Loading...
error_text
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: کتابخانه عربی
اندازه قلم
۱  ۲  ۳ 
بارگزاری مجدد   
پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی :: مصباح [ 5 ]

مصباح [ 5 ] [ في ما يجب له الأغسال الوجبة غير غسل المسّ ]


ويجب غير الخامس(1) للواجب من الصوم، وقراءة العزائم، ودخول المسجدين، واللبث في المساجد، ووضع شيء فيها، ومسّ اسم الله تعالى وأسماء الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام).

والكلام في هذه المسائل يقع في مواضع:



[ الموضع ] الأوّل: الصوم



[ وجوب غسل الجنابة للصوم: ]

ولا ريب في وجوب غسل الجنابة للصوم الواجب، وبطلانه إذا تعمّد البقاء على الجنابة; للنصوص المستفيضة، والإجماعات المنقولة* في الانتصار(2)،



*. جاء في حاشية «د»:«في السرائر(3)، والمختلف([4])، والمنتهى(5)، وغيرها(6) تكرّر حكاية الإجماع على ذلك في مسألة أنّ الغسل واجب لنفسه أو لغيره، فليلاحظ ذلك». منه (قدس سره).

والخلاف(7)، والوسيلة(8)، والغنية(9)، والسرائر(10)، وكشف الرموز(11)، وحواشي التحرير(12)، والروض(13)، والمقاصد العليّة(14)، وكشف اللثام(15).

وفي المعتبر(16) والمنتهى(17) والتذكرة(18) نسبة القول به إلى علمائنا. وفي كنز العرفان إلى أصحابنا(19).

وفي المهذّب البارع: أنّ القول بخلاف ذلك منقرض(20).

وفي جامع المقاصد: أنّ وجوب الغسل لصوم الجنب بناءً على ما استقرّ عليه مذهب الأصحاب من اشتراط صحّة صوم الجنب بتقديم الغسل على الفجر(21).

وفي الطالبيّة: «قد انعقد على ذلك إجماع المتأخّرين وإن خالف فيه بعض المتقدّمين»(22).



[ القائلون بجواز البقاء على الجنابة: ]

والمخالف فيه من القدماء هو الصدوق (رحمه الله) في المقنع، فإنّه قال فيه: «واجتنب في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام)». ثمّ قال: «وسأل حمّـاد بن عثمان أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل، وأخّر الغسل إلى أن طلع الفجر، فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجامع نساءه من أوّل الليل ثمّ يؤخّر الغسل حتّى يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب(23) يقضي يوماً مكانه» * (24).

وقد ذكر فيه وفي الفقيه أيضاً في أحكام الجنب، أنّه لا بأس أن يجنب أوّل الليل وينام إلى آخره(25).

فإن أراد الجواز مطلقاً حتّى في شهر رمضان ثبت خلافه في الكتابين معاً(26).



*. جاء في حاشية «د»:«لعلّ الوجه في هذا الخبر حمل الصدر منه على الإنكار والعجز على الأمر منه (عليه السلام)بالقضاء، ويكون المراد من قوله:«ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب» (أي: العامّة)، أنّه لا يقول أنّ ذلك لا يضرّ بالصوم; فإنّ ذلك هو مذهب العامّة إلاّ شاذاً منهم». منه (قدس سره).

وقد صار إلى هذا القول من المتأخّرين المولى الفاضل الأردبيلي في زبدة البيان(27)ومجمع البرهان (28)، والسيّد الداماد في شارع النجاة(29) وغيره(30)، وحكاه في الشارع(31) عن الصدوق وغيره من أعيان القدماء، وعن بعض من تأخّر من الفضلاء. ويحكى القول به عن المحقّق الشيخ حسن(32).

وتوقّف في ذلك صاحب الكفاية(33)، وعزاه في الحديقة(34) إلى قول الأكثر، وظاهره التوقّف.

وقد يلوح التردّد فيه من الفاضلين في بعض كتبهما(35).

واستند من قال بالجواز (36):

إلى الأصل(37)، وظاهر الكتاب(38)، والأخبار، كرواية حمّـاد بن عثمان المتقدّمة(39)، وغيرها ممّـا دلّ على صحّة الصوم ونفي القضاء (40)، وتضمّن حكاية تعمّد البقاء على الجنابة في شهر رمضان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (41).

والجواب عنه: مضافاً إلى عدم معارضة ما ذكر للنصوص المعتبرة(42) المعتضدة بالشهرة الظاهرة والإجماعات المتواترة (43)، عدمُ صلاحيّة شيء منها للاستدلال.

أمّا الأصل; فلعدم صحّة التمسّك به في ماهيّة العبادة التوقيفيّة، وهو ها هنا كذلك; فإنّ القائلين بالمنع قد أخذوا عدم البقاء على الجنابة في حقيقة الصوم، وصرّحوا بأنّ الصوم هو الكفّ عن الأكل والشرب والجماع وتعمّد البقاء على الجنابة وغيرها. ولا ينافي ذلك تقدّم الغسل; فإنّ المقصود بقاء الأثر وإن تقدّم السبب.

ولو منعنا جريان الأصل في شروط العبادات ـ كما ذهب إليه بعضهم (44) ـ فتوجّه المنع إليه أبين وأظهر.

وأمّا الآية(45)، فالاستدلال بها باعتبار الغاية يبتني على عودها إلى جميع الجُمَل المتقدّمة، وهو ممنوع; لجواز العود إلى الأكل والشرب اللذين هما كالشيء الواحد، أو إلى الشرب وإن علم مساواة الأكل له بدليل آخر.

