظة على النظم الاجتماعي واستقامة المجتمع.

ويعدّ إجراء القوانين الأخلاقيّة من أعظم أنواع السياسة وأفضلها، كما تعتبر الأخلاق في مجال إدارة الدولة من أكمل الأمور وأجملها على الإطلاق. وقد وُجدت الأخلاق منذ وجود المجتمع البشري. ففي البداية أمر الدين باتباع الأخلاق، وبعده قام الفلاسفة بإعطاء الضوابط والقواعد الأخلاقيّة التي تتطابق وتناسب فهم كلّ مجتمع وفي كلّ عصر، وذلك بقالب أحكام وأوامر تارة، أو بصيغة موعظة وإرشاد تارة أخرى، ووضعت بين أفراد المجتمع كدستور عمل فيما بينهم. لذا علينا أن نتعامل مع المواعظ والتعاليم القيّمة التي قدّمها العظماء من كلّ قوم ونحلة على امتداد التاريخ على أساس من الاحترام، وعلينا أن ندوّنها على طبق من ذهب، ونجعلها دستوراً حياتيّاً لنا وللأجيال اللاحقة.

وقد ورد في الدين الإسلامي المقدّس، أن فلسفة وعلّة بعثة النبىّ الأكرم(صلى الله عليه وآله)إنّما هي إتمام مكارم الأخلاق. لذا نرى أن أكمل الدستورات الأخلاقيّة هي التي تستلهم من الآيات القرآنية، فضلا عن الأحاديث المنسوبة لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار سلام اللّه عليهم أجمعين، بالإضافة إلى ما يؤثَر عن العرفاء والعلماء في هذا الخصوص. والشخص الذي كان له قدم سبق في هذا الميدان، هو العالم الإسلامي الكبير والحكيم الإلهي الخواجة نصير الدين الطوسي.

يعرّف الحكيم الطوسي الحكمة العملية في كتابه «أخلاق ناصري» على الشكل التالي:

«الحكمة في عرف أهل المعرفة عبارة عن العلم بما ينبغي أن يكون، والإتيان به كما ينبغي على قدر الاستطاعة، حتّى تصل النفس الإنسانيّة إلى كمالها المنشود».([1])

ويعدّ هذا الكلام الأساس لجميع من قسّم الحكمة إلى قسمين: علمىّ وعملىّ. ومن يستطيع الوصول إلى هذين النوعين من الحكمة، يعدّ حكيماً كاملا وإنساناً واصلا، بلغ المقامات العالية والرفيعة.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة أيضاً; حيث يقول: ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) .([2]) كما طرحت هذه المسألة أيضاً لدى فلاسفة إيران القدماء; حيث كانوا يتحدثّون عن الحكمة النظريّة والحكمة العمليّة عندما يتمّ البحث في كمال الإنسان. ولديهم العديد من العبارات المشهورة التي تكشف عن أنّ هذه الفكرة كانت الأساس في حياة الناس الاجتماعيّة في هذه البلاد; من قبيل الاعتقاد الصحيح والقول الصادق والتصرّف الحسن. فكلمة «اعتقاد» التي استخدموها لا تشمل معنى التوهّم والخيال، بل تطلق على البناء العقلي والفكري الذي يمكن أن يكون حكمة.

وأمّا الحكمة العمليّة، فأكثر ما تطلق على مسألة تهذيب الأخلاق وتدبير المنزل وسياسة المدن. وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ عنوان سياسة المدن فسّر في إدارة الدولة، حتّى غدا ما يتبادر من هذه اللفظة هو الوظائف والأعمال التي يقوم بها الحكّام والسلاطين والأمراء، والحال أنّها ناظرة إلى آداب المعاشرة ووظائف الناس اتّجاه بعضهم البعض، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه اسم الآداب الاجتماعيّة. ولهذا السبب، نرى أنّ إطلاق سياسة المدن على إدارة الدولة وتدبير الناس لم يكن بدون مناسبة.

وهنا قد يطرح السؤال التالي: هل أنّ الحكمة العمليّة لها موقع في العلم والمعرفة، أم أنّها عبارة عن أمر مرتبط بالفعل والتطبيق فقط؟ يمكننا ـ بمراجعة سريعة لما ورد في تعريف الحكمة ـ أن نجيب على هذا السؤال بشكل واف. حيث إنّ دراسة آثار العلماء العظام، يفيد بأنّهم كانوا يعتمدون على مصالح الأعمال والأخلاق في تعريف الحكمة، وأنّهم قليلا ما كانوا يتحدّثون عن مجرّد التصرّف والعمل.