ومن جهة إطلاق حلّ الرفث والأمر بالمباشرة، على أنّ المراد بهما الرخصة المحضة (46).

وقد يمنع ذلك; لاحتمال إرادة الندب فيه وفي الأمر بالأكل والشرب، كما ينبّه عليه استحباب السحور (47)، وإتيان النساء في ليالي شهر رمضان(48)، وقوله تعالى: (وَابْتَغوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (49)، وحينئذ فلا بدّ من تقييد الإطلاق المذكور بما إذا بقي مقدار الغسل، فإنّ أقلّ مراتب البقاء على الجنابة أن يكون مكروهاً، فلا يكون ما يستلزمه من المباشرة مأموراً به على الندب.

وقد يضعِّف الإطلاقَ ندرةُ الفرض، وخروج الجزء الأخير من الليل كالأوّل من باب المقدّمة ـ كما قيل(50) ـ وأنّ الغرض نسخ الحكم السابق ـ وهو التحريم ـ في جميع الأوقات (51)، فيكفي فيه الحلّ في البعض أو الغالب.

وأمّا الأخبار، فظاهرها الجواز من غير كراهة، وهو مقطوع ببطلانه، وفي جملة منها نسبة البقاء على الجنابة إلى الصبح في ليالي شهر رمضان إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بما يدلّ على المداومة وتكرّر الوقوع (52)، وهذا لا يليق بمنصب النبوّة وعظم قدر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فإنّ فيه مع المداومة على المكروه من النوم على الجنابة، والإصباح جنباً، تأخير صلاة الغداة عن أوّل وقتها، بل ترك صلاة الليل مع وجوبها عليه، كما يقتضيه رواية حمّـاد(53)، فيتعيّن حملها على الإنكار أو التعجّب، أو مقاربة الفجر، أو حمل الفجر فيها على الفجر الأوّل، أو الحمل على التقيّة، وهو الأصوب; لتضمّن بعضها نقل ذلك عن عائشة(54)، ولموافقة(55) ما تضمّنته من الحكم لمذاهب العامّة(56) ورواياتهم المشهورة (57)، ومن ثمّ عدّ المرتضى وغيره(58) الحكم بخلافه ممّـا انفردت به الإماميّة.

وكيف كان، فالمذهب: هو المنع.



[ وجوب الغسل لصوم الحائض والنفساء: ]

وفي حكم الجنب: الحائض والنفساء إذا طهرتا ما قبل الفجر; فإنّه يجب عليهما الغسل للصوم، ويفسد الصوم بتركه عمداً.

وهو مذهب الشيخ ابن أبي عقيل(رحمه الله)(59)، واختيار المختلف(60)، والتحرير(61)،
والمنتهى(62)، والتذكرة(63)، والذكرى(64)، والبيان(65)، والدروس(66)، والألفيّة(67)، ومعالم الدين(68)، وفوائد الشرائع(69)، وجامع المقاصد(70)، وحواشي التحرير(71) والإرشاد(72)، والجعفريّة(73)، والطالبيّة(74)، والجامعيّة(75)، ومنهج السداد(76)، والروض(77)، والمقاصد العليّة(78).

واشترط في الإشارة في صحّة الصوم الطهارة من الجنابة والحيض والاستحاضة(79)، وظاهره اشتراط الغسل.

وعزاه في الروض(80) والحديقة(81) إلى المشهور، ونفى الخلاف عنه في المقاصد(82)، ولعلّ المراد إجماع المتأخّرين أو عدم وجود المخالف الناصّ، وإلاّ فهذا الحكم ممّـا لم يذكره القدماء سوى الحسن(83)، وكتب المتقدّمين * ـ كالمقنعة، والنهاية، والمبسوط، والخلاف، والجمل، والانتصار، والمراسم، والكافي، والمهذّب، والوسيلة، والغنية، والسرائر ـ خالية عن اشتراط الصوم بغسل الحيض والنفاس ووجوبهما فيما يجب منه، وقد ضبطوا في كتاب الصوم ما يوجب القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، ولم يذكروا ذلك في شيء من القسمين، وإنّما ذكروا تعمّد البقاء على الجنابة وإخلال المستحاضة بما يجب عليها من الأغسال.

وفي الشرائع(84)، والقواعد(85)، والتحرير(86)، والإرشاد(87)، والتذكرة(88)، ونهاية الإحكام(89)،

*. جاء في حاشية «د»:«قد يستفاد من كلام متقدّمي الأصحاب ومتأخّريهم وجوب غسل الحائض والنفساء للصوم بمثل ما نُقل عن الإشارة (90); فإنّهم ذكروا أنّ من شرط وجوب الصوم الخلوّ عن الحيض والنفاس، ومن شرط صحّته الطهارة منهما ومن الجنابة، فليرجع إلى ذلك، فإنّ منه يتحصّل قول القدماء في المسألة». منه (قدس سره).

في مباحث الغايات: وجوب الغسل لصوم الجنب والمستحاضة، من دون تعرّض للحائض والنفساء. وظاهر كلامهم هنا وفي كتاب الصوم عدم وجوب الغسل لصومهما.

وقد تردّد في ذلك المحقّق في المعتبر(91)، ونسبه ابن سعيد في جامعه(92) إلى الرواية، ومال العلاّمة في النهاية(93) إلى العدم، وجعل الوجوب احتمالا.

وقد يظهر التردّد(94) من التذكرة في كتاب الصوم(95)، والذكرى في مباحث الحيض(96).

ومع ذلك فالأقرب: الوجوب; استصحاباً للمنع الثابت قبل انقطاع الدم حتّى يثبت الجواز، وتمسّكاً بأصل اشتغال الذمّة بالعبادة حتّى يعلم تحقّق الماهية المعتبرة شرعاً.

وما رواه الشيخ (رحمه الله) في التهذيب، عن علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إن طَهُرَتْ بليل من حيضتها، ثمّ توانتْ بأن تغتسل في شهر رمضان حتّى أصبحت، عليها قضاء ذلك اليوم»(97).

والحديث موثّق في أعلى درجات التوثيق; فإنّ علي بن الحسن وإن كان فطحيّاً إلاّ أنّ الأصحاب اتّفقوا على توثيقه وصدقه، وقالوا: «إنّه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وعارفهم بالحديث، حتّى أنّه لم يعثر على زَلّة فيه، وقلّ ما يروي عن ضعيف» (98).

وأمّا عليّ بن أسباط، فقد كان فطحيّاً ثمّ رجع عن ذلك(99)، وتوثيقه مسلّم.

وظاهر الشيخ العمل بالرواية; فإنّه أوردها في التهذيب (100) ولم يتعقّبها بردّ، كما جرت به عادته فيما لا يعمل به من الأخبار.

والدلالة فيها: باعتبار لفظ(101) «التواني»(102) الظاهر في التقاعد عن الواجب، وإيجاب القضاء الدالّ على تحقّق الخلل في الأداء.

وهي وإن وردت في الحائض، إلاّ أنّ النفساء بحكمها بالإجماع على تساويهما في مطلق الأحكام(103)، وفي هذا الحكم بالخصوص(104); فإنّ كلّ من قال بوجوب غسل الحيض للصوم قال بوجوب غسل النفاس له.

ويؤيّد وجوب الغسل عليهما: وجوبه على الجنب واشتراكهما معه في غالب الأحكام، وأنّ حدثهما لا يقصر عن حدث الجنابة، بل هو أشدّ، كما اعترف به غير واحد منهم(105)، فيكون أولى بالمنع.

وأيّده في الروض(106) بوجوب غسل الاستحاضة للصوم; وليس بشيء.

والعمدة ورود النصّ المعتبر من غير معارض ولا مصرّح بالردّ، مع موافقته لما قرّرناه من الأصل، والشهرة بين المتأخّرين، والإجماع المنقول(107)، بل المعلوم في بعض الطبقات.



[ هل يجب الغسل لجميع أقسام الصوم؟ ]

والحكم في الثلاثة(108) يعمّ جميع أقسام الصوم الواجب، وفاقاً للمشهور، وخلافاً لجماعة من المتأخّرين(109)، حيث استظهروا الاختصاص بصوم رمضان وقضائه; للأصل، واختصاص النصّ بهما، وهو مسبوق بالإجماع.

فإنّ مناط المنع عند الأصحاب:

إمّا اشتراط رفع هذا الحدث في مطلق الصوم حتّى المندوب، كما هو ظاهر كلامهم في كتاب الصوم، حيث جعلوا البقاء على الجنابة ونحوها منافياً للصوم، كالأكل والشرب والجماع، وأوجبوا على الصائم الكفّ عن الجميع، ونقلوا عليه الإجماع، كما في الوسيلة(110)، والغنية(111)، وغيرهما(112)، وحكوا الفرق بين الواجب وغيره عن الحسن بن صالح بن حيّ وغيره من فقهاء الجمهور(113).

أو اشتراطه في الصوم الواجب مطلقاً، مع قطع النظر عن غيره، كما يقتضيه قطعهم بوجوب الغسل الواجب من الصوم من غير تفصيل بين أقسامه، مع نقل الإجماع على ذلك في الروض (114)، وحواشي التحرير(115)، وغيرهما(116).

وكيف كان، فالعموم في هذا النوع معلوم من فتاوى الأصحاب وإجماعاتهم المتطابقة عليه. ولا ينافي ذلك فرض المسألة في بعض الكتب ـ كالانتصار(117)، وموضع من الخلاف(118) ـ في صيام شهر رمضان; فإنّ ذلك ليس نصّاً في التخصيص، ولا احتمال الفاضلين الاختصاص في المعتبر(119) والمنتهى(120); لموافقتهما المعظم في غيرهما(121)، ودلالة كلامهما في الكتابين على ثبوت التعميم عند الأصحاب.

ويدلّ على العموم: مضافاً إلى الإجماع، أصل اشتغال الذمّة بالعبادة، واستصحاب المنع في ذات الدم، كما قلناه في المسألة المتقدّمة. ومنه يعلم ضعف التمسّك بالأصل هنا في إثبات الجواز.



[ هل يختصّ وجوب الغسل بآخر الوقت؟ ]

وهل يختصّ الوجوب بآخر الوقت، بحيث يبقى من الليل مقدار الغسل؟

قيل: نعم; وهو خيرة الشرائع(122)، والقواعد(123)، والتحرير(124)، والتذكرة(125)، ونهاية الإحكام(126)، وكفاية الطالبين(127)، ومنهج السداد(128)، وحواشي الإرشاد(129)، والجعفريّة(130)، والطالبيّة(131)، والمقاصد العليّة(132)، والروض(133)، والمدارك(134). وكلامهم وإن كان
مفروضاً في غسل الجنابة إلاّ أنّ التعميم يستفاد من التعليل وغيره.