لذا نرى المحقّق الطوسي يعرّف الحكمة العمليّة ـ كما أشرنا في تعريفه ـ بشكل أنّ المراد من مصالح الأفعال والأعمال هو المعرفة. ومن الواضح أنّ إدراك المصالح والمفاسد يرتبط بالعقل، وأنّه من مقولة العلم.

ويمكننا ـ من باب المثال ـ الإشارة إلى علم الفقه، حيث لا شكّ في أنّ موضوعه هو أفعال المكلّفين. ولا يمكن التشكيك في أنّ فعل المكلّف هو عمل، والعمل مرتبط بجوارح الإنسان، وبالتالي يكون من مقولة الفعل. كما أنّ الفقيه يطلق على العارف بالأحكام والعالم بالمسائل الشرعية; أعمّ من أن يكون هو نفسه عاملا بها أم غير عامل. ومن المسلّم به أيضاً أنّ العلم بالأحكام والمسائل من مقولة العلم، ومرتبط بمسألة العلم والمعرفة.

نعم، من الواضح جليّاً أنّه عندما يعمل فقيه بما يعلم، يكون فقيهاً عاملا وكاملا. ولا شك أنّ هذا الكلام يصدق في حقّ الحكيم أيضاً; أي أنّه عندما يكون حكيماً متخلّقاً بأخلاق حسنة وجميلة، يعدّ حكيماً كاملا وإنساناً عظيماً، وإلاّ فلا يعدّ كذلك.

يعتبر الخواجة نصير الدين الطوسي من الأشخاص الذين أولوا اهتماماً خاصّاً بالحكمة العمليّة، كما أنّه كان يتمتّع بصفات حسنة وخلق جميل. لكن لا بدّ من الالتفات إلى هذه المسألة الهامّة; وهي أنّ المحقّق الطوسي يرى أنّ الأخلاق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتربية، وأنّ المسائل الأخلاقيّة ينبغي أن تعالج ضمن نظام تربوىّ متكامل، وليس هذا النظام ـ في الواقع ـ إلاّ تطوير الفكر وتوسيع دائرة الأصول العقليّة لدى الإنسان. ولهذا السبب، نراه يعتقد بأنّ هناك علاقة وثيقة جدّاً بين التربية والتطور الاجتماعي، معتقداً في الوقت ذاته بأنّ العلم والمعرفة من العوامل الأساسيّة لذلك.

تعتبر مسألة التربية الأخلاقيّة في رأي المحقّق الطوسي مسألة محوريّة وأساسيّة، لايمكن إخراجها عن دائرة الفكر بأىّ شكل من الأشكال. ولذا فقد كتب رسالة هامّة في « آداب المتعلّمين » ، دوّن فيها بعض الأفكار العميقة والتجارب الشخصيّة، التي استفاد من العلم والمعرفة لتجاوزها. وهي رسالة صغيرة جدّاً، نظمها في إثني عشر فصلا.

يذكر المحقّق الطوسي في الفصل الأوّل من هذه الرسالة أهميّة العلم والمعرفة، معتبراً أنّها الأساس في سعادة الإنسان واستقامته. وفي الفصل الثاني يؤكّد على أهميّة النيّة، كما يتحدّث عن ضرورة تحصيل العلم واستخدامه في رفع المشكلات التي قد تعترض طريقه. وفي الفصل الثالث يبحث عن ضرورة اختيار الأستاذ، وانتخاب المواد التي يدرسها، ويوصي طلاّب العلم أن يهتمّوا بالأصل قبل الحواشي والهوامش. بينما يؤكّد في الفصل الرابع على أنّه ينبغي على طالب العلم ـ قبل أىّ شيء ـ أن يكون ذا همّة عالية، ويرى أنّ الهمّة العالية لطالب العلم بمثابة الجناح للطائر. وأمّا في الفصول الأخرى، فيشير في كلّ منها إلى سلسلة من المسائل الأخلاقيّة الهامّة، والتي تؤثّر مراعاتها بشكل كبير على طالب العلم.

ما طرحه المحقّق الطوسي في رسالة آداب المتعلمين يرتبط بشكل مباشر بجانب الحكمة العمليّة، وتعتبر هذه الرسالة في مصافّ كتابين آخرين هامّين أيضاً في مجال الحكمة العمليّة; هما: «أخلاق ناصري» و «أوصاف الأشراف»، واللذان يعتبران من أهمّ الكتب المرتبطة بالأخلاق في العالم الإسلامي.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . أخلاق ناصري (فارسي)، ص 13.

[2] . البقرة (2): 269.

عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org