وقد علّلوا ذلك بعدم تعقّل الوجوب للصوم قبل التضيّق، وعدم توجّه الخطاب بالصوم قبله، وامتناع وجوب الشرط قبل وجوب المشروط، وتنزيل ضيق الوقت في الصوم بمنزلة دخوله في غيره.

وهذه العلل متقاربة في المعنى، مشتركة في الضعف، فإنّ مقدّمة الواجب المضيّق المنطبق على تمام وقته إنّما تجب قبل دخول الوقت، وكذا شرط الواجب الموسّع إذا لم يتّسع له زمان الشروط، كقطع المسافة للحجّ، وتحصيل العلم بما يتوقّف عليه العمل. والوجوب من باب المقدّمة لا يختصّ بمقدّمة الواجب الذي يتّسع وقته له ولمقدّمته; للإجماع على أنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به واجب مطلقاً، مضيّقاً كان الواجب أو موسّعاً، اتّسع وقته لفعل مقدّمته، أو لم يتّسع. وحينئذ فيكفي في وجوب المقدّمة وجوب ذي المقدّمة مطلقاً، منجّزاً كان أو معلّقاً، مع ظنّ البقاء إلى دخول الوقت، ولا يشترط في وجوبها تعلّق الخطاب به بالفعل ولااقتران الوجوبين في الزمان الواحد، بل يجوز اتّصاف المقدّمة بالوجوب بالفعل قبل اتّصاف ذي المقدّمة به كذلك. فإنّ السيّد إذا أمر عبده بصعود السطح وقت الزوال، كان الواجب عليه نصب السلّم قبل ذلك، وإلاّ لزم تأخير الصعود عن وقته المفروض. وهذا شيء معلوم بالضرورة، ولا مجال للخلاف فيه أصلا.

ومتى ثبت ذلك وتحقّق أنّ الوجوب في مثل هذا الشرط مقدّم على وجوب المشروط، فالأصل يقتضي وجوبه موسّعاً في جميع الأوقات المتقدّمة إلى أن يبقى إلى وقت الواجب مقدار فعله، فيتضيّق الوجوب حينئذ، لا أن يكون الوجوب مختصّاً بحال التضيّق بحيث لا يتّصف بالوجوب قبله; فإنّ وجوب الشيء من باب المقدّمة ليس إلاّ باعتبار توقّف الواجب عليه، وهو لا يتوقّف على إيجاده في الوقت المضيّق قطعاً، والفرض حصول التمكّن به من فعل الواجب، وهو حاصل بالإتيان به فيه أو في غيره، فلا يتعيّن للوجوب وإن تعيّن للتّضيّق. وعلى هذا فلا مانع من وجوب الغسل للصوم من حين حصول سببه وجوباً موسّعاً لا يتضيّق إلاّ آخر الليل بحيث يبقى منه مقدار الغسل، كوجوب النيّة طول الليل.

ولا ينافي ذلك وجوب الغسل لغيره، فإنّ معنى وجوبه لغيره كون الغير علّة في وجوبه، سواء وجب قبل الوقت أو بعده. ولولا النصّ أو الإجماع في تأخير(135) وجوبه عن دخول وقت الصلاة لأمكن القول بمثله هناك; فإنّ الصلاة في أوّل الوقت متّصفة بالوجوب الموسّع وهي موقوفة على الطهارة قبل الوقت، لكنّ الدليل الشرعي أوجب صرف الوجوب فيها إلى صورة مخصوصة، هي ما إذا صادف المكلّف أوّل الوقت متطهّراً، فتكون الصلاة في أوّل الوقت واجباً مشروطاً بحصول الطهارة، لا مطلقاً.

وأمّا الغسل للصوم، فحيث لم يمكن تأخيره إلى الوقت ولم يضرب له وقت في الشرع، وجب أن يكون وقته من حصول السبب، ويتضيّق(136) وجوبه في آخر الليل، كما هو الغالب. وربما تضيّق في غيره، كما إذا علم عدم تمكّنه منه في الآخر.

ومن هذا القبيل تضيّق السعي إلى الحجّ مع الأُولى إذا علم عدم التمكّن من المسير مع غيرها.



[ الردّ على أدلّة القول بالوجوب عند تضيّق الوقت: ]

وقد ظهر بما قرّرناه فساد التعليلات المذكورة بأسرها; فإنّ وجوب الغسل للصوم قبل التضيّق معنى محقّق معقول، جار على الأصل في كلّ ما كان من هذا القبيل، ولا سبيل إلى دفعه ومنعه بوجه من الوجوه.

وأمّا عدم توجّه الخطاب بالصوم قبل التضيّق، فإن أُريد به الخطاب التعليقي فهو ظاهر البطلان، وإلاّ فالقدر اللازم تقدّم توجّه الأمر بالصوم عليه آناًمّا ضرورة تقدّم الأمر على الفعل المأمور به.

وأمّا تقدّمه بمقدار زمان الغسل فلا، وعلى تقدير تسليمه فهو خلاف المطلوب; فإنّ الاعتبار بوقت المكلّف به(137) دون وقت التكليف. ودعوى امتناع وجوب الشرط قبل وجوب المشروط مع فسادها بالإجماع على وجوب مقدّمة الواجب المطلق مطلقاً، تقتضي عدم وجوب الغسل حال التضيّق أيضاً; لتقدّمه على وقت الصوم بالضرورة، وتنزيله في الصوم منزلة دخول الوقت في غيره، مع انتفاء الدليل على هذا التنزيل. وبعد تعلّق التكليف الابتدائي به لاستحالة علم المكلّف به إلاّ نادراً، لا يخرجه عن التقدّم على الوقت، فيمتنع وجوب الغسل فيه بمقتضى تلك الدعوى; فإنّ الأدلّة العقليّة لا تقبل التخصيص.

نعم، على تقدير بطلان هذه الدعوى، وإمكان وجوب الشرط قبل وجوب المشروط بالفعل ـ كما قلناه ـ جاز تخصيص هذا الوقت أو غيره مع وجود الدليل الشرعيّ على التخصيص، وهو منتف هنا; فإنّ الشارع لم ينصّ على هذا الوقت الخاصّ ولا على غيره بشيء، وإنّما اشترط الصوم بالغسل، ومقتضاه وجوب تقديم الغسل على الصوم مطلقاً، من دون تعيين زمان لفعله، فيكون وقته من حين حصول السبب.

ومن ثَمّ ذهب جماعة من المحقّقين ـ منهم المحقّق الأردبيلي(138)، والسيّد الفاضل صاحب الرجال(139)، والقاسانيان في المفاتيح(140) وشرحه(141)، وجميع من عاصرناهم من المشايخ(142) ـ إلى عدم اختصاص الوجوب بآخر الوقت، وهو ظاهر إطلاق العلاّمة في الإرشاد(143)، والشهيد في جميع كتبه(144)، بل هو قضيّة كلام المعظم; فإنّهم اشترطوا في صحّة الصوم تقديم الغسل، ولم يعيّنوا له وقتاً مخصوصاً.

والتحديد بآخر الليل لم يعرف لأحد من الفقهاء قبل المحقّق. وقد وافقه العلاّمة في أكثر كتبه(145)، مع قوله بوجوب الغسل لنفسه (146). واعتُرِض عليه بالتنافي بين الحكمين (147)، وحكي عنه(148) الاعتذار عن ذلك بأنّ المراد تضيّق الوجوب آخر الليل; لاختصاص الوجوب به، قال: «ومعناه أنّ الصوم ليس موجباً للغسل، بل يتضيّق الوجوب بسببه، وإنّما الموجب له الجنابة، والفرض بيان كيفيّة الوجوب دون بيان ماهيّته» (149).

وهذا الاعتذار منه يقتضي سقوط خلافه هنا; فإنّه صريح في عدم اختصاص الوجوب عنده بوقت التضيّق، وإن اختصّ بضيق الوجوب به(150). ويستفاد من كلامه أنّ الغسل إنّما يجب بوجوب واحد نفسي حاصل من حين وجود سببه، ويتضيّق في آخر الليل إذا بقي منه مقدار الغسل، وهو مطابق لظاهر المنقول عن القائل بالوجوب النفسي في جميع الطهارات، من وجوبها بحصول أسبابها وجوباً موسّعاً لا يتضيّق إلاّ بظنّ الوفاة، أو تضيّق العبادة المشروطة بها.

ولاستدلال القائلين بوجوب غسل الجنابة لنفسه، بأنّه لو كان واجباً لغيره لزم جواز الإصباح على الجنابة في شهر رمضان، بناءً على أنّ الوجوب للغير إنّما يكون بعد دخول الوقت.

فإنّ ذلك كلّه يعطي نفي الوجوب الغيري، وثبوت النفسي، وتضيّقه بتضيّق وقت العبادة المشروطة بالطهارة، وأنت خبير بفساد ذلك; فإنّ الوجوب النفسي إنّما يتضيّق عند ظنّ الوفاة خاصّة، وأمّا تضيّقه بتضيّق العبادة المشروطة بالطهارة فغير معقول; لأنّ التضيّق بهذا الاعتبار يتبع وجوبها للغير، كما هو ظاهر.

فالقائل بالوجوب النفسي لابدّله من القول بالوجوب الغيري، ولا غناء له عنه، والنزاع بينه وبين غيره لا يليق أن يكون في ثبوت الوجوب للغير، فإنّه أمر معلوم لا شبهة فيه، بل هو من الضروريّات التي لا يصلح فيها الخلاف، والذي يصلح أن يكون محلاّ للخلاف بينهما هو ثبوت الوجوب النفسي مع الغيري، أو انتفاء ذلك حتّى يكون الثابت هو للغيري فقط، فالقائل بالوجوب للغير يقول: إنّ وجوب الطهارة وجوب واحد غيري لا يتضيّق إلاّ عند تضيّق الواجب المشروط به.

وأمّا القائل بالوجوب النفسي، فإنّه لا بدّ أن يُثبت ذلك، ويزيد عليه بإثبات وجوب آخر نفسي يتضيّق عند الوفاة، فيجتمع عنده الوجوبان النفسي والغيري، ويتضيّق الأوّل بظنّ الوفاة، والثاني بتضيّق العبادة المشروطة بالطهارة. ومحلّ الاجتماع في مثل الصلاة إذا دخل الوقت، وفي الصوم آخر الليل على القول باختصاص وجوب الغسل للصوم بهذا الوقت. ولذلك صرّح جماعة من أصحاب هذا القول بلزوم تخصيص الوجوب به، وإن قيل بوجوب الغسل لنفسه، والمراد لزوم تخصيص الوجوب الغيري; فإنّ الوجوب النفسي لا يختصّ بالآخر قطعاً. ولا مانع من اجتماع الوجوبين; فإنّ الواجب لنفسه متى جعل شرطاً لواجب آخر كان واجباً لنفسه ولغيره. وذلك كالإيمان الواجب الوجوب لنفسه ولجميع ما يشترط به من العبادات، وكستر العورة الواجب عند وجود الناظر المحرّم(151)، وللصلاة الواجبة، وصوم شهر(152) رمضان الواجب لذاته، وللاعتكاف الواجب المشترط به، وكذلك الطهارة على هذا القول، فإنّها واجبة لنفسها ولاشتراط الواجب، كالصلاة والصوم بها. ومن ذلك يعلم اختلال الكلام المنقول عن القائل بوجوب الطهارات لأنفسها، وفساد الاستدلال بوجوب الغسل ليلا في شهر رمضان على وجوبه لنفسه، وبطلان الاعتذار الذي حكيناه عن العلاّمة(153) ـ طاب ثراه ـ; فإنّ وجوب الغسل وغيره لنفسه لا تعلّق له بحكم الطهارة باعتبار كونها شرطاً لواجب آخر.

وقد حكى المحقّق الكركي في حواشي التحرير عن الشهيد ـ طاب ثراه ـ أنّه اعتذر للعلاّمة بنحو ما حكيناه عنه من اعتذاره لنفسه، ثمّ قال: «وهو عجيب منه، فإنّ الغسل شرط للصوم قطعاً ووجوب المشروط يقتضي وجوب الشرط اتّفاقاً»(154).

والتعجّب واقع في محلّه. فإنّ الكلام في وجوب الغسل باعتبار كونه شرطاً للصوم، وهو وجوب بالغير، ولا يمكن دفعه إلاّ بمنع الاشتراط، أو منع وجوب مقدّمة الواجب، وكلاهما باطل، والتمسّك بالوجوب النفسي لا يجدي نفعاً في دفع الإشكال الوارد على الغيري مع القول به.

والأصل في هذا الإشكال والاختلاف كلّه: البناء على أنّ وجوب الطهارة من حيث أنّها شرط للعبادة لا يكون إلاّ بعد دخول وقت العبادة المشروطة بها، فإنّهم لمّـا حاولوا المحافظة على اعتبار ذلك مطلقاً أشكل عليهم الأمر في الغسل الواجب للصوم، لامتناع وجوبه بعد دخول الوقت، واستلزامه تأخّر الغسل عن الصوم، فاختلفوا في التفصّي عنه على وجوه صارت أقوالا:

منها: القول بالوجوب النفسي، وقد عرفت أنّه لا يشفي عليلا، ولا يروي غليلا.

ومنها: تنزيل آخر الوقت هنا منزلة دخول الوقت في غيره. وهو في الحقيقة هدم لذلك المبنى، وبناء الحكم على الشيء وضدّه.

ومنها: صرف وجوب الغسل للصوم عن ظاهره، وجعل الغاية توطين النفس على إدراك الفجر طاهراً. وهو الذي اعتمده شيخنا البهائي (رحمه الله) في حبله(155).

وفيه: أنّ وجوب التوطين على إدراك الفجر طاهراً فرع وجوب الغسل قبل الوقت، فإن صحّ فلا حاجة إلى غيره، وإلاّ لم يجب التوطين، فلا يمكن جعله غاية.

ولقد أغرب الشيخ الفاضل ابن إدريس (رحمه الله)، حيث انتحى مسلكاً آخر في هذا المطلب، فنفى وجوب الغسل قبل الوقت مطلقاً، مع اعترافه بتوقّف الصوم عليه وتصريحه بأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب. فإنّه بعدما أثبت وجوب غسل الجنابة لغيره أورد على نفسه النقض بالغسل للصوم، وقال: «وقد بقي سؤال (في أدلّتك عاطل، فإن حلّيته بجواهر البيان فالرجوع إلى الحقّ خيرٌ من التمادي في الباطل، وهو أنّه)(156) إذا كان غسل الجنابة لا يجب إلاّ عند دخول وقت الصلاة ـ على ما قرّرته ـ فما تقول إذا جامع الإنسان زوجته في ليل رمضان، وترك الاغتسال متعمّداً حتّى طلع الفجر، وقال: أنا لا أُريد أن أغتسل، لأنّ الاغتسال عندك قبل طلوع الفجر مندوب غير واجب، وأنا لا أُريد أن أفعل المندوب الذي هو الاغتسال في هذا الوقت الذي هو قبل طلوع الفجر بلا تأخير ولا فصل؟ !.

فإن قلت: يجب عليك(157) في هذا الوقت الاغتسال، سلمت المسألة بلا إشكال; لأنّه غير الوقت الذي عيّنته لوجوب الاغتسال.

وإن قلت: لا تغتسل، خالفت الإجماع، وفيه ما فيه من الشناع، وعندنا بأجمعنا أنّ الصيام لا يصحّ إلاّ لطاهر من الجنابة قبل طلوع الفجر، وأنّه شرط في صحّة صيامه بغير خلاف، فيجب حينئذ الاغتسال; لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به، وهذا مطّرد في الأدلّة والاعتلال».

ثمّ أجاب عن ذلك بوجهين، أحدهما:

«أنّ الأُمّة بين قائلَين: قائل بوجوب هذا الاغتسال في جميع الشهور والأوقات، وقائل بوجوبه فيما عيّنّاه وشرحناه. وليس ها هنا قائل ثالث يقول بأنّه ندب في طول أوقات السنة ما عدا الأوقات التي عيّنتموها، وواجب في ليالي شهر رمضان فانسلخ من الإجماع بحمد الله تعالى كما تراه، وحسبه بهذا عاراً وشناراً».

وثانيهما:

«أنّ قوله: كلّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، صحيح، إلاّ أنّ مسألتنا ليست من هذا الإلزام بسبيل ولا من هذا القول بقبيل، لأنّ الواجب الذي هو صيام شهر رمضان يتمّ من دون نيّة الوجوب للاغتسال، وهو أن أغتسل لرفع الحدث مندوباً قربةً إلى الله تعالى، فقد ارتفع حدثي وصحّ صومي بلا خلاف، فقد تمّ الواجب من دون نيّة الوجوب الذي ألزمتنى بأنّه لايتمّ الواجب إلاّ به، وأنت قلت لا يتمّ الواجب إلاّ به وقد أريتك أنّ الواجب يتمّ من دونه»(158).

هذا كلامه في السرائر والرسالة التي وضعها في أنّ غسل الجنابة واجب لغيره لا لنفسه (159).

والعجب منه أنّه ألزم المعترض بالخروج عن الإجماع والانسلاخ منه، وحمد الله تعالى على ذلك، وهو غير لازم له أصلا; فإنّه يلتزم الوجوب في جميع الأوقات كما هو أحد القولين ولا شناعة فيه، وإنّما الشناعة في القول بندب الغسل قبل الوقت مطلقاً، مع اعتقاد الصوم الواجب عليه والاعتراف بوجوب المقدّمة.

قال العلاّمة في المنتهى: «ومن أعجب العجائب إيجاب الغسل عليه والنيّة(160)، وأن لا ينوي نيّة الوجوب بل الندب، فللمغتسل أن يقول: إنّي لا أفعله(161) فإن سوّغ له الصوم من دون اغتسال، فهو خلاف الإجماع، وإلاّ لزمه القول بالوجوب، أو القول بعدم وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به، وإن كان واجباً فكيف ينوي الندب في فعل واجب، وعندك الفعل إنّما يقع على حسب القصود والدواعي، فانظر إلى هذا الرجل كيف يخبط في كلامه، ولا يحترز عن التناقض فيه»(162).

وقول ابن إدريس (رحمه الله) وإن كان أشدّ شناعة من غيره، إلاّ أنّ التناقض لازم للأقوال السابقة أيضاً، كما يظهر بالتدبّر فيها. وقد عرفت التحقيق في التخلّص من هذا المضيق، والله وليّ التوفيق.

]وجوب الغسل لصوم المستحاضة : [

وأمّا المستحاضة: فوجوب الغسل عليها للصوم وتوقّفه عليه في الجملة موضع نصّ(163) ووفاق، ولا فرق في ذلك بين حالتيها العليا والوسطى; لإطلاق الأصحاب القول بالاشتراط والوجوب إذا غمس دمها القطنة(164)، ونصِّ كثير منهم على إرادة العموم الشامل للحالتين بالاشتراط.

وفي جامع المقاصد(165)، وحواشي التحرير(166)، ومنهج السداد(167)، والطالبيّة(168)، والروض(169): الإجماع على اشتراط صومهابالغسل مع الغمس، سال الدم أو لم يسل، مع التصريح بالتعميم.

وقد يوجد في بعض العبارات ـ كعبارة الجامع(170)، والبيان(171)، والجعفريّة(172) ـ التقييد بالكثرة، وهو شاذّ أو محمول على ما يقابل القلّة، كما جاء في غيرها(173) مفسّراً بذلك، والنصّ مخصوص بالكثرة ذات الأغسال (174).

وفيما يتوقّف عليه الصوم من أغسالها أقوال، وظاهر الأكثر توقّفه على الجميع، حيث أطلقوا فساد الصوم بترك ما يجب عليها من الغسل(175)، فيبطل بالإخلال بالكلّ أو البعض، نهاريّاً كان أو ليليّاً.

وقطع جماعة، منهم العلاّمة في التذكرة(176)، والشهيد في الدروس(177) والبيان(178)، بتوقّفه على غسل(179) النهار وعدم اشتراطه بغسل الليلة المستقبلة، ولسبق انعقاده وامتناع تأخّر الشرط على المشروط.

وعزاه في المدارك إلى المشهور، قال: «وفي توقّفه على غسل الليلة الماضية احتمالات، ثالثها إن قدّمت غسل الفجر ليلا أجزأها عن غسل العشائين، وإلاّ بطل الصوم»(180).

وبه قطع الشهيد الثاني في الروض(181)، واحتمل العلاّمة في النهاية(182) توقّفه على غسل الفجر خاصّة; لسبق انعقاد صومها على غيرها، ومورد النصّ ترك المستحاضة لما يجب عليها من الغسل لكلّ صلاتين، ومقتضاه بطلان الصوم بترك الأغسال كلّها.

وقد يحتمله كلام الأكثر بحمله على عموم السلب، دون سلب العموم، وهو بعيد.

والظاهر التوقّف على الأغسال النهاريّة مطلقاً، أمّا غسل الفجر فلا يصحّ الصوم بدونه إجماعاً، سال الدم أو لم يسل، ويشترط فيه تقدّم وجود السبب على صلاة الفجر، فلو تأخّر عنها لم يجب قطعاً.

ولا فرق في المتقدّم(183) بين أن يكون قبل الفجر أو بعده. واحتمل ضعيفاً في الروض(184) الاختصاص بما تقدّم على الفجر; لسبق انعقاد الصوم لو تأخّر عنه.

وقال المحقّق الكركي في حواشي التحرير: «قد وقع في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد(رحمه الله) على نظير قول المصنّف ـ وصوم المستحاضة ـ من القواعد أنّ ذلك ليس على إطلاقه، بل هو مقيّد بقبليّة الفجر، أو حصول السيلان».

قال: «وظاهره أنّ الغسل إنّما يجب لصوم المستحاضة مع الغمس دون السيلان إذا كان قبل الفجر، أمّا بعده فلا، وهذا يكاد يكون مخالفاً للإجماع، فإنّي لا أعلم مخالفاً بين أصحابنا في أنّ المستحاضة يشترط في صحّة صومها فعل ما يلزمها من الأغسال النهاريّة، سواء الواحد وغيره، صرّح بذلك جلّة أصحابنا».

قال: «ويمكن أن يقال أنّه أراد بالفجر صلاة الفجر، أو أنّ لفظ الصلاة سقط سهواً من قلم الناسخ، أو أنّ أحد تلامذته تصرّف فيها كما تصرّف في غيرها، وحينئذ فيستقيم هذا القيد; لأنّ غمس القطنة لو كان بعد الصلاة لم يجب الغسل للصوم قطعاً، لأنّ الغسل غير واجب هنا أصلا ورأساً، بخلاف ما لو سال بعد الصلاة» (185).

فيكون قيداً حسناً.

وهل يشترط في صحّة الصوم تقديم الغسل على الفجر مع تقدّم سببه ـ كما يشترط في الحائض المنقطعة الدم ـ؟ قولان، أظهرهما العدم; وفاقاً لظاهر المعظم(186)، وصريح المدارك(187)، والذخيرة(188)، والحدائق(189)، وشرح المفاتيح(190); لأنّ الغسل المشترط في الصوم هو الغسل الذي يجب للصلاة ـ كما يستفاد من ظاهر النصّ(191) والفتوى ـ ولا يشترط فيه التقدّم على الوقت إجماعاً، فكذلك الغسل للصوم(192).

قال في الروض: «وإطلاقهم(193) الحكم بتوقّف الصوم على الأغسال المعهودة يشعر بعدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم; لأنّ المعتبر منه للصلاة ما كان بعد الفجر، فليكن الصوم كذلك; لِجَعلهم الإخلال به مبطلا للصوم. ولا يبعد ذلك وإن كان دم الاستحاضة حدثاً في الجملة; لمغايرته لغيره من الأحداث على بعض الوجوه. واحتمل وجوب التقديم(194) على الفجر; لأنّه حدث مانع من الصوم، فيجب تقديم غسله عليه، كالجنابة والحيض المنقطع»(195).

واستظهر ذلك صاحب المنهج(196)، وقطع به في الذكرى(197) ومعالم الدين(198)، وتوقّف
فيه العلاّمة في النهاية(199)، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد(200) وفوائد الشرائع(201)وحواشي التحرير(202) من كونه شرطاً في الصوم، فيتقدّم عليه كسائر الشروط، ومن أنّ اشتراطه في الصوم دائر مع الصلاة وجوداً وعدماً، وتوسّعاً وضيقاً، وليس كغيره من الشرائط، ولذا كان غسل الظهرين شرطاً ـ كما اعترفوا به(203) ـ مع امتناع تقديمه، ولا ريب أنّ هذا هو الأوجه.

وعلى القول بوجوب التقديم فهل يجب تأخيره إلى التضيّق اقتصاراً على ما يحصل به الغرض مع تقليل الحدث ورعاية اتّصال الغسل بالصلاة؟ وجهان، أوجههما الوجوب، وجَعَله في الروض(204) أحوط، واستظهر جواز الفصل من الذكرى وغيرها، حيث أطلقوا التقديم من غير تقييد، وجَعْله الشهيد(205) مع الصوم كغسل منقطعة الحيض(206).

وقد يؤيّد ذلك بلزوم العسر بإيجاب التقديم بهذا الوجه، وهو في الحقيقة من شواهد عدم وجوب التقديم.

ولو انقطع الدم قبل الفجر فهل يجب الغسل به للصوم؟

قال في الروض: الأجود ذلك، أخذاً بالعموم (207)، وهو بإطلاقه إنّما يصحّ إذا أوجبنا الغسل لانقطاع دم الاستحاضة للبرء، ولم يشترط في وجوبه وجود الدم في أوقات الصلاة، وإلاّ سقط اعتباره في الصوم; لسقوطه في الصلاة.

ولو انقطع ثمّ عاد قبل الصلاة انكشف وجوب الغسل به للصوم، وهو من شواهد عدم وجوب التقديم، كما قلناه.



و[ الموضع ] الثاني: قراءة العزائم، ودخول المساجد، على ما ذُكر من التفصيل.

ولا ريب في وجوب غسل الجنابة لهما إن وجبا; لتحريمهما على الجنب بالنصّ(208)والإجماع إلاّ ممّن شذّ، وغاية التحريم رفع الجنابة المتوقّف على الغسل قطعاً، فيجب من باب المقدّمة.

وكذلك غسل الحيض بناءً على أنّ غاية المنع في الحائض رفع الحدث كالجنب. وعزاه في المدارك(206) إلى المشهور، وحكى عن بعض متأخّري الأصحاب أنّه قوّى عدم وجوب الغسل، واكتفى في الجواز بانقطاع الدم; لعدم التسمية بعده عرفاً، بل ولغةً أيضاً، وإن قلنا أنّ المشتقّ لا يشترط في صدقه بقاء أصله، كما في مثل المؤمن والكافر، و%
عنوان بعدیعنوان قبلی




کلیه حقوق این اثر متعلق به پایگاه اطلاع رسانی دفتر حضرت آیت الله العظمی صانعی می باشد.
منبع: http://saanei.